النماذج والمجاز الحيّ: بول ريكور قارئا ماكس بلاك - ترجمة زهير الخويلدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسيمثل المرور بنظرية النماذج مرحلة حاسمة في المبحث الحالي.إذ أن فكرة القرابة بين النموذج والمجاز هي شديدة الخصوبة بحيث جعلها ماكس بلاك عنوانا لمصنف بتضمن بالخصوص تحديدا لهذا المشكل الإبستمولوجي: "النماذج والأنماط الأصلية" (التمهيد لمفهوم النمط الأصلي يفصل لاحقا).
تكمن الحجّة المركزية في كون منزلة الاستعارة بالنسبة إلى اللغة الشعرية كمنزلة النموذج بالنسبة إلى اللغة العلمية من جهة العلاقة بالواقع. غير أن النموذج في اللغة العلمية هو أساسا وسيلة استكشافية يسعى إلى اختراق التأويل غير المطابق بواسطة التخيل والتي تخط الطريق نحو تأويل جديد أكثر مطابقة.
إن النموذج حسب لغة كاتب آخر مجاور لماكس بلاك هو ماري هاس هو وسيلة إعادة وصف.
هذه هي العبارة التي أتمسك بها فيما بعد تحليلي. زد على ذلك مهما يكن فهمنا لمعناها في استعمالي الإبستيمولوجي الأولى. إن النموذج لا ينتمي إلى منطق الحجة بل إلى منطق الاكتشاف.
 ألا ينبغي إذن أن نفهم أن منطق الاكتشاف هذا لا يختزل في علم نفس الإبداع دون أي مصلحة إبستيمولوجية مخصوصة بل انه يشهد مسارا عرفانيا ومنهجا عقلانيا له قوانينه الخاصة ومبادئه الخاصة.
لا يظهر البعد الابستيمولوجي الخاص بالخيال العلمي إلا إذ ميزنا  منذ البدء بين النماذج وفق تكوينها والنماذج وفق وظيفتها، يوزع ماكس بلاك وتراتبية النماذج وفق ثلاثة مستويات. لدينا في الدرجة السفلى "النماذج حسب السلم Les modèles à l’échelle" مثل تصميم لسفينة أو تكبير لشيء صغير جدا (ساق ناموسة) أو تصوير بطيء لمقطع من لعبة أو تمثيل Simulation ونمنمة miniaturisation مسار اجتماعي، إلخ...
هذه النماذج من جهة كونها نماذج لشيء ما تحيل إليه في علاقة لا متماثلة Asymétrique تصلح  كخطة لإظهار الشيء في الهواء وكيف يستغل وما هي القوانين التي تتحكم فيه. إنه من الممكن أن نحل الرموز بالنموذج وأن نقرأ على ضوئه – خصائص الأصلي. وحدها بعض الخصائص تكون ملائمة لنموذج ما دون بعض آخر... إن نموذج ما لا يكون وفيا إلا لخصائصه الملائمة.
هذه الخصائص الملائمة هي التي تميز "النموذج حسب السلم" عن النماذج الأخرى. فهي متضايفة مع مواضعات التأويل التي تتحكم في القراءة. هذه المواصفات ترتكز على هوية جزئية للخصائص وعلى ثابت Invariance في النسب بالنسبة لكل من يملك بعدا في المكان أو الزمان. لهذا السبب يحاكي "النموذج  حسب السلم الأصلي ويعيد إنتاجه، ويطابق النموذج حسب السلم عند ماكس بلاك الأيقونة عند بيرس. يضع النموذج حسب السلم بواسطة هذا الطابع الحسي في متناولنا وحسب طولنا ما هو كبير جدا أو صغير جدا.
ينزل ماكس بلاك في مستوى ثاني "النماذج بالتناسب"  Analogiqueوهي نماذج هيدروليكية للأنساق الاقتصادية باستعمال حلقات كهربائية في الحسابات الالكترونية إلخ...
شيئان يؤخذان بعين الاعتبار (هنا) : تغيير الوسيط وتمثيل البنية بمعنى تمثيل شبكة العلاقات التي تخص الأصلي. إذ أن قواعد التأويل هنا تقوم بترجمة نسق من العلاقات إلى نسق آخر وتكون الخصائص الملائمة المتضايفة مع هذه الترجمة ما نسميه في الرياضيات المتقابل Isomorphisme حيث يتشابه النموذج والأصلي في البنية وليس في البعد الظاهر.
إن "النماذج النظرية" Théoriques والتي تكون المستوى الثالث تشترك مع سابقاتها في هوية البنية، غير أنها ليست شيء ما يمكن أن نظهره ولا ما يجب أن نصنعه، إنها ليست البتة أشياء، إنها تدشن بالأحرى لغة جديدة مثل لهجة أو لسان يوصف من خلالها الأصلي دون أن يصنع. كذلك تمثل ماكسوال لحقل كهربائي بواسطة سائل خيالي له خصائص مضغوطة. هنا الوسيط الخيالي ليس سوى حيلة تذكرية من أجل إدراك العلاقات الرياضية عقليا.
ليس المهم أن يكون لنا شيء يقبل الرؤية الذهبية بل الأهم أن نتمكن من تطبيقه على موضوع ما، فهو من جهة معروف جدا وبهذا المعنى هو مشهور جدا ومن جهة ثانية هو غني بالضمنيات وبهذا المعنى هو خصب على مستوى الفرضية.
 يكون القدم الكبير من تحليل ماكس بلاك هو الإفلات من المراوحة المتعلقة بالوضع الوجودي للنموذج الذي يبدو أنها تفترضه تغيرات Variation ماكسوال والتأويلات الجوهرانية للأثير من طرف لورد كافان والرفض التام للنماذج من طرف دوهام. إن المسألة لا تتعلق بمعرفة هل يوجد النموذج وكيف بل حول ما هي قواعد التأويل للنموذج النظري ولزوما عن ذلك ما هي الأبعاد الملائمة Traits.
المهم هو أن النموذج ليس له من الخصائص سوى تلك التي تهبه إياها اللغة الاصطلاحية خارج كل مراقبة من طرف آلة بناء واقعية:"يتمثل جوهر المنهج في التحدث بطريقة معينة".[1]الأمر الذي يجعلنا نقر أن خصوبته تتمثل في معرفة كيفية استعماله: إن انتشاره هو سبب وجوده وأن نتحدث على الإدراك الحدسي ليس سوى طريقة مختزلة للإشارة إلى سهولة وسرعة التحكم في الضمنيات الغائرة للنموذج.
من هذا المنطلق لا تعني العودة إلى الخيال العلمي التراجع عن العقل والذهول بواسطة الصور بل تعني الاقتدار الكلامي بالأساس على البحث في علاقات جديدة حول "أنموذج الموصوف"Modèle décrit.
ينتمي هذا الخيال إلى العقل بموجب  قواعد التلازم التي تتحكم في ترجمة العبارات المحمولة على المجال الثانوي من العبارات المطبقة على المجال الأصلي. إن الذي يؤسس قابلية الترجمة بالنسبة للسان إلى آخر ويمنح العقلاني من الخيال في حد ذاته هو أيضا هذه التناظرية في علاقات، بيد أن التناظرية ليست بين المجال الأصلي والشيء المكون بل هي بين هذا المجال والشيء الموصوف.
يتمثل الخيال العلمي في رؤية روابط جديدة من خلال الانعطاف عن هذا الشيء الموصوف.
إن منطق الكشف نفسه يختزل في النهاية إلى إجراء استنتاجي عندما نلقي بالنموذج خارج منطق الكشف أو حتى تختزله إلى حيلة مؤقتة ونضيفه على وجه الخطأ إلى الاستنتاج المباشر إلى المثال العلمي الخلفي لهذا الادعاء هو في النهاية. كما يقول ماكس بلاك، "مثال إقليدس الذي وقع إصلاحه من طرف هيلبارت(235)" لنقل إن منطق الكشف ليس علم نفس الإبداع لأنه بحث وليس استنتاجا.لقد تم تثمين هذا الرهان الابستيمولوجي من طرف ماري هاس بقوله :"لا بد من تطوير وإكمال النموذج الاستنتاجي للتفسير العلمي وتصور التفسير النظري بوصفه إعادة وصف مجازي لمجال التأويل).(op. cit., 249)  
تحدث هذه الأطروحة حركتين: الحركة الأولى تحوم حول لفظ التفسير، إذ لو أنتج النموذج لغة جديدة مثل المجاز فإن وصفه يساوي التفسير، هذا يعني أن النموذج يشتغل على أرض الايستيمولوجيا الاستنتاجية نفسها من أجل أن يطور ويستكمل معايير الاستنتاجية بالنسبة إلى التفسير العلمي كما عبّر عنها س. هامبال و ب. أوبنهايم.
ينبغي أن يكون التأويل Explanandum وفق هذه المعايير مستنتجا من التفسير Explanans، وينبغي أن يحتوي على الأقل على قانون عام لا يكون قد فلت من الاستنتاج ولا يكون قد وقع دحضه تجريبيا إلى حد الآن، وأن يكون تنبؤيا.
إن الرجوع إلى إعادة الوصف المجازية ناتج عن استحالة الحصول عن علاقة استنتاجيه دقيقة بين التفسير Explanans والتأويل Explanandum. جملة وتفصيلا ألا يمكن أن نسجل ذلك على التلاؤم التقريبي. (Approximatif it.257)
هذه الوضعية من القبولية Acceptabilité هي أكثر قربا إلى التفاعل مع الأثر في العبارة المجازية من الاستنتاجية الخالصة والبسيطة. وبالمثل فإن تدخل قواعد المطابقة بين التفسير النظري Explanans والتأويل تذهب في نفس المنحى الذي يذهبه نقد مثال الاستنتاجية Déductibilité . إذ أن العودة إلى النموذج يعني تأويل قواعد المطابقة بمصطلحات توسع لغة الملاحظة من خلال الاستعمال المجازية.
أما بالنسبة للتنبؤية Prédictibilité فلا يمكن تصورها عن طريق نموذج استنتاجي كما لو أن قوانين عامة معروفة سلفا في التفسير Explanans تتضمن حوادث لم تلاحظ بعد، أو كما لو أن مجموع قواعد المطابقة لا تطلب أي جمع. إذ ليس ثمة حسب ماري هاس في "نماذج ونسب في العالم" مناهج عقلية تستكمل قواعد المطابقة بإتباع طريق استنتاجي خالص وتشكل محمولات جديدة من الملاحظة.
إن التوقع يتم حول محمولات ملاحظة جديدة، عندئذ يمكن لمجال التأويل فقط أن يعاد وصفه في لغة محمولة من نسق ثانوي. إن الحركة الثانية من أطروحة ماري هاس متمحورة حول لفظة إعادة الوصف Redescription وتعني بهذا اللفظ أن المشكل النهائي الذي يطرحه النموذج هو "مشكل الإحالة المجازية" ترى الأشياء في حد ذاتها كما لو (vue comme) (259 – 254)
 أنها تظل "بشكل يحتاج إلى تدقيق متماهية مع الطابع الوصفي النموذج، لقد وقع تغيير التأويل نفسه من حيث هو إحالة كاملة حتى التكيف مع المجاز.عندئذ ينبغي أن نذهب إلى حد رفض فكرة ثبات دلالة التأويل Explanandum ودفعها إلى بناء نظرة واقعية (256) عن نظرية التفاعل.
إن ما أخضع للتساؤل ليس فقط تصورنا للعقلانية بل تصورنا للحقيقة في الآن نفسه، يقول ماري هاس: "ترتكز العقلانية بالتحديد على التكيف التواصلي للغتنا مع العالم في انتشارها المستمر، ويكون الرمز واحدا من وسائل الأساسية التي بواسطتها يقع استكمال هذا التكيف" سنعود لاحقا إلى ضمنيات فعل وجد Etre في حد ذاته"(259).
ما هو الغنم بالنسبة إلى نظرية الرمز من هذا المرور بنظرية النماذج بإثبات أن الأشياء توجد بالشكل الذي يصفها به النموذج ؟
إن المؤلفين المذكورين متحمسين جدا إلى تطبيق النماذج على النظرية المتقدمة للمجاز عوض أن يعتبروا من صدمة العودة إلى التطبيق الابستيمولوجي في الشعرية. إن الذي يهمني هو هذا الفعل الارتدادي لنظرية النموذج على نظرية المجاز.
إن توسيع نظرية المجاز إلى نظرية النموذج ليس له من تأثير سوى تأييدا ارتداديا للسمات الأساسية للنظرية الأصلية أي التفاعل بين المحمول الثانوي والموضوع الأساسي ثم القيمة العرفانية للعبارة، وإنتاج معلومة جديدة وعدم قابلية للترجمة والاختراق عن طريق الجملة.
 يوازي اختزال النموذج إلى حيلة نفسية اختزال المجاز إلى مجرد أسلوب تجميلي، كما يتبع كل من اللااعتراف والاعتراف بين الفينة والأخرى المسالك نفسها، والأسلوب الذين يشتركان فيه هو التحويل التناسبي لمعجم مختصر (ماكس بلاك 238 op cit) ثم تكشف صدمة عودة النموذج على المجاز عن سمات جديدة له لم يكن التحليل السابق قد اكتشفها.
الضامن الحقيقي للنموذج من الناحية الشعرية ليس في البدء وبالتدقيق ما أسميناه العبارة المجازية أي
 خطاب مختصر يختزل في أغلب الأحيان في جملة، بالأحرى يتمثل النموذج في شبكة معقدة من العبارات، وأن الأمر الذي يقابله هو  المتتابع أو الحكاية والاستعارة.
إن ما سماه تولمين "التبيين النسقي" للنموذج هو مجرد رمز معزول له معادلة في الشبكة المركزية.
 تلتقي هذه الإشارة الأولى مع الملاحظة التي أبديناها في بداية هذه الدراسة حول أن الأثر الشعري من حيث هو كل -القصيدة- يرسم عالما وأن التغيير في القياس الذي يفصل المجاز من حيث هو القصيدة المنمنمة (بيردسلاي Beardsley) عن القصيدة نفسها من حيث هي مجاز مكبر يستدعي تمرين تكويني لشبكة في الكون المجازي.
يضعنا مقال ماكس بلاك نفسه في اتجاه التقابل الذي يشكله العقلاني مع المخيلة في مستوى استعمال النماذج والذي لا يوجد نظيره إلا في نوع من المجاز يسميه ماكس بلاك النمط الأصلي (وهو من جهة أخرى عنوان مقال : نماذج وأنماط أصلية).
يطمح ماكس بلاك من خلال هذا التعيين إلى بعدين يخصان بعض المجازات: طابعها الجذري وطابعها النسقي systématique، علاوة على ذلك هذان البعدان هما متضامنان، فالمسالك المجازية-   لو استعرنا اللفظ من ستيفان – س – بابر- هي أيضا المسالك التي تنظم المجاز في شبكة ( مثل شبكة كورت لوين التي تسمح بتواصل الألفاظ مثل حق واتجاه ومظهر مكاني وضغط وقوة وحد وسيولة إلخ...).
إن الإشارة حاسمة لأننا أحسسنا مع نيلسون غودمان بضرورة إخضاع الأشكال المعزولة إلى رسوم شامات تتكلم في مملكات مثل مملكة الأصوات المحولة برمتها إلى النظام المرئي. يمكن للمرء أن يترقب من المجاز تأدية وظيفة مرجعية مقامة بواسطة شبكة مجازية وليس عن طريق عبارة رمزية معزولة.إضافة إلى ذلك أن ينبغي التحدث عن شبكة مجازية أكثر من التحدث عن النمط الأصلي بسبب استعمال هذا اللفظ من طرف التحليل النفسي اليونغي. اذ تعود القدرة النمذجانية Paradigmatique لهذين النوعين من المجاز إلى طابعهما العذري أكثر من عودتها إلى طابعهما الترابطي Inter-connexion).
يمكن لفلسفة معنية للمخيلة أن تضيف إلى الفكرة البسيطة حول "النظر عبر روابط جديدة (ماكس بلاك op. cit 237) فلسفة نافذة في الآن نفسه في العمق بواسطة مجازات جذرية وفي الاتساع بواسطة مجازات ترابطية (نفس المرجع 241).
 إن المزية الثانية عند المرور بالنموذج هي الأخذ بعين الاعتبار الارتباط بين الوظيفة الاستكشافية وإعادة الوصف. إذ يحيلنا هذا التقريب صدفة إلى فن الشعر عند أرسطو. إن المرء يتذكر كيف ربط أرسطو بين المحاكاة Mimesis والأسطورة Mythos من خلال مفهومه عن الشعريةPoïesis  التراجيدية. إذ يقول:" إن الشعرية هي محاكاة للأفعال الإنسانية لكن هذه المحاكاة Mimesis تتم من خلال إبداء حكاية أو حبكة والتي تظهر أبعاد تكوين ونظام خالية من مآسي الحياة اليومية".
عندئذ ألا ينبغي أن نفهم العلاقة بين الأسطورة والمحاكاة Mimesis/ Mythosفي الشعرية الإغريقية على أنها علاقة تخيلية وإعادة وصف في نظرية النماذج؟
في الواقع تظهر الأسطورة كل أبعاد الجذرية والتنظيم وفق الشبكة التي منحها إلى الأصليات أي إلى المجازات التي هي من مرتبة النماذج. ليست المجازية بعدا محكوما بالقوة بل أسطورة عن ذاتها. تتمثل هذه المجازية في وصف مجال أقل معرفة مثل نظيرها في النماذج – الواقع الإنساني بالاعتماد على علاقات المجال التخيّلي ولكنه معروف بدرجة أكبر – الحكاية التراجيدية باستعمال كل فضائل "التبيين النسقي" المتضمنة فيها تمتنع المحاكاة أن تمثل صعوبة ومصدر هفوة لأنها لا تفهم بألفاظ النسخة بل بإعادة الوصف.
ينبغي أن نقرأ الصلة بين الأسطورة Mythos والمحاكاة Mimesis وفق معنيين : إذا كانت التراجيديا لا تبلغ تأثير المحاكاة إلا بإبداع الأسطورة فإن الأسطورة تخدم المحاكاة وطابعها الإنعطائي Dénotatif  العميق.
ولو تكلمنا وفق ماري هاس تصبح المحاكاة Mimesis اسم الإحالة المجازية. هذا ما أشار إليه أرسطو نفسه عبر هذه المفارقة:" إن الشعر هو أكثر قرب إلى الماهية من التاريخ الذي يتحرك داخل العرض Accidentel.ّ إن التراجيديا تعمل على رؤية Voir الحياة الإنسانية مثلما تظهرها الأسطورة بعبارة أخرى تمثل المحاكاة البعد الإنعطائي للأسطورة.
إن هذا الدمج بين الأسطورة والمحاكاة هو الأثر الوحيد لكل شعر تراجيدي، وهو يظل أكثر سهولة فقط في الكشف لأن الأسطورة تأخذ من جهة شكل الأقصوصة والمجازية تتعلق بحبكة الخرافة لأن المحال إليه يتكون من جهة أخرى بواسطة الفعل الإنساني بإظهاره تجانسا أكيدا مع بنية الأقصوصة عبر مجرى حركتها.
إن عمل كل شعر تراجيدي هو الدمج بين الأسطورة والمحاكاة، إننا نتذكر الذي قام به ناتوب فراي حول الشعري والشرطي، ولكن ماهو الشرطي Hypothétique؟
إن اللغة الشعرية وفقا للنقدي المتوجه نحو الداخل وليس نحو الخارج و نحو بنية الأسلوبMood  وحالة النفس لا تساوي شيئا خارج القصيدة نفسها أي هي التي تحصل على صورة القصيدة من حيث هي ترتيب علامات.ألا ينبغي أن نصرح أولا أن الأسلوب هو الشرطي الذي تخلقه القصيدة والذي أصبح يحتل المكان الذي كانت تحتله الأسطورة في الشعر التراجيدي حسب هذا العنوان؟
ألا ينبغي أن نقول فيما بعد عن هذه الأسطورة الغنائية أنها متصلة بالمحاكاة الغنائية وأن الأسلوب المخلوق بهذا المعنى يكون نوعا من النموذج من أجل النظر مثل Voir comme  والإحساس مثل Sentir comme؟
أتحدث في هذا المعنى عن إعادة الوصف الغنائية بهدف إدماج العنصر التخيلي الذي تأخذه نظرية النماذج بعين الاعتبار في صلب التعبير حسب رأي نيلسون غودمان.
 ليس الإحساس الذي وقع تقطيعه بواسطة القصيدة أقل استكشافية من الخرافة التراجيدية ولا تصبح الحركة نحو داخل القصيدة متعارضة تعارضا محضا وبسيطا مع الحركة نحو الخارج. انه يعني فقط انفكاك مع المرجعية البديهية  ومع الارتفاع بالإحساس إلى الشرطي وإبداع خيال عاطفي : لكن إذا ما أردنا أن نحتفظ بالمحاكاة الغنائية بالنسبة إلى حركة نحو الخارج وهي الأثر عينه للأسطورة الغنائية فإنما ينجم عن الأمر الذي يجعل الأسلوب Mood أقل استكشافية من الخيال في شكل أقصوصة.
 تعود مفارقة الشعري في مجموعها إلى كون الارتفاع بالإحساس نحو الخيال هو شرط انبساطه المحاكاتي، إذ أن "وحدة مزاج أسطوري يقدر على الانفتاح واكتشاف العالم".
لو تم تكوين هذه الوظيفة الاستكشافية للأسلوب بطريقة يصعب معرفتها فهذا يعني دون شك أن التمثيل أصبح القناة الوحيدة للمعرفة ونموذج كل علاقة بين ذات وموضوع في حين إن الإحساس يكون أنطولوجيا بطريقة مغايرة للعلاقة عبر المسافة لأنه يمثل شريكا في الشيء.(1)
 لهذا السبب لا يجد التعارض بين الخارج والداخل أي اعتبار هنا. إن الإحساس لا يكون داخليا ولا ذاتيا وإن الإحالة المجازية تجمع بالأحرى ما سماه حتى دوغلاس بورغرون "الشامات الشعرية للحياة الداخلية وموضوعية الأنسجة الشعرية". (2)
إن شامة شعرية تعني ظاهرة مرئية ما سواء كانت ملاحظة بالعقل أو متخيلة تجريديا والتي تستعمل كوسيلة من أجل التعبير عن شيء معين يخص الحياة الحميمية للإنسان أو عن واقعة غير مكانية بصفة عامة(248) ، هكذا تظهر بحيرة الثلج في عمق جحيم دانتي إذ أن قول نورثروب فراغي أنّ العبارة الشعرية موجهة وفق معنى يجذب إلى المركز ّCentripète  هو قول يعني فقط كيف ينبغي أن نتفادى تأويل الشامة الشعرية وفق معنى كوسمولوجي. لكن شيء ما يقال عن ضرب للوجود لبعض الأنفس التي هي في الحقيقة نفوس مثلجة.
إننا سنناقش فيما بعد معنى تعبير "في الحقيقة" وسنقترح تصورا "ثوريا" للحقيقة المجازية Métaphorique في حد ذاتها.إذ يكفي الآن أن نقول أن الفعل الشعري لا يصور مجازيا الأحاسيس التي تتصف بها "أنسجة العالم" والسمات غير الإنسانية التي تتحول إلى تصاميم حقيقية للحياة الداخلية.
إن ما يسميه دوغلاس بورغرون واقعة بسيطة هو الذي يعطي دعامة لصورة الحياة الداخلية التي تصبح نظيرا لهذه الحالات من النفس التي يعتبرها  تورثرو بافراي بديلا عن كل حالة. إن "خط الأمواج المفرح" في قصيدة هودرلاين ليس حقيقة موضوعية بالمعنى الوصفي ولا حالة نفسية بالمعنى العاطفي. إن المراوحة تطرح بالنسبة إلى تصور يختزل الواقع منذ البداية في الموضوعية العلمية. إن الإحساس الشعري يفصح عن نفسه عبر تعبيراته المجازية بلا تمييز الداخلي عن الخارجي ردا على ذلك تقول الأنسجة الشعرية لعالم "الأمواج المفرحة" والشامات الشعرية للحياة الداخلية ل"بحيرة الثلج" بتكامل الداخل مع الخارج. يرفع المجاز هذا التكامل من الخلط واللاتميز إلى التوتر بين قطبين.
 إن الانصهار التعاطفي الذي يوجه غزو ثنائية الذات – الموضوع هو آخر، وإن المصالحة التي تتجاوز التعارض بين الذاتي والموضوعي هو آخر. هكذا إذن يطرح سؤال الحقيقة المجازية، ويصبح معنى لفظ حقيقة موضع سؤال على الأقل.
 إن المقارنة بين النموذج والمجاز هي التي تشير إلى الاتجاه أي أن الإحساس الشعري هو أيضا الذي يطور تجربة الواقع والتي يتوقف فيها الإبداع والاكتشاف عن التعارض مثلما يوحي بذلك الدمج بين التخيل وإعادة الوصف.لكن ماذا نعني عندئذ بالواقع؟
 
ترجمة لفصل من كتاب بول ريكور المجاز الحي من صفحة 302الى صفحة 310
 
كاتب فلسفي
[1] حسب عبارة ستيفان تولمان مذكور 239.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟