أنفاسL’éducation Un trésor est caché dedans
قراءة وتلخيص العربي اسليماني مفتش التعليم الثانوي اسـا/الزاك
 مقـدمـة : يلعب التعليم دورا أساسيا في التنمية البشرية ؛ إنه ليس عصا سحرية لحل مشاكل الألفية الثالثة، ولكنه وسيلة فعالة للتفكير فيها بهدوء وحصافة .
ففي سياق العولمة وشدة المنافسة، و الزحف الكاسح للمعارف والتكنولوجيا ، تقدم اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادي والعشرين ، برئاسة جاك ديلور ، تقريراً ، ترى فيه أن التربية الوظيفية واللازمة ينبغي أن تقوم على أربع دعامات أساسية ، كما ينبغي أن تتخلى عن الجانب الكمي للمعرفة ، وأن تخلق أنظمة سلسة ، تتميز بتنوع المسالك التعليمية، والربط بين مختلف الأسلاك : من الأساسي إلى الجامعة . وكل ذلك مرهون بتوفير الوسائل الديداكتيكية الكافية ، وتحسين وضعية المدرسين ، وإشراك جميع الأطراف المعنية في صياغة السياسات التعليمية ، وتجاوز ثنائيات القرن المتعددة ، بما فيها التوتر بين المحلي والعالمي ، بين التقليد والحداثة ، وبين الاستبداد والديمقراطية . 
الفصل الأول  : من المجتمع المحلي إلى المجتمع العالمي
أثارت اللجنة إشكالية النمو الديمغرافي وما يترتب عنه من حاجيات، ثم تحدثت عن عولمة الأنشطة البشرية و إعادة رسم خريطة العالم الاقتصادية بالنظر إلى العولمة التي أفرزت تكون شبكات علمية وتكنولوجية وإعلامية تربط مختلف مراكز البحث والإنتاج. لقد كان للتكنولوجية الحديثة أثر كبير على الإنسانية التي وجدت نفسها مضطرة لمواكبة المعارف المتدفقة واتخاذ مواقف مشتركة إزاء الهجرة والمشكلات البيئية واللغوية والتعليمية .(ص 39-40 –43  و194-195).
إن عالم ما بعد 1989(انهيار الاتحاد السوفياتي) عالم متعدد المخاطر، رغم ما تحقق من مكاسب حداثية وديمقراطية. فلا يزال التوتر قائما بين المحلي والعالمي، كما أن تزايد الارتباطات العالمية زاد في تعميق الهوة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وبين الفئات المحرومة والفئات الميسورة داخل المجتمع الواحد .
في خضم هذه التحولات وجدت المجتمعات النامية نفسها بين الانخراط في الحداثة والعولمة ، والارتكان إلى الجذور والهوية المحلية.
لذلك ، ترى اللجنة أن من مسؤوليات التربية أن تجعل الفرد والمجتمع قادرين على فهم العالم، وبالتالي فهم الآخرين ، وكذلك الفهم الحقيقي للأحداث والوقائع دون الانغماس في الذاتية .(ص85)
- فهم هذا العالم، من خلال فهم الروابط التي تجمع بين الكائن البشري ومحيطه:

  أنفاس لايمكن الحديث عن الطفرة النوعية التي تعرفها مناهج التعليم ببلادنا دون الحديث عن بيداغوجيا الكفايات التي تعد جوهر هذه الطفرة , و ملمحا أساسيا من ملامح إصلاح نظام التربية و التكوين . هذه البيداغوجيا التي شكلت قطيعة مع النزعة التقليدية السلطوية المهيمنة على الفعل التربوي منذ عقود , وتجاوزا ذكيا  لبيداغوجيا التدريس بالأهداف المغرقة في نزعتها السلوكية .
و مكمن الجدة و المغايرة في هذه البيداغوجيا هو تفعيلها لفلسفة و مضامين الميثاق الوطني للتربية و التكوين , و المتمثلة أساسا في :" جعل المتعلم بوجه عام , و الطفل على الأخص , في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل خلال العملية التربوية التكوينية ..."(1) , و ذلك بتبني " نهج تربوي نشيط , يجاوز التلقي السلبي و العمل الفردي إلى التعلم الذاتي , و القدرة على الحوار و المشاركة في الاجتهاد الجماعي"(2) .
إلا أن ترسانة الصيغ و المقاربات البيداغوجية لا تكفي وحدها لتفعيل و أجرأة هذه المضامين ما لم تصاحبها قراءة رصينة لشخصية الطفل بكل أبعادها الحركية و النفسية و الاجتماعية , و القدرة على توجيه إمكاناته و قدراته و ميولاته التلقائية بشكل يخدم مسار تعلمه.               
المــحــــــــــــور الاول : اللـعــب
تقول الدكتورة سوزانا ميلر أخصائية علم نفس الطفل" لقد ظلت كلمة "لعب" زمنا طويلا تعبيرا يشبه سلة المهملات اللغوية التي نلقي فيها بكل سلوك اختياري , و لكن لا يبدو له أي استعمال واضح من الناحية البيولوجية أو الاجتماعية"(3) .
و بالفعل فإن العديد من الآباء و الأمهات بل حتى المربين يخفقون في فهم ماهية اللعب و ضرورته الحيوية بالنسبة للطفل, إذ يعدونه سلوكا فارغا من أي محتوى وظيفي , و عائقا أمام التحصيل الدراسي , و قد غاب عنهم أنه أول بوابة يلجها الطفل لاكتشاف نفسه أولا , ثم استكشاف العالم.
إنه موقف يبدو غريبا إذا قورن بلحظة الاعتراف بالقيمة العملية للعب, والتي ترجع إلى زمن أفلاطون و أرسطو, حيث نادى الأول في كتابه " القوانين" بتوزيع تفاحات على الأطفال لمساعدتهم على تعلم الحساب, و منح  أدوات بناء مصغرة لمن يتوقع أن يكونوا بنائين في المستقبل, بينما دعا الثاني إلى تشجيع الأطفال على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه بشكل جدي حين يصيرواراشدين  .

أنفاس 1 - تقديم :
تعتبر المدرسة الوسيلة التي اصطنعها المجتمع بجانب الأسرة  لنقل الحضارة ونشر الثقافة وتوجيه الأبناء الوجهة الاجتماعية الصحيحة كي يكتسبوا من العادات الفكرية والعاطفية والاجتماعية التي لا تساعدهم فحسب على التكيف الصحيح في المجتمع بل كذلك على التقدم بهذا المجتمع، فالمدرسة والأسرة هما إذن  المؤسستان التي اصطنعها المجتمع للإشراف على العملية الاجتماعية.ولهذا فهما الوسيلتان التي من خلالهما يمرر الإنسان لأجيال المستقبل تجربته الماضية ثم مخططاته ومشروعاته المستقبلية والتي تدخل بشكل عام ضمن ما يسمى بالبرامج التربوية ، بشكل ضمني كما هو الشأن في كل أسرة ، أو بشكل مهيكل ومنظم كما في المدرسة ... لكن استقلال المؤسستين واختلاف طبيعتهما على مستوى التركيبة وكذلك الإمكانات ثم التسيير والتدبير ، جعلهما ( وفي نظر الكثير) يختلفان ولا يتعاونان بشكل مستمر لتحقيق الهدف الفعلي لكل واحدة منهما والذي هو في الأصل هدف مشترك . ولأن المجتمعات تختلف في تراثها الاجتماعي ونظمها السياسية والاقتصادية تبعا لاختلاف مناهجها الفسلفية العامة ورؤيتها للإنسان والحياة بصفة عامة، ولكل أفراد المجتمع رغبة أكيدة في الحفاظ على كيان مجتمع بما فيه من قيم وأساليب معيشة وهي القيم المستمدة من خبرتهم عن الأجيال وحياتهم الاجتماعية لذلك فهو يرى بقاءها واستمرارها من أجل بقاءه.
  فالمدرسة والأسرة تعتبران المؤسستان التربويتان الأكثر أهمية بين بقية المؤسسات الأخرى، نظرا لدورهما الفعال في العمل الهادف والمنظم تبعا لأهداف المجتمع وفلسفته ككل. إذن فما هو هذا الدور ؟ وهل يمكن أن تكون هناك تربية صحيحة بدون مدارس ؟ وماهو دور الأسرة ؟ وما علاقة المدرسة بالأسرة ؟ وكيف تساهم كل من المدرسة والأسرة في تنمية المجتمع ؟ وفي التنشئة الاجتماعية للأفراد ؟ 
2 -   مفهوم المدرسة  :
يرجع أصل لفظ المدرسة école إلى الأصل اليوناني schole والذي يقصد به وقت الفراغ الذي يقضيه الناس مع زملائهم أو لتثقيف الذهن[1]. فتطور هذا اللفظ بعد ذلك ليشير إلى التكوين الذي يعطى في شكل جماعي مؤسسي ، أو إلى المكان الذي يتم فيه التعليم ، ليصبح لفظ المدرسة يفيد حاليا تلك المؤسسة الاجتماعية التي توكل إليها مهمة التربية الحسية والفكرية والأخلاقية للأطفال والمراهقين في شكل يطابق متطلبات المكان والزمان...

Hkthsيفيد علم النفس التربوي في بحوثه من التقاطع بين علم نفس النمو وعلم النفس العرفاني. ومبحث التعلم إذ ينصرف إلى الاهتمام بالمتعلم، إنما ينطلق من أمرين اثنين يعتبرهما حجر الزاوية ومدار الاهتمام، هما: النمو من جهة وسيرورة الإدراك من جهة ثانية.
إن النمو عبارة عن عملية تكامل في التغيرات الفيزيولوجية والنفسية، تهدف إلى تحسين قدرة الفرد على التحكم في البيئة، وهي عملية منظمة تسير وفق أسس، وتتقدم بناء على قواعد يمكن التعرف عليها ودراستها. والمعرفة بهذه المبادئ ضرورية من أجل أن يفهم المدرس المتعلمين. إذ عليه أن يدرك العملية التي تتفتح خلالها إمكانات الفرد الكامنة وتظهر في شكل قدرات ومهارات، وصفات وخصائص شخصية.
يعنى علم نفس النمو بمختلف المراحل التي يمر بها الإنسان من البداية إلى النهاية، وهذه المراحل المتتابعة إنما تمثل حلقات متصلة يمر فيها الإنسان من النقصان إلى الاكتمال، ثم ينحدر به العمر حتى لا يعلم من بعد علم شيئا. ودراستها إنما تساعد المربي في معرفة خصائص الأطفال والمراهقين و تَبَيُّـن العوامل التي تؤثر في نموهم و سلوكهم. فمتى عرف طريق توافقهم في الحياة توصل إلى بناء المناهج وطرق التدريس وتمكن من إعداد الوسائل المُعينة في العملية التربوية. وإذا فهم الوظائف والأنشطة المعرفية وجد ما يساعده على تعيين أفضل طرق التربية والتعليم التي تناسب المرحلة ومستوى النضج.
سنهتم من الأمر بمرحلة المراهقة وننظر في مستويين منها، هما: المستوى العرفاني والمستوى الوجداني، ونحاول أن نتبين دور كل مستوى منهما في تنمية المستوى الآخر وتأثيره عليه، على ما بين المستويين من تداخل قد يمتنع معه الفصل، إلا استجابة للاقتضاء المنهجي .
تستمد المراهقة قيمتها من كونها تمثل المرحلة الفاصلة الواصلة بين مرحلتي الطفولة والنضج. وتتميز هذه المرحلة بجملة من الخصائص المتعالقة، يعنينا منها الجانبان الوجداني والعرفاني.
لما كانت الأهداف مدخلا مناسبا للنظر في العملية التعليمية باعتبارها فعلا استراتيجيا يستهدف إعداد المتعلمين معرفيا ووجدانيا ونفسيا حركيا، فإننا سننظر في المسألة من جهة ما له صلــة بالأهداف التعليمية بقسميها العرفاني والوجداني.

اأنفاستدور الرواية التربوية حول شاب صغير السن يريد أن يستوضح نفسه، ويطلع على العالم، ويجمع خبرات أولية بالواقع. إنها تناقش جدال شخصية مع ميادين مختلفة للواقعة، وتؤكد التوتر بين الشخص والعالم، وبين المثال الأعلى والوجود الواقعي، وتظهر من هناك نقاط اتصال بالسيرة الذاتية ورواية المجتمع والعصر.‏
ويستخدم البحث إلى جانب مفهوم الرواية التربوية مفهوم رواية النمو. ويعد بعض الباحثين مصطلح رواية النمو على أنه مفهوم أعلى وأشمل، ويتبنون في الرواية التربوية الطابع المميز للقرن الثامن عشر، وبعضهم الآخر يستعمل المفهومين استعمالاً مترادفاً. ويتعلق الأمر في الرواية التربوية بتعليم البطل أو القارئ، وهي تصف التعليم سواء أكان هدفاً، أي نقطة نهاية التطور والنمو، أم كان طريقاً في هذا الاتجاه.‏
ويعود مفهوم الرواية التربوية إلى كارل مورغنشتيرن الذي عرضه في محاضراته في مدينة دوربات في الأعوام 1810 و1919 و1920 على النحو الآتي: تصف الرواية التربوية تعليم الأبطال حتى مستوى محدود من الكمال، إنها تشجع تعليم القارئ وتعرض تعليم مؤلفها وخبرته بالعالم. (انظر مارتيني) ويصف مورغنشتيرن رواية غوته (1) (فيلهلم مايستر) بأنها مثال بارز على هذا النوع الأدبي. إن صياغة مورغنشتيرن لهذا المفهوم لم تسترع إلا انتباهاً قليلاً في بداية الأمر فقد فرض تحديد ديلثي الجديد المصطلح أولاً. ذلك أن ديلثي أطلق في عمله (حياة صانع النقاب، المجلد الأول، 1870) على مثل هذه الروايات اسم الروايات التربوية التي تنتمي إلى موروث فيلهلم مايستر، ويفصّل الكلام في (مقالة هولدرلين) (2) في مجلد تحت عنوان (التجربة والشعر، 1910) بأن الروايات التربوية تصور إنساناً صغير السن يبدأ الحياة، ويلاقي الصداقة والحب، ويقع في نزاعات مع الوجود الواقعي، ويجمع تجارب الحياة، ويجد نفسه ومهمته في العالم. وتصوغ الروايات التربوية حسب رأيه الانعزالية لإحدى الثقافات التي تحددت في الحياة الخاصة، وهي تظهر صراع المثل العليا مع عالم قديم. إنها تصور التطور الحتمي لأحد الأفراد في تناقضات تبدو بمظهر مرحلة مرور للنضج والانسجام. وترى سعادة الناس في تفتح الشخصية وانطلاقها. لقد ردّت تأملات ديلثي خواص الرواية التربوية إلى إدراك علم الأدب، ثم ما لبثت أن ظهرت الرواية التربوية للنقاد على أنها الشكل الروائي الألماني المميز، ورواية الشعراء والمفكرين.‏<وp>ا/div>

أنفاسلتقديم فكرة عن التعدد الجهوي والاجتماعي الموجود في مغرب نهاية القرن XVII، يورد اليوسي، في محاضراته، قول قصاص شعبي يحاول وصف هذا التعدد انطلاقا من العادات الغذائية الخاصة بكل مجموعة، على النحو التالي: "ودخلت في أعوام الستين وألف مدينة مراكش عند رحلتي في طلب العلم وأنا إذ ذاك صغير السن، فخرجت يوما إلى الرحبة أنظر إلى المداحين، فوقفت على رجل مسن عليه حلقة عظيمة، وإذا هو مشتغل بحكاية الأمور المضحكة للناس. فكان أول ما قرع سمعي منه أن قال: اجتماع الفاسي والمراكشي والعربي والبربري والدراوي، فقالوا: تعالوا فليذكر كل منا ما يشتهي من الطعام، ثم ذكر ما تمناه كل واحد بلغة بلده، وما يناسب بلده، ولا أدري أكان ذلك في الوجود أم شيء قدره، وهو كذلك يكون، وحاصله أن الفاسي تمنى مرق الحمام، ولا يبغي الزحام، والمراكشي تمنى الخالص واللحم الغنمي، والعربي تمنى البركوكش بالحليب والزبد، والبربري تمنى عصيدة أنلي وهو صنف من الذرة بالزيت، والدراوي تمنى تمر الفقوس في تجمادرت وهو موضع بدرعة يكون فيه تمر فاخر، مع حريرة أمه زهراء، وحاصله تمر جيد وحريرة"(1).
قد يتساءل القارئ: أهي مجرد محاولة لتصنيف الأشخاص المذكورين؟ أم هي طريقة خاصة بعلامة القرن XVII الكبير في تقديم الشاهد على حكمة ثبات نظام على نحو ما أراده له الله؟ سيما وأنه يضيف: "ولو عرضت هذه الحريرة على العربي لم يشربها إلا من فاقة، إذ لا يعتادها مع الاختيار، ولو عرضت العصيدة على الفاسي لارتعدت فرائصه من رؤيتها، وهكذا"(2).
مضى وقت طويل على هذا الوصف، غير أن مسألة التراتب الاجتماعي والفروق الطبقية لا زالت قائمة. مع استثناء واحد تقريبا لم يعد مدار الأمر غذاء أرضيا فحسب، بل تجاوزه هذه المرة إلى طعان من نوع آخر، إنه غذاء الفكر(3)… بتعبير آخر، بعد مضي ثلاثة قرون على اليوسي، نحن اليوم إزاء إرادة لإعادة تأهيل بيداغوجي للتراتبات الاجتماعية والجهوية والثقافية. ذلك أن بعضهم ينادي اليوم، عن طيب خاطر، بإخضاع الطفل لتكييف بيداغوجي صارم مع محيطه المباشر. ومع أن الفكرة بالية ومهملة، سخيفة وسيئة النوايا، فهي تمرر باعتبارها صيغة بيداغوجية إعجازية جديدة اكتشفها أخيرا عبقري قلما تجود بمثله السنون. هكذا، تبشرنا النبوءة، مرفوقة بدقات الطبول، بأن هذه الصيغة وحدها هي ما سيتيح للمدرسة أن تخرج من المأزق الذي تقوقعت فيه منذ وقت طويل وتنطلق، بالتالي، كي تستجيب أخيرا لتطلعات سائر "المجموعات" المدرسية.

انفاسترجمة: نور الدين البودلالي
خلال النصف الثاني من هذا القرن العشرين، تغيرت عقليات المدرسين والتلاميذ والآباء، وتغيرت آمال المجتمع وعلاقات المدرسة بعالم الشغل. ولم يعد بمقدور المدرسة أن تشتغل بنفس طريقة اشتغالها عند بداية القرن: لذلك أصبح من الضروري ابتكار مرامي جديدة، وأنماط فعل جديدة، وطرق جديدة في التربية دون أن يعني هذا إقصاء منهجيا للأشكال القديمة القابلة للاستعمال... ولا يمكننا اليوم، بأي حال من الأحوال، أن ننكر أو نتجاهل ما يقدمه كل من العلم المعاصر والتطبيقات التربوية والبحث العلمي في المجال التربوي من إسهامات.
مقدمة: الوضعية الخاصة للتربية  :
1 - للــ"معارف" في مجال (مجالات) التربية وضعية جد خاصة. إننا إزاء وضعيات لها، على الأقل، أربعة ينابيع معرفية:
المنبع الأول له صلة بشكل التفكير الفلسفي والتاريخي الخاص بالمرامي والأهداف التربوية. منبع ضروري وذو أهمية قصوى، ولهذا يعرف حاليا تجددا ملفتا للنظر ببعض الدول الناطقة باللغة الفرنسية.
بينما يتصل المنبع الثاني بالوضعية الحالية التي تولدت عن وجود مجموع وسائل الاتصال (صحف، مذياع، تلفاز، بنوك المعلومات وغيرها…) وعن وجود المنظمات العالمية الكبرى (اليونسكو على الخصوص)، التي قامت بتجميع ومراكمة عدد هائل من المعلومات المرتبطة بمجموع القضايا التربوية المطروحة على المستوى العالمي. وتشكل إمكانيات الطبع والنشر الحديثة عنصرا جديدا في بناء هذه المعرفة الوثائقية، التي سنعود إليها بالتحليل خلال هذه الدراسة.
أما المعرفة التي تتأسس انطلاقا من الـ"تجربة اليومية" للمربي أو، باصطلاح أكثر علمية (وأكثر حذلقة)، المعرفة ذات طابع النهج العلمي (praxéologique) فتشكل المنبع الثالث المتميز بغناه. لكن، وللأسف، غالبا ما تضيع "تجربة" المدرسين هذه دون الاستفادة منها، لكونها تظل مرتبطة بالشخص دون أن يطلع عليها أحد. وقد عملت الدول الشرقية على تصحيح هذه الوضعية عن طريق خلق الـ"أكاديميات البيداغوجية"، التي من بين مهامها تجميع، وبناء ونشر المعارف المتأتية عن التطبيق العملي للمدرسين.

انفاستطرق العديد من علماء النفس في نظرياتهم التي تبنوها الى جوانب النمو العقلي عند الطفل مهم سبيرمان وجيلفورد، واكثرهم شهرتا في ذلك العالم السويسري جان بياجيه، وهو عالم بايولوجيا في الاصل، اختبر جل الفرضيات والتجارب التي اجراها لدعم نظريته على طفلتيه، اذ انه كان يراقب سلوكهما ويسألهم ويحاورهما لمعرفة كيف ينمو ويتطور العقل لدى الاطفال. ومن خلال الكم الكبير من التجارب والبحوث التي اجراها هو وزملائه المؤيدين لنظريته ومن بعده تلامذته، يرى بياجيه ان النمو العقلي عند الطفل يمر باربع مراحل هي:
ا- المرحلة الحسية الحركية:
وهي المرحلة التي يستخدم فيه الطفل الاشياء المحسوسة التي يتلقاها من العلم الخارجي ويتعامل معها حركيا عن طريق يديه وعضلاته، فمثلا عندما يرى الطفل لعبة ما  يقوم بامساكها بيديه ويحاول معرفة مكوناتها واجزائها عن طريق محاولات تفكيكها او تركيبها، وهذا كثيرا ما يراه الآباء ويعانون منه، سيما اذا كانت اللعبة او الحاجة التي تصل اليها يدي الطفل غالية او ثمينة او عزيزة اذ معظم الاحيان نتيجة للعبث ومحاولة التعرف يودي الى كسرها او خرابها. يقسم بياجيه هذه المرحلة الى عدة جوانب تتضمن:
ا- جانب المرونة العضوية:
يتمثل هذه الجانب قيام الطفل بحركات عشوائية في البداية ثم تميل هذه الحركات الى الاستقرار هدفها الاتقان والدقة في ادآء العمل، تشمل الاجزاء التي تقوم بهذه الحركات العشوائية الرأس والعينين واليدين والقدمين، فمثلا امساك الطفل في البداية بالرضاعة يكون عن طريق الحركات العشوائية وغير المنظمة،ثم بعد ذلك تستقر عملية الامساك بها بشكل منظم ومتقن كلما تقدم الطفل بالعمر. هذه المرونة العضوية ترتبط بعلاقات ايجابية مع الجهاز العصبي من خلال تطور عمل هذا الجهاز مع نمو الطفل بشكل مستمر.

انفاسعندما يرتبط الرجل والمرأة بعلاقة زواج في المجتمعات الحديثة غالبا ما يتساءلان في بداية زواجهما: متى يجب أن ننجب طفلنا الأول؟ وتختلف الإجابة على هذا السؤال من أسرة لأخرى باختلاف ظروفهما الاجتماعية والاقتصادية والثقافية… ويمكن حصر هذه الإجابة في احتمالين رئيسيين: إما أن يقرر الزوجان تأخير الإنجاب بعض الوقت باللجوء إلى وسائل عديدة بانتظار أن يتمتعا أكثر بعلاقتهما الزوجية قبل تحمل مسؤولية الطفل، وبانتظار أن يوفرا للوافد الجديد الظروف الملائمة لمجيئه، وإما أن يقررا الإنجاب دون تأخير لرغبتهما في أن ينجبا طفلا في مرحلة مبكرة من زواجهما.

عندما يكون الطفل غير مرغوب فيه من طرف والديه أو أحدهما:
في بعض الحالات قد يأتي الطفل دون أن يكون مجيئه مرغوبا فيه من طرف والديه أو من طرف أحدهما على الأقل، كأن يكون مجيئه نتيجة عدم فاعلية الوسائل التي لجأ الزوجان إليها لتأخير الإنجاب، أو نتيجة خطأ في استعمال هذه الوسائل. وقد يكون الزوجان يرغبان في أن يرزقا بطفل ذكر إلا أنهما يرزقان بأنثى، أو قد يحدث العكس. وفي هذه الحالات يأتي الطفل دون أن يكون مرغوبا فيه من طرف والديه أو من طرف أحدهما، الأمر الذي ينعكس –بصفة شعورية أو لا شعورية- على تعاملهما مع الطفل حيث يرضخان على مضض للأمر الواقع مما يشعرهما بالذنب لإدراكهما أن الطفل ليس مسؤولا عن كل ذلك.

وفي مجتمعنا العربي باعتباره مجتمعا أبويا ذكوريا فإن الشعور بالذنب قد يبلغ درجة قصوى حيث يقدم الزوج، في بعض الحالات، على تطليق الزوجة لأنها لم تنجب طفلا ذكرا على الرغم من أن الرجل –من الناحية العلمية- هو المسؤول عن تحديد جنس المولود، أو قد يتزوج بامرأة أخرى على أمل أن تلد له طفلا ذكرا، أو قد يعرب صراحة عن عدم ارتياحه لمجيء الطفل مخالفا بذلك ما تدعو إليه القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية.

انفاسعلى سبيل التقديم:
على الرغم من أهمية الانكباب على موضوع «العنف» في شتى مجالاته(عنف الرجل ضد المرأة، عنف الآباء ضد الأطفال، عنف المشغل ضد العامل…)، فإن ما يمارس من عنف في مؤسساتنا التعليمية لم ينل الحظ الكافي من الدراسة والتحليل، وحتى ما أسهب فيه المحللون في هذا المجال يكاد يدور في نطاق مظاهر العنف التي يمارسها المربي على المتعلم، حيث يغدو المعلِّم/ المربِّي، من خلال هذا المنظور، رجلاً فضاً لا يرحم تلامذته، ويذيقهم أقسى العقوبات.
فقد كان هناك تركيز على ربط العنف بمرحلة معينة من التاريخ الدراسي وهو مرحلة التعليم الابتدائي مع المعلم أو ما قبله مع الفقيه، وقلما نجد تركيزاً على مرحلة المراهقة. رغم أهمية المرحلة العمرية التي يمر بها التلاميذ، بصفتها مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد، يرافقها كثير من التغييرات الجسدية والنفسية والتي تترك بصماتها العميقة في شخصية الفرد، وتكيفه مع المؤسسة والمجتمع والبيئة المحيطة به.
ذلك أن هناك حاجة ملحة للمربين وأولياء الأمور، ومن يتعاملون مع هؤلاء المراهقين إلى التعرف على خصائص شخصية المراهقين وما يرافقها من انفعالات مختلفة…بحيث يمكنهم التعامل معهم بوعي، ومساعدتهم لتجاوز مشكلاتهم النفسية، وانفعالاتهم الطارئة وردود فعلهم المختلفة… و على هذا الأساس، فإن الهدف الأساس من التعرض لقضية العنف المدرسي لدى المراهق، هو إثارة الانتباه لهذه الظاهرة التي لم تعد مجرد حديث عابر نسمعه في الشارع وكفى، بل وصلت عدواها إلى مؤسساتنا التعليمية.
وقد تمظهرت أشكال ممارسة هذا العنف المادي من خلال فعل الضرب والجرح وإساءة الآداب، والعنف الرمزي…(التحرشات المختلفة، استفحال ظاهرة الكلام النابي، تنامي السلوكات غير المتسامحة …). كل هذا وغيره هو الذي وجب التنبيه إليه، والتحذير من مغبته، وبالتالي قرع ناقوس الخطر على المنحى اللاتربوي الذي غدت تعرفه الكثير من مؤسساتنا التعليمية…

انفاس1 – المعرفي والمعنى:
في كتابه التربية الوظيفية كان إدوار كلاباريد قد أكد بأنه لا يكفي القول بأن مهمة المربي تتمثل في تنمية ذكاء مرباه، لأن السؤال الأساسي يبقى هو "إلى أي حد يمكن القول بأن اكتساب المعارف يستجيب لهذا الهدف؟" وفي نفس الاتجاه سار ديوي عندما اعتبر أن "كل درس ينبغي أن يكون جوابا"، والجواب لا يمكن أن يكون إلا نتيجة تحريك لحاجة معرفية سبق وأن طرحت بشكل صحيح وبدرجة كافية من الإدهاش والتساؤل. وتوالت النظريات والتجارب بين مغال في نزعته المعرفية (العقلية) المغرقة في شكليتها والمتقوقعة حول الطابع المنطقي/المجرد للأفكار وبين من ينظر إلى المعارف لا كوسائط شكلية، نهائية وجاهزة، بل كحياة متجددة تحرك الإنسان ويبدعها الإنسان في مغامرة لا تنقطع وتفاعل لا يفتر.
إن المقاربة المعرفية/العقلية (Le Cognitif) تعرف اليوم تجدرا وتحولا يسير نحو إعادة الاعتبار للبعد الثقافي لفعل التعلم. فحتى لدى أكثر البنائيين صرامة بدأنا نسمع عن شيء اسمه "سيكولوجيا ثقافية"، وعن أهمية أن يكون لما يتعلمه الفرد معنى يحرك الرغبة في الدخول إلى المعرفة وتمثلها انطلاقا من خلفية ثقافية موجودة سبقا. إن المعرفي (العقلي) بدأ يتجه اليوم إلى ما يصطلح عليه بما وراء المعرفي (العقلي) Le Metacognitif، أي التحليل الذي تقوم به الذات المتعلمة لوظيفتها الثقافية الخاصة قصد إيجاد نسق تفسيري Système Explicatif يتناسب مع المشكلة المطروحة أمامها، لأن اكتساب معارف جديدة يعني –كما يقول جيوردان Giordan- "إدماجها في بنية تفكير موجودة مسبقا ومكونة من معارف خاصة سابقة على الوضعية التربوية".
إن التعلم بهذا المعنى، يصبح عبارة عن تشغيل لقدرات محددة على معارف محددة ولا مجال للحديث عن قدرات عامة قابلة للتحويل (Transfert) أوتوماتيكيا. وبهذا تعد المعارف في اختلافها قابلة للرسوخ البنيوي La prégnance كإضافات حقيقية وليس كوسائط شكلية ترسخ قدرات متعالية على المعاني الحقيقية لوجودها وانتقالها وتطورها.