الرحلة وخرق صفاء النوع ـ محمد ودغيري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

port-en-andalousieتحيلنا المعاجم العربية في مادة’’رحل’’التي اشتق منها اسم ’’الرحلة’’على معنى السير والمضي،ففي معجم لسان العرب’’الرحلة اسم للارتحال ،للمسير.يقال دنت رحلتنا،ورحل فلان وارتحل وترحل’’1،وهو نفس المعنى الذي نجده في معاجم كثيرة آخرها المعجم الوسيط.فرحل عن المكان،رحلا,ورحيلا،وترحالا،ورحلة,سار ومضى,،.وبالتالي فان المعنى اللغوي الذي يتم الخلوص إليه من التعريفين السالفين،هو أن الرحلة تعني السير والتنقل من مكان إلى آخر.
  أما اصطلاحا فلن نكون متجاوزين إذا قلنا إنه لايوجد تعريف حاسم للرحلة،وإنما هي مجموعة من التعاريف المتعددة والمختلفة. وهو أمر يرجع إلى الى كون القواميس العربية لم تخصص لهذا المفهوم حيزا في صفحاتها،ولم تعتبره مفهوما ينهض إلى جانب المفاهيم الأخرى الدارجة في حقل الأدب والمعرفة عموما.


   إن كل ما نقف عليه هو إشارات ونعوت اهتمت بالوظيفة والغاية من الرحلة  مغيبة المفهوم في ذاته،فحتى المعاجم شبه المتخصصة اكتفت بتعريف أدب الرحلات بشكل عام،فهو’’أدب يدخل في درس الصورلوجية’’أي دراسة صورة شعب عند شعب آخر,ومن رواده ج ماري كاري,رفاعة الطهطاوي,أنور لوقا.ويتبع أدب الرحلات عادات وتقاليد وتأثيرات اقليمية.3.
  إن هذا الغبش الذي يغلف تحديدنا للرحلة،يرخي بظلاله على كل عملية تحييز أوتجنيس،وذلك لانفتاح النص الرحلي على مجموعة من الأنماط الخطابية المتنوعة،من حيث الأشكال والمحتويات،فهي تجمع في خطابها مابين المذكرات ،المناجاة،الوصف التصويري،المدونات السياسية،الاثنوغرافيا،التاريخ...الخ.الشيء الذي يجعل شكلها يتصف بالهجنة وخرق قانون صفاء النوع،مادام جنسا بلاحدود.

  ومن العوامل المساهمة في هجنة النص الرحلي ،عامل تنوع الهوية الثقافية والاجتماعية للرحالة المؤلف.فهو إنسان يشتغل في حقل الأدب أو مهتم بالتاريخ أو جغرافي، و مكلف بوظيفة دبلوماسية ،كأن يكون سفيرا أو مبعوثا من طرف السلطان ،إلى غير ذلك من الوظائف.كل هذا التنوع ينعكس بشكل مباشر على النص الرحلي الذي يأتي موسوما بالطابع الذي يفرضه كل اهتمام من الاهتمامات السالف ذكرها،وبالتالي تعدد وتداخل أشكال الخطابات الرحلية.
    هذا التعدد والتداخل طرح الرحلة كخطاب موضع سؤال عريض ،هل تنتمي إلى الأدب, أم إلى الجغرافيا،أم التاريخ،أم هي جماع كل ذلك وغيره؟وقد أنتج ذلك عددا من الأجوبة اختلفت باختلاف أصحابها ومجالات اشتغالهم،كما عمق صعوبة تحديد هذا النوع من الخطاب  ،وهو ما يفسر بعض التحديدات ’’الضبابية’’التي انتهى إليها عدد ممن يشتغلون بالخطاب الرحلي,,,
  يقول جبور الدويهي إنها نوع من التعبير الأدبي والضبابي.كما يعتبرها بول هازارنوعا أدبيا غير واضح الحدود يمكن أن يسكب فيه أي شيء.أي أنه نوع أدبي تتلاقح فيه مجموعة من الأنماط الخطابية.
   من خلال التعريفين السالفين يمكن استخلاص أمرين اثنين ؛أولهما انتماء الرحلة إلى حقل الأدب -فهي نوع أدبي-.وثانيهما انفتاحها واستيعابها لمجموعة من الأنماط الخطابية الأخرى كالتاريخ والجغرافيا وغيرهما.
   رغم الغموض الذي يطرحه انفتاح النص الرحلي وعدم وضوح المحددات التي تؤطره كجنس،إلا أن لهذا الانفتاح أهمية كبرى،فالنص الرحلي وحده القادر على مخاطبة التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع ...بشكل مباشر واستثمار معطياتها في إغناء مضمونه ،وتوسيع مجالات البحث فيه؛ فهو نص أدبي ممتع بلغته وخصائصه الفنية ومفيد بما يتضمنه من معارف ومعطيات،فضلا عن كونه وثيقة تاريخية يمكن للدارسين الاعتماد عليها في معرفة مجموعة من الحقائق المتعلقة بحضارة ما،زيادة عن كونه مرجعا جغرافيا يوفر للباحث إمكانية التعرف على طبيعة مجموعة من الأقاليم والمناطق الجغرافية.هذا الأمر الأخير الذي يفسر ازدياد اهتمام الجغرافيين وإقبالهم على دراسة كتب الرحلات عموما.

   وعلى العموم فسواء اعتبرنا الرحلة جنسا أدبيا له شكله الخاص الذي يميزه عن باقي الأنواع الأخرى،أو اعتبرناها خطابا له منطق خاص، فإننا لا نملك إلا’’أن نقرن الحديث عنها بنعت الطرافة،لأنها تسعى أن ترصد ماتراه عجيبا وغريبا،وهي كذلك لأن الرحالة أيا كان تكوينه المعرفي ،وأيا كانت أذواقه وعقيدته وانتماءاته،وأيا تباينت الحوافز في الرحلة فإنه يتقمص شخصية القاص أو السارد’’4   

هوامش
1-ابن منظور-لسان العرب-مادة’’رحل’’
2-المعجم الوسيط.مادة’’رحل’’
3-سعيد علوش،معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة-عرض وتقديم وترجمة-ص 57
4-سعيد بنسعيد العلوي ،أوروبا في مرآة الرحلة ،منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط،سلسلة بحوث ودراسات،رقم 12،الطبعة الأولى 1995،ص 14

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟