جلست إليه في المقهى وكان الوقت أصيلا..يدنو الليل من المدينة شيئا فشيئا.. و تزحف الظلمة لتلفّ العالمين بلباس شفاف يجد منه الحالمون نعيما.. أما من قست عليهم الحياة فالليل في المدينة هاويةٌ.. الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود... غادرت الشمس إلى مخدعها بعد عراك النهار و صار للأضواء شأن.. تنبجس من الظلمة وتلقي علينا ببريق خافت فتبدو الأجسام في مواقعها معتمة بطريقة يهتدي معها الكل إلى البغية.. يختار العشاق العتمة حتى يقضي من شاء مأربه ويروي من ظمئه.. ويبل ريقه بما يطفئ حريقه.. كنت ترى الفتاة كأنها القطة تظهر بعض مخافة ما دامت في العلن حتى إذا صارت إلى السكن سلك الطريق وسال الريق.. واحتبس الشهيق.. أما في دائرة الضوء فلا تكاد تجد سوى الرجال .. ليس لدى الرجال ما يدعو إلى الخوف أو ما يثير الريبة.. وليس في الأمر ما يمكن أن يُدبَّر بليل..بل ليس لأحد من الناس أن يدبِّر.. فقد ذهب المدبّرون جميعا وعمّ الوفاق.. واحتدم العناق..
كان جليسي أستاذي.. جلس وجلست ورحب ورحبت.. عرفته في الجامعة .. في القسم تحديدا.. لم يخف إعجابه بي.. يحتدم النقاش أحيانا بيني وبينه.. وليس لأحد من الطلبة أن يضيف إلى ما نقول شيئا..هو بعلمه وتجربته.. وباسمه.. وأنا بحماستي التي تحملني على افتراس الكتب افتراسا ما عاد لي الآن بعضه..