تأملاّت سريّاليّة في شجيرة البرتقال: ظلّها لامس خافيّة الرُوح - د. الحبيب النّهدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

" توقظ الرموز الخبرة الفرديّة وتحولّها إلى فعل روحي "

"Les symboles éveillent l'expérience individuelle et la transmuent en acte spirituel" Mircea Eliade, Le sacré et le profane, Editions Gallimard , France, 1965 p 179

-----
في لهيب صيف،
حدّثتني شُجيّرة برتقال خضراء.
عن "روحانيّة مرئيّة"
ومدّت ظلّها في دمي
"كان ما كان مما لست أذكره":

وغرّد الوَقت بين ثنايا صفاء الفكر
كأنّما هنا وجها غريقا في تفاهة اليوميّ
ينظر إلى اللامرئي في ذهول

ينصت لصمت مكنّز بالامتلاء الوجوديّ
تتيه النظرة الثاقبة في الفراغ
كأنّ الصدى لا يعنيه الفرح الدائم في بلد حزين
لم أكن أُعرف أن شجيّرة البرتقال رغم الحرّ الجاف
تظلّ حبلى بثمارها
ولا تخاف القحط
،،،
أرى نفسي من بلور الحدس الشفاف
فيما لا يرونني
ويرونا الأشباح
أجادلهم بالتأويل في عالم يعلّب الأشياء كالأصنام
ويشيء الانسان
هذا عمى المعنى
ومعنى العمى
،،،
أنحلّ في تعرّش شجيرة البرتقال الخصيب
ثمارها مخضّرة في أتون حرّ الصيف
لهذا أحتاج في بعض الأنفاس أن أكون عنيدا، لأستفيق من غفوة
من صهوة في نزوة الخلود
لأجد نفسي في مطلق الوجود
يذوبني المستحيل ممكنا شهيّا
لمن عمله احباط الورد
وإخماد العطر
من نشوته العارمة في روح
كنت واقفا مستقيما في المدى ليتسع لضيق الاحلام
،،،
ايقظتني هذه الاستراحة في حركة افلاك ساكنة
تحت شيجيّرة تعرّشت غضونها في الكيّان
عدت أرى البريق في سراب الطريق
وتأملّي في شوكها حصانة لانجلاء
،،،
لم أعد غريبا
ولم أعد أريد الوضوح
ففي غرابتي يعرفني الظلّ
كزهرة من أجمل ما تملك الشموس
وتتعرى الحقيقة في جفون السحاب
،،،
ما اقبح من يستحوذ على خيرات نور!
في الحين تتلقفه الظلمة مستبدة بطين حرّ ملتبس بمسخ الروح
فراشة في شعلة الاحتراق
لا تموت
تزداد تجليّا في فوهة العقل الخلاّق
،،،
وجدتني أهرب من جحيم الحرارة
لأرتمي في أحضان ظليل
فتُدهشني "مُفارقة الثالث المرفوع"
حينما تلبسني أشعة الشمس وتذوب انتظاراتي
فحيث الانكسار هل سأحقق أبهى انتصاراتي؟
وتظلّ خَافية الروح محتفيّة بأصيل الكيان
وينسل مني وعي معتقل في الشرود
هنا ارتجاج الأفق وذكريات اغتراب
لم تعدّ موجات الغبطة لها وقع
صار الحنين مريضا
واللامرئي حزينا
ليس سهلا عليّ أن أووّل اللايقين يقينا
وحينما امتلك امتلائي في رصيف فارغ
تَهزأ بي اشباح المهزومين
الغارقين في أتون الكذب
وينحل تنفسي نفخة في ممكن يأتي ويذهب كالبرق
واندهاش يتسمّر في غبار الطريق
لأصدق كذبهم الذين لا يصدقون
،،،
كم يصطادني القلق!
وأفرّ الى مخالب الوقت
لا أستطيع أن أمجد الفناء ولا أستحضر عقال حياة جوعانه
وعطشى للمعاني
ولا ترهب الهراء المسمم بالحقد
،،،
أستظلّ تحت شجيرة البرتقال
ثمارها لا يزال أخضر لا تُجففها أشعة الشمس الحارقة
هل أستنطق الصمت وللضجيج سكون؟
ويكشف ما تمنحه الشجيرة من طاقة للروح
واستعادة عمل القداسة في قداسة العمل
،،،
لم أكن أعرف أن الحياة في أتون العدم
تلد بأقوى ما تكون بعد شهور
كانت ممزوجة برائحة عطرها الفواح
يزيل عنا رائحة وعي نتن
ويملّح عقلي ضدّ الجنون
ويستفزّني صمتي
حيث يقول كل شيء ولاشيء
والحميمي يحتضر على الهامش ويتلوّن على لون السراب
والنظر الغريق في الفراغ
ليس له ما يتأمّل
والروح تتألّم في وحدتها
تَبُّا لمن يطلب مني فرحا دائما مغشوش،
لأصحاب السعادة الاصطناعية
يضحكون بمجرد ما يقرؤون حظّهم التّعيس
او يلامسوا لاوعيهم الممسوخ .
شجيرة البرتقال تعلّمني الصمود في وجه القحط والعطش
ويظلّ قلبي دائم الخضرة ودفقة دمي كبرتقالة عالية كالقمر.
في ليلة دهماء بلا نجوم.
ليس هذا استلهاما، من وحي الطبيعة.
كان مكابدة روح تنحلّ في تربة اليومي المنساب.
أحتاج تأويلا يعقلن جنوني وجنونا يخيّل عقلي الخلاّق.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟