أنفاس" تتمثل نظرية المحاججة في دراسة التقنيات الاستدلالية التي تساعد على تدعيم موافقة العقول على الدعاوي التي يتم عرضها أو حثهم على ذلك"  شايم بارلمان
لم ينج ديكارت من الوقوع في المغالطة عندما اعتبر قاعدة البداهة هي معيار الحقيقة وعندما أكد أنه لا يمكننا أن نعتبر أمرا ما على أنه حقيقيا إلا إذا تمثلناه بشكل واضح ومتميز واستنتج أن مناقشة أمر ما من طرف شخصين أو أكثر هي علامة على خطأ ذلك الأمر، أليس هو القائل:" كلما كان شخصان يحملان عن الشيء ذاته حكما مناقضا كان أحدهما بالضرورة مخطئا. ويمكن أن نذهب إلى حد القول أنه لا أحد منهما على صواب لأنه لو كان أحدهما يمتلك تصورا واضحا ومتميزا لتمكن من توضيحه لخصمه وإرغامه بشكل ما على الاقتناع"؟ أليس مثل هذا القول هو المغالطة عينها؟ ما أدراه أن كل أمر يوضع موضع مناقشة ويختلف حوله الناس وبالضرورة يقع البعض منهم في الخطأ؟ لماذا تحدث عن الإرغام على الاقتناع؟ وكيف السبيل إلى تجاوز مثل هذه المغالطات والوصول إلى حد أدنى من الاقتناع؟ ماهي آليات الإقناع غير المرغم؟ لكن قبل ذلك ماهي مواطن المغالطة؟ وهل توجد فقط في اللغة الأخلاقية والخطاب العلمي والسياسي والكلام اليومي الحي والمباشر أم أن الأحاسيس والعواطف والخيال والذاكرة تلعب دورا بارزا في تراكمها وترسخها في النفوس؟ هل يكفي الوعي بالمغالطات للتحرر منها؟
المغالطة هي الاستدلال الأعوج الذي يحاول منتجه التستر على عوجه وإظهاره كأنه استدلال سليم من أجل إيقاع مخاطبه في الغلط وتضليله وتندرج المغالطة ضمن السفسطة وهي المعرفة المموهة التي لا تملك من الحكمة سوى مظهرها الخارجي ولم تصل إلى لبها وتفتقر إلى قواعد منهجية وتلجأ إلى الجدل والتشكيك وإحداث الريبة في مستوى الاعتقاد وخلخلة اليقينيات من أجل إحداث فراغات واستمالة مشاعر الأفراد وتكوين رأي عام من خلال خطاب عمومي يشرع للرغبة والمصلحة الأنانية وغالبا ما يستخدم السوفسطائيون الإثارة والقوة والتلاعب باللغة والتزويق والخطابة من أجل تهييج العواطف واستيلاء على القلوب والتلاعب بالعقول وذلك بتصريحهم أن الإنسان مقياس كل شيء وأن العلم هو الإحساس المدعم برأي وأن أمور القيم كالخير والحق والجمال والعدالة هي أمور ذاتية نسبية متوقفة على ظروف الشخص ومزاجه.

أنفاس"الحرية لا تعطى بل تفتك"
يرى البعض أن هناك تناقضا حادا بين وجود الإنسان وماهية الحرية ونداء بين وجود الحرية وماهية الإنسان ويفسر ذلك بأن الحرية تستوجب القيام بفعل دون إكراه وغياب الضغط بينما يواجه الإنسان في اندراجه في العالم العديد من التضييقات وتعتصره عدة الزامات وتظل الحرية بالنسبة إليه مطلبا عصيا ومثلا أعلى لا قبل له فردا أو جماعة، وكلما تقدم به الزمن ومضى في الحياة إلا وازداد تعلقه بهذا الوهم وازدادت رغبته في الدنو من هذه القيمة الجميلة ولكن كل ما يفعله هو الغربة عنها والمزيد من الابتعاد عن جوهرها.
إن نموذج الفرد الحقيقي هو الإنسان الحر والذات المستقلة والشخصية المختلفة والإنية المتفردة وكلها صفات إنسية نبيلة تدل على الدرجة الرفيعة التي ينبغي أن يتبوأها هذا الكائن الرسالي والموجود الوسائطي بين عالم البهموت الداني وعالم الملكوت السامي. إن الحرية هي قيمة القيم والرهان الأكبر لأن إتلاف الطريق المؤدي إليها هو الخسران الأكبر.
عما تسائلنا الحرية عندئذ؟ وهل يحتاج الإنسان لمعرفة حدها من أجل أن ينشدها؟
إنها عزم على الوجود بغير تحفظ وقدرة على التحديد الذاتي وتجاوز كل القيود والانتصار على السائد وليست مجرد حرية اختيار بين ممكنات شتى أو فعل المرء لما يحلو له. إن معوقات الحرية كثر وأهمها المجتمع والطبيعة والاقتصاد والسياسة والثقافة ونقيضها هي العبودية والاغتراب والحيوانية.
هناك طريقان لتحصيل قبس من الحرية: الأول هو الطريق السلبي ويتمثل في حسن التعامل مع نقيضها وهي العبودية والحتمية والضرورة وقد اشتهرت مقولتين في هذا السياق هما الحرية وعي الضرورة والمقولة هي أن الضرورة تظل عمياء ما لم يوجد من يفهمها، نستخلص من هاتين القولتين أن التحرر من أسر الضرورة ممكن شرط أن يفهم الإنسان القانون الذي يتحكم فيه ويطوعه لنفسه.

أنفاسيتميز الفكر الفلسفي الغربي بعدما طلق عوالم المطلق واليقين، واعتنق عالم النسبـي وعقيدة الشك بالحركية وعدم الثبات، لذلك شاعت بعض الألفاظ والمقولات التي تُعبر عن عدم الجدوى والعدمية؛ النهايات.. المابعديات.. الموت؛ فتجد مثلا : ( نـهاية الحداثة، نـهاية التاريخ، نـهاية البنيوية، نـهاية الأيديولوجيا)  و ( ما بعد الـحداثة، ما بعد البنيوية، ما بعد الأيديولوجيا ) و ( موت الإله، موت الإنسان، موت المؤلف).
  هذه الميزة إن عبرت عن شيء فإنما تُعبر عن مدى حيوية الفكر الغربي وحركيته، ولم يتأت ذلك إلا بعد فتح باب الحرية للعقل ليفكر فيما هو موجود، ويطرح البديل غير الموجود، المرحلة هذه – مرحلة العقل - بشرت بعهد جديد يرجع فيه الإنسان إلى ذاته ويعرف حقيقته بعد أن أنكرها مدة طويلة في ميادين الاعتقاد والفكر الميتافيزيقي، أي أن الإنسان أصبح هو مركز الوجود أو الكون، هذا من جهة.
 ومن جهة أخرى، فإن هذه الحيوية والحركية تَدُلان على أن العقل يعيش " حالة أزمة " بعدما طوح بالمرجعية المطلقة، وانفرد وحده يبحث عن الأفكار الكفيلة بتحقيق الرفاهية والسعادة للإنسان، وإظهاره العجز عن إيجاد البديل الأفضل لهذا الأخير – أي الإنسان- مما أدى إلى ظهور العديد من الأطروحات التي تُحمل العقل المسؤولية وتعتبره سجناً " العقل سجن " كما قال عنه الفيلسوف الفرنسي " ميشال فوكو"، وتُغيب الكائن الإنساني وتَنفي ذاته، وبعبارة أخرى " موت الإنسان وأفوله "، وليس المقصود بموت الإنسان هنا المعنى الطبيعي للإنسان، وإنما المعنى الفلسفي الديكارتي للإنسان الذي صرخ في أوروبا يوماً وقال : لا للإقطاع .. لا لرجالات الكنيسة، وأعلن مقولته المشهورة " أنا أفكر إذن أنا موجود "
  نـحاول في هذا المقال دراسة جانب مهم من جوانب عالم ما بعد الحداثة وهو " موت الإنسان " الذي طرحه الفكر الفلسفي الغربي المعاصر ونطرح التساؤل الأتي: " هل أصبح سُؤال الفلسفة عن موت الإنسان مأزقاً للحضارة؟"، ( لأن الفلسفة كما هو معروف بعدما أزاحت التفكير في عالم ما وراء الطبيعة جانباً لم يعد دورها ينحصر في فهم العالم  وتأويله فحسب، بل تعدى ذلك إلى تغييـره، وهذا منذ أن أطلق "ماركس" أطروحته القائلة "بأن الفلاسفة قد أولوا العالم حتى الآن بينما الـمطلوب تغييـره " حسب هذا المنظور يقول "بول ريكور" " إن زمن التأويل قد انتهى وجاء زمن الفعل " وبذلك أصبح المنتوج الـحضاري فيه علامة فلسفية ).

أنفاس"معظم الناس هم أناس آخرون" أوسكار وايلد[1]
مقدمة:
تهتم الفلسفة منذ نشأتها بالكلي، فهي عند أرسطو "علم بالكلي" وعند كانط علم الغايات الجوهرية للعقل البشري، ويمثل الكل عند هيجل الحق وتصر الحداثة على الكوني كمطلب أنثربولوجي حقيقي وتطرح سؤال ما الإنسان؟ باحثة عن منظومة حقوق كونية  ينبغي أن يساهم القانون الدولي في حمايتها وفرضها على الأنظمة السياسية كمبادئ ثابتة لا يجب انتهاكها أو التفريط فيها احتراما للقاعدة الكانطية التي تقول: "عامل الإنسانية في شخصك وفي أي شخص آخر لا كوسيلة بل كغاية".
لكن الفلسفة المعاصرة باهتمامها بماهو كوني قد أهملت أشياء كثيرة من بينها أن ماهو موجود هو الجزئي وأن الكلى ليس سوى مجرد مقولة لغوية ومعطى اسمي أو تصور نظري ومجرد مفهوم وتتناسى أن النزعة العالمية وقع تحنيطها من طرف عقيدة العولمة بماهي انتصار لنزعة ثقافية خاصة وقع فرضها على بقية الأمم عن طريق الدعاية والإكراه. زد على ذلك أن الحرص من طرف الفلسفة الحديثة على البحث عن ماهية الإنسان قد أدي إلى التقصير في فهم الشأن الإنساني وإسقاط التنوع والتعدد الملازمان الحالة البشرية من الحسبان وهو ما أدى الصوم عن طرح سؤال من هو الإنساني؟ وهو ما أدى أيضا إلى احتجاج البعض من الجماعاتيين على ورثاء النزعة الكونية الكانطية باستغرابهم:  أليس اختزال الإنساني فيماهو كوني استخفافا بكل هوية؟
 اذا سافرنا بهذا السؤال من مسرح سلبية الاستغراب إلى مسرح قساوة الإشكال نحصل على الإحراج التالي: هل يسبب حرص الإنسان على انجاز مطلب الكوني أزمة في الهوية أم حلا لها؟  ويمكن أن نقسم هذه الإشكالية إلى مجموعة من الأسئلة الفرعية: ما الفرق بين الإنسان والإنساني والإنسانية؟ وماهو مطلوبنا اليوم؟ هل نشارك في صناعة الكونية أم نعمل على المحافظة على الهوية؟ ماذا نفعل ان حصل تصادم بين المطلبين؟ هل نضحي بالكونية من أجل الهوية أم بالهوية من أجل الكونية ؟ ما السبيل إلى كونية لا تستخف بالهوية والى إنسانية لا تختزل في الكونية؟
  ما نراهن عليه هو النظر إلى مسألة الهوية خارج الأفق الذي تتحرك فيه الملة وتجاوز منطق العرق والثقافة والدين واللغة والوطن والعمل على بناء هوية كوكبية.

أنفاستثار جملة من القضايا الحيوية التي خاضها الفكر العربي منذ الارهاصات النهضوية الاولى والتي اصطلح على تسميتها (( بالنهضة العربية )) .. لتطرح المزيد من الاشكاليات التي تتلاقى عند فكرة الحداثة التي صارت تخترق كل المجالات الفكرية وألاجتماعية والسياسية وتشكل هاجساً يؤرق رجالات السياسة والفكر على حد سواء .. ومع ذلك تعد ضبابية محددات ومكونات فكرة الحداثة .. وغموض مضامينها من أهم سمات الفكر العربي .. الذي يطرح اليوم بشدة قضية الحداثة والتحديث دون المام واضح بعناصر مشروع العصرنة في مكونيه الرئيسيين : (( الحداثة والديمقراطية ، فالحداثة اختيار فكري ستراتيجي عام ، والديمقراطية هي تجسيده السياسي )) ..
    يمكن القول ان الالمامات الاولى للوعي العربي باشعاعات النهضة الاوربية كانت كمفارقة تاريخية كبرى ، ذلك ان الانغلاق الحداثي / الحضاري لفكرنا أخلّ بالتوازن الحداثي الكوني ، الامر الذي افضى الى الصدمة الاستعمارية الاولى .. إذ ارتبط ذلك بالغزوة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت لمصر سنة 1798م ثم توالت الموجات الاستعمارية الغربية لتأتي على البلاد العربية والاسلامية برمتها .. وكان من الطبيعي ان يتأثر العقل والوجدان العربي بالمبادئ والقيم الجديدة التي حملتها تلك الغزوات سيما وان البلاد العربية كانت تعاني من فاقة مدقعة لمثل هذه القيم .. بيد ان تلك القيم التنويرية ارتبطت وربطت بظاهرة الاخضاع الاستعماري ، والتي كانت نتيجة طبيعية للقاء غير متكافئ ، اذا ما فهمناه في اطاره التاريخي الذي يعبر عن (( نزعة التوسع عند البرجوازية الغربية وعدم اكتفاءها بحدودها الطبيعية وهذه النزعة لايمكن ان تقدم الاّ على الاخضاع والاستغلال )) .

أنفاسإن هذه الفلسفة؛ "أي العقل العلمي الجديد - الجديد"،تتحدث عن العلوم، ولكنها لا تسكت عن العالمالذي تعبر عنه العلوم أو تؤسسه،وعن الأشياء وعن عالم الناس.(م . سير)
تقديم
يعتبر ميشيل سير (Michel Serres) (1930) أحد أبرز فلاسفة العلم في العصر الحاضر، بل أكثرهم شهرة في العالم الأنجلوساكسوني؛ لأنه يدرس بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة.  ويندرج فكر ميشيل سير الإبستمولوجي ضمن التيار الباشلاري (غاستون باشلار)، إذ قام هو كذلك بتجديد الإبستمولوجيا وخرق الحدود بين النشاط العلمي والإبداع الفني.2  فقد كتب عن علاقة الفلسفة بالعلم وعن الإبستمولوجيا وفلسفة العلوم؛ كما كتب عن إيميل زولا، وجيل فيرن، بمنهج إبستمولوجي أدبي.تمثل إبستمولوجيا مشيل سير تجاوزاً لنظيرتها الباشلارية من حيث المفهوم، الذي يعتبر محوراً لفلسفته، ونقصد العقل العلمي الجديد- الجديد،3 الذي يشكل نقيضاً للعقل العلمي الجديد.4  ويتمركز العقل العلمي لميشيل سير حول فكرة اتصالية المعرفة العلمية، كما تصورها عالم الرياضيات لايبنتز،5 أي التي تخرق كل تصنيف أو تراتبية داخل الموسوعة العلمية؛ وذلك في مقابل تصور المعرفة كتراكم بين قطاعات مستقلة، حيث كل علم له موضوعه ومنهجه الخاص، وبالتالي نتائجه الخاصة؛ وحيث العلم الملكي هو الذي يتحكم في تراتبية هذه العلوم وتصنيفها.

أنفاس"حروب خط الصدع تدخل عمليات التوسع والحدة والاحتواء والانقطاع ونادرا ما تدخل عملية الحل"
يلاحظ هنتغنتون في كتابه المثير للجدل "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العلمي الجديد" والذي غادر العالم منذ مدة بعد أن ملأ الدنيا وأقعدها بفكرته عن واقعية النزاع بين الشرق والغرب بأن تشكل حضارة كونية واحدة كان على الرغم من استمرار وجود ثقافات متنوعة وخصوصيات متباينة ويبرهن على ذلك بأن انبثاق حضارة عالمية يعني الالتقاء الثقافي للبشرية والقبول المتزايد للقيم والاتجاهات والممارسات والمؤسسات المشتركة للشعوب في جميع العالم.
يقدم هنتغنتون مجموعة من الحجج على وجود حضارة كونية مشتركة وهي:
-تقاسم البشر لحس أخلاقي متشابه
-اشتراك المجتمعات المتحضرة في قيم ومؤسسات التمدن والتعليم والعناية الصحية وحالة الرفاه والازدهار المادي والتوسع الهائل في المعرفة العلمية والهندسية.
- تمسك العديد من الشعوب بثقافة معينة تتكون من مجموعة من الافتراضات والقيم والمذاهب.
-انتشار نماذج الاستهلاك والبدع والاختراع هي التي تؤدي إلى خلق حضارة عالمية.
-ظهور وسائل الاتصال العالمية يولد التقاء هاما في الاتجاهات والمعتقدات المختلفة.
-وجود اتجاهات نحو انبثاق لغة عالمية وديانة عالمية إذا كانت هناك حضارة آخذة في الانبثاق  لأن العناصر الرئيسية لأي حضارة هي اللغة والدين.
-انبثاق حضارة عالمية هو نتيجة العمليات الواسعة للتحديث والتصنيع والمدنية وتزايد معدلات القراءة والكتابة والتعليم والثروة والتعبئة الاجتماعية وبنيات وظيفية معقدة ومتنوعة.

أنفاس" كل ما يريده محب الحكمة هو أن يكون الحكم للعقل وحده ولذلك فهو لا يقبل أن يكون محكوما من طرف الآخرين ولا يسعى إلى التحكم فيهم "     لابرويار  La Bruyère-
أطل علينا يوم الخميس من الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر والذي جعلته منظمة اليونسكو اليوم العالمي  للفلسفة كعادته وعوائده لا تنقيحات ودون جديد بخصوص منزلة الفلسفة عند العرب وموقفهم منها ودون أن تتخذ بعض الدول والأنظمة السياسية التقليدية قرارا جريئا بالشروع في تدريسها وتداول كتبها والتشجيع على تحصيل علومها وأفانينها ودون أن تقوم الدول الأخرى التي دأبت على إدراجها ضمن البرامج التعليمية بخطوة إلى أمام قصد تعزيز مكانتها والزيادة من حصصها والرفع من ضواربها  بالمقارنة مع المواد الأخرى وخاصة عند الشعب العلمية وتجويد كتبها وتنقيح محاور اهتمامها وانتقاء الإطار الأكثر جدارة لتعليمها وتدريب المتربصين والتائقين إلى النهل من خزائنها.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يستمر البعض  من العرب والمسلمين في القرن الواحد والعشرين تبخيس شأن الفلسفة والتقليل من دورها في تحقيق التقدم للمجتمعات والانعتاق للأفراد؟
ما يمكن أن نعترف به هو وجود عدة محاولات مبذولة من أجل تبيئة الفكر الفلسفي في التربة التابعة لحضارة اقرأ منذ نشأة التيار العقلاني الاعتزالي ومذهب أهل الرأي في الفقه ومنذ انبعاث العلوم الطبيعية واللغوية والصورية العربية وقد بلغت هذه المحاولات أوجها لحظة تشكل رؤية جديدة للكون وقطاع مخصوص من العلم لم يعرف أهل لغة الضاد أسموه فلسفة ترجمة للمصطلح الإغريقي أتاهم مع جملة المعارف والصناعات التي نقلوها عن السريالية والفارسية وساعدهم في ذلك المختصون من اليهود والمجوس والنصارى وأضافوا إليها ما أضافوا نتيجة تأملهم للكليات المبتكرة التي تضمنها النص القرآني.

أنفاستقــديم:
يتميز درس الفلسفة من جملة ما يتميز به، بكونه يضع نفسه دائنا على دوام البداية، و هو وضع يجعل منه درسا متجددا باستمرار، تتملكه حركة دؤوبة تقوده ـ على حد قول ميرلوبونتي ـ من الجهل إلى المعرفة، و من المعرفة إلى الجهل.
درس الفلسفة درس يكشف عن اشتغال العقل في معالجته للإشكالات الفلسفية الكبرى،    و في مواجهته للقضايا الشائكة التي تطرح على الإنسان في علاقته بالعالم،و الآخرين و الذات. يقودنا فعل الفلسفة إلى صلب هذه القضايا و جوهرها، واضعاً إيانا أمام الإجابات التي قدمها الفلاسفة عبر التاريخ، و على اختلاف الحقب و الثقافات. من هنا تكون العودة لنصوص الفلاسفة و كتاباتهم مناسبة بامتياز لولوج عالم الفلسفة. هذا العالم الذي اكتشفه الإغريق، و حلت به شعوب و حضارات تاركة إرثها الحضاري، علامات على انخراطها في هذا الموروث، و كأن لسان حالها يقول: « لقد مررنا من هنا ».
لا يتعلق الأمر هنا بالتفكير في قضايا سبق التفكير فيها، بل هو أبسط من ذلك، و قد يكون أعقد، بحيث طُـلب من فلاسفة الحلول محل التلاميذ،  بالإجابة ضمن شروط تربوية شبيهة بتلك التي تجرى فيها الامتحانات، عن أسئلة فلسفية هي في الأصل موضوعات سبق للتلاميذ مواجهتها  في امتحانات الباكالوريا. نحن إذن أمام كتابة فلسفية على نحو آخر، كتابة تقوم على مساءلة السؤال في حد ذاته، و على تفكيك عناصره، لا من أجل تقديم الإجابة الجاهزة، بل بغية تبيان حركية الفكر و كيفية اشتغاله، إنها كتابة تستمد خصوصيتها بحكم انتمائها لفضاءين متميزين، فضاء المؤسسة بحكم خصوصيته، و فضاء الفكر الفلسفي في تميزه و شساعته.
أنجز هذا العمل، مجموعة من المفكرين و الفلاسفة، من بينهم:
بيير هادو Pierre Hadot فيلسوف، أستاذ بكوليج دو فرانس، متخصص في الفلسفة اليونانية و الرومانية. يدافع عن الفلسفة بوصفها فن العيش، و نمط في الحياة. اهتم بالتجارب الروحية في الفلسفة اليونانية، من مؤلفاته مدخل لدراسة فكر مارك أوريل ( 1992 )، ما الفلسفة اليونانية؟ التجارب الروحية و الفلسفة اليونانية ( 1987 ).

أنفاستمهيد:
قد يبدو الأمر مثيرا للحيرة، حين نحاول البحث عن فكرة "حقوق الإنسان" انطلاقا من التاريخ الفلسفي، خاصة و نحن نعيش في عصر يشهد توظيفا متناميا لحقوق الإنسان، بعد أن تبلورت في المواثيق و معاهدات مؤسسة ترعاها المنضمات الدولية.
فإذا كانت "حقوق الإنسان" تشهد كل هذا الرواج، فما الذي سيضيفه العودة إلى جذور هذه الفكرة؟ أم أن في الواقع ما يدعو إلى الاهتمام بها أكثر، خاصة و أن حقوق الإنسان على الصعيد الواقعي تشهد تشويها و توظيفا إيديولوجيا، مما يجعل من هذه المنظومة مجرد شعار أو ظلت في مستوى "النوايا الحسنة" على حد عبارة كانط.
فهل يمكن القول أن الانتهاك الكبير الذي تتعرض له حقوق الإنسان يعود إلى كونها فكرة لم تتأصل بالشكل الكافي و هو ما يعرضها للتجاوز و التحريف؟ و أنها لازالت تحتاج إلى تجذير أو "تأسيس" خاصة و أن التأسيس يعني " الأساس و العماد الذي يقوم عليه البناء بمعنى الركائز و الدعائم"، و التأسيس هو التشييد و البناء ذاته.
بمعنى آخر التأسيس هو البناء النظري و يقابله على الصعيد التجريبي الالتزام؟
 و لكن على ماذا تتأسس حقوق الإنسان؟ هل على الحق الطبيعي أم على القانون الأخلاقي؟
سواء كانت حقوق الإنسان تتأسس على الحقوق الطبيعية للإنسان أو القانون الأخلاقي، فإن ما يمكن التأكيد عليه أن "حقوق الإنسان" حق من حقوقه ، فهي جوهرية جوهرية الذات لأن الإنسان ليس سوى حقوقه. فإذا لم تكن  حقوق الإنسان مجرد ملحق أو فكرة تضاف للإنسان، فإنها ليست ابداع للعصر الراهن، و إنها فكرة الإنسان ذاتها تستبطن فكرة الحقوق. إن هذا يعطي لنا مشروعية البحث في أصل و أساس حقوق الإنسان، حتى نتمكن من الدفاع عنها  كجوهر أصلي. و هو ما يبرر العودة إلى فكر الأنوار حيث عرفت هذه الفكرة مخاضا فلسفيا مع فلاسفة العقد الاجتماعي و فيلسوف الأنوار كانط، حيث بدأت تتأسس فكرة حقوق الإنسان انطلاقا من سؤال "ما الإنسان؟" و هو ما يعني أن التفكير في "حقوق الإنسان" كان بالانطلاق من البحث عن تعريف للإنسان. فأي حقوق؟ لأي إنسان؟
إن البحث في حقوق الإنسان لا يكون إلا بتحديد ما هو الإنسان؟ لذلك سنبدأ بالإجابة عن هذا السؤال؟

أنفاس السؤال عن الحقيقة هو السؤال الحقيقي في الفلسفة ولذلك يطرح بشكل حقيقي إذا ما ربطناه بالسؤال عن الزمن وقلبناه على جميع وجوهه وشرعنا في البحث عن نقيضه أي السؤال عن الخطأ وإذا ما عرضناه وشرحناه على مشرحة التاريخ والزمن ولكن تشريح السؤال عن الحقيقة على محك الزمن هو الذي يوقعه في أزمة ويحوله إلى مفارقة ليس لنا منها مخرج، فكيف سيعمل دولوز على إيجاد حل لمفارقة الحقيقة عندما يستنجد بمفاهيم لايبنتز عن الممكن واللامتجانس واللاتمايزية ويرجها بواسطة المطرقة النتشوية؟
"إذا ما اعتبرنا التاريخ الفكري فإننا نلاحظ أن الزمن كان دائما وأبدا مصدر أزمة تصور الحقيقة.. وما يوقع الحقيقة في أزمة ليست الحقيقة التي تتنوع عبر العصور  وليس المضمون التجريبي البسيط بل الشكل أو بالأحرى القوة المحضة للزمن .
تتفجر هذه الأزمة منذ القديم في مفارقة أشكال المستقبل الحدثي. إذ لو كان صحيحا أن معركة بحرية يمكن أن تحدث غدا فكيف نتجنب أحد النتيجتين الآتيتين: إما أن ينبثق المستحيل من الممكن( لأن المعرفة لو حدثت فانه لا يمكن أن تحدث) وإما ألا يكون الماضي ضروريا ( لأن المعركة يمكن ألا تحدث).
 انه من اليسير أن نعالج هذه المفارقة معالجة جدلية: إذا لم نبين على الأقل صعوبة التفكير في العلاقة المباشرة بين الحقيقة وشكل الزمن فإننا نكون محل اتهام لكوننا أسكنا الحق بعيدا عن الموجود أي في الأبد أو ما يحاكي الأبد. ينبغي أن ننتظر لايبنتز حتى تجد هذه المفارقة الحل الأكثر براعة ولكنه أيضا الأكثر غرابة والتفافا.
 لقد ذكر لايبنتز أن المعركة البحرية يمكن أن تحدث أو لا يمكن حدوثها ، غير أن هذا لا يحدث في عالم واحد، أي يمكن حدوثها في عالم ولا يمكن حدوثها في عالم آخر، وهذان العالمان هما ممكنان ولكنهما لامتجانسان مع بعضهما البعض. ينبغي أن نختلق التصور الرائع عن اللامتجانس (المختلف عن المتناقض) لكي نحل المفارقة التي تنقذ الحقيقة.