أصوات تثقب جدران الجسد - حميد ركاطة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاس

====1===
مند أن أدركت معنى الأشياء من حولها ،وهي ترى ابن عمها ماثلا أمامها ،تحبه فيكرهها ،تتعلق به فيسحب يدها ويصدها .كانت مشاحنتها معه يصل الى حد لا يطاق ،ورغم كل دلك فقد كانت دوما رفيقة دربه في الكتاب والمدرسة ،ومساعدة له في أعمال الحقل وجليسته في أماسي الشتاء الباردة ،داخل مطبخ الأسرة القروي قرب موقد النار .
بين الدفء والدخان اشتد عود الصغيرة الوديعة استوت وأينعت لتصبح مرمى لأعين شباب القرية ،يحاصرونها ،يضايقونها ،فتعود إليه باكية مشتكية ،وككل مرة تثور ثائرته ،يشتط غضبا وحنقا يخرج مهتاجا نحو غريمه ،لكن بمجرد ما يواجهه يعود إلى رشده ويهدأ روعه دون أن يجرأ على تعنيفه أو حتى الكلام معه ،كان يحس وكأن يدا جبارة تمسكه من قفاه ،تفرمله تسحبه بقوة إلى الخلف تجره إلى دلك الركن المظلم قرب المسجد تطبق على فمه فيختنق وينهار ،يتجمد في مكانه .
====2===
كانت صفية دائما تشعر ببرودته وغور صمته في أعماق جسده النحيف ،حاولت مرارا اتارثه بشتى الطرق ،أغرته ،قبلته ،داعبته ،لكنه كان دائما شاردا ومنفلتا من قبضتها ،تحس بحرقته العجيبة ،بلوعته الخفية فتحاول استفزاز رجولته بحركاتها بعيونها ،بغنجها ،لكن صدى كل محاولاتها كان يتردد في الخواء …أضحت تحس بالوحدة والفراغ المهولين ،يؤرقها سؤال أنثوي غريزي حول ماهية من تحب ،هل هو فعلا….؟

جاءته يوما عند الغروب وهو متكئ على صخرة كبيرة يدخن “سبسيه” الفواح بروائح القنب الهندي …كان المكان مرتفعا قليلا ومطلا على الدوار الذي تظهر بيوتا ته في الأسفل كزهور ياسمين وسط سجاد أخضر ،كان يتأمل في ملكوت الصمت شارد الدهن والفكر والحواس …رسمت على خده قبلة حارة لكنها لم تستطع ادابة الجليد بداخله …لم تثره ،فدب في قلبها اليأس واستسلمت لتجلس لسنوات في حضرته الجليلة كمريدة على درب التصوف دون أدنى ردود أفعال تذكر .
===3===
ذات صباح خريفي ،حلقت فجأة وسارت أمامه كغيمة شاخت قبل أوانها بعيدا عن دوار”آيلة”* باتجاه حقول نائية عانت من الجفاف لسنوات .
مرت الأيام وعبد الرحيم يداري لوعته ووجده ،حبه وهيامه ،صعد ذات صباح فوق سقيفة منزلهم ،جلس في مكانه المعتاد ،حاول الانصهار داخل بوتقة عالمه الفريد ،فاغر ورقت عيناه بالدمع حتى أخد يجهش بالبكاء ،أثقلت الذكريات كاهله وعادت به إلى نقطة البداية ،تراءى له طيف صفية وهو محلق في السماء كفراشة رشيقة ،جميلة ورائعة ،ضاق به المكان ونزل يتجول بين الحقول محاولا محو صورها المتحركة في ذاكرته بقوة وعنف ،أحس بجروحه تزداد ؛وبلوعته تكبر ،تمنى لو تحول إلى فراشة ،وحلق بقربها ،يهديها باقة نجوم براقة …لم يشعر ألا وهو يمشي راجلا نحو محطة سيارات النقل السري وقلبه يهفو إليها ويخفق بقوة …أسرع الخطى فسقط تألم وعاد إلى رشده ..توقف وصاح بأعلى صوته ..صفية ..صفية..ليعود أدراجه وحيدا بين حقول شديدة الاخضرار.توجه نحو عين ماء رقراقة تحت أشجار تين ظليلة ،جلس ،مد يده ليغترف حفنة ..فلاح له شبح على وجه الماء الصقيل ،تراجع مذعورا التفت ورائه بسرعة فبدت له الحقول جرداء والأشجار يابسة ..لكن سرعان ما بدت له صورة صفية وهاجة بديعة منيرة كالبدر،انشرح صدره وعلت محياه ابتسامة عريضة ،هدأت روعه ،أشعل سيجارة مخدرة وأخذ يئد فيها حزنه بشراهة ؛زاغت نظراته بعيدا فأحس بألم في أعماقه ،اعترته حسرة عميقة وطفق يشتبك مع شيطان أحزانه وأشجانه في أحاديث هادئة ،اختفت صورة صفية فجأة فمسح المكان بعينيه من جديد وغادره بسرعة.
===4===
دخلت صفية عالمها الجديد فوجدته صاخبا فاقدا لكثير من الإنسانية ،كانت “البراكة” تتواجد وسط حي صفيحي بدوار “بوكرعة”* أحد أكبر أحزمة الفقر بمدينة مكناس ؛حاولت البدوية الصغيرة التكيف على مضض مع واقعها الجديد ،تحاول كل مرة بأن تقنع نفسها بعدم تهورها وتسرعها في زواجها المفاجئ ،تعلل ما حدث بكونه مجرد نصيب لها لاأقل ولا أكثر “مكتوب ومقدر” وأنها اختارت ومستعدة لتحمل تبعات اختيارها .
كانت تريد رجلا فحلا يكسر عظام أضلعها يخلخلها يعتصرها ،يروي ظمأ بساتين أزهارها الظمأى المتعطشة للخصب فوجدت كل هده الميزات والصفات في عباس .
كان هدا الأخير يعمل كحمال بسوق الخضر بالجملة بالحي الصناعي رجل قوي البنية طويل القامة محب للحياة ،كان يقضي اليوم كله في العمل وعندما كان يعود في المساء ،كان يجد زوجته الصغيرة بانتظاره وقد هيأت له مائدة تعبق أطباقها المتواضعة بروائح زكية ،يغسل أطرافه بماء دافئ يعتدل في جلسته ويشرع في الأكل بينما هي وكعادة النساء “الجبليات “تجلس أمامه في الجهة الأخرى المقابلة له ،منهمكة في تحضير براد الشاي على ضوء قنديل غازي …كان يلاحظ أن سنا صفية أشع من نور القنديل …كان يأكل ويتلدد باختلاس نظرات إلى جسمها البض ،وصدرها الناتئ الذي يشع حيوية ورعونة ..إلى محياها الساحر منصتا إلى الهدوء المحيط به …ليشعر بنشوة غريبة ورغبة رهيبة .كلما دنت منه يشم رائحة جسدها وهو يعبق بأريج بساتين قرنفل وحبق وياسمين …فينتشي …لكن سرعان ما يتكدر صفو سعادة لحظاته عندما ينظر إلى عينيها ،فيلاحظ أنهما تخفيان أسرارا وأحزانا دفينة ..فيحاول عبثا ككل مرة فك رموزها وكشفها ،لكن دون جدوى .
من خلف صمتها كانت صفية تختزن حزنها الدفين تغزله حسرات وآلام ،تجتره بمرارة ،فيحاول عبثا إخراجها من عزلتها ،يحكي لها عن سوق الجملة وصخبه ؛عن أنواع الخضر والفواكه الباهظة الثمن عن سحر دوق بعضها ،عن روائح المأكولات التي تعبق بها الدكاكين المجاورة للسوق ،عن اللغو المتطاير عن نساء المدينة …عن حيل اللصوص وأفعالهم داخل دلك الشريان الحيوي ،عن نوادر بعض التجار ومستملحاتهم ..لكنه كان يفشل ،يشعر بالأسى ..يتمدد على الأرض ينكمش ..يصمت وينام ..مؤنبا نفسه معانقا لحسرته وهو يعض على شفتيه غيضا وكمدا على سوء اختياره.
===5===
عادة ما يذهب عباس إلى عمله قبيل آذان الفجر بقليل ،لكنه تلك الليلة برح البراكة في وقت مبكر .تسلل في جنح الظلام بهدوء نحو الخارج بعدما ضاقت نفسه باحثا عن فضاء أرحب وهواء أنقى ..تمنى لو تطلع شمس دلك اليوم بسرعة لو يطول يوم عمله آملا ومن كل أعماقه أن يعود في آخر النهار فيجد البركة قد احترقت ،أو هدت ومحيت من الدوار …وهو سائر في طريقه نحو عمله غاضبا ونادما وحائرا ..يتأسف بحرقة شديدة على ما آلت إليه علاقته مع زوجته تساءل لو كانا رزقا طفلا هل كانا سيعيشان نفس الهموم والتعاسة …يفكر في زوجته التي صارت أكثر فأكثر شاردة الدهن ،باردة المشاعر ،وهوة سحيقة تتسع بينهما يوما بعد يوم ..أحسها كوردة عالقة على جرف صخري مكسو بالقمامة ..أشفق عليها وعلى نفسه وحاله ..يخال نفسه أحيانا كقطعة جليد منزوية تحت صخرة كبيرة بعيدة عن الشمس ..انه يعيش وحيدا في هده المدينة الممتلئة بالناس غريبا عن مكوناتها البشرية ..هو فقط مجرد حثالة مجرد بقايا أزبال سوق الخضر بالجملة الذي يعمل فيه أو مطرح “كاستيني* “لنفيات المدينة ..يرضي الجميع يسليهم ولا استطاع أحدهم إماطة الحزن والشحوب اللذين يكسوان وجهه وقلبه يوما بعد يوم ..
أضحى عباس حاد المزاج وسليط اللسان ،ضيق الخاطر ..شديد الانزواء يشير إليه زملاؤه في العمل بالأصابع يتغامزون عليه ..أضحى أضحوكة وسطهم ..ومثار حديثهم وملاسناتهم الجارحة للكرامة ومضرب المثل في التغفل وسوء تقدير العواقب.
===6===
بعد عدة أشهر من المعاناة تسللت الرتابة والكآبة إلى نفسية عباس صار مهووسا بشيء غامض أصبح كثير الانفعال ،غضوبا لأتفه الأسباب يؤنب زوجته كثيرا بل أحيانا يذيقها علقة بيده الخشنتين دون تردد..طار الحب من النافدة وحلق بعيدا عن الدوار، ذهبا لمكتب العدول ذات صباح وطلقها ببرودة بعدما فشلت كل محاولات الصلح وانتهاء المهلة التي حددها القاضي ..لتعود نحو دوارها تاركة وراءها ذكريات مريرة، ولحظات بائسة مفرغة من كل إحساس .
اعتبرت أن علاقتها بعباس كانت تطغى عليها نزوات ذات طابع حيواني أحسستها مرارا أنها لم تكن في نظره إلا مطرحا لنفاياته المكبوتة وملجأ فريدا وآمننا في الهزيع الخير من الليل يرتع فوقه كما يشاء ،ولا يتركه ألا مع تسلل الخيوط الأولى للنور من شقوق البراكة شبه المتداعية ،بحثت عن سبب واحد بإمكانه أن يجعلها تتخلى عن أفكارها السوداء والبقاء معه رغم الفقر والقهر والعنف ،فلم تجد ما يشفع له .لقد كانت قابعة وسط رقعة ضيقة كقطعة أثاث مطبخ للاستعمال فقط ..أو كلحاف ناعم يقي جسد عباس الخشن النتن ..أحست أنها لاشيء ..مقررة العودة إلى دلك الرجل النحيف المثقل بالهموم ..لكنه مثير ، الرجل الذي أرقها طويلا ولا يزال ..تحبه حتى لموت ولا يستطيع رجل آخر أن ينسيها إياه ..انه الحبيب الذي ترتعش له الحنايا ويهفو إليه القلب ..ل……ك…….ن.؟
===7===
دخل عبد الرحيم مرحلة اكتئاب خطيرة ،شحب وجهه ،ضمر بطنه ،برزت عظامه كبرت لحيته ،أحيانا يقضي نهاره متجولا بين فدادين الدوار مقتفيا آثار صفية وأطيافها ..روائحها يظل هائما على وجهه ،مقتنصا للحظات فريدة من عوالمه الغريبة ،وأحيانا أخرى ينصت لصدى ضحكاتها وهي ترتج بداخله تجوب أعماقه تثقب جسده ،فيسرع الخطى نحو بيدر الدوار الكبير ثم يتسلق تلا صغيرا ويصعد إلى مكانه المفضل ويجلس ..لكن ما حدث له دلك اليوم كان غريبا نهض وجرى بأقصى مايملك من قوة وسرعة وألقى بنفسه نحو الأسفل……
===8===
عاد عباس إلى منزله قبل الظهر ولربما كانت المرة الوحيدة بعد شهور من زواجه دفع باب البراكة فأطق صريرا صاخبا …وانفتح على غرفة مظلمة باردة ،نزع حقيبة مهترأة من على كتفه وألقى بها وراء الباب ..ارتمى على فراشه وتمدد وهو محموم ،ملتهب ووحيد…وأخذ يبكي …
===9===
وصلت صفية إلى مشارف الدوار عصر دلك اليوم ،وكلها شوق وحنين لمعانقة الرجل الدى أحبت وتركت تاريخا يحترق من ورائها من أجله …خالته لحظة وهو قادم نحوها بسرعة ..بعنقها ..يملأ وجنتيها بالقبلات يلفها بذراعيه يحملها إلى الأعلى ويطوف بها ..تردد على مسامعها صدى تراتيل ..وأصوات آتية من بعيد ،مسحت بنظرة سريعة مساكن الدوار فبدت لها كتوابيت تلف بياضها مسحة كآبة لكنها سرعان ما انمحت ،فاستعادت بالله من الشيطان الرجيم ..تساءلت في حيرة آدا ما كانت قد أخطأت الطريق ،شعرت بثقل حركتها ،وبدوار ورغبة في التقيؤ تساءلت فيما ادا كانت حاملا من عباس …جلست واضعة رأسها بين راحتيها لبعض الوقت سمعت صوتا خافتا أجشا يناديها في نبرة حزينة التفتت فوجدت عجوزا أمامها وقد حفرت التجاعيد بعناية خديها …هبت مسرعة نحوها ضمتها إليها قبلتها، مسحت العجوز على رأسها وهمست لها بكلمات في أدنها ..وأكملت طريقها …ظلت صفية مصعوقة ،وأطلقت صرخة قوية ،بكت وانتحبت ،لطمت خديها ،خدشت وجنتيها ،نفشت شعرها وأخذت تتمرغ في التراب .ظلت متمددة هناك لفترة طويلة ،وعادت تطوي الطريق مقررة السفر نحو المجهول…..
===10===
دخلت صفية غابة الاسمنت من جديد لكنها هده المرة حرة طليقة تعيش حياتها يوما بيوم ،تنتظر قدوم سكير أو مغفل أو …لقد أصبحت الأمور لديها سيان ،فهي ليست من النساء اللواتي اخترن حياتهن أو قدرهن لقد احتواها زحف المدينة واحتوته تجاوزها بسرعة .صارت عارضة لما تبقى من إنسانيتها داخل الحانات .كلما جن الليل يتبول عليها كلب أو مخمر أو مخبر تبيع لحمها بالجملة أو التقسيط في كل مكان ،لا فرق بين حديقة عمومية أو موقف للسيارات أو غرفة في فندق أو حتى وراء عمود كهرباء عمومي لقد قررت التمادي وبالتالي عدم التواري ومداراة خجلها ،فهي لم تعد طريدة أحد أو حبيبة أحد أو زوجة أحد هي ملك عمومي للجميع… لكن لمن يدفع أكثر.
صارت كقطعة أثاث يأكلها الزبائن بنظراتهم وهم يرتشفون سما أو لعنة أو خمرا على دكة الحانة ،لا تحفل بمن يغازلها أو يداعبها أو يرشقها بقدراته لقد تسلط عليها الدهر والقهر وأذعنت في نهاية المطاف وبالتالي قررت مقاومة كل شكل من أشكال تحررها مهما كانت ،تساءلت ،لمادا خرجت إلى الدنيا ؟ ألتتألم فقط ؟ ألتعاني ؟أم لتكون مجرد أتفه شيء في نظر الآخرين ؟أي نوع من النساء هي؟
تواسي نفسها وحبرتها أحيانا بأنها ليست الوحيدة ،الحانة ممتلئة ..المدينة ممتلئة بأخريات مثلها ،منهن من مزقن حياءهن ،تاريخهن ،شهادات ميلادهن ،ابتسامتهن ،ضحكت في جنون من أفكارها من صعلكتها وقالت بحزم لا شيء عاد يستحق العناء من اجله ..
خرجت منهارة تلك الليلة من الحانة ،رفضت كل العروض السخية التي قدمت لها ،وعادت راجلة إلى غرفتها بالفندق ،وهي تسير على ناصية دلك الشارع المقفر وحيدة …تراصت أمام عينيها ذكريات كثيرة لاحت لها صورة عباس ،نعم عباس الذي لم تكن بالنسبة إليه سوى مطية للسفر في عتمات رموز الجسد ونثوءاته ،هو لم يكن بالنسبة لها سوى رعديد بئيس رآكم مع مرور الزمن كبثا دفينا آلافا من علامات الاستفهام بينها وبينه ،تمنت لو أن الأرض انشقت وابتلعتها ،بصقت على وجهه ،سبته سبابا فاحشا ،اعتبرته مجرد مغفل ومتخلف مقتته ،وشبهت تاريخه بخر بشات أطفال على أبواب وجدران ميضأة بمختلف أنواع القاذورات ،أحست أنها بالثورة على أفكاره الغريبة والأنانية ،وأنها ليست ممن كن يطمحن في أن يكن فقط تحت ظل رجل …هي تحب الحياة والحياة لم يصنعها عباس فقط …تساءلت لمادا لم يسأل عنها ،ثم لمادا انتحر دلك الجبان الآخر –عبد الرحيم- ولم يكن عباس هو الذي انتحر مكانه ؟آه لوكانت لعبد الرحيم فحولة عباس….
آلاف الأسئلة تمزق مشاعرها كرهتها في كل الرجال ..وصلت إلى الفندق صعدت الأدراج بسرعة دون أن تلقي التحية على أحد ،فتحت باب غرفتها ،وأوصدنها بحركة آلية دون أن توقد النور وارتمت على سريرها ونامت .رأت مطرا بألوان قوس قزح ،قطراته حلوة كالشهد …سقطت منه قطرات تحت لسانها فأزهر جسدها وصار جنة تفوح بأريج عطر ساحر …رأت عبد الرحيم جاثيا على ركبتيه ينتحب كطفل صغير ..ظهر عباس ،اتجه نحوها وأخذ يسحبها من شعرها عائدا بها نحو براكة في أعلى المرتفع ،أخدت تستنجد ..تصرخ ..تبكي …انتبهت إلى أزهارها وقد ذبلت فجأة ..رأت عبد الرحيم وهو قادم لنجدتها بسرعة حدجه عباس بنظرة قاسية ،فاستكان وعاد منكسا رأسه …فتناثرت الورود من فوق جسدها وتحولت إلى ذئاب تنهش جسدها ..جف حلقها ،كادت تختنق ،ظنت أنها لا محالة ميتة ،قفزت من فراشها مفزعة على رنات المنبه الصاخبة ..مدت يدها نحو كوب ماء وشربته مرة واحدة وقلبها لايزال يخفق بقوة ،تمددت على أريكة وأشعلت سيجارة وبدأت تنتحب في صمت ،أحست بالوحدة والفراغ ،بالعزلة في عالم لا يرحمها حتى في سباتها .
نهضت نحو النافدة رنت بعينيها لا جديد أثارها بالخارج ،سيارات الأجرة بلونها الأزرق الباهت كالخوف لا تزال متراصة ،شرطي ينظم المرور ،عمال البلدية يقلمون أشجار شارع محمد الخامس ،نفس الضجيج ونفس الجدران ونفس الكآبة على السطوح ، وركا مات من القمامة قرب محطة البنزين .
…أوصدت النافدة بتوتر وأشاحت بوجهها في اتجاه آخر ،حملت حقيبتها وخرجت حزينة منكسرة ،مقررة تغيير مجرى حياتها .
====11===
لم تمض سوى سنوات قلائل حتى نشرت بعض الجرائد الوطنية ربورتاجا بالصور وتحدثت عن تجربة رائدة لناشطة جمعوية استطاعت تكسير جدار الصمت بإقدامها على فتح أول مركز لمناهضة العنف ضد النساء والأطفال القاصرين ،تحدثت صفية بإسهاب عن أسباب وملابسات إنشاء المركز مقررة زرع بدور الأمل في كل النفوس اليائسة والمنكسرة والابتسامة على محيا كل العيون الدامعة …
*******
*أيلة.دوار بقبيلة بني وانجل بنواحي مدينة تاونات .
*دوار بوكرعة. كان من أكبر الأحياء الصفيحية بمدينة مكناس
*كاستيني .أكبر مطرح للنفايات المنزلية بمكناس.
ملحوظة .كل تشابه في الأسماء أو الأحداث هو محض صدفة الأقصوصة من نسج الخيال باستثناء الأماكن المذكورة.
::. الأستاذ ركاطة حميد (خنيفرة)

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟