الفلسفة ـ حميد الحريزي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

DSC 0146 2بمناسبة مرور ((888)) على ميلاد الفيلسوف العربي الاسلامي  ((ابن رشد))
الفلسفة ، اذا جاز لنا  ان نسميها  علما  فهي  علم التساؤل  والتغيير  وعدم الثبات ،  علم التفكر  والتطور ...
الفلسفة منهج  تفكير  لا يؤمن بوجود أرضية  ثابتة  غير قابلة  للتغير ، غير قابلة للزحزحة ، سواء بعوامل  التعرية  او  بتغيير  طبيعة  مكوناتها  عبر الزمن  مهما طال  او قصر ....
لاشك ان ظهور  الفلاسفة  والنظريات  او المناهج الفلسفية  لايأتي من فراغ ، هي وان بدت  نشاطا عقليا  متفردا   لذات منفردة ،  لكنها  بالتاكيد  ناتجة عن  ظروف  اقتصادية  وثقافية  اجتماعية  محددة ، انها استجابة  غير محسوسة  وغير مباشرة  لتفكر واقع  معاش  وظواهر  بارزة  او مستترة  ،  هذه  العلامات   او هذا ((الوحي))  يختار من  آلاف  او ملايين العقول عقلا مميزا قادرا  على فك   رموز اشاراته  وايحائاته  لصياغتها  في  نظرية  فلسفية  تبدو  وكأنها   انتاج  عقل  الفرد  الشخص  الناطق بها ،  بلا ريب ان  هذا الشخص  هو المتفكر دائم التفكر، الفطن  اللماح  الغير مستسلم  لفروض الواقع المعاش والنظريات  والمسلمات السائدة  في عصره ، انه  المشكك  المشاكس  ، الذي   يؤمن  بان  (( لا ثابت  الا المتغيير ))،  هذه الخصوصية   تضفي  على الفيلسوف  هيبة  وسمات  وصفات  الانبياء   ولكن وحيه  أرضي  محسوس  ومشهود ...


ومن خواص الفلسفة  انها سباقة  في استكناه  امكانية  التطور  المعرفي  وفتح نوافذ تبدو عصية  على الفتح  في ظل واقع راكد ، العلوم   الصرفة  لاحقة وملتحقة  بالفلسفة  دوما .
تجارب الانسانية  تشير  بوضوح  الى حقيقة  ارتباط التطور  الانساني  في عصور النهضة  والتنوير  بازدهار  الفلسفة  والتفلسف ، وشاهدنا  على ذلك  الدور البارز  للفلسفة  في عصر المأمون وبروز الفكر  المعتزلي  المتنور  امتدادا  الى ابن  رشد  حيث  تأرجح الفكر الفلسفي التنويري بين مد وجزر  وحسب  طبيعة  الطبقة السياسية  الحاكمة وطبيعة  الحراك  الاجتماعي  خلال هذه الفترة ....
 نخلص من ذلك ان  ازدهار الفلسفة  وحضورها  الفاعل  يرافق  دائما لعصور الازدهار   الثقافي والاقتصادي  ، تحت ظل طبقة  سياسية حاكمة  لا تعاني من  أزمة حكم مما  يبعد عنها هاجس الخوف والقلق من التساؤل والتفكر  والتفلسف   هذا الذي تعتبره الطبقات  المأزومة  خطرا كبيرا يهدد وجودها ، وبذلك  تشن  حربا  قاسية  ضد الفلسفة  والفلاسفة  والمتفلسفين  سعياً الى  تأبيد سلطانها  وهيمنتها  حتى  اعتمدت  مقولة   ((من تفلسف  تزندق )) ،  الزندقة تهمة  خطيرة  غالبا ما تؤدي بمن  توجه  ضده لصعود حبل المشنقة  أو قطع الرأس بسيف السلطة  ومقصلة الحكم  ولنا في التاريخ العربي  الاسلامي وتاريخ شعوب  العالم  الاخرى  امثلة كثيرة   حول المصير المؤلم  الذي حل  بالمتفلسفة وبالمؤلفات الفلسفية  وبأنصار التفلسف وصلت  حد الحرق  حيا ....
 ومن يسلط الاضواء  على واقع المجتمعات  العربية  يلمس المدى  المذهل  لاهمال  الفلسفة  والتفلسف خصوصا  ضمن المناهج التعليمية  والتدريسية  وعلى  مختلف المستويات  والمراحل  الدراسية بما فيها  المعاهد  والجامعات ....كما يشهد  واقع الاستهجان والتهكم  على المتفلسف والمهتم بالفلسفة  تعليما  او انتاجا  وقد يوصف بالمخبول  والموسوس  والمجنون ...
 ففي الوقت الذي  نشهد وجود مئات المنظمات والاتحادات والروابط لمختلف العلوم والفنون  والاداب نكاد نلمس انعدام كامل  لمثل هذه  الروابط وهذه المنظمات المهتمة  بالفلسفة  والتفلسف ...
 كما اننا نشهد عظم التقدير  والتبجيل  لنجوم مختلف الالعاب  والفنون والآداب  والعلوم  الاخرى  ولكننا  لا نشهد و لا  نلمس  ادنى اهتمام  بالفلاسفة  والمتفلسفين  والمنتج الفلسفي  العربي  خصوصا والاسلامي عموما ...
هذا الحال ناتج كما نرى   من  حالة الركود للحراك  الاجتماعي  المتزامن  مع ركود العمل الفكري والجسدي  المنتج  في هذه البلدان وهيمنة ثقافة الاستهلاك  وهيمنة شريحة سياسية  متخلفة  وطفيلية  من بقايا الاقطاع  والبرجوازية الطفيلية  التي  اسميناها اختصاراً(( الاقطاوازية )) على  سدة الحكم  في هذه البلدان ،  وهذه   ((الاقطوازية )):- هي طبقة غير منتجة  تعيش ازمة هيمنة  طبقية  وهي  على رأس السلطة  وان جل ما تخشاه هو التساؤول والتفلسف  والتفكر  في حقيقة الاشياء والظواهر  ومنها الاسباب وراء  هيمنتها على سدة الحكم  واحتكارها  للسلطة  دون   شرعية  او وجه حق ....
 هذا الامر يدفعها  لتبذل المستحيل  من اجل  تابيد التسطح الفكري ، الجامد،  الراكد، المرتد على ذاته حد التفسخ ،  والمنقب  دوما في كهوف الماضي  المندثر  لأيجاد  ما يبرر  سلطته   وحكمه  لان  فتح اية  نافذة ضوء  نحو المستقبل  تشير  الى عدم استحقاقه  وضرورة نبذه   وبطلان حكمه ...
وغالبا  ما  يقام حلف  و تخادم  بين الطبقة السياسية الحاكمة ورجال ((الدين )) من السلفيين  والتكفيرين  والمتطرفيين للوقوف بوجه اية  بادرة  تشيع روح التساؤول والتفكر في الواقع المعاشي والوجودي  للانسان  تحت  حكم  السلاطين ..... والأمر  يبدو  واضحا  جليا  كون   الدولة العربية الاسلامية يجلس على هرمها  الخليفة او الامام  او السلطان الحاكم بامر الله  وهنا  تتضح لنا  اسباب  محاربة الفلاسفة في  فترات  الحكم اللاشرعي  والغير عادل  في التاريخ العربي الاسلامي  وتوضح  أسباب  محاربة الفكر المعتزلي  الناهض  وحركة  أخوان  الصفا  ومن بعدهم   ((ابن رشد))  ومن سار على نهجه  في  العقلانية والتنوير  على ايدي واقلام  وفتاوى   وعاظ السلاطين  من المتفلسفين أمثال  الغزالي  ومن ناصره  من المرجئة  وفرق    اخرى ...
 رغم  موجة  ((الربيع )) العربي في اكثر من بلد عربي  ، لم نشهد الا  خريفا  للفكر والفلسفة ونكوصا  نحو  عصور التخلف والظلام  ، لأنها هبة   ل((غوغاء)) التخلف والتسطح  الغارقة في  بحر الخرافة  والغيبية  والتقديس  المقموعة من قبل الانظمة الديكتاتورية  المنهارة  او المستبدلة  والتي كا ن ديدنها محاربة الافكار التنورية  والفلسفات   التقدمية  المستنيرة  والدعم المستتر  للمشعوذين  والمتأسلمين  وادعياء التخلف  والسلفية  باسم الدين  والتدين  الذين   لا يريدون ان  يتزحزحوا  من مستنقعات التعفن  الفكري  التقليدي  متناسين   حقيقة انه  لولا التفكر والتدبر  لما كانت  الأديان  ومنها الدين الاسلامي الذي كان  ثورة على السائد  الخرافي المتخلف  الظالم المستبد  وكأنهم  يتمثلون ب ( امية وابي جهل)  واضرابهما  ويتناسون   محمد  رسول الله   وعلي وعمر  والغفاري  أعمدة  التنوير  وعماد الدين .....
 فوصف  ((الربيع)) العربي انما هو كذبة  يراد بها تضليل  القوى المهمشة   من تغييرا قد حصل   ، رغم انه تغيير في الوجوه  ضمن الطبقة  الحاكمة نفسها  أرادت  هذه  الوجوه  وبالتخادم  مع  أسيادها من قوى الرأسمال العالمي والصهيونية العالمية  أن تصادر  ثورة حقيقية  نامية   في رحم الحراك الأجتماعي التواق  للحرية  والعدالة ، وأجهاض  المولود الثوري  المرتقب  قبل  ان  يستكمل  نموه الطبيعي  الذي  لا مكن ان يكتمل  الا  برعاية برجوازية وطنية منتجة  وطبقة وسطى  فاعلة  وطبقة عاملة واعية  وحلفائها من شغيلة  الفكر  واليد .
 هذه الطبقات  المخنوقة والمعاقة بدرجات  متفاوتة  تابع  لمدى  اعتماد  الدولة المعينة على اقتصاد  ريعي  بترولي  من عدمه ..... مما مكن  القوى التقليدية  المتدينة وغير المتدينة  ان  تطفو على السطح وكانها  هي اداة التغيير والتثوير  ولكن بالاتجاه  المعاكس  لقانون التقدم  والتحضر  والمدنية  وبنسب  متفاوتة  حسب قوة   الريع البترولي  وثقافة  الاستهلاك  ودرجة سيطرتها  على الاغلبية  المهمشة  ، لذلك نرى تفاوتا   واضحا في  نسبة نضج  ((الثورات )) في التونس   فمصر فسوريا  فالعراق  فليبيا  بالتوالي ......
ان اهم مؤشر على  التقدم والتحضر والمدنية  هو ازدهار  الفلسفة  ومنهج التفلسف  المتسائل ، الطامح   بالتغيير  وتجاوز التقليد ومظاهر التخلف  الاجتماعي  والثقافي ....
 وبمناسبة مرور ((888)) عاما  على ميلاد  الفيلسوف  العربي  الكبير  ابن رشد  لايسعنا  الا  ان  نقف  باجلا ل واحترام  وتقدير لفكره  وفلسفته   وكفاحه   الشجاع  من اجل   التنوير والعقلانية ، في الوقت  الذي  نغبطه على  ولادته  وترعره في ذلك العصر  رغم  قساوته  ، قياسا بما  نعيشه   نحن اليوم   وسط  هيمنة ذئاب التكفير الاسلاموية  المسعورة ، بمختلف الاشكال والعناوين  تبدء بالقاعدة ولا تنتهي  بداعش  ونظريتهما   من المذاهب الاخرى ، التي اقالة  ((الله)) الخالق  لتقيم  قيامتها بدلا عنه  على كوكب الارض ....
  مقالتنا  المتواضعة هذه  هي دعوة  لكل   من يدعي نصرته   للمدنية والحداثة  والتقدم  ان  ينتصر للفلسفة   ويعمل  من اجل  نشر روح  التفلسف  واحتضان   ورعاية  الفلاسفة  ومعاهد   ودور دراسة  الفلسفة  بمختلف   مشاربها  وتوجهاتها  ، التي  تقارع الفكر بالفكر ، وبالفكر فقط ..... فالفلسفة هي  ((المنقذ)) و ((المخلص)) من  واقع التخلف  والفوضى  والخرافة  المهيمن  على  الفكر الجمعي  العربي الاسلامي ....

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟