نيتشه والإنسان الأخير: نحو تجاوز ممكن ـ ادريس شرود

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse24068"الفيلسوف الأخير، هكذا أسمي نفسي، وذلك لأنني الإنسان الآخر". فريديريك نيتشه
"الله غاية الدين، والإنسان غاية الأخلاق". عبد العزيز بومسهولي

مقدمة
من هو الإنسان؟
بالنسبة لكائن حداثي، الإنسان يعتبر ذاتا تعرف وتعمل وتأمل، وتبحث عن مسلك تنويري، اعتمادا على فتوحات العلم والتقنية والفن والثقافة، إنه يرى الإنسان بعين براغماتية. فهو يبحث، أولا عن الطريقة التي يستعمل بها الإنسان نفسه، وثانيا يعلن عن طموحه في تأسيس "مجتمع المواطنة العالمي"، أي تحقيق المطلب المدني المعاصر. يصير الإنسان وبالأخص "الإنسان الأخير"، مع هذا التعريف، تجربة وجودية خاصة بالإنسان المعاصر، ونمط بشري جديد، في حين يعرفه هايدغر بالصيغة التالية: "الإنسان هو نفسه" أو "الإنسان هو نفس ما". لكن مع الأستاذ فتحي المسكيني، ينزاح هذا التعريف، عبر الإنتقال من طرح السؤال حول "من هو الإنسان؟" إلى مواجهة سؤال "ما هو الإنسان؟".
السؤال نفسه، طرحه فرانسيس فوكوياما احتفالا بانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي ومنظومته القيمية، عندما أشار إلى الطريق المسدود الذي وصل إليه السؤال ذاته(1)، وكان موجها إلى أولئك لا يريدون فهم معنى "مفهوم الإعتراف".
يفترض سؤال: "ما هو الإنسان؟" عند فتحي المسكيني تقديم تفسير للإنسان، ليس بوصفه موضوعا وذاتا متعالية، بل موضوعا وراثيا. بهذا التحوير، ينزاح الإنسان الأخير عن دلالته النيتشوية، ليأخذ تأويلا جديدا، صار بموجبه في عصر الإمبراطورية الرقمية للعالم الذي تسنه أمريكا، مشكلا إمبراطوريا، وراثيا، وإيكولوجيا. فقد فهم الإنسان آخر الأمر أنه "جينوم"(2).

1-الإنسان الأخير في نهاية التاريخ
اعتبر توكفيل أن طابع الحياة شديدة الخصوصية في أمريكا الديمقراطية، معضلة صعبة، كفيلة بأن تؤدي إلى ضمور الروابط الأخلاقية التي تربط البشر ببعضهم في المجتمعات ما بعد- الديمقراطية. لقد خشي توكفيل مثله مثل نيتشه، أن يؤدي هدم العلاقات الشكلية بين الأسياد والعبيد إلى جعل هؤلاء الأخيرين أسياد أنفسهم، بل أن تؤدي بهم إلى نوع  جديد من العبودية(3). يعتبر فوكوياما مطلب نيتشه بأن يصير الناس أسياد أنفسهم، قولا أكثر تجريدا وأكثر تنظيرا، وبأن الأمر يتعلق فقط بمطلب أرستقراطي. أما بالنسبة لكوجيف، فقد أثنى عليه فوكوياما، لأنه كان راضيا ب "الطريقة الأمريكية للحياة"، وآملا في تحقيق الإنسان لرغبته من أجل الإعتراف به وبعمله في السيطرة على الطبيعة، بل وجد في التوقف عن العمل والكفاح، اعترافا بإنسانية الإنسان(4). كان كوجيف مثالا يحتذى به، لأنه أشرف على بناء  المقر النهائي ل" الإنسان الأخير" وأعلن على أن نهاية التاريخ، تشمل نهاية الفن والفلسفة...، حيث لا يمكن كتابة شيء أساسي جديد حول وضعية الإنسان(5). هكذا سار الإنسان الأخير مع فوكوياما قيمة وحيدة ونهائية، غاية ونموذجا وجب السعي إليه، يقول فوكوياما:" حينما كان زرادشت نيتشه يتحدث إلى الجمهور عن الإنسان الأخير، علت صيحة تقول: " أعطنا ذلك الإنسان يا زرادشت"؛ "إجعلنا هذا الإنسان الأخير ونحن نعفيك مما تبقا"(6). إن حياة الإنسان الأخير، يؤكد فرانسيس فوكوياما، هي حياة الأمان الشخصي والوفرة المادية. لكن مع ذلك، فهو يخشى من ردة ما إلى الإنسان القديم، تعيد الزج بالعالم في التاريخ بكل حروبه، وجوره، وثوراته؟.
لا يتوقف فوكوياما عن محاسبة أفكار نيتشه حول الديمقراطية والعقلانية، ويرى في دعوات نيتشه لإبداع أخلاقية جديدة تعزيزا للقوي على حساب الضعيف، وتفاقما للامساواة الإجتماعية، بل تعزيزا لنوع معين من القسوة. وفي نفس الوقت، يقبل بصفة عامة بما يسميه" ملاحظات(نيتشه) السيكولوجية المرهفة" التي أصبحت مألوفة لدينا –يقول فوكوياما- ما دام يتكلم على غريزة الإعتراف(7). لكنه فوكوياما يعترف بخطورة ما يسميه برغبة التشوف الأنوي أو " الميغالوتيميا"، و الرغبة المتعصبة في الإعتراف بالمساواة أو "الإيزوتيميا"، ويرى في الأولى الخطر الأكبر على الديمقراطية. في هذا السياق، سيشيد فوكوياما بالنقد النيتشوي، الذي يحتج بأن غاية الإعتراف الكوني مغلوطة بنفسها، بما أن الديمقراطية الليبرالية تعترف بالمساواة بين أناس هم بالتحديد غير متساوين على المدى البعيد، ويطرح الأسئلة التالية:
هل يستطيع اعتراف كوني حقا، متبادل وعادل أن يرضي الكائنات البشرية كافة؟
ألا يشكل إرضاء بعضها رهينا بالأخرى باعتراف هو بالتحديد غير عادل، ألا تشكل في الحقيقة رغبة الإعتراف العادل هاته أساس حياة قابلة أن تعاش، ليس بالنسبة لمجتمعات أرستقراطية بالية، بل في الديمقراطيات الليبرالية الحديثة أيضا؟
أليس الوضع النهائي للإعتراف الكوني هو مجال "الإنسان الآخر" لنيتشه؟
أليس مواطنوا الديمقراطيات الآمنة والسعيدة وطبقاتها المتوسطة عرضة بدورهم للإهانة الناجمة عن احتمال أن يصيروا شبيهين بأولئك"البشر الأواخر"؟
أليس هؤلاء الناس عرضة إذن لأن يعودوا كما كانو "بشر أوائل" بهيميين لكن هذه المرة بأسلحة حديثة؟(8).
2-الإنسان غاية الأخلاق، أو الرغبة في حماية "الإنسان الأخير"
رغم الإنتقادات التي وجهت لفكرة نهاية التاريخ، وللطريقة التي تم بها توظيف مفهوم الإنسان الأخير عند نيتشه، فإن المجهود النظري لفوكوياما قد استحق التقدير. لاسيما وأنه كشف عن فاعلية الفكر الفلسفي في تفسير التاريخ. كما أن النقاشات الواسعة التي أثارها مقاله الأول وكتابه، كان لها أثر كبير في إعادة المبادرة للفكر في خلق دروب جديدة يفكر من خلالها في مستقبل الإنسانية(9). في سياق هذا التقدير، طرح الكاتب عبد العزيز بومسهولي مجموعة من المفاهيم التي أثارت ردود فعل قوية، سواء بين المشتغلين في حقل الفلسفة أو حقل السياسة أو حقل الأخلاق والإيتيقا. ذلك أن مفاهيمه حول نهاية الأخلاق وتقويض مفهوم الأخلاق ونهاية الإيتيقا، ورغبة الإعتراف، والإنسان الأخير، شكلت أرضية لنقاش موسع بين الأصدقاء(أصدقاء الفكر)(10). كشف بومسهولي عن إعجاب فوكوياما بالنقد الذي قدمه نيتشه بخصوص " تقويض الأخلاق"، بحيث وظف فكرة الإنسان الأخير النيتشوية لتبرير تناقض أطروحته حول نهاية التاريخ، وسد الثغرات التي تركها مقاله الأصلي وهو يمتدح الليبرالية ويمجدها(11).
ترتكز نظرة نيتشه التقويضية حسب بومسهولي، على إعلان الحرب على الأخلاق كحالة مرضية وإرادة عدم ونفي لقوى الحياة، وتعبير عن سيادة المثل الأعلى الزهدي، الذي يعتبر نواة لكل القوى الإرتكاسية. كما أنها تحمل نقدا ضمنيا لتصور كانط للفعل الأخلاقي، ولهيغل الذي جعل من رغبة الإعتراف مبدأ أساسيا لسيادة القطيع، أي لانتصار أخلاق العبيد والضعفاء على الأقوياء(12).
تثبث الوقائع التي أعقبت حدث 11 شتنبر، حدوث تراجعات مهولة في مجال الإعتراف بحقوق البشر، وانطلاق مسلسل "الإهانة" الذي تخوف منه فرانسيس فوكوياما، سواء داخل المجتمعات التي تسودها "الديمقراطية" أو غيرها. فمظاهر التراجع ابتدأت مع ما سمي بالضربة "الإستباقية الوقائية" ونشر "الفوضى الخلاقة" وما تبعها من آثار مدمرة شرق المتوسط وجنوبه، و"الندم عن سن قوانين العمل المنصفة" وبداية الإعداد لإدخال التعديلات الضرورية والمستعجلة والشروع في "الإصلاحات المشؤومة"، وتطبيق أوامر ووصايا "الإلتزام بالتقشف"، وفرض "التشغيل حسب رغبة المشغلين"، و"تعديل قانون التقاعد"، والتسريع بنشر ثقافة "كراهية الأجنبي" ....
في ظل هذا الوضع الإرتدادي والإنتكاسي، تتعالى الأصوات مطالبة بصيانة المكاسب، والعودة إلى الأخلاق وليس للسياسة. هكذا سينهار مفهوم "النهاية" الفوكويامي الذي اعتبر كاكتمال، ليعود الإنسان في النهاية غاية الأخلاق، حيث التطابق بين هذا الإنسان والنهاية باعتبارهما معا الشيء ذاته. انطلاقا من هذا التطابق، سيتم تأسيس المبدأ الأخلاقي(13)، بالإرتكاز على المعاملة بين الذات -التي وجب تحميلها المسؤولية- والآخر وفق وعي يقظ، هو أساس الواجب الأخلاقي. تصير إذن هذه الغاية بمثابة انعطافة مغايرة للأخلاق الأداتية، وترتسم النهاية كانعطاف آخر نحو الإيتيقا بما هي فلسفة أولى على حد تعبير "ليفيناس"(14).
.يصطدم المبدإ الإيتيقي الذي يدعو إليه بومسهولي، بما يسميه بمكر التقنية، حيث يصير الكائن الإنساني في قبضة الوجود المعولم على نحو تقني. فكيف يمكن الإنفلات منها ومن قدرها؟
 يقدم بومسهولي مفهوم " العلة التأسيسية" كحل لهذا التمزق الإنساني، باعتباره نسيج الغيرية، فهذه "العلة التأسيسية" هي أساس الزمان، والزمان ينشأ كرغبة وليس كبنية مقدرة. فزمانية الكائن الإنساني مشروطة بتلك الرغبة التي تجعل من التخلص من أسر الوجود مشروعها الأساسي.
3-نيتشه: نحو تجاوز الإنسان الأخير
هل بالفعل سار السؤال حول ماهية الإنسان (الإنسان الأخير) إلى وجهة أخرى بعد اكتشاف خريطته الوراثية؟
وهل علينا التدرب والتأهل إلى اقتفاء هذه الطريق؟
وهل آن الأوان لوضعه على أكتافنا لبعض الوقت؟
يؤكد فتحي المسكيني على أن الإنسان الأخير- يسميه المسكيني بالفرد الإمبراطوري، الذي لم يستطع اكتشاف العالم- يظهر في لحظة معينة من تاريخ حضارة، تلك التي تكف فيها حضارة عن خلق قيمها، وتأخذ في الإنحطاط السري والخفي داخل نفسها، فهو تجربة وجودية خاصة بالإنسان العاصر .
إن الإنسان المعاصر، إنسان الحداثة، هو وارث القيم التي تشكلت عبر التاريخ، لكنه صار يعاني من التباس القيم. فبنسيانه أن ما من تقويم إلا وهو منوط بمنظور معين، وبوراثته تقويمات متعددة، بل متعارضة، صار الإنسان الحديث الواحد تحكمه نوازع متضادة...، وكان أن أبانت العدمية التي انتهى إليها أنه لم يكف، في أغلب أطوار حياته، عن الهذيان(15). وهذا يعني أنه صار مريضا ومنحطا، لأنه كائن يزدري الحياة ويسممها، ويحاكمها باسم الروح والقيم المتعالية التقليدية والحديثة. لقد تعبت الأرض ومعها الأجساد الحرة من هذا الكائن الخارق الذي لا يريد أن ينتهي أو يزول؛ كائن الحقد والضغينة والنفي. إن الإنسان الأخير هو الكائن الذي تلاقت - فيه- الغريزة المكتئبة والعدمية مع تلك الغرائز الأخرى التي تريد التوصل في الأخير لحفظ قيمة الحياة وزيادتها - سواء بوصفها مضاعفة لكل أنواع البؤس أو كحافظة لها - ، إنها واحدة من الأدوار الرئيسية لاندفاق الإنحطاط(16). وهذا التمسك بالحياة الضعيفة والمنحطة، أي الحمل، هو الذي يثقل كاهل نيتشه. لذلك ينصحنا بالتخفيف، ومزيدا من التخفيف والتخلص من الأحمال، والذهاب إلى آخر الشوط، إلى أبعد الحدود، مثلما فعل إغريق آثينا؛ أي التعجيل بهلاك الإنسان الأخير ونهايته. ففي الطريق يوجد رفات الإنسان الأخير الذي يدفن الموتى، الشيء الذي يتطلب على الأقل سماع تحذير نيتشه: "إياكم وهذا الإفراط في رقة العاطفة"(17). فما الإنسان العادي، الإنسان العدمي، الإنسان الأخير إلا كائن يجب أن نفوقه. فكل أعراض هذا الكائن المريض، تفرض التعجيل بتجاوزه. يقول الأستاذ محمد الشيخ :" إذا كانت مغامرة الإنسان بالمفهوم التقليدي - أي الحيوان المقوم على وجه السلب - انتهت إلى العدمية؛ أي إلى "الإنسان العدمي" بما هو "آخر إنسان" فإن ذلك كان مدعاة لتجاوز الإنسان. إذن "ما الإنسان إلا مرحلة تجتاز وأفول يحدث". وإذا حق أنه الكائن المريض، فإن حق أيضا أنه الكائن القادر على مداواة نفسه، وذلك بتجاوز مرضه. ألم يتحدث نيتشه عن مقدرة "تجاوز الإنسان نفسه باستمرار؟ أما ردد نيتشه عادة العبارة :" ما الإنسان إلا كائن يجب أن يتجاوز نفسه". وألم يقل هو :" ليس الإنسان إلا ذاك الكائن الذي لا يمكنه إلا أن يتجاوز نفسه"؟ أولم يقل عن الإنسان بكونه " ذاك الإنسان الذي يلزم أن يتم تجاوزه"؟(18). لقد عمر الإنسان الأخير طويلا، ولازال يحلم بالعمر المديد لأن سلالة هذا الرجل لا تباد(19)، متشوفا إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات الرفق بالمرضى والمعلولين والميئوس من شفائهم، وبالمجهود الذي يبذله أناس الزمن الأخير: الخيرون والطيبون الحالمون ب"الإعتراف الشمولي". من الواجب التذكير إن كانت الذكرى ستنفع، بأن عظمة الإنسان قائمة على أنه معبر وليس هدفا، وما يستحب فيه هو أنه سبيل وأفق غروب(20). فمفهوم الإعتراف ومحبة الغير ذات النفحة الروحية، لن يساعدا حتى على تكرار الجملة الكئيبة التالية: "لقد اخترعنا السعادة اختراعا"(21). لأن الأمر ببساطة لا يتعلق بالسعادة، ولكن " بمشكلة الصحة الإجتماعية لشعب ما، لحقبة ما، لجنس ما، للإنسانية، وبالمستقبل، بالنمو، بالقوة، بالحياة...(22).
عود على بدء
 يمكن النظر إلى أطروحة نهاية التاريخ، ونهاية الأخلاق كتعبير عن مأزق السيرورة التاريخية للرأسمالية وإيديولوجيتها الليبرالية، وليس بحثا عن الإعتراف الشمولي بالحقوق الكونية(23). فصاحب نهاية التاريخ، لم يكن يهمه سؤال "ما هوالإنسان"، بل كانت غايته - كاستراتيجي وموظف سامي في الإدارة الأمريكية والخبير في السياسة المستقبلة والمستشار في "ران كوربورايشن"- التأسيس لمرحلة ما بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، وبداية أفول المنظومة الإشتراكية. يمكن التفكير هنا في الطريقة التي تم بها استغلال شعارات "حقوق اللإنسان" للتسريع بتفكيك ما تبقى من المنظومة شرق أوربا، والمتابعات التي تمت باسم غياب هذه الحقوق. والطريقة نفسها لازال معمولا بها لتصفية الحسابات المالية والإقتصادية والسياسية والجيوستراتيجية. 
أما نهاية الأخلاق، فقد تلقفتها التقنية، التي أحالت فرح الإنسان الكوني وغبطته بلحظة الإعتراف الشمولي، وبتمجيده للخير الكوني، إلى وهم. ومن هنا فإن نهاية الأخلاق ما هي إلا بداية لبزوغ قيم التقنية(24).
فماذا تبقى للإنسان في نهاية التاريخ؟
لقد حذر نيتشه كثيرا من أن يصبح الإنسان العادي، الإنسان الأخير بمثابة الغاية الأخيرة للحياة، خاصة وأن التقنية سلبت مقوماته العضوية(25)، ورمت به في أحضان رغبة أصحاب رؤس الأموال وشهوة مدراء الشركات العابرة القارات. كما صار هذا الإنسان أداة طيعة في يد المتخصصين في الإغراء السياسي والتدبير الإنتخابي(يسمى كل هذا التدليس، ديمقراطية). وأخيرا، خضع لأوامر ووصايا سالبي الأرواح، الأوصياء على الأخلاق، ومحبي الإنسانية الطيبين والعطوفين. في ظل هذه الشروط، الذي تبدو الآن طبيعية، تتعالى أصوات المطالبين بالإعتراف، والتعايش، والحوار، وإحياء روح الأخلاق الكونية المجيدة والخالدة(26)، للدفاع عن حق "هذا الإنسان" في الديمقراطية والتمتع بالإحترام والكرامة والسلام. إنها الطريقة الأخرى للفضيلة والتنوير: حمل الإنسان  !الأخير على أكتافنا    
فهيا نتدرب جميعا، كي نتأهل لحمل هذا الإنسان الأخير، فنهايته غير أكيدة...؟
الهوامش:
1-فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ترجمة جميل قاسم ورضى الشايبي، مركز الإنماء القومي، لبنان، ص278.
2- فتحي المسكيني: انزياحات الهوية الحديثة أو تأويلية الإنسان الأخير (كانط، نيتشه، هايدغر)، موقع مؤمنون بلا حدود، عدد3840، 16 أبريل 2016.
3- فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ص286.
4- فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، 288.
5- فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ص288.
6- فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ص289.
7- فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ص290.
8- فرانسيس فوكوياما: بداية التاريخ، جريدة الإتحاد الإشتراكي، الملحق الثقافي، عدد 389، الأحد 23 فبراير 1992.
9-عبد العزيز بومسهولي: الأسس الفلسفية لنظرية نهاية الأخلاق، مطبعة وليلي، الطبعة ألاولى، 2001، ص82.
10-أشير هنا إلى مداخلتي حول الإنسان الأخير عند نيتشه، بمناسبة توقيع كتاب الصديق عبد العزيز بومسهولي "الأسس الفلسفية لنظرية نهاية الأخلاق"، والذي نظمته جمعية أزيلال للتنمية والبيئة والتواصل يوم 12 فبراير 2002. تم توقيع نسخة مهداة إلي، بالعبارة التالية :" أتمنى أن يكون هذا العمل بداية حوار فكري بناء بيننا"  مع المودة والتقدير.
11- عبد العزيز بومسهولي: الأسس الفلسفية لنظرية نهاية الأخلاق، ص77.
12-عبد العزيز بومسهولي: الأسس الفلسفية لنظية نهاية الأخلاق، ص74.
13-يقول عبد العزيز بومسهولي: "يعرض مفهوم النهاية في الفلسفة الأخلاقية باعتباره تجليا لفكرة الغاية. والمبدأ الأخلاقي الذي يعبر عن ذلك  يؤسس الشرط الضروري الذي يجعل الإنسان غاية في حد ذاته"، مقالة: الإنسان غاية الأخلاق، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 28 مارس 2016.
14-الإيتيقا هي فن ابتكار الغيرية حسب عبد العزيز بومسهولي، مقالة: الإنسان غاية الأخلاق، مرجع سابق.
15- محمد الشيخ: نقد الحداثة في فكر نيتشه، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2008، ص696.
16- جيل دولوز: نيتشه، تعريب أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1998، ص95. يقول نيتشه:" إن شغلي الشاغل كان دائما هو مشكلة الإنحطاط(...)، ولئن مرنا العين على تمييز هذا الإنحدار، فسنفهم الأخلاق، سنفهم ما الذي يتستر تحت هذا العدد الكبير من الكلمات المقدسة والصيغ القيمية، أي: تفقير الحياة وابتغاء الموت وشدة الإرهاق"، أورد النص مصطفى كاك: نيتشه: الفلسفة الميتافيزيقا، مجلة الجدل، عدد2، 1985، ص27.
17- فريديريك نيتشه: الفجر، ترجمة محمد الناجي، إفريقيا الشرق، 2013، ص43.
18-محمد الشيخ: نقد الحداثة في فكر نيتشه، مرجع سابق، ص697.
19-فريديريك نيتشه: فجر، مرجع سابق، ص45.
20- فريديريك نيتشه: فجر، ص43.
21- فريديريك نيتشه: فجر، ص45.
22- فريديريك نيتشه: العلم المرح، ترجمة حسان بورقية ومحمد الناجي، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى، 1998، ص46.
23- يقول عبد العزيز بومسهولي:"إن أطروحة نهاية الأخلاق بقدرما هي امتداح للغاية المحققة وللإعتراف الشمولي بالحقوق الكونية، بقدرما هي تعبير عن الوجه الآخرللتقويض الذي تمارسه التقنية"، الأسس الفلسفية لنظرية نهاية الأخلاق، مرجع سابق، ص86.
24- عبد العزيز بومسهولي: الأسس الفلسفية لنظرية نهاية الأخلاق، ص86.
25- حذر نيتشه من هذا التهويل والإشادة بقيم الحداثة وأساطير التقدم وبلوغ التاريخ نهايته، بقوله:" احذروا من هذا التقدم التكنولوجي الذي لا غاية له إلا ذاته، احذروا من حركته الجهنمية التي لا تتوقف عند حد، سوف يولد في المستقبل أفرادا طيعين، مستعبدين ، تعيشون كالآلات. احذروا من عصر العدمية الذي سيجيء لا محالة"، انظر ادريس شرود: نيتشه وأزمة الحداثة، جريدة المنظمة، عدد575، 7أبريل 1999.
26-رشيد المهوي: إيطيقا فن العيش نحو فلسفة غيرية،
http://www.globalarabnetwork.com/culture-ge/culture-studies/11880:2014-01-15-16-25-35

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟