anfasse"لا معتقدات إلا لمن لم يتعمق في التفكير في الأشياء"[1]
من الزاوية الرمزية، يمكن القول إن الوجود راهنية وحضور. والإنسان لا يعلن وجوده ويشهر حضوره في مجرى التاريخ ومهب الزمن، إلا حين يتحول هو نفسه إلى تاريخ، وهذا التحول هو مدار كل مواكبة ومناط كل سير جاهد أو حثيث. والواقع أن التاريخ ليس مجرد زمن يمضي أو حفنة أحقاب تنصرم، بل هو التشكيل الإنساني الخالص للسيرورة الدياكرونية الناهضة دومًا كتجاوز للثبات ومراودة للطفرات والتوثبات، ومعنى هذا أن التاريخ ليس قدَرًا أو حتمية، والمقولات الحضارية التاريخية نفسها، كالتقدم والتخلف، والنهضة والسقوط، ليست بالضرورة إحالة على واقع تاريخي قائم على وجه الحتمية والاقتضاء. فالتاريخ شيء، والوعي بالتاريخ شيء آخر. ومدار حديثنا في هذا المقال، هو القضية الاستشكالية التالية : هل التاريخ العربي، تاريخ ذهنية ملطخة بتواريخ المنازلات السجالية الخرقاء؟ هل تاريخنا استنجاز واعٍ للمشاريع الحضارية الكبرى أم أنه تاريخ إنجازات عمياء؟ هل التاريخ العربي تاريخ يفرزنا أم نفرزه؟ يصنعنا أم نصنعه؟ هل هو تاريخنا وأفقنا الحضاري القائم أم أنه اللاتاريخ الذي تهون فيه الذات ويتفاقم فيه الغياب فيستحيل الوجود برمته إلى محض كينونة سجالية طافحة بالعَيِّ والضجر؟
إن الحديث عن البدايات هو بالضرورة حديث عن الانطلاقات التي نحسبها كذلك. ولا شك أن بداية التاريخ العربي كانت بداية دينية. فالدين الإسلامي هو الذي أدرج العرب ضمن أحواز الحضور الذي به نشأت حضارتهم وتوطدت شوكتهم. والنهوض العربي في بداياته الأولى كان نهوضا طفرويًا شكل فيه الدين نقطة التحول ومناط كل الاندفاعات والتدافعات التاريخية اللاحقة. أما بالنسبة للغربيين، فإن بداية ارتيادهم الكاسح لحلبة التاريخ، كان بدوره –على مستوى من المستويات-قضية دينية، أو بتعبير أدق، كان قضية الحسم مع الدين الذي تمثل تاريخيًا وإيديولوجيًا في الكنيسة وسلطتها الشاخصة فِئَِويًا في رجال الدين أو من كان يعرف بالإكليروس.

anfasseمدخل
إن ما يمكّن من استيعاب وإدراك سلطة التاريخ على أي لحظة من لحظات الاجتماع الإنساني هو إمكانية التمييز بين بعدين بنيويين يسجلان حضورهما داخل السيرورة التاريخية لكل مجتمع، هما تحديدا البعد الواقعي الفعلي والبعد المخيالي الرمزي؛ وما يوطد الوعي بتلك السلطة هو بلوغ الفهم حدود التماس والتداخل بين البعدين بوصفهما غير قابلين للفصل إلا من الزاوية النظرية، وهذا تسليما بحقيقة تلازمهما الجدلية، وهي الحقيقة التي تنفي مبدئيا القول بهيمنة أي بعد على الآخر؛ إذ الإطار الجدلي يمكّننا من تصور إمكانية تحول أي من البعدين إلى خانة البعد المقابل.
لكن يبدو أن هذا المدخل ينطوي على تناقض ظاهري يمكن صياغته على الشكل التالي: كيف ننفي هيمنة أي من البعدين على الآخر في نفس الوقت الذي كنا قد سلمنا فيه بهيمنة التاريخ على المجتمع؟ إذ أن محاولة تفكيك هذا التناقض ستكون جوهر هذه المساهمة التي يعترف صاحبها بأنه لا يمتلك الكثير من الأدوات التي تخول له فعل ذلك فهو مبتدئ في هذا الميدان، لكن المؤكد هو أن المحاولة ذاتها تحوم حول سؤال جوهري من أسئلة الوجود الإنساني عموما فضلا عن كونه أدق القضايا الراهنة في تخصصنا.

1- استكشاف الوعي لوضعه التاريخي فردا وجماعة؟
الوعي هو حالة انفتاح للعقل البشري على نقطة ارتكاز رمزية تكون المرآة التي تعكس للإنسان جميع مجريات سلوكاته اليومية والعمليات الاجتماعية التي يتبوتق ضمنها بما يجعل من الوعي مرجعية ظرفية للفرد و الجماعة، أي بمثابة مخزون لحظي يخزنه الكائن البشري ليعود إليه كلما اقتضت الضرورة اللحظية ذلك، ولتحصيل وفرة مخزون الوعي يحدث القيام بتكوين شبكات متينة من المعاني هي ذات حمولة كثيفة يتم ربطها بالإيقونات والعقائد التي تتسم بطابع الخلود، إذ الوظيفة الأساسية التي يقوم بها الإنسان تتمثل في عملية المَنطَقة التي يتم من خلالها الربط بين نقطة الارتكاز التي يقع الاختيار عليها ـ وهو الوعي ـ وبين تلك الرموز الخالدة. 

anfasse.orgنماذج في مواقف بعض المفكرين العرب(عبد الله العروي، محمد عابد الجابري، عبد الإله بلقزيز)
تمهيد: تحتل مسألة التراث في الفكر العربي و الإسلامي مكانة هامة لما تقتضيه هذه المسألة الفكرية و المعرفية من أهمية في الفكر و العقل العربي و الإسلامي، و في الواقع الثقافي و القطري، و أخيرا في علاقتها بالآخر  الحضاري، و خاصة أمام التحديات الجديدة على العالم العربي و الإسلامي من خلال ظاهرة العولمة و استتباعتها الثقافية و الحضارية، و هوس المفكرين و المثقفين العرب بذلك.
و سنحاول في هذه القراءة التأليفية المختزلة أن نحلل مواقف ثلاث مفكرين عرب لهم إسهاماتهم في هذه المسألة و فيما يتعلق بالخطاب و الفكر العربيين و الإسلاميين عموما، من خلال عبد الله العروي، محمد عابد الجابري، و عبد الإله بلقزيز.    
فماهي هذه المواقف و الرؤى؟
- موقف عبد الله العروي: I
يحتل عبد الله العروي داخل الثقافة العربية مكانة متميزة،اشتهر المفكر بمؤلفاته،و ذاعت مؤلفاته به، من لا يعرف الرجل مفكراً يذكره أديبا، ومن لا يستحضره ناقداً يعرفه مؤرخا كتب العروي، نظر، و ناظر دفاعاً عن مقولة واحدة هي كيفية تجاوز التأخر التاريخي، الذي تزدري تحته الثقافة و الواقع العربيين، و الانخراط ضمن ما يسميه "المتاح للبشرية جمعاء". أي الوعي بالقطيعة مع التراث، لأنها" حصلت و تكرّست"1 بالفعل.
عندما يتحدث العروي عن  القطيعة فإننا غالباً ما نلمس في نبرة الرجل نوعا من الوثوقية . القطيعة حل الإعراض عنها موت و انتحار، والقبول بها ولادة و انبعاث. غير أن الحاجة إليها لا تنبع عن إعجاب بالتراث الغربي أو عن صلة به أقوى من التراث العربي الإسلامي2 كما لا تبرز هذه الدعوة من تقزز أو رفض لهذا التراث، بقدر ما كانت لا مطابقته لمفاهيم الحداثة أبرز مقدمات الدعوة إلى القطيعة " إن المفاهيم التي شرحتها ( الدولة، الحرية، التاريخ، الأدلوجة )، و تلك التي كان يمكن أن أتمم بها إذ يستحيل كما يقول الأستاذ عبد الله العروي3 أن نجد "مفهوم الأدلوجة مكتملا عند الغزالي، أو الحرية عند ابن عربي ، كما يستحيل أن نعثر على مفهوم التاريخ تاما عند ابن خلدون، و لا على مفهوم الدولة مكتملاً عند الشاطبي.

Anfasse.orgالتسول ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد نفسية و اقتصادية، ظهرت منذ القديم، و هي ترتبط في أصلها بالتفاوت الطبقي و بالاختلالات البنيوية للنسيج السوسيواقتصادي و ضعف آليات التنمية البشرية؛ أبطالها ناس على هامش المجتمع يبحثون عن السند و يلتجئون إلى غيرهم طلبا للصدقة و المساعدة بالمال و الطعام و غيرهما.  كما قد يتحول التسول إلى ممارسة منظمة لتكديس الأموال و الاغتناء السريع لدى بعض الأفراد و الجماعات أو إلى نصب و احتيال و ارتكاب لبعض الجرائم...الخ
      و في كل الأحوال يوظف التسول خطابا يتداخل فيه المكون الديني بالمكونات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و يتنوع بتنوع المواقف و الفضاءات التي يستغلها المتسولون بغية تحقيق مطالبهم المشروعة و غير المشروعة في إطار بنية اجتماعية و نفسية قوامها القهر و التخلف؛ وتتكامل في هذا الخطاب عدة مكونات كاللغة و الحركة و الهيئة و الصوت...
1 - كثافة اللغة و رمزيتها:
      تتسم لغة التسول بالرمزية و الغنى الدلالي رغم أنها تنمو على شكل متواليات خطابية قصيرة و جمل نمطية تتظاهر بالوضوح و البساطة، و لعل أبرز ما تستند إليه هو التبرير عبر مستويات أهمها:
 أ- التبرير الديني: و يتجلى في محاولة إقناع الآخر بجدوى الصدقة انطلاقا من الرؤية الإسلامية في إطار ما يجازي به الله المؤمنين المتصدقين، لذلك نجد هيمنة جمل مثل (صدقة لله/ في سبيل الله/ الله يرحم بها الوالدين/ الله يوصلها للوالدين...). فبالجملة الأولى يبث المتسول رسالة إلى المتلقي مفادها أن ما يطلبه هو حق أوجبه الإله، مختزلا بذلك العديد من الآيات القرآنية في الموضوع. و إذا أخذنا (الله يلحكها/يوصلها للوالدين) أو (الله يرحم بها الوالدين)، ففي منطوقها يبدو المتسول و كأنه مجرد ساع للبريد، يساهم بطريقة ما في وصول الصدقة و الرحمة إلى والدي المتصدق، لترحمهم من عذاب القبر، أو لترجح كفة حسناتهم و تمحو بعض سيئاتهم، إلى درجة يمكن أن يصل معها المتسول إلى فاعل خير أيضا لأنه يتسبب في وصول الرحمة إلى الأموات، و في العبور الرمزي للمتصدقين نحو نعيم الآخرة. كما يوجد وجه آخر للتبرير الديني حين تلجأ بعض النساء إلى لبس الحجاب و توزيع وريقات صغيرة على الناس في المقاهي بدون أن تنبسن ببنت شفة، و هنا تبث العديد من الرسائل التي تروم التأثير في المتلقي؛ أما الخطاب الموجود في الوريقات فيشحن بجانب ديني !و اجتماعي. يتمثل الأول في البسملة و التصلية و التسليم، إضافة إلى آية أو أكثر حول الصدقة و الإحسان و أن الله لا يضيع أجر المحسنين. أما الثاني فتمثله تبريرات اجتماعية غالبا ما تدور حول وفاة الأب أو الزوج و تكفل المرأة بالعديد من الأطفال، إخوة أو أبناء. و هنا يتعامل المتلقي مع الخطاب المكتوب مستحضرا هيئة صاحبته و شكلها المحتشم الذي قد يكون أحد مفاتيح الحصول على الصدقة...

anfasse.orgتوطئة
هناك شبه إجماع بين جميع المراقبين والباحثين والمتخصصين والأكاديميين في شتى حقول المعرفة العلمية وخصوصا العلوم الإنسانية، إن المجتمع المدني أضحى أحد الركائز الأساسية في بناء الدولة الحديثة ليس في مجتمعات دول الشمال، بل حتى في دول الجنوب، رغم الاختلافات الجوهرية الواضحة والسياقات التاريخية و السوسيوساسية والاجتماعية والاقتصادية لنشأة المجتمع المدني في كلتا المجموعتين.
من جهة أخرى تعزز حضور المجتمع المدني في هيكلة وشكل الدولة الحديثة، بما أصبح يساهم به في مجهودات جبارة في رفد عملية التنمية الشاملة.
ولعل من الأسباب الطبيعية، التي بوأت المجتمع المدني هذه المكانة هو تراجع الدولة وكذا الأحزاب المشاركة في تدبير الشأن العام وفشلها في بعض التجارب في النهوض بأعبائها الكاملة،وخصوصا في القضايا الأساسية ذات الصبغة الاجتماعية.
بالموازاة مع ذلك،فقد كان لانتشار قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بين دول العالم، الأثر الكبير في بروز المجتمع المدني وتعاظم دوره ليس إقليما بل عالميا أيضا، وقد كشف مرصد المجتمع المدني التابع لمدرسة لندن الاقتصادية وجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلس في تقريره السنوي الذي يرصد تطور المجتمع المدني بالعالم أن هذا الأخير عرف تطورا ملحوظا ما بين سنتي 1993 و2003 بنسبة 50 %، بالإضافة الى تزايد عدد مكاتب مؤسسات المجتمع المدني حيث انتقل من 12547 سنة 1993 إلى 17952 سنة 2003. ويضيف هذا التقرير أن بلدان أوربا الشرقية وأسيا تعرف أيضا نفس التطور في عدد جمعيات المجتمع المدني، بينما تأتي في مرتبة أخيرة بلدان إفريقيا والشرق الأوسط .
وقد عرف المغرب بدوره صعودا معتبرا للفاعلين غير الحكوميين وغير المتحزبين في قلب الحياة الجمعوية خلال الثمانينيات وبشكل أوضح في التسعينات من القرن الماضي، حيث أبان هؤلاء الفاعلون الجدد عن قدرتهم في الإسهام بكيفية ملموسة، وفعالة في المجهود التنموي، وفي دمقرطة النقاش العمومي بالبلاد .

Anfasse.orgالرومنسية كما تبدُو لي هي بوحٌ وصفاءٌ ورقةٌ باللفظ الجميل والحركة الرشيقة من أجل إنعاش القلوب الصّدئة وضخّ دماء جديدة في النّفوس المتكلّسة في سياق التجديد الدائم للحياة، وهي كذلك التفاعلُ الايجابيُّ بين العناصر البشرية من خلال استلهامهم لمعاني الجمال والسعادة في الكون وجعلها في ما بينهم طاقتهم التي تحرّكُهم وتقرّبُهم من مراتب الكمال الوُجودي.
من هذا المُنطلق لا أكونُ مُجانبة للصّواب إذا قلتُ أنّ الرومنسيّة ضرورةٌ حيويّةٌ في حياتنا، نحتاج إليها لإعادة بناء الروح المعنوية في ذواتنا قصد تأهيلها باستمرار لمواجهة المصاعب اليومية التي تطرأ عليها من حين إلى آخر، ومن أجل دفعها إلى تلمّس مدخل جديد لتذوّق الطعم الجميل للحياة وتشرّب مائها العذب الزّلال.
إلا أنّني بوقفة تأمّل وبنظر مُتأنّ أجدُ للأسف عوامل مُتعددة تُعيق تعبيرنا بدقّة عن أحاسيسنا الرومنسية الحالمة النّابعة من أعماقنا، ومن هذه المُعيقات أذكرُ على سبيل المثال لا الحصر:
 1- اللّهجات العاميّة همّشتْ ولا زالتْ تُهمّشُ اللّغة الفصحى التي تتميّزُ بقاموس ثريّ نقيّ وتُراث عريق في عالم الشاعريّة، وأفقدتْ الإنسان مُلهما معنويّا وبلْسما رُوحيّا، وقلّصتْ في حياتهُ من ينابيع الأمل والجمال . لقد ظهرتْ لهجاتٌ محلية جديدة تفتقرُ إلى ثراء المُعجم وتتّسمُ بالمحليّة الضيّقة وخشونة اللفظ المُتداول، وغزتْ الواقع الذاتي والموضوعي، وحكمتْ سائر العلاقات (يقول المثل الشائع: نلمُّو نلمُّو نلمُّو، نحبُّو ونكرهْ أمُّو"
)، فاللّهجاتُ العاميّةُ تعكسُ خطابا شاعريّا ولكنّه خطابٌ غليظٌ  يستبطنُ العدوانية والصراعيّة، ولا يُؤسّسُ للانسجام والتّصافي والتوادُد.
 2- العائلة في نظري أيضا إطارٌ يفتقرُ إلى مناخ الشاعريّة، ولا حظّ للعلاقات الرومنسيّة بين عناصرها، ومردُّ ذلك إمّا لنقْص في مُؤهلات الوالدين التربويّة وإمّا للتوتّر الدائم بينهما وإمّا للضّغط اليوميّ المتزايد عليهما، ومن عُيوب العائلة على سبيل المثال: إعدادُ الأبناء للمستقبل وفْق ملامح المُجتمع الذّكوري بحيث يقعُ إعدادُ الفتاة وتأهيلُها لمسؤولية البيت كالطبخ وكيّ الثياب والغسيل... بينما الذّكرُ لا يكونُ داخل العائلة بأيّ حال من الأحوال موضوعا لهذه التأهيلات التي غالبا ما تُحدّدُ اختياره لشريكة حياته المستقبلية بعيدا عن فلسفة الرّومنسيّة، كما يُعابُ على العائلة أيضا تدخّلُها ما قبليّا وما بعديّا في صياغة خصائص الحياة الزوجيّة، إذ تُسلّح الابن أو البنت بنصائح أو عادات غالبا ما تُؤجّجُ نزعة كليهما إلى السّيطرة والمسك بزمام الأمُور قبل فوات الأوان (ولنا خيرُ شاهد المثلُ المغربي: "...من النهار الاول تيموت المش اي القط") بل حتّى الأصدقاءُ أو الصديقاتُ أو الجيرانُ أو الجاراتُ قد يكونُ لهم شأنٌ في هذا الأمر، فلا يتورّعُون في حشْر الأنُوف والتأثير في مُجريات الأمور.

انفاسالحكاية الشعبية دليل على وحدة التفكير البشري ، ودليل كذلك على عدم صحة الاتهامات التي توجه لبعض الشعوب، و منها الشعوب العربية بدعوى قصور تفكيرها و نزوعها نحو التجريد . و الثابت أن المجتمعات الإنسانية عرفت هذا النوع من الأدب، و الذي يطلق عليه عادة الادب الشعبي بمختلف أشكاله التعبيرية ، ورغم التعريفات التي أعطيت لهذا النوع  باعتباره كل ما أبدعه الإنسان من أشكال التعبير كانت نظما اونثرا بلغة يتكلم بها إفراد أمة ما سواء عرف مبدعه أو لم يعرف ،فان هذا التعريف يظل قاصرا، لأننا نجد  أنفسنا أمام مجال واسع و فضفاض يتسع لأشكال كثيرة من أنماط التعبير من أمثال و ألغاز و أشعار و حكايات ... تعبر عن إبداع طبقة من الشعب ليس  لها ثقافة تؤهلها للتعامل مع الأدب النخبوي كما هو الحال في الأدب العربي الفصيح . وهذا التنوع في الأدب الشعبي يرجع فيما نعتقد إلى سببين رئيسين: رحلة الإنسان الطويلة مع هذا النوع، و حاجته إليه للتعبير عن رؤاه و نظرته للحياة و الطبيعة  وشكل من  أشكال أسماره ، و ثانيا هذه المرونة التي تميز هذا النوع، حيث نجده قابلا للتغير و الإضافة وزيادة والتكيف  وذلك بتغير الزمان و المكان و الراوي ،بمعنى أن الذاكرة الإنسانية لها القدرة على التعامل معه بحرية كبيرة  ومن خلال تفاعلها مع أحداث المجتمع ،ولعل من أهم أشكال هذا الأدب ما يعرف بالحكاية الشعبية ، أو أحيانا الخرافة رغم الفرق بينهما  ذلك أن الحكاية الشعبية ذات بنية بسيطة وتؤخذ  مأخذ الحقيقة، فهي جادة بينما الحكاية الخرافية فهي مركبة وذات طبيعة تجريدية وتجمع بين الجد و الهزل. 1 و يشكل الراوي وسيطا مهما بين الخطاب – مضمون- و المخاطب – المستمع ، أما مصدر الحكاية بنوعيها أي – المؤلف- فهو غائب وحضوره ليس ضروريا ، فالمتلقي ما يهمه هو متن الحكاية و شكلها وعناصر الإثارة فيها ،فهو لا يهمه حتى مدى مطابقة الحكاية للواقع   وتبرز وحدة التفكير البشري في الحكاية وغيرها في هذا التشابه الموجود بين حكايات الشعوب ، فما يتغير هو البيئة و الأسماء والطبيعة  أما مضمون الحكاية يظل ثابتا، ومثال ذلك ما ذكره محمد الفاسي من خلال اهتمامه بهذا الفن من أن الباحثين أحصوا لأحدى الحكايات خمسمائة رواية تتفق في جوهرها ، وهي حكاية البنت اليتيمة التي تعاملها زوجة الأب بقسوة وتنام في المطبخ، ويقع اختيار الأمير على الفتاة للزواج بها، فتسمى مثلا في المغرب عائشة رمادة ،ويسميها الفرنسيونcendrillon 2  .

انفاسهنالك بون شاسع بين مصطلح المثقف ومصطلح المتعلم ، فالمتعلم هو من احسن القراءة والكتابة ، اوحصل على شهادة علمية ، اماالمثقف فهو المستوعب للثقافة / وهو يتميز بصفتين اساسيتين//الوعي الاجتماعي الذي يمكن المرء من رؤية المجتمع وقضاياه ،من زاوية شاملة وتحليل القضايا على مستوى نظري متماسك// والدور الاجتماعي وهو النشاط الذي يؤديه صاحب الوعي الاجتماعي بكفاية وقدرة في مجال اختصاصه المهني وكفاءته الفكرية.....فالثقافة هي اولامحيط معين ، يتحرك في حدوده الأنسان فيغذي الهامه ويكيف مدى صلاحيته للتاثيرعن طريق التبادل والثقافة (جـو)من الألوان والأنغام والعادات والتقاليد والأشكال والأوزان والحركات التي تصنع حياة الانسان اتجاها واسلوبا خاصا يقوي تصوره ويلهم عبقريته ويغذي طاقاته الخلابة ، انها الرباط العضوي بين الأنسان والاطار الذي يحـويه ،وعلى ضوء هذه الحقيقة بانه من الطبيعي ان يتعدد مفهوم الثقافة بتعدد الأيديولوجيات والأنتماءات المعرفية حتى بلغت نحو 60 تعريفا وحسب راي عالم انثروبيولوجيا الفرد كروبر وكلاكهـون ، والثقافة في منظور علماء الأنسان والأنثروبيولوجي المضاف الأنساني الى حالات الطبيعة ، اي كل المكتسبات والأنجازات النظرية والعملية التي انتجها الانسان في تاريخه الأجتماعي .... وعرفت الثقافة في قاموس اكسفورد بانها/ الاتجاهات والقيم السائدة في مجتمع معين ، كما تعبر عنها الرموز اللغـوية والأساطير والطقوس واساليب الحياة ومؤسسات المجتمع التعليمية والدينية والسياسية ، ويعرف ادوارد تايلور الثقافة في كتابه الموسوم الثقافة البدائية بانها / هذا الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والاعتقاد والفن والحقوق والاخلاق والعادات وكل قدرات واعراف اخرى / اكتسبها الانسان كفرد في مجتمع ، ويفرق الكاتب وليام اوجيرن في الثقافة بين حالتين يطلق على احدهما اسم الثقافة المادية وعلى الأخرى الثقافة المتكيفة.... فالمجال الاول يقـيم في رايه الجانب المادي من الثقافة ، اي مجتمع الأشياء وادوات العمل والثمرات التي نخلقها / ويضم الثاني الجانب الأجتماعي فالعقائد والتقاليد والعادات والافكار واللغة والتعليم وهذاالجانب الاجتماعي هو الذي ينعكس في سلوك الافراد..اما مالينوسكي في عرف الثقافة بانها/ الحرف الموروثة والسلع والعمليات الفنية والافكار والعادات والقيم والبناء الأجتماعي والمواثيق التي تتعاهد عليها الجماعات المختلفة فهي كل ما نعيشه وكل ما نلاحظه ، او هي باختصار كل ما يتعلق بعملية تنظيم بني البشر في جماعته ، وعرفت المنظمة العالمية للثقافة والفنون اليونسكو - الثقافة بقولها/ الثقافة بمعناها الواسع يمكن ان ينظر اليها على انها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا معينا او فئة اجتماعية بعينها ، وهي تشمل الفنون والأداب وطرق الحياة كما تشمل الحقوق الاساسية للأنسان والنظم والتقاليد والمعتقدات.