أنفاسسنعتمد  في هذه المقالة على صورة أو رمزية النموذج كسلطة مرجعية تحكمت في منطق التفكير العربي إن بشكل واع أو غير واع، منذ بداية ما يسمى بفكر " النهضة العربية " أي مرحلة بداية تشكل وتبلور العناصر الأولى لإشكاليات الفكر العربي المعاصر بدايـــة و أواسط القرن 19، إلى المرحلة التي نعيشها والتي تطرح ضرورة إعادة صياغة أسئلة جديدة مرتبطة بالتحولات العميقة والمتسارعة التي يعرفها العالم اليوم.
لكن أين تتجلى لنا صورة النموذج، وهل هناك سلطة مرجعية واحدة أم سلط/ مرجعيات يستند إليها الفكر العربي المعاصر؟
يمكن أن نقف عند ثلاث مرجعيات أساسية ساهمت منطلقاتها النظرية والفكريـة أو أحداثها السياسية والاجتماعية إما في صورة ثورات أو أشخاص أثروا بشكل مباشر أو غير مباشر في صياغة إشكاليات الفكر العربي المعاصر أو فرز تيارات فكرية وسياسية كانت ولا تزال تؤثر في المشهد السياسي والفكري العربي :
التراث.
الفكر الغربي ( الليرالي ).
الأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة العربية.
بالنسبة للمرجعية الأولى ( التراث): نقصد به كل ما أنتجته البشرية من ثقافات بشكل عام وكل ما أنتجته الثقافة العربية الإسلامية بشكل خاص، كما يقول الجابري : " التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي، سواء ماضينا أو ماضي غيرنا. سواء القريب منه أو البعيد".1
مرجعية الفكر الغربي : ونقصد بها الفكر اللبرالي الذي أنتجته فلسفة الأنوار في القرن 18. مع روسو و فولتير ومونتسكيو ولوك وغيرهم.
أما فيما يخص المرجعية الثالثة فتتعلق بالأحداث السياسية والتحولات السوسيو إقتصادية التي كانت لها تأثيرات كبيرة في توجيه الفكر العربي وفي إنتاج وصياغة إشكاليات ومفاهيم مرتبطة بعصرها. وسنقسم هذه المرجعية إلى أربعة مراحل :

أنفاسنــأتي إلى الدنيا وننطلق في دروبها وطرقها الشائكة، لكن هل نحس بقيمة وجودنا؟ هل ندرك الهدف من حضورنا إلى هذا العالم؟ هل نسلك الطريق الصحيح؟ أم نمشي في الطريق الخاطئ دون أن ندرك ذلك؟ كم منا وقف متأملا أمام نفسه؟ وكم منا قيم أعماله؟ وكم منا أدرك مكنون شخصيته؟ وهل نفهم حقيقة ذواتنا؟ وهل هي نتاج تراكمات صهرتها عوامل عدة، أم تلعب المآسي والمحن دورا في غربلة شخوصنا وتغيير اتجاهاتنا في الحياة ؟
إن أفكارنا وعواطفنا وخطواتنا تتشاغل بشكل دائم بأشياء أخرى من حولنا كالأسرة والرزق والوظيفة وعلاقاتنا بالآخرين، وتطغى على تفكيرنا عقلية المال والمصلحة الدنيوية والانغماس في مستنقع الملذات، ونستنفذ طاقاتنا في الركض وراء شظف العيش، وتضيع سنواتنا وأيامنا في خضم الأحداث والظروف وقسوة الحياة بأشياء مفيدة وضارة، وتتحكم فينا الغفلة، ونسهو عما هو مهم، وتقودنا ضغوط الحياة إلى مسارات متباينة، ونضع محاسبة الذات في سلة الإهمال، وتتحول " الشهوة " إلى حالة إدمان حينما نجد فيها حلاوة ولذة حتى ولو كانت تلك اللذة ممزوجة بالألم، وسط كل هذا تتناسى نفوسنا وعقولنا " المكتوب" أو " القدر" القادم في الطريق إلا من أدرك حقيقة الدنيا وإنها سلسلة من الامتحانات والأحداث الصعبة.
فجأة تحدث الفاجعة أو الصاعقة أو المأساة أو المحنة سميها ما شئت، ويهز الزلزال كل أرجاء كياننا ونكون إما نحن السبب أو يكون الآخرون شركاء في حدوث المأساة أو يلعب القدر دوره، وربما تخرج المأساة من مساحاتنا الشخصية لتكون مأساة جماعية يشاركنا الآخرون في التمرغ بأوجاعها – الحرب مثلا - ، فما الذي تفعله في ذواتنا؟ وما الذي تحفره في جدران قلوبنا؟ وما هو طعم الغصة وحجم مرارتها في النفوس؟ وكيف تمر تلك اللحظات؟ وما هو الهول الذي تحمله؟ وكيف نعيش تلك الدقائق الرهيبة؟
تمر تلك الدقائق كأنها ساعات، وتعيش أجسادنا ونفوسنا وعقولنا حالة اتحاد في مواجهة تلك اللحظات العصيبة، وتتدفق عواطفنا في كل الاتجاهات، وتتهيج مشاعرنا، وتمتلئ قلوبنا بالحزن، وتعتصر نفوسنا بالألم، وتعج نظراتنا بالمعاناة، ويبرز الهلع في أقصى درجاته، ونشعر بانكسار الذات، ونفقد توازننا، وتموت الكلمات على شفاهنا وتعجز ألسنتنا عن النطق بالحروف...

أنفاسليس سهلا الغوص في أعماق المعتقدات، والوصول إلى رؤية واضحة عن آثار المعتقد على الشخصية الإنسانية، وتفسير خفايا العلاقة الحميمة بين الروح والمعتقد، لكن الأكيد أن تاريخ المعتقد بدأ منذ اللحظة الأولى لوجود البشرية على وجه الأرض؛ ليدل بذلك على مدى الترابط بينه وبين الإنسان، وانه كان ولا يزال الهدف الرئيس من خلق الكائن الحي.
أما اللبنة الأولى في بنيان المعتقد فهو التفكير، وكما عرفه العلماء فإن المعتقد جملة أفكار نشأت عند الفرد أثر ظروف خاصة، ساهمت تفاعلات البيئة والمجتمع والتربية والدين والتعليم في صناعتها، من ثم اتجهت بمرور الزمن إلى مسار اليقين والجزم لتتحول إلى حقيقة لا تقبل الجدال، وإيمان يفرض على الإنسان ضرورة الدفاع عنها بشراسة بل معاداة من يخالفها، عندئذ تتحول الأفكار إلى قيم ومشاعر متأصلة في داخل النفس يعد المساس بها انتهاك لحرمة من يسلم بها.
وأفكار المعتقد تصبح حالة جماعية حينما يلعب الفرد دورا كبيرا في التأثير على الجماعة، تتشكل بعد ذلك في صور: طقوس، وتعاليم، وواجبات، ومبادئ، كما إنها تفرز مجموعة من التقاليد والأعراف والعادات ذات الطبيعة الشعبية أو الدينية أو القومية التي يتم ترسيخها في قلوب وعقول أفراد الجماعة بشتى المصادر من معلومات ومشاهد ومواقف وأقوال ومرجعيات، يقابل ذلك نشوء عاطفة قوية بين الفرد ومحتوى المعتقد حينما يجد فيه ما يدغدغ مشاعره الإنسانية، ويغذي حاجاته النفسية، ويزرع مشاعر الأمان والطمأنينة، ويعزز ارتباطه بالمطلق (الخالق) على اختلاف أسماؤه، لتظهر بعد ذلك علاقة بين هذا المعتقد والنفس البشرية تتمركز في أعماق الإنسان، فيتكاثر الأتباع والمريدون مما يولد لديهم الرغبة في تقوية مبدأ الولاء والطاعة، وتعزيز مفهوم ايجابية ونفعية تلك المثل والمبادئ، وتأصيل أفضلية تلك المبادئ دون غيرها.
هذا يقود بدوره إلى استحالة تغيير المعتقد؛ أي الثبات عليه، فمن يؤمن بالمعتقد إيمان مطلق لا ينظر لأي دليل ينافيه؛ حتى وان كان محسوسا وله علاقة بالعقل أو العلم أو بمفاهيم المنطق إنما يقابل الأدلة بالتجاهل أو الحذف أو النظر إليها نظرة دونية.

أنفاسحظي الإشهار باهتمام كبير من الباحثين و ذلك في إطار علم اجتماع الاتصال لما يتميز به هذا من مركزية في النشاط الاقتصادي الحديث, فنجاح المنتج و وصوله إلى جمهور المستهلكين يمر حتمًا عبر قناة الإشهار.
و من المواضيع التي حظيت بالمشروعية العلمية السوسيولوجية نجد الدعاية بنوعيها السياسي (la propagande) و الاقتصادي الإشهار la publicité)  ) و ذلك لتنوع الأساليب و الإستراتجيات المُستخدمة لاستمالة الجماهير و جعلها تتبنى إيديولوجية سياسية معينة أو نمط استهلاك بعينه, فالإشهار هو السلاح الناجع و الفعال للنظام الرأسمالي القائم على امتداد الأسواق و انفتاحها ما يُتيح للشركات المتعددة الجنسيات الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستهلكين بأقل وقت .
و لتحقيق هذا الهدف لا بد من منهجية فعالة تضمن إبلاغ الرسالة المُضمنة في الومضة الإشهارية وجعلها راسخة في الأذهان بحيث يُصبح شراء المستهلك للسلع يُلبي حاجة نفسية أكثر منه احتياج استهلاكي. و من هنا يتبين لنا الوظيفة الأولى التي يلعبها الإشهار و هي خلق الاحتياج لهذا المنتج أو غيره, و لقد لاحظ "كارل ماركس"في دراسته لنمو و تطور الرأسمالية أن السلع لا تُوجد إلا بالاستهلاك الذي يُساهم بدوره في خلق الحاجة للمُنتج مما يُساهم في دوران عجلة الإنتاج, فاقتصاد السوق لا ينتعش إلا بوجود سوق استهلاكية كبيرة. لذلك يُصبح دور الإشهار هاما و ضروريا, و ما يُهمنا هنا هو كيفية اشتغال الإشهار و أهم الاستراتيجيات التي يعتمد عليها ولعل التساؤل الأبرز هو :هل أن الإشهار علم أم فن؟ يُجيب عالم الاجتماع الفرنسي Edgar Morin على السؤال في كتابه المُعنون « Sociologie » بالقول "  الإشهار هو نظام أفعال يُريد أن يتأسس على علم. لكن فلنُحدد بأنه لا وُجود لعلم إشهار بل فن و استراتيجيا تسعى لاستخدام معطيات علمية."(1)و هذه المعطيات العلمية التي يتحدث عنها Morin ستوفرها مخابر البحث في علم النفس خاصة و كذلك السيميولوجيا و علم الاجتماع كل هذا من أجل غاية وحيدة و هي الوصول إلى المُستهلكين و إجبارهم على الشراء.

أنفاسمع مجيء كل صيف يحل المهاجرون يبن ظهرانينا مثقلين بمكبوت سيكولوجي عاطفي ناتج عن ألم الغربة، وبمكبوت اجتماعي فيه حنين إلى الحضن الأول، أي إلى مجتمعهم الأصلي الذي يختزله الضمير الجمعي الذي يسكن كل فرد منهم. لذا تلفيهم ينفسون عما يكون قد عانوا منه في بلاد المهجر، من فصام بيئي وقيمي، ونقص في الاعتبار الاجتماعي داخل المجتمعات المستقبلة، بأن يشعروك أنك دونهم ماداموا  بالعمل قد حصلوا أثره، ويطبعوا داخلة نفسك بإحساس أنهم يعيشون في فردوس أرضي حقيقي، بينما تكتوي أنت في بلدك بنيران العوز والفاقة، وانسداد أفق الحراك الاجتماعي، ويحوزك يأس من أن تتغير حالك، وتتسلق مع المتسلقين أو القابعين في الدرج الهنيئة. وفي جملة واحدة، هناك إحساس بفقدان الاعتبار وسط أفراد الساكنة المستضيفة، ورغبة في رد الاعتبار بين من هم أهل المهاجر وخلانه، وفي مجتمعه الأصلي عموما.
وفي تنغير، الطقوس ذاتها والهموم ذاتها، هي التي تلفي لها مستقرا بعودة كل مهاجر، وكل عائلة مهاجرة إلى ديارها. فكلما عادوا ليقضوا عطلة الصيف بيننا، إلا وأذكيت أفكار سوق " الحريك " بلغة العامة بين صفوف الشباب  التائه في دروب تنجيهم من شراك العطالة، أمام انعدام فرص الشغل الكفيلة بتأمين المستقبل لهم ولذويهم.
وأمام السحر المارد الذي يتذوقه الشباب من أهل المنطقة، وهم يرون نماذج ناجحة في نظرهم، ممن كانوا بالأمس القريب جدا، يوقعون مكرهين على  صك من يرفل في الجحيم، في زمن العطالة، قد تغربوا عاما أو عامين، وهاهم ينثرون غبار الشوارع والأزقة على المارة بسياراتهم الفارهة.
إنه جو يشعر الكثيرين بالغثيان، ويعبر أكثر من ذلك، عن عبث اجتماعي يجعل من الحياة فاقدة كل معنى، يعين على فهم كيف يمكن لأناس أن يعيشوا في النعيم، بينما البعض الآخر تصيبه حرقة التفقير. فكيف لا يفكر مثل هؤلاء الذين إن ظلوا يشتغلون في قطاع البناء، والأعمال الشاقة " المؤبدة " بأثمان زهيدة، ولساعات طويلة تكد أجسادهم، تحت أشعة شمس لافحة وقساوة برد قارس، فإنهم سيورثون لامحالة الفقر لفلذات أكبادهم في المستقبل؟ كيف إذن لا يفكر هؤلاء في البحث بشتى الطرق، وكيفما كانت الوسائل، عن عمل يرى أي منهم ثمرته جلية واضحة على حياته وعائلته، وهذا أمر لا يتأتى في أغلب الأحيان إلا في مملكة البابا اليسوعي؟

أنفاسنحن العرب و المسلمون .. أو بدقة أكبر نحن سكان البلاد العربية و الإسلامية .. نحن شعوب مبشومة حد التخمة بفخار (( خير أمة أخرجت للناس )) .. في الوقت الذي يقعد هذا الهوس الطاووسي على واقع مترد وبائس والأكثر تخلفاً وهواناً في العالم .. نزهو وتنتفخ أوداجنا عجباً بما نتوفر عليه من أعراف وعادات وتقاليد سحيقة البدائية .. والإنسانية الحقه تمجها .. ولا تنظر إليها إلا بمنظار الفلكلور والتاريخ والآركيولوجيا .
       نحن نتباهى و نمتلئ كالمناطيد التي تظن أنها على شيء .. بل ونبتهـج بأنظمتنا العشائرية والقبلية والطائفية والعرقية والأحادية الفكرية .. وكلها تنتمي إلى التراث .. ونحن وحدنا من ينام معه في قبوره ونعبد أمواته .. نغذ السير نحو تفخيذ شعوبنا وتجزئة أوطاننا إلى أعراق وطوائف متنابذة متنافرة .. وفي ذلك كله نسير خلف قيادات تتغذى من سلة مهملات التاريخ .. تبلد عقولنا بفكر بائس .. وتلاعب قلوبنا من خلال إعادة  إنتاج الماضي بوصفه تاريخ التزمت والانغلاق .. وتاريخ التكــرار والاجترار ، وترمي بنا في هوة بلا قرار تشكل منظومة التخلف الكبرى لبلادنا .
        يستعصي علينا التعامل مع العلم .. ولا نكترث بالتجربة ولا نعي الاستقراء أو الاستنتاج .. بل لا نؤمن بإرجاع الأحداث إلى مسبباتها الواقعية .. ولا نقر بالفكر النسبي .. لسبب بسيط هو إننا قد استعمرنا ولما نزل من قبل قوة الماضي .. وفكره القار .. حتى استعبدتنا تقاليده .. وصارت مسلماته بديهيات لا تناقش وهكذا فإننا نملك كل الحلول مرة واحدة وبأعجوبة قل نظيرها في التاريخ .. نحن لا نفكر .. نعم نحب ونكره .. نعظم ونلعن .. ونعمل وبإصرار وثقة مطلقة لتجميل تاريخ يستحيل تجميله .. أما إذا فكـرنا – وهـذا استثناء – فإنما نصوغ تفكيرنا في (( لغة محنطة )) لا ترتدي سوى أكفان الماضـي .. ولا نصرخ إلا بصوت (( المنتصر التاريخي ، بطل كل الأزمان )) .. مع إن واقع حالنا يقول إننا أمة مهزومة تحارب طواحين الهواء وهي تنغمس حتى ناصيتها في ذهول حضاري رهيب .. لأننا لا نعترف بأخطائنا البتة حيث نقرأ تاريخنا قراءة تبجيلية تقديسية .. وارت عنا حقائقه .. وأعطتنا تاريخا كاذبا خاليا من أي عيب وزورته لصالح الأيديولوجيا ، أما إذا ظهر نتوء سيئ في هذه المسيرة العظيمة فمرجعه إلى مؤامرات الآخر والتخوين الرخيص والبدع والكفر والشعوبية .. وهكذا تمادينا في الغباء إلى درجة أن جعلنا من ماضينا وحاضرنا سلسلة من المؤامرات والدسائس .. لكننا لم نستفد ولو لمرة واحدة لتجنب المؤامرات اللاحقة ، بل استمرأنا رفس الآخرين على ظهورنا دون أن نضرب أحدا على قفاه ولو بمؤامرة نحن صنعناها .. فإلى أين يريـد أن ينتهي بنا المتلاعبون بعقولنا .. ونحن نحيى في قاع تراتب الأمم قاطبة ؟ ..

أنفاستمهيد:
لازالت الرؤية الإيمانية للظّواهر الدينية في التناول العربي مهيمنة ومانعة لغيرها، مما حدّ من سعة النظر وقلّل من توظيف الأدوات، الأمر الذي يملي التنبّه للمقاربات العلمية الحديثة، المنضوية تحت علم الأديان: الإناسية والاجتماعية والنفسية والتاريخية وغيرها، للاستفادة من ثراء مناهجها.
ففي زمن الحوار، الذي إن لم يعشه الفرد والجمع أُكرِها على إتيانه، تحضر إناسة الفاكرة الدينية الغربية، في كافة غرفها، حجر زاوية للتخاطب الواعي معه، بيد أن واقع الحال يظهر، أن حقل الديني أكثر الحقول المهملة في الفكر العربي، عند تناول الإشكاليات الغربية، الأمر الذي شيّد أوهاما عدّة حول الغرب. إذ لطالما أهمِلت المسألة عند التناول ضمن مغالطات إيديولوجية، جعلت الانشغال يسقط زوايا أساسية من اهتمامه، ظنّا أن الديني ولّى لديه واندرس.
جرّاء ذلك العوز والنقص، بات الاهتمام بالغرب الديني، وبمناهجه العلمية المتابعة للظواهر الدينية، مطلبا حاجيا ومعرفيا. وعيا بالفجوة الواسعة آثرنا ترجمة بعض الدراسات من اللّسان الإيطالي، ذات الصلة باجتماعيات الأديان المعاصرة، وبالمناهج العلمية، ترصد جدل مقاربات التديّن والعَلْمنة وتحرير السوق الدينية والحِراك الديني في هذه المجتمعات، لنحاول من خلالها إماطة اللّثام عن وجه خفي للغرب. أملا في لفت الانتباه لما يملكه من أدوات، وما تدور في خلده من انشغالات.المترجم
مدخل:
مما يلاحظ أن علم الاجتماع الديني بصدد اجتياز مرحلة تطوّر جوهرية، سواء فيما يتعلّق بالجانب المنهجي أو الفهمي. فقد عاينت الهيئات العلمية المنشغلة بدراسة الدين تطوّرا غير معهود للمشاركات في الملتقيات والتعاون الدراسي، وما رافقه حديثا من إلحاق وحدة علم الاجتماع الديني بالجمعية السوسيولوجية الأمريكية. وقد أعطت الكتابات النظرية والتطبيقية الأخيرة في علم الاجتماع الديني، التي بلغ صداها أعمدة عديد الصحف الجادة، دفعًا لإنعاش الحوار ولإثارة النقاشات المختلفة.

أنفاس"العولمة نظام يمكن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس الضعفاء بذريعة التبادل الحر وحرية السوق"[1]
ربما كان إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عام 1971 القاضي بفك الارتباط بين الدولار والذهب وانهيار نظام بريتون وودز هو البداية الفعلية للعولمة ولكن ما حصل هذه الأيام من عاصفة مالية هوجاء وإفلاس عدد كبير من البنوك وتعطل السير والتراجعات في العديد من الأسواق المالية والبورصات العالمية وخسارة عدة شركات ورجال الأعمال لأرصدتهم ورؤوس أموالهم في دقائق معدودات هو "وول ستريت" ثانية تشبه ما حدث في المنظومة الرأسمالية سنة 1929 من أزمة أدت إلى الكساد والتضخم والانهيار التام للاقتصاد العالمي وهو أيضا علامة على الفشل الذريع الذي انتهت إليه إيديولوجيا العولمة ونهوض جديد للفيلسوف المختص في الاقتصاد السياسي كارل ماركس من قبره وعودة تحليلاتها العلمية في كتابه الشهير رأس المال إلى الحياة والى مسطح المعرفة واسترجاع انتقاداته للثقافة التحررية لفعلها في الساحة الفكرية الشعبية وخاصة دعواه المركزية بأن الرأسمالية تحمل بين أحشائها بدور فنائها. لكن لماذا حدث الذي حدث في زمن شهد انتصارا كاسحا لليمين السياسي وسيطرة تامة وحقيقية للعقيدة الليبرالية على المستوى الاقتصادي أين تحولت ثقافة العولمة إلى مقدس كوني يدين له الكل بالولاء والطاعة؟ 
ما يقوله الاقتصاد السياسي النقدي عن أسباب الأزمة هو التفاوت بين الوعود والانجازات، بعبارة أخرى ان العولمة تقدم مجموعة من الوعود بالنسبة للمواطنين على صعيد الثقافة والاقتصاد والسياسة ولكن هذه الوعود يكشف التاريخ عن زيفها وكذبها وتدور أساسا حول التبشير بالحرية والديمقراطية والرخاء ودولة الرفاه ومجتمع الوفرة والسعادة بالمعنى الدنيوي لأن ما حصل عليه الناس من العولمة وما حملت إلينا الأيام هو بروز الأنظمة الشمولية والمجتمع ذو البعد الواحد وتحول الأفراد إلى حشود وانتهاء الأفراد والجماعات والشركات والمؤسسات إلى الخسارة المادية وتبخر الأملاك والثروات والأموال والشقاء الروحي والتعاسة الوجودية والبطالة والفقر وتصدير الحروب وتشجيع النزاعات وتخريب الطبيعة وتدنيس القيم وتهديد مستقبل الحياة على الأرض وتخلى الإنسان عن إنسانيته, فماهي الأسباب الفعلية التي أدت إلى مثل هذه الوضعية المحرجة؟