الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء الأول) - أحمد رباص

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

 بنوع من الفضول الفلسفي، المصحوب بدهشة الاكتشاف، قادني البحث عن ما قيل وما كتب في هذا الموضوع إلى هذه الدراسة الرائعة المنشورة على النت بقلم بينوا غوتييه. وبما أن الكتابة ثمرة للقراءة، كانت هذه الترجمة:
عندما نقارن حالة تخصص مثل الفلسفة بحالة تخصص علمي مثل الفيزياء، فمن الصعب عدم التوصل إلى الملاحظة التالية.
من ناحية، نلاحظ اتفاقاً واسعاً، عملياً وصريحاً، على هوية الوقائع التي ينبغي الإبلاغ عنها، أو على النظريات أو القوانين التي تسمح بتحقيق ذلك، أو حتى على الأساليب والأدوات والتقنيات التي تستخدم لاكتشاف وتحليل الحقائق التي يتم تسليط الضوء عليها باستمرار. بالتناسب، حتى لو كان موضوعا لإجماع واسع، فإن تاريخ التخصص لا يعتبر شيئا من المهم الاتفاق عليه؛ بل يعتبر غير ضروري لمتابعة البحث لأن حالة التخصص في لحظة معينة يبدو أنها تحتوي على كل ما، ولا شيء غير ما، تم إنتاجه في لحظة سابقة من البحث ولم يتم دحضه أو تجاوزه في هذه الأثناء. باختصار، ينظر إلى هذا التخصص، على الأقل في الممارسة العملية، على أنه تراكمي ــ وهي طريقة كلاسيكية تماما وممكن تماما، كما ذكرنا ألكسندر بيرد مؤخرا بذلك، اعتبارها تقدمية.
على الجانب الآخر، وهو بالطبع الجانب الفلسفي، لا شيء تقريبا من هذا صحيح. كما كتب مايكل ديفيت، إذا "كان العلماء لا يتعلمون أكثر فأكثر عن العالم فحسب، بل يتعلمون أيضا كيفية اكتشاف الأشياء المتعلقة به"، فمن الملاحظ أيضا أن الفلاسفة، حتى بعد ألفي عام، لم يتمكنوا من إثبات (أو الاتفاق على) أي شيء يتعلق بأي موضوع للتفكير استطاعوا التعاطي له، ولا من تحديد (أو الاتفاق على) كيف استطاعوا أن يأملوا في تحقيق ذلك.
أحد الأسباب التي يتم تقديمها أحيانا لمحاولة تفسير عدم الإجماع الذي نلاحظه بين الفلاسفة هو فكرة أنه ليس من الممكن حقا في الفلسفة تأسيس حقائق يمكن الاتفاق عليها، لأنه لا شيء يجعل القضايا الفلسفية صحيحة. ولكن حتى لو افترضنا أن هذه الفكرة صحيحة، فإن المشكلة هي أنها لا تفسر بشكل كامل الخلاف العام الذي يسود في الفلسفة: حتى لو لم تكن هناك حقائق فلسفية بالمعنى الدقيق للكلمة، أو حتى لو لم يكن من الممكن تصور أننا سوف نجدها في يوم من الأيام، لدينا دليل يسمح لنا بمعرفة أننا قد حققنا هذه الأهداف، ولا يترتب على ذلك بأي حال من الأحوال أنه لا يمكن أن تكون هناك مواقف فلسفية أكثر عقلانية وأكثر تبريرا وأكثر تماسكا أو تأييدا من غيرها يمكن، بالنسبة لهذه الأنواع من الأسباب، الاتفاق عليها.

لكن، بطريقة يمكن أن نعتبرها محبطة للغاية، لا يبدو أيضا أن هناك اتفاقا بين الفلاسفة على مسألة معرفة الأسباب أو الحجج التي يمكن اعتبارها حاسمة بالنسبة لمشكلة فلسفية معينة.
إن ما يكون بالتالي عرضة للتشكيك بسبب نوع الخلاف الذي يسود في الفلسفة، والتناقض القائم بينها وبين علم مثل الفيزياء، ليس فقط فكرة الحقيقة الفلسفية، ولكن أيضا، وربما بشكل مباشر أكثر، فكرة العقل أو العقلانية الفلسفية القادرة على إعطاء معنى لإرادة البرهنة لصالح المواقف الفلسفية التي يدافع عنها، والتي لا يبدو أن أي فيلسوف مستعد للتخلي عنها تماما، على الأقل في الممارسة العملية.
تقريبا، جميع علماء نظرية الاختلاف الذين تناولوا مسألة عواقبها في الفلسفة يحتفظون بموقف من النوع التالي: نظرا للخلافات أو الخلافات المستمرة والمعممة التي تحدث داخل المجال الفلسفي، فإن الموقف المناسب هو القبول وليس الإيمان. بهذه الروح، يقول ديفيد كريستنسن بما أنه من الواضح أنه حتى أفضل الفلاسفة غالبا ما يرتكبون الأخطاء، فيجب علينا أن نعترف بأن المنهج الفلسفي بشكل عام غير موثوق به تماما؛ ويترتب على ذلك أنه لا ينبغي لنا أن نثق بشكل مفرط في استنتاجاتنا الفلسفية. وبشكل أكثر دقة، يجادل ريتشارد فومرتون بأنه يمكننا أن نستنتج من العدد الكبير من الإجابات غير المتوافقة التي يتم تقديمها لكل مشكلة فلسفية (أو، بالمثل، نستنتج من معرفة أن "معظم الآراء الفلسفية تنتمي إلى الأقلية") الاستنتاج التالي: "أغلبية الفلاسفة" (وحتى "الأكثر ذكاء") "لا يمكن الاعتماد عليهم عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى الحقيقة الفلسفية".
بنفس الروح، تدافع هيلاري كورنبليث عن فكرة أنه عندما نعرف، فيما يتعلق بمجال بحث معين، أن الرأي الذي تدعمه أغلبية أعضائه موثوق به بشكل عام، فإننا ننحاز إلى المنشق (سواء كنا هذا المنشق أم لا)، وليس إلى جانب رأي الأغلبية، لا يشكل معرفيا استراتيجية عقلانية. ومع ذلك، وفقا لكورنبليث، فإن المجال الفلسفي ليس هو نفسه المجال العلمي أو الرياضياتي: فتاريخه لا يوفر لنا سببا للثقة في أحكام أعضائه، أو اعتبارها موثوقة، أو الاعتقاد بأن هناك تقدما يحدث هناك. ونتيجة لذلك، فإن "تاريخ مجالنا يجعل من التواضع المعرفي الموقف العقلاني الوحيد المتاح"؛ ولا تتردد كورنبليث في استنتاج أنه في حالات الخلاف الفلسفي يجب علينا "تعليق الحكم"؛ وأنه "نظرا للحالة الراهنة للمجال الفلسفي، لا يكون رأي احد [...] مبررا" .
من جهة أخرى، حتى لو افترضنا أن الموقف العقلاني الذي ينبغي اتخاذه بالنسبة للفيلسوف (أي بالنسبة لشخص منخرط بالفعل في هذا النوع من الجدل الذي يدور داخل المجال الفلسفي) ليس بالضرورة شكلاً من الشكوكية تجاه جميع المواقف الحالية (بما في ذلك موقفه)، فمن الممكن أن يكون مثل هذا الموقف هو الموقف الوحيد العقلاني بالنسبة لفرد يقع خارج المجال الفلسفي ويتساءل عما يمكن أن يتوقعه من التخصص، إذا كرس نفسه له، للإجابة عن أسئلته الفلسفية.
كتب جيسون برينان، في مقال نشر مؤخرا:
"لنفترض أن شخصا ما يفكر في اللجوء إلى الفلسفة على أمل الحصول على إجابات حقيقية على أسئلته الفلسفية. إنه يريد أن يعرف كنه السببية، التبرير، الخير، العدالة، إلخ.. ويلاحظ أن الفلاسفة يختلفون بشكل كبير حول الإجابات على هذه الأسئلة، ويخلص من ذلك إلى أن احتمال أنه من خلال الانخراط في الفلسفة سوف يحصل على إجابات حقيقية لهذه الأسئلة احتمال ضعيف. ولذلك يصبح متشككا في المجال الفلسفي ويبتعد عنه. هل ارتكب هذا الشخص خطأ؟".
بمعنى آخر، هل يحق لهذا الشخص أن يستنتج من الخلاف العام السائد في الفلسفة أن عليه "الامتناع عن استخدام المنهج الفلسفي" إذا أراد الحصول على أجوبة صحيحة لأسئلته الفلسفية، وهذا بدافع من كون هذا الخلاف يبين أن هذا المنهج ليس "أداة للحقيقة" يمكن الاعتماد عليها، ومن باب أولى إذا كان الذين استخدموها وتوصلوا إلى استنتاجات متباينة أو غير متوافقة هم (أو كانوا) من أفضل العقول التي عرفتها البشرية؟ وفقا لبرينان، يجب أن نتفق على اعتبار الحكم عقلانيا تماما لذلك الشخص الذي، مع ملاحظة العدد الكبير جدا من المواقف المتنافسة حول مسألة فلسفية معينة، يستنتج أن حقيقة استخدام المنهج الفلسفي في هذه المسألة ستقوده بالتأكيد إلى اعتبار هذا الموقف أو ذاك صحيحا على الرغم من أنه - كما يمكنه أن يرى بسهولة من وجهة النظر غير الملتزمة التي يتبناها حاليا - من المرجح أن يكون هذا الموقف خاطئا وليس صحيحا، نظرا لعدد المواقف المتنافسة الموجودة.
إذا لم يتخل هذا الشخص تماما عن احتمال تكريس نفسه للتأمل الفلسفي، يمكن أن نأمل في دق المسمار الأخير في نعش الفلسفة في نظره من خلال تذكيره بملاحظة كواين التي ذكرها بوفيريس في دروسه عن الأنساق الفلسفية:
"لا تتمتع الفلسفة بالثبات أو القوة الاستدلالية التي تتمتع بها الفيزياء الفلكية، ليس هناك إجماع مهني حول ما يمكن اعتباره فلسفة جادة. يمكن للمعادل الفلسفي للمنجم أن يستفيد من مكانة مهنية لا يستطيع المنجم الوصول إليها."
بعبارة أخرى، كما يكتب بوفيريس، “الفيلسوف الذي يعتبر […] أنه في موقع عالم الفيزياء الفلكية، لا يتوفر على وسائل مماثلة لوسائله، ما حوجه إلى الكثير منها، لمواجهة خصمه على أمل النجاح في جعله يلوذ بالصمت". ومع ذلك، وفقا لكواين، هذا وضع لا يمكن استيعابه دون تناقض لأننا نتوقع من الفلسفة أن تزودنا بإجابات حقيقية على الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا، أو تلك التي تثيرها: "بالنسبة لمن يتعاطى للفلسفة بروح علمية، كبحث عن الحقيقة، تكون ممارسة التسامح تجاه فلسفة سيئة التفكير غير معقولة تماما كما هو حال تسامح عالم الفيزياء الفلكية مع علم التنجيم."
يبدو أن الحجج التي تم تقديمها للتو تفرض استنتاجا مفاده أن الموقف العقلاني الوحيد الذي يجب تبنيه في مواجهة الخلاف العام الذي يسود في الفلسفة هو، إن لم يكن هو الحفاظ على شكل من الشكوكية المطلقة حيال ادعاء هذا التخصص تسليط الضوء على الحقائق الفلسفية، فهو على الأقل قبول أن هناك فرصة جيدة لأننا لم نصل إلى الحقيقة من خلال التوصل إلى الاستنتاجات التي قادنا إليها حكمنا الفلسفي (على الأقل عندما تكون هذه الاستنتاجات متعارضة مع تلك التي توصل إليها فلاسفة آخرون ليس لدينا أي سبب للاعتقاد، بغض النظر عن هذا الخلاف، بأنهم فلاسفة أقل جودة منا).
غير أن هذا الاستنتاج لا يكون حتميا إلا بشرط قبول ما تفترضه هذه الحجج، والذي ليس في الواقع بديهيا بأي حال من الأحوال، وهو وجود الحقائق التي يتعين على الفلسفة الوصول إليها، والفكرة التي مفادها أن الهدف في الفلسفة هو النجاح في تشكيل والدفاع عن النظريات الفلسفية التي هي صحيحة بالمعنى الذي يمكننا أن نقول عن الفيزيائي أنه يسعى إلى تشكيل والدفاع عن النظريات الفيزيائية التي هي صحيحة.
الآن يبدو لي أن الطريقة التي تمارس بها الفلسفة - وعلى وجه الخصوص (1) الطريقة التي نتفاعل بها عندما نعلم أن أحكامنا الفلسفية لا تشاركها الغالبية العظمى من الأعضاء الآخرين في المجال الفلسفي، أو ( 2) إن الموقف الذي نتخذه تجاه الأحكام الفلسفية التي يدعمها أقراننا ولكننا لا نفهم سبب فرضها – يدل على أن هدفنا في الفلسفة ربما لا يكون النجاح في الحفاظ على نظريات صحيحة، بمعنى أن هذا وعلى العكس من ذلك هو الحال في العلوم.
لنتخيل هكذا أنني أؤيد موقفا فلسفيا أعتبر أني قدمت لصالحه حججا مقنعة تسمح، في رأيي، بالرد على جميع الاعتراضات ذات الصلة التي وجهت أو يمكن توجيهها إليه. بعد ذلك، لنتخيل أنني علمت أن الأغلبية أو معظم زملائي الذين قرأوا موقفي يختلفون معي في ما يتعلق بصحته. وأخيرا، دعونا نتخيل أنني أتخلى عن هذا الموقف ببساطة بسبب المعارضة الهائلة التي يواجهها. لا يبدو لأحد، لا لزملائي ولا لي، أنني قد حققت أي تقدم فلسفي بالتخلي عنه بهذه الطريقة، أي أنني أنجزت شيئا مُرضيا فلسفيا بالتخلي عنه.دون رؤية (أو حتى ملاحظة) كيف كان معيبا. إن حقيقة أننا نستطيع، وأنني أستطيع، تقدير أن لدي فرصة جيدة، من خلال التخلي عنه، للتخلي عن موقف معيب فلسفيا لا تعني بأي حال من الأحوال أنني قمت بتصحيح موقفي فلسفيا، وأنني أصبحت بذلك فيلسوفًا أفضل، وأن عملي الفلسفي المستقبلي ذو حظ أقل لأن يكون معيبًا.
ولكن هل يختلف وضع الفيلسوف في هذه النقطة عن وضع أي عالم؟ هو كذلك لأنه حتى لو لم يختلفا في بعض الجوانب، فإن هناك جانبا يظهر فيه الاختلاف الحاسم.
(1) من المؤكد أنه من الممكن لكل من الفيلسوف والعالم أن ينكرا بعض استنتاجاتهما (التي يعتقدان مع ذلك أنهما قدما لصالحها حججا مقنعة تسمح لهما، حسب رأيهما، بالرد على جميع الاعتراضات ذات الصلة التي تم تقديمها أو يمكن أن تثار ضدهما) وذلك ببساطة بسبب المعارضة الهائلة التي يواجهانها (لا سيما من الأكثر كفاءة وشهرة بين زملائهما)؛ ويتنازلان عنه لأنهما يستنتجان من هذه المعارضة الهائلة أن استدلالهما لا بد أن يكون غير صحيح، مع أنهما لا يران سبب ذلك. بمعنى آخر، من الممكن أن (أ) يقبلا أن ( ع) لم يتم إثباته من خلال البراهين أو الحجج التي قدماها، على سبيل المثال، من اجتماع لآخر؛ (ب) يعتقدان أنه يجب عليهما قبول ذلك حتى لا يقعا في خطأ أو ارتباك بشأن معرفة ماىإذا كانت p ؛ ولكن (ج) مع الاستمرار في الاعتقاد في وجود p نظرا لهذا الدليل أو الحجة.
(2) ومع ذلك، فمن الصعب - ولا يزال كذلك بالنسبة لكليهما - أن نتخيل أنهماىسيبدآن بعد ذلك في تبني ودعم عملهما المستقبلي بشأن المواقف التي يتقاسمها أولئك الذين يعارضونهما بشدة إذا لم يفهما بماذا يمكن للحجج أو البيانات التي قدمها ربما الأخيرون لتبرير مواقفهم التي تبرر فعلا، أو أكثر مواقفهم.
(3) لكن نقطة الاختلاف بين حال العالم وحال الفيلسوف هي: أن تأسيس عمله أو تفكيره الفلسفي على أطروحة فلسفية لا يفهم سبب فرضها لا يشكل شيئا د، وهي بالنسبة لأي فيلسوف طريقة مقبولة ومرضية لممارسة النشاط الفلسفي، وهو ما لا يحدث في العلوم. لا يتعلق الأمر بالقول إن الكيميائي، على سبيل المثال، يمكن أن يجد أنه من المرضي والمقبول الاعتماد على النظريات الفيزيائية التي يعتبرها غير مثبتة من خلال النظريات والبيانات المتاحة له والتي يعتقد أنها صحيحة وصادقة، ولكن ليقول إنه يستطيع الاعتماد بشكل كامل على النظريات الفيزيائية التي لا يفهم ما الذي يثبتها (بدلاً من غيرها، مثلا)، أو كيف يتم إثباتها من خلال البراهين التي يقدمها له زملاؤه الفيزيائيون، لأنه لا يعتبر نفسه قادرا على ذلك بتقييم هذه الأدلة بنفسه، ويعتبر أن زملاءه الفيزيائيين، الحاضرين والماضيين، كانوا وهم الآن قادرون على ذلك. وهذا هو الموقف الذي يتبناه العالم باستمرار في عمله. بمعنى آخر، إذا كان الهدف الذي يسعى إليه كل عالم هو النجاح في تكوين نظريات صحيحة أو تفسيرات مرضية للظواهر التي يريد تفسيرها، فإن تحقيق هذا الهدف (أو تقدم العلم) لا يعني بالضرورة أنه يجب عليه أن يكون مدركا لسبب وجود أي نظرية يعتمد عليها في ذلك – وهذا يعني أنه يمكن أن يجد أنه من المرضي تماما المضي قدمًا بهذه الطريقة.
إحدى الطرق المباشرة إلى حد ما لتفسير حقيقة أن الأمر ليس هو نفسه في الفلسفة هي التأكيد على أننا لا نتغيى في الفلسفة نفس نوع الهدف الذي يسعى العلماء لتحقيقه: فالأمر لا يتعلق بإنتاج نظريات حقيقية حول الأسئلة التي تهمنا. نحن ــ لأنه بخلاف ذلك كان بوسعنا أن نتفق على التعامل مع هذه التساؤلات، أو حتى اعتبارها محلولة، من خلال الاعتماد، كما يفعل العلماء، على أطروحات فلسفية لا ندرك لماذا تفرض ذاتها (لكن تتم مشاركتها على نطاق واسع جدا في المجال الفلسفي) – بدل تحقيق نوع معين من فهم كنه بعض الأشياء (السببية أو الهوية الشخصية أو المعرفة، مثلا) والذي لا يتمثل في اكتشاف الحقائق حول هذه الأشياء بالمعنى الذي يسعى العلم إلى اكتشافها. وبتعبير أدق، فإن المفهوم الذي يمكن وصفه بأنه فيتجنشتايني - والذي يتكون بموجبه من نشاط بحث وتوضيح مفاهيمي يهدف إلى وضع حد لنوع الحيرة التي يتعامل معها - قادر بطبيعة الحال على أن يأخذ في الاعتبار الفرق بين موقف الفيلسوف والعالم أمام الأطروحات التي لا يفهمون السبب الذي جعلها تفرض ذاتها.
ووفقا لهذا المفهوم، فإن المجتمع الفلسفي ليس، كما يقول جاك بوفيريس، “مجتمع المعرفة” من حيث أنه “على عكس ما يحدث في البحث العلمي حيث يمكن للفرد الاستفادة من المعرفة المكتسبة من العمل السابق دون أن يضطر إلى بذل نفس الجهود التي بذلها أسلافه، لا يمكن للعمل الفلسفي أن يكون إلا شيئا شخصيا بحتا". وبعبارة أخرى، ليس الفيلسوف، وهذا بالضبط ما يجعله فيلسوفا، بالنسبة لفيتجنشتاين "مواطنًا في مجتمع الفكر".
ومن أجل الحصول على فكرة أوضح عن نوع الفهم الذي يثبت المفهوم الفيتجنشتايني للفلسفة أنه ما نسعى للحصول عليه عندما نكرس أنفسنا له، سأسعى الآن إلى تلخيص أهم ما تضمنه مقال نير لبيتر هاكر، بعنوان "الفلسفة: مساهمة، ليس في المعرفة الإنسانية، بل في الفهم الإنساني"، ولإظهار كيف أن هذا المفهوم لديه الوسائل لمقاومة الاعتراضات التي يوجهها إليه تيموثي ويليامسون في "فلسفة الفلسفة".
(يتبع)
الرابط: https://books.openedition.org/cdf/3540?lang=fr

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟