الجمعة, 18 آذار/مارس 2016 14:52

"نزيف الشمس" : نصوص زجلية ترتكز على الواقع في تجلياته و تقبض على المنفلت منه بشفافية قصوى

قيم الموضوع
(1 تصويت)

عن منشورات دار التوحيدي بالرباط، صدر ديوان زجلي تحت عنوان "نزيف الشمس" للشاعر الزجال ابراهيم ازنيدر، ويحمل غلافه لوحة للفنان التشكيلي عبد الحفيظ مديوني، ومن تصميم وطبع مطبعة دار النشر المغربية بالدار البيضاء 2013، وتم نشره وطبعه بدعم من جمعية التنمية للطفولة والشباب فرع مدينة  أبركان.
ويضم الديوان - بعد الإهداء الذي صيغ زجليا لكل من جمعية التنمية للطفولة والشباب فرع أبركان، والزجال إدريس أمغار المسناوي الذي وسمه بشيخ الضو، والناقد الزجال خالد مساوي، ولأمه فاطمة المزياتية، والتقديم المعنون ب "شقاء الوعي واختمار الإبداع" بقلم الناقد الزجال خالد مساوي-، تسع قصائد زجلية معنونة كالتالي: الأولى "شحال يقدني" و الثانية "مهرجان الكلمة" و الثالثة "محتاج" و الرابعة "أبواب على البلاد" و الخامسة "الباب الثاني على البلاد" و السادسة "الباب الثالث على البلاد" والسابعة "عجوبة العشق" و الثامنة "عشاق بلعمان" و التاسعة "غيسة ذنوب".

قصائد زجلية تنهل من الواقع حد الفضح، واقع الوطن المحاصر بالخيبات، المسيج بالانكسارات، بفعل اختيارات لا شعبية مرتبطة أساسا بما هو تاريخي حيت القوى الاستعمارية فعلت فعلتها، وخروجها ما هو إلا نوع من التحايل الذئبي، وتطور أساليب الإمبريالية، مما منح هذه الأوطان العربية بما فيها المغرب استقلالا ممنوحا بل مشكوكا في أمره، جعلت قوى الرجعية هي المتحكمة في دواليبه وتأتمر بقرارات سيدها الإمبريالي، وما الواقع الذي عايشه المواطن إلا دليل على ذلك، واقع وسمته أحداث سطرها الشاعر الزجال بكل أمانة لأنه عايشها وكان طرفا مكتويا بنيرانها، أحداث السبعينيات، وما تلاها من وقائع دامية تدخل في ذاكرة الشاعر كما الشعب المغربي بوسم سنوات الرصاص: "كيف ننطق يالساني/ والكلمة قايدها سجان/تهز الحمل للبراني/تجر للسوق تدلل بلسان/تدلل تلمع من يبليني/تخفي أصواتنا بالكريان/تعمق جراح من يعاني/ وتغطي فضايح السجان."
نصوص زجلية ترتكز على الواقع في تجلياته، تقبض على المنفلت منه بشفافية قصوى، تزاوج بين العين الدامعة والقلب المكتوي بنار القلق، تسطر هذا الواقع الموشوم بالخيبة والانكسار، بالقول الخارج من مسام الوعي والضمير اليقظ، الضمير الجمعي الذي لا يمكن له أن يتغاض عن قبح هذا الواقع في تجلياته الحياتية اليومية المشوبة بالفقر والتهميش والعطالة والمعانات وانعدام الحرية، كل هذا القبح كثفه الشاعر الزجال في علاقته بمدينته: ... مدينتي/قنطرة مسهلة الركوب/مانعة الحلم بحبوب/والحق فيها بالمقلوب/مدينتي بدايتها ختام/والراي فيها لجام/بمدينتي القحط منام… 
نصوص زجلية تحتفي بالطفولة٫ الطفولة المقهورة٫ الطفولة المغتصبة التي تعاني الويلات في مجتمع  آو بالأحرى في ظل نظام يتبنى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويدعي الانضباط للقرارات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، لكن الواقع يكذب كل هذا، وما حصل لأمينة الفيلالي، طفلة مدينة العرائش لدليل على آن وضع الطفولة كارتي داخل المجتمع المغربي، التفقير والتجهيل  والاغتصاب تم الدفع بها للانتحار: … نطق قاضي حاجة:/دم أمينة حلال؟على عريس الغفلة/ ليلة الدخلة…/… أمينة بوطن مكلوم/غياب بحضور القبايل/عريسها سجان معلوم/ الميزان للغصب مايل/قاضي حاجة لون اليوم…/… سلتني على البنات/مي فامة/ربت/سالتني على الوحش/على الخرافة/الدايرها عساس/فتحت الكتاب/لقيت العرس/غفلة على المدينة/عريس الغفلة/هز عينيه يشوف الزين/لقى آمينة /مذبوحة…
نصوص زجلية تسطر حقيقة واقع الشباب المغربي الذي استنفد العمر في التحصيل المعرفي والعلمي ليكافئ شتائم وعصي السلطة قبالة برلمان كلما رفع  عقيرته مطالبا بحقه في الشغل٬ أو ينتهي به المطاف داخل قارب من مطاد عله يصل للآلدورادو الأوربي، لكن الحلم تبخر ليصبح مجرد طعم لكائنات قعر البحر : … وهاجت الامواج/تبدل الحال/وغدر البحر/هذا ماراج/ كان المآل/البحر قبر...

نزيف الشمس، هذا العنوان المشاكس، ارتأينا أن  نتوخى الحذر في مقاربته وتركه حتى النهاية على غير العادة، فباعتباره عتبة ومدخل لأغلب قراءات الأعمال الإبداعية ولا يهم الجنس الأدبي، وهنا المسألة ليست لاعتبارات إجرائية وإنما مسألة تذوقية فقط استدعتها القراءة التفاعلية مع العمل  الإبداعي ككل. فالعتبة المعنونة ب "نزيف الشمس"، لها رمزيتها، هي المانحة للنور ، للدفء، للقوة المتجددة، وهي حتما في دلالتها المرتبطة بتيمات النصوص الزجلية للديوان تشير بكل وضوح لمكونات "الشعب" كقوة فاعلة ومنفعلة بواقعها ومحيطها الموسوم بالبؤس والتجهيل والتفقير وانعدام الآمان وغياب الحرية بما فيها حرية الرأي والمعتقد، مما يجعل هذه الشمس/الشعب تنزف وتنزف دون أن تفقد قوتها، وهجها، نضاليتها، تجددها، وهي حتما ستنتصر في نهاية المطاف ولن تخطئ موعدها مع التاريخ، لهذا جاءت موضوعات الديوان متناغمة مع عناوين النصوص الزجلية والتي تحفز على مزيد من نزيف الشمس/الشعب حتى يتجدد نصغها لتكون مصباحا وسفينا في رحلة حياة التجدد والتقدم الذي يطمح له الشاعر المبدع ابراهيم ازنيدر باعتباره"الوعي الشقي"  لنبض مجتمعه.

معلومات إضافية

  • الكاتب: ابراهيم ازنيدر
  • مجال الكتاب: الشعر
  • دار النشر: دار التوحيدي بالرباط
  • الحجم: المتوسط
  • تصميم الغلاف: عبد الحفيظ مديوني
قراءة 10785 مرات

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

آخر المقالات