مطر ناعم في خريف بعيد
و العصافير زرقاء.. زرقاء
و الأرض عيد.
لا تقولي أنا غيمة في المطار
فأنا لا أريد
من بلادي التي سقطت من زجاج القطار
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد .
مطر ناعم في خريف غريب
و الشبابيك بيضاء.. بيضاء
و الشمس بيّارة في المغيب

يا شارع الأضواء! ما لون السماء
و علام يرقص هؤلاء؟
من أين أعبر، و صدور على الصدور
و الساق فوق الساق. ما جدوى بكائي
أي عاصفة يفتتها البكاء؟
فتيممي يا مقلتي حتى يصير الماء ماء
و تحجّري يا خطوتي!
هذا المساء..
قدر أسلمه سعير الكبرياء
من أي عام
أمشي بلا لون، فلا أصحو و لا أغفو

كمقهى صغير على شارع الغرباء -
هو الحبُّ ... يفتح أبوابه للجميع.
كمقهى يزيد وينقُصُ وَفْق المُناخ:
إذا هَطَلَ المطرُ ازداد رُوّادُهُ،
وإذا اعتدل الجو قلُّوا وملُّوا
أنا ههنا - يا غربيةُ - في الركن أجلس
ما لون عينيكِ؟ ما اسمكِ؟ كيف
أناديك حين تَمُرِّين بي، وأنا جالس
في انتظاركِ؟
مقهى صغيرٌ هو الحبُّ. أطلب كأسي
نبيذٍ وأشرب نخبي ونخبك. أحمل

..وحين أحدّق فيك
أرى مدنا ضائعة
أرى زمنا قرمزيا
أرى سبب الموت و الكبرياء
أرى لغة لم تسجل
و آلهة تترجل
أمام المفاجأة الرائعة.
..و تنتشرين أمامي
صفوفا من الكائنات التي لا تسمى
و ما وطني غير هذي العيون التي
تجهل الأرض جسما..

وشاح المغرب الوردي فوق ضفائر الحلوه
و حبة برتقال كانت الشمس.
تحاول كفها البيضاء أن تصطادها عنوة
و تصرخ بي، و كل صراخها همس:
أخي !يا سلمي العالي!
أريد الشمس بالقوة!
..و في الليل رماديّ، رأينا الكوكب الفضي
ينقط ضوءه العسلي فوق نوافذ البيت.
وقالت، و هي حين تقول، تدفعني إلى الصمت:
تعال غدا لنزرعه.. مكان الشوك في الأرض!
أبي من أجلها صلّى و صام..

ايها المارون بين الكلمات العابرة
احملوا أسمائكم وانصرفوا
وأسحبوا ساعاتكم من وقتنا ،و أنصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور،كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء
ايها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف - ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة اخرى- ومنا حجر

مدينتنا.. حوصرت في الظهيرة
مدينتنا اكتشفت وجهها في الحصار.
لقد كذب اللون،
لا شأن لي يا أسيره
بشمس تلمّع أوسمة الفاتحين
و أحذية الراقصين .
و لا شأن لي يا شوارع إلا
بأرقام موتاك .
فاحترقي كالظهيرة ..
كأنك طالعة من كتاب المراثي .
ثقوب من الضوء في وجهك الساحليّ

عفو زهر الدم يا لوركا و شمس في يديك
و صليب يرتدي نار قصيدة
أجمل الفرسان في الليل يحجون إليك
بشهيد و شهيدة
هكذا الشاعر زلزال و إعصار مياه
و رياح إن زأر
يهمس الشارع للشارع قد مرت خطاه
فتطاير يا حجر
هكذا الشاعر موسيقى و ترتيل صلاه
و نسيم إن همس
يأخذ الحسناء في لين إليه

تلك صورتها
وهذا العاشق
وأريدّ أن أتقمص الأشجار:
قد كذب المساء عليه. أشهد أنني غطيته بالصمت
قرب البحر
أشهد أنني ودعته بين الندى والانتحار.
وأريد أن أتقمص الأسوار:
قد كذب النخيل عليه. أشهد أنه وجد الرصاصة.
أنه أخفى الرصاصة.
أنه قطع المسافة بين مدخل جرحه والانفجار.
وأريد أن أتقمص الحرّاس:

وطني يا أيّها النسر الذي يغمد منقاره اللهب
في عيوني،
أين تاريخ العرب؟
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين و غضب.
و أنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرة
و جبيني منزلا للقبّرة.
وطني، إنّا ولدنا و كبرنا بجراحك
و أكلنا شجر البلّوط..
كي نشهد ميلاد صباحك
أيّها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سبب

لم تأتِ
قلت: ولن
إذن .. سأعيدُ ترتيبَ المساءِ
بما يليقُ بخيبتى وغيابها
أطفأتُ نارَ شموعِها
أشعلتُ نور الكهرباء
شربتُ كأسَ نبيذِها وكسرتُهُ
بدّلتُ موسيقى الكمنجاتِ السريعةِ بالأغانى الفارسية
قلت : لن تأتى
سأنضو ربطةَ العنقِ الأنيقةَ .. هكذا أرتاح أكثر
أرتدى بيجامةً زرقاءَ

لماذا نحاول هذا السفر
و قد جرّدتني من البحر عيناك
و اشتعل الرمل فينا ..
لماذا نحاول؟
و الكلمات التي لم نقلها
تشرّدنا..
و كل البلاد مرايا
و كل المرايا حجر
لماذا نحاول هذا السفر؟
هنا قتلوك
هنا قتلوني.

وطني جبينك، فاسمعيني
لا تتركيني
خلف السياج
كعشبة برية ،
كيمامة مهجورة
لا تتركيني
قمرا تعيسا
كوكبا متسولا بين الغصون
لا تتركيني
حرا بحزني
و احبسيني

خارج الطقس ،
أو داخل الغابة الواسعة
وطني.
هل تحسّ العصافير أنّي
لها
وطن ... أو سفر ؟
إنّني أنتظر ...
في خريف الغصون القصير
أو ربيع الجذور الطويل
زمني.
هل تحسّ الغزالة أنّي لها

أنا آت إلى ظل عينيك ..آت
من خيام الزمان البعيد، و من لمعان السلاسل
أنت كل النساء اللواتي
مات أزواجهن، و كل الثواكل
أنت
أنت العيون التي فرّ منها الصباح
حين صارت أغاني البلابل
ورقا يابسا في مهب الرياح!
أنا آت إلى ظلّ عينيك.. آت
من جلود تحاك السجاجيد منها.. و من حدقات
علقت فوق جيد الأميرة عقدا.

كان الخريف يمرّ في لحمي جنازة برتقال..
قمرا نحاسيا تفتته الحجارة و الرمال
و تساقط الأطفال في قلبي على مهج الرجال
كل الوجوم نصيب عيني ..كل شيء لا يقال..
و من الدم المسفوك أذرعة تناديني: تعال!
فلترفعي جيدا إلى شمس تحنّت بالدماء
لا تدفني موتاك!.. خليهم كأعمدة الضياء
خلي دمي المسفوك.. لافته الطغاة إلى المساء
خليه ندا للجبال الخضر في صدر الفضاء!
لا تسألي الشعراء أن يرثوا زغاليل الخميله
شرف الطفولة أنها