ألقى الموج بالجثة على الشاطئ كانت عالقة بصخرة تشبه لوحا من ألواح ركوب البحر ، كان صاحبها يضرب بيديه بين الحين والحين كما تفعل السلحفاة تماما وهي تنزع نحو البحر لتنجو من خطر الكواسر ، كان الملح يعلو شفتيه ، و هو يهذي بين الفينة والأخرى ، طبعا لم أحاول أن أقدم له أي مساعدة أو إسعاف ، أولا لأنه لم يطلبهما مني ، وثانيا لأنني لا اعتقد أن ذلك ضروري ، يفيده أو يفيدني ، بل كنت أتمنى لو استطيع أن انسلخ من واقعي وأشاركه أحلامه ، فجلست إلى جانبه أسترق السمع ماذا يقول الإنسان لحظة وقوفه على العتبة الفاصلة بين عالمين.
قال :كانت لي قطعة أرض من أبي هدية له من أجداده، سقاها بدمه، ترابها بعض عظامه، بعض عظامي.
سكتت الجثة: أخذت حجرا ورميته في البحر فتلقته سمكة وعندما عرفت حقيقته تركته وانصرفت.
عادت الجثة تهذي:
زرعت القطعة وردا فجاء لونه بلون الدم، ورائحته رائحة الجنة، أعيش على استنشاق عبيره ؛ يسعدني وينعشني فلا أحتاج غيره ومنه تزوجت وأنجبت أطفالا، رائحتهم العبير وعيشهم العبير.
سكتت الجثة: أخذت حجرا ورميته في البحر فتلقته سمكة وعندما عرفت حقيقته تركته وانصرفت فقلت لها أنت طماعة.
عادت الجثة تهذي:
وجاءت الغربان من أعماق الوديان ،وأحاطت الحديقة وحطت فوق شجيرات ورودها ، فأفسدتها بمناقيرها وعصير مؤخراتها ، صارت الحديقة نعيقا أسودا ،صار الورد زبالة ، النعيق والسواد يقتلان الورد، صارت حديقة الورد حديقة غربان.
سكتت الجثة: أخذت حجرا ورميته في البحر فتلقته سمكة وعندما عرفت حقيقته تركته وانصرفت فقلت لها أنت طماعة احذري أن تقتربي من الشط فإنه موبوء .
عادت الجثة تهذي:
ذهبت إلى الراقي أطلب رقية تبعد عن حديقتي الغربان ؛ فتح كتابه أغلقه ، واستسمحني حتي يستأذن السلطان، لأن الأمر لا يتعلق بالحمام وطيور الكروان ، ولكنه يتعلق بالغربان.
عاد الراقي وقال: الغربان محمية، وأنت وحديقتك طعم للغربان، قضاء وقدر ذاك ما رآه السلطان.
سكتت الجثة: افتقدت السمكة، لم تظهر؛ ثم طفت كانت قد تسممت فماتت . وصارت عندي الآن جثتان وأنا، تحوينا جثة كبرى تنهشنا الغربان.
تحدثت الجثث بلسان واحد للريح التي جاءت معانقة أمواج البحر تندب الحياة وتسأل عن فتوى السلطان للراقي:
غربان لا تعرف العد، فتقسم أرزاقها بالميزان،لا تعرف معنى للوجدان ، لا فرق لديها بين الألوان ، ولا بين الآباء والولدان ، الفرق بين الممصوصين والسمان لأن هذا يحدده الميزان ، كفتان ثابتتان لا تتحركان ؛ هما ملجأ الملهوف، والمرعوب، والخائف الوجلان ، هما علامة السلم والأمن والآمان.
قضاء وقدر ! أي القضاءين ، وأي القدرين أيها الراقي ؟
هذا قضاء عن علم مطلق سبحانه فهو الخير المطلق ، وهذا قضاء عن جهل مطبق فهو شر مطبق ، سم قاتل ، موت ماثل ، يطارد مؤشرات الحياة ، قضاء عدو قضاء ، قضاء مطلق سبحانه يترك لقضاء مطبق أن يقتل ذاته بذاته ، يقتل أبناءه ، محيطه ، ماءه ، وسماءه .
هذا قدر مطلق يوظف العلم المطلق فهو خلاق، مبدع، ينوع الحياة، ويوسع الأمل في الممات، تتضرع إليه المخلوقات شاكرة، تعبده على تنويع في الطقوس و تقدسه مع ثراء في العادات والعبادات.
وهذا قدر يحكمه الجهل، والقصور، يسمم التربة والجذور، يسمم الأجواء والبحور، يدمر، يلتهم ، ينشر الشلل، يفني ، يميت.
لبشاعة جهله، و فظاعة قهره ، تخندق في ترسانات من الأسمنت سماها مراكز ومقرات ، تحميه شرطة وجيوش بدبابات ،وبواخر وطائرات ، قدر هو عصابات ، إدارات، مقاولات ، متاهات ضاعت فيها الحقوق والغايات.
قدرنا فساد متماسك، طبقة من الزيت المحروق والمواد السامة ، اعتلت سطح البركة ، سكنت أعماق غيمنا بلونه الرمادي المائل إلى الصفرة ، لون الموت يلمع ، يتبخر يتسرب في كل اتجاه ، يقتل حيثما وصلت روائحه النتنة وصادفت ذرة حياه ، يقتل حيثما وصلت أمواجه الآسنة، يعكس النظيف خبيثا ؛ يكسر ، يرد أشعة الشمس الطاهرة مدنسة موبوءة ، يحول الخير أذى احتل الأرض، احتل الفضاء، وباء،خواء مسك عصا القدر ، و لبس جبة القضاء ، وفتح فاها ، ثقبا أسودا رهيبا ، يصرط كل بادرة خير ،كل أمل فيه مؤشر نماء.
فروا فوق أجنحة الموت، فوق نعوشكم، على أشلاء عروشكم، فروا لا تهابوا البحر فهو ليس عدوا لكم كما زعموا، ولكن العدو منكم وهو دوما
وراءكم، فروا لعل بعضكم ينجو من القدر، ينجو من سطوة القهر والجوع ؛الشر والفقر .
فروا لعل القدر سبحانه يرحم فيكم بذرة خيرة ، شذت في هذه الأمة الفاسدة ، التي بادت قبل أن تسود ، وغوت وزاغت مختارة ،وأقسمت ألا ترعوي أو تتوب أو تعود ، فجعلت فسادها لحمتها وتاجها ، وولت أمرها فساقها ، ومنحت قيادها جهالها ، فشكلوا قدرا وقضاء ، ما رأت مثلهما منذ فجر الخليقة أرض أو سماء.
فروا ما أقسى، القدر المصنوع، ما أقسى الجهل المشروع، ما أقسى القضاء المخطط الموضوع، القوا بأنفسكم في الماء، ما ألطف وارحم الماء.
وجاءت الغربان من أعماق الوديان ،وأحاطت الحديقة وحطت فوق شجيرات ورودها ، فأفسدتها بمناقيرها وعصير مؤخراتها ، صارت الحديقة نعيقا أسودا ،صار الورد زبالة ، النعيق والسواد يقتلان الورد، صارت حديقة الورد حديقة غربان.
سكتت الجثة: أخذت حجرا ورميته في البحر فتلقته سمكة وعندما عرفت حقيقته تركته وانصرفت فقلت لها أنت طماعة احذري أن تقتربي من الشط فإنه موبوء .
عادت الجثة تهذي:
ذهبت إلى الراقي أطلب رقية تبعد عن حديقتي الغربان ؛ فتح كتابه أغلقه ، واستسمحني حتي يستأذن السلطان، لأن الأمر لا يتعلق بالحمام وطيور الكروان ، ولكنه يتعلق بالغربان.
عاد الراقي وقال: الغربان محمية، وأنت وحديقتك طعم للغربان، قضاء وقدر ذاك ما رآه السلطان.
سكتت الجثة: افتقدت السمكة، لم تظهر؛ ثم طفت كانت قد تسممت فماتت . وصارت عندي الآن جثتان وأنا، تحوينا جثة كبرى تنهشنا الغربان.
تحدثت الجثث بلسان واحد للريح التي جاءت معانقة أمواج البحر تندب الحياة وتسأل عن فتوى السلطان للراقي:
غربان لا تعرف العد، فتقسم أرزاقها بالميزان،لا تعرف معنى للوجدان ، لا فرق لديها بين الألوان ، ولا بين الآباء والولدان ، الفرق بين الممصوصين والسمان لأن هذا يحدده الميزان ، كفتان ثابتتان لا تتحركان ؛ هما ملجأ الملهوف، والمرعوب، والخائف الوجلان ، هما علامة السلم والأمن والآمان.
قضاء وقدر ! أي القضاءين ، وأي القدرين أيها الراقي ؟
هذا قضاء عن علم مطلق سبحانه فهو الخير المطلق ، وهذا قضاء عن جهل مطبق فهو شر مطبق ، سم قاتل ، موت ماثل ، يطارد مؤشرات الحياة ، قضاء عدو قضاء ، قضاء مطلق سبحانه يترك لقضاء مطبق أن يقتل ذاته بذاته ، يقتل أبناءه ، محيطه ، ماءه ، وسماءه .
هذا قدر مطلق يوظف العلم المطلق فهو خلاق، مبدع، ينوع الحياة، ويوسع الأمل في الممات، تتضرع إليه المخلوقات شاكرة، تعبده على تنويع في الطقوس و تقدسه مع ثراء في العادات والعبادات.
وهذا قدر يحكمه الجهل، والقصور، يسمم التربة والجذور، يسمم الأجواء والبحور، يدمر، يلتهم ، ينشر الشلل، يفني ، يميت.
لبشاعة جهله، و فظاعة قهره ، تخندق في ترسانات من الأسمنت سماها مراكز ومقرات ، تحميه شرطة وجيوش بدبابات ،وبواخر وطائرات ، قدر هو عصابات ، إدارات، مقاولات ، متاهات ضاعت فيها الحقوق والغايات.
قدرنا فساد متماسك، طبقة من الزيت المحروق والمواد السامة ، اعتلت سطح البركة ، سكنت أعماق غيمنا بلونه الرمادي المائل إلى الصفرة ، لون الموت يلمع ، يتبخر يتسرب في كل اتجاه ، يقتل حيثما وصلت روائحه النتنة وصادفت ذرة حياه ، يقتل حيثما وصلت أمواجه الآسنة، يعكس النظيف خبيثا ؛ يكسر ، يرد أشعة الشمس الطاهرة مدنسة موبوءة ، يحول الخير أذى احتل الأرض، احتل الفضاء، وباء،خواء مسك عصا القدر ، و لبس جبة القضاء ، وفتح فاها ، ثقبا أسودا رهيبا ، يصرط كل بادرة خير ،كل أمل فيه مؤشر نماء.
فروا فوق أجنحة الموت، فوق نعوشكم، على أشلاء عروشكم، فروا لا تهابوا البحر فهو ليس عدوا لكم كما زعموا، ولكن العدو منكم وهو دوما
وراءكم، فروا لعل بعضكم ينجو من القدر، ينجو من سطوة القهر والجوع ؛الشر والفقر .
فروا لعل القدر سبحانه يرحم فيكم بذرة خيرة ، شذت في هذه الأمة الفاسدة ، التي بادت قبل أن تسود ، وغوت وزاغت مختارة ،وأقسمت ألا ترعوي أو تتوب أو تعود ، فجعلت فسادها لحمتها وتاجها ، وولت أمرها فساقها ، ومنحت قيادها جهالها ، فشكلوا قدرا وقضاء ، ما رأت مثلهما منذ فجر الخليقة أرض أو سماء.
فروا ما أقسى، القدر المصنوع، ما أقسى الجهل المشروع، ما أقسى القضاء المخطط الموضوع، القوا بأنفسكم في الماء، ما ألطف وارحم الماء.
