مقدمة
عرفت المناهج والطرق والتقنيات المتبعة في دراسة الظواهر العلمية والطبيعة والانسانية طفرة هائلة ونوعية مستفيدة من تطور النظريات والطفرة في مجال العلم بشكل مكن الباحثين وجمهرة الدارسين ونفر المختصين من صياغة قوانين متبعة في عدة حقول .
منها ما اتسم بالموضوعية والجدية وافرز نتائج قريبة من الحقيقة النسبية ،ومنها ما زال لم يحقق الامال المنشودة والغايات الممكنة والآمال المرصودة ،وفي هذا الباب والمآل  نرصد علم نفس النمو واشكالياته المنهجية من خلال اتباع نظرياته العلمية وإماطة اللثام عليه والإبحار في ثناياه وكشف مكنونه والإشكالات التي تعترضه .

تمهيد
إذا كان هناك موضوع يمكن أن يطلق عليه "القديم الحديث" فهو موضوع الدين، فعلى الرغم من قدمه حيث واكب نشأة الإنسان الأولى، إلا أنه ضل مصاحبا له خلال جميع مراحل تطوره وضل نبضه حيا وتأثيره قويا حتى هذه اللحظة، ليس هذا فقط، بل إن كل المؤشرات توحي بأن هذا التأثير يضل مصاحبا للإنسان في جميع مراحله التالية.
     وعلاقة الإنسان بالدين في مراحله التطورية المختلفة كانت تقوى وتضعف ولكن هذه العلاقة أبدا لم تنقطع حتى في الفترات التي ادعى فيها الإنسان الكفر والإلحاد فقد بقيت آثار الدين في أعماقه وفي حياته شاء أم أبى.
والمتأمل لحركة التاريخ سوف يجد أن الدين قد لعب دورا أساسيا في جل التحولات التاريخية، فدائما كانت العقيدة خلف الحركات التاريخية (بصرف النظر عن صحة هذه العقيدة أم خطئها).

يجتهد الإنسان منذ ظهوره على وجه البسيطة، و كما يحكي لنا التاريخ و جل العلوم الأخرى الطبيعية منها و الإنسانية، في شيء واحد هو كيف يكون أعلى من شبيهه الإنسان. وفي مناح كثيرة من الحياة، ومن أعقدها الى أبسط الممارسات اليومية الاعتيادية، و التي تظهر في كيفية اللباس و الأكل و المشي و الجلوس، اخترع الإنسان طرقا و مسميات تميزه عن شبيهه الإنسان. واخترع أماكن و منشآت و أدوات لتكريس هذا التمييز الذي يفيئ الإنسان الى واحد أعلى وآخر أدنى.

لقد ظهر هذا الاجتهاد بشكل صريح عند الفلاسفة الأوائل حيث  قسم أفلاطون  الإنسان حسب طبيعته  الى المصنوع من الذهب (الأعلى)، والذي يكون منه حاكم الدولة وحارسها،  و المصنوع من النحاس (الأدنى)[1]، والذي تكون منه بقية الشعب. واعتبر هذا التقسيم محددا عند الميلاد وغير قابل للتغيير كطبيعة المعادن. ومن ذلك الزمان، وربما قبله، سارت العلوم أو بعضها على الأقل في هذا الاتجاه، فرغم موضوعيتها و معزوليتها عن الانسان، شكلت أداة لتبرير التمييز بين من هو أعلى و من هو أدنى.

هذا النص هو تقديم للطبعة الفرنسية الجديدة لكتاب سيغموند فرويد " قلق الحضارة " والصادر ضمن منشورات (Points) في بداية 2010. وهو من توقيع الباحثة الفرنسية "كلوتيد لوغيل" (46 سنة) مهتمة بالفلسفة والتحليل النفسي، وخصصت أطروحتها الجامعية لبحث العلاقة بين سارتر ولاكان، كما اشتهرت بكتيبها عن الفكر الأخلاقي المعاصر الصادر ضمن سلسلة (Que sais- je) بالاشتراك مع جاكلين روس. ولاهمية هذا النص، من الناحية المعرفية والعلمية، نقوم بترجمته الى العربية :

في القرن التاسع عشر، كانت فكرة قلق الحضارة متوارية خلف ايمان بسعادة ممكنة، مكتسبة بفضل تقدم العلوم والتقنيات. فاذا توصلت التكنولوجيا البشرية الى حل مشاكل الحرمان، حتى تتمكن كل رغبة انسانية من التحقق بدون عراقيل، حتى يتمتع كل فرد بأمان لامزيد عليه، اذ ذاك تصبح دنيا الناس مثل أسطورة خيالية. بفضل قوة الصناعة، سوف تتمكن كل ذات متكيفة على نحو تام مع محيطها من اشباع رغباتها وسوف يمحي الخطر والألم من الوجود.
هذه النزعة التفاؤلية الايديولوجية ترتكز على افتراض بأن لا مجال للقلق في العقلانية، بفضل تدبير محكم للذات والعالم، وأن أي حرمان يمكم ارجاعه الى خلل عارض، وان أي لاتكيف هو مرضي مقدر له بالتالي أن يعالج بأعلى حد من الفعالية بفضل الكيمياء واعادة التربية المعرفية السلوكية وبفضل اثارة الدماغ. هكذا، سوف يكون القرن الواحد والعشرون قرن المابعد انساني وسوف يبدو قلق الحضارة نفسه كشيء ضائع، كأثر لوجود كائنات بشرية أكثر انسانية لتحقيق متطلبات المستقبل.

الوضعية الإبستمولوجية لمهام المعرفة:
من الأسئلة الكبرى التي ارتبطت بعلم النفس سواء حينما كان خطابه يعتبر جزء من خطاب الفلسفة أو منذ قيامه كمجال معرفي وعلمي مستقل له خطابه النوعي والمميز، السؤال المتعلق بالتفسير Explication([1]). إن علم النفس مثل باقي العلوم له أكثر من غاية ومهمة يسعى إلى القيام بها وإلى تحقيقها([2]). وهذه الغايات والمهام التي يتضمنها المجهود العلمي تتمثل في الفهم والوصف والتفسير والضبط والتنبؤ([3]). إنه تعدد يشمله الهدف العام للعلم([4])، بحيث يفيد إغناء المعرفة والممارسة، كما يفيد بكيفية مباشرة أو غير مباشرة الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان. ومن الواضح أن إحدى المهام الأساسية لعلم النفس تتجلى في القدرة على التفسير العلمي للمظاهر المختلفة التي يتضمنها موضوعه([5])، وما يستتبع ذلك من مصداقية ومشروعية على المستوى المعرفي.

لقد أدى هذا الأمر إلى ربط نظري وإجرائي بين الموضوعي الذي يشكل حقل الاشتغال والمنهج الذي بدوره يشكل أسلوب ووسيلة الاشتغال. وبتعبير آخر، إن تحقيق ارتباط الموضوع بالمنهج يكون من غاياته توفير إمكانية التفسير وإحلال الفهم([6])، وذلك وفق الشروط والمنطق اللذين يقتضيهما الاشتغال العلمي بصفة عامة، وما تتصف به العلوم الطبيعية والتجريبية على وجه الخصوص([7]). وهو ما شكل الإطار النموذج والمرجع بالنسبة للاشتغال بعلم النفس.

حين تتملك الباحث رغبة عارمة لتطوير الحقل المعرفي الذي ينتسب إليه، فإن المسعى الأول ينصب في الغالب حول تثوير الأدوات و المفاهيم، وإبداع رؤى ومقاربات لا تكتفي بالانسياق خلف اللحظة الراهنة في محاولة للفهم، بل تجنح صوب المستقبل تأويلا وصوغا للتوقعات و النماذج. ضمن هذا الإطار يندرج كتاب (علم النفس السياسي: رؤى نقدية) للدكتور كريستيان تيليغا، المُحاضر في قسم علم النفس الاجتماعي بجامعة لوفبرا البريطانية، والصادر في ترجمته العربية عن المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب بالكويت سنة 2016.
يسعى الكتاب إلى توصيف العلاقة بين علم النفس و السياسة عبر رؤى وأدوات مفهومية مرتبطة بتصورات منهجية و ابستمولوجية، تتيح فهما أعمق للسلوك السياسي من خلال البحث في النظم الاجتماعية و السياسية –الخطابية، و الثقافية-الدلالية. إنه توصيف يعتمد البعد التأويلي الذي يماثل عمل الأنثربولوجي في كشفه للترسبات الصانعة للمعنى، والتي يعيد المجتمع إنتاج نفسه وفقا لها. كما يهتم المؤلف بتضمين كتابه مختلف الرؤى البحثية الأوربية التي لم تحظ بغير إشارات قليلة في مؤلفات علم النفس السياسي.
إن اعتماد البعد التأويلي ستترتب عنه ثلاث نتائج بالغة الأهمية. أما الأولى فهي توسيع البؤرة التقليدية لعلم النفس السياسي و التي تنحصر في اختبار النظريات المجردة وحصر التنبؤات، مما نجم عنه في السابق إغفال التناقض الحاصل بين متطلبات المعرفة العلمية و السلوك السياسي الواقعي.
في حين تحقق الثانية تمديدا لمهمة علم النفس السياسي كي تشمل ليس فقط المبادئ العامة بل أيضا المبادئ النسبية. كما تسمح بتدشين حوار مع فروع معرفية أخرى تتيح دراسة أوسع للسلوك السياسي و الاجتماعي، كعلوم الجينات و الأعصاب، وعلم الاجتماع ، ودراسات الميديا، والفلسفة وغيرها .

تمهيد:
      وُجد الإنسان في بناء اجتماعي، وبيولوجي، ونفسي معين مقيّدا بأهواء ونوازع يحسّها مغروسة في وجوده، ولا يستطيع الحياد عنها، ويشعر أن قوة من قدره تسيطر عليه فيحاول مجابهتها بقوة من نفسه متحدّيا الأحاسيس التراجيدية التي تعتريه منذ صرخت الولادة، وهو في رحلة التحدي وإثبات الذات يظل خائفا، ومترقباّ، ومحاطا بنوازع ذاتية، وأهواء غريزية تحرك فيه غريزة البقاء، وتعزز فيه شعور الاستمرار، وتمنحه إحساسا دائما بالتحفز، والتوثب لمجابهة المنتظر المجهول، ولكن هذا الانتظار دائما ما يبعث في نفسه هواجس الخوف، وبواعث القلق.

1.    مفهوم القلق:
      يصدمنا مصطلح القلق بما يحمله من دلالات مفزعة، تعادل التشاؤم، والسّوداوية، والكآبة وتتمظهر في الحيرة والتأرجح واللاستقرار، وكثيرا ما يشعر الواحد منا أنّه غير مطمئن، وأنّ بداخله شيئا ما يؤرقه، ويزعجه، يربكه ويمتصّ راحته، ويجعله عاجزا منطويا تتجاذبه اتجاهات متناقضة في الزمان، والمكان، وتضغط على روحه عوالم روحية مثقلة بالمبادئ، والمثاليات، وأخرى مادية مليئة بالفراغ و اللاجدوى.
أ‌-     لغة:
      جاء في لسان العرب:" القلق: الانزعاج، يقال، بات قلقا، وأقلقه غيره، وإمرأة مقلاق الوشاح؛ لا يثبت على خصرها من رقّته، وأقلق الشيء من مكانه، وقلقه: حركه.
والقلق: أنّ لا يستقر في مكان واحد، وقد أقلقه فقلق، والقلقيًّ: ضرب من الحلي، قال ابن سيده: ولا أدري إلى أي شيء نسب إلاّ أنّ يكون منسوبا إلى القلق الذي هو الاضطراب، كأنّه يضطرب في سلكه ولا يثبت، فهو ذو قلق لذلك.

تمهيد
شكلت العدوانية منذ بداية التاريخ الإنساني هاجسا معرفيا يقض مضاجع المفكرين، وما زال العقل الإنساني يكد حتى اليوم في البحث عن ماهية العدوانية، ويجد في الكشف عن أسرارها وخفايا وضروب تجلياتها.
كما يمثل العدوان ظاهرة سلوكية مهمة في حياة الأفراد، فهو ملاحظ ومعروف في سلوك الإنسان السوي وغير السوي، وفي سلوك الطفل الصغير والراشد الكبير، والعدوان مفهوم غامض تتعدد معانيه وتتداخل العوامل التي تمهد له، وتتنوع النظريات المفسرة لماهيته، من هنا اختلفت الرؤى والتفسيرات التي حاولت تحديد مصادره ووسائله وغاياته ونتائجه.

تعريف العدوانية:
يستخدم مفهوم السلوك العدواني بمعان مختلفة، لذا لا يوجد تعريف واحد متفق عليه من جانب كل الباحثين نظرا لتعقده ولأن أسبابه متشابكة. إلا أن الغالبية العظمى قد توصلوا إلى أن هذا النوع من السلوك يهدف إلى إلحاق الضرر بالذات أو الآخرين أو الأشياء، وسنحاول فيما يلي تناوله من خلال استعراض مجموعة من التعريفات المتعلقة به.
يعرف كل من دولارد Dollerd وميلر Miller في كتابهما المشهور الإحباط والعدوان agression  Frustration et حيث يعرفان العدوان بأنه " فعل هدفه إيقاع الأذى والضرر بكيان ما.
ويمكن أن نجد في هذا التصور المجانس عند أرنولد باص Arnald Buss  الذي يتجنب أن يتحدث عن هدف أو غاية، حيث يعرف العدوان أنه استجابة تطلق العنان لمتغيرات مؤذية موجهة ضد شخص آخر، ويعرفها في سياق آخر بأنها عادة الهجوم. [1]