قراءة في ديوان "أبابيل الصمت "لزوليخة موساوي الأخضري ـ مالكة عسال

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

   مقدمة
anfasse04034يقول إدوارد لورانسو :
"وبالفعل نشأت القصيدة بما هي نشيد بالمعنى الحقيقي والأصلي للكلمة  يأتينا من الأعلى "
فهو لا يقصد بالكلمة الحديث المباشر لقتل جراد الوقت ،أو لطرد أطياف الملل  بغية التسلية ،وإنما الكلام /  الشعر في عباءته اللغوية  الجسيمة ،المتمنطقة  بالتموجات  المتواترة التي تضطلع  بالتجديد والخلق ،بما هي مجبولة به من  كنايات استعارتية  ومجازية ، تؤسس لدلالات  واسعة دون تعقيد في الأسلوب ، مستثمرة اللحظات الشعرية  بإيقاعاتها الزمانية والمكانية وموضوعاتها المتنوعة ،لتخلق سبائك مرصعة بمظان شفافية ،تساهم في التبئير الشعري ، وتعميق دلالته  ..من خلال ما تقدم يبدو أن الشاعرة استوعبت معنى الكلمة في حجمها المطلق واللامنتهي،  ورأت أنه يجب  منحها  مساحة  من الحرية خارج النطاق ، لتطهر نفسها المكتوية من الداخل ..وبما أن الكلمة هي البلسم الشافي لداء  تمزق الذات الشاعرة ،وإعادة الترميم النفسي ، فقد تكررت أكثر من 14 مرة في القصائد  ناهيك عن المفردات التي تقاربها /كالصهيل / العويل / النداء / البوح / وما إلى ذلك  ..

الشاعرة والكلمة
بغض النظر عن القصيدة بكل مكوناتها ،فشاعرتنا تراها كلمة نبيلة بواسطتها تقرأ العالم والأشياء ،وتتمثل الوجود وتبتكره من جديد  ..كلمة خالدة  كوقاية من الفناء / العدم ..وإقرار وجود راسخ  في ذاكرة الأحياء ...والشاعر الحق من يسمع  نداء الحرف حين يغزو المناطق الغامضة من الذات ، فيحولها إلى نشيد  بلحن فريد يضيء به جوهر الزمن والإنسانية  لتحقيق الكينونة  ...لذا كانت الكلمة عرشها البهي تتبوؤه في حرية ..  كما كانتْ جناحي  السحر تطير بهما  في مفازات الكون ،تُعبّر عن حبها ،ترفض ،تصيح ،تتمرد ، وكانت الملاذ الراقي لما ابتليت من الانكسار، لردم  قمم التعثر المنتصبة بينها وبين  المأمول ،وما  تحلم به من أهداف نبيلة  ..فبالكلمة  انعرجت نحو الإبداع  / القول الشعري ، لتؤسس في الخيال  مملكة من الجمال  تمفصلها ممرات ذهبية ،تغني على أبوابها  شحارير شادية ،وتحلق في فضائها فراشات ملونة ،فيصبح فردوسها الزاهي  محرابا تقيم فيه طقوس التعبد الشعري  كيف شاءت .. لا أحد له القدرة على إخماد صوتها ،أو ولوج مملكتها  إلا القراء  المتعبون المكتوون بجمر الأوضاع المزرية ،والخيبات ...وحتى يصبح الديوان روضة من رياض الشعر الثرة طرقت شاعرتنا زوليخة موساوي الأخضري عدة أبواب :الإنسان /الصمت / الموت / الحلم / العشق /الوجع /الهجرة / الجبن ....وغيرها من التيمات ...
التيمات
1ــــ الجانب الإنساني
تخترق الشاعرة الجاهز والمصكوك في أفق اكتشاف العالم لهدمه وإعادة بنائه  بما سيكون ،دوسا على ما هو عبوري ومنفلت  من خلال موقف متمرد ضد شرذمة من البشر ، تتخفى وراء أقنعة لتبني مجدها على هامة الفقراء  والجياع، بطرق ملتوية بهدف تحقيق مصلحتها الخاصة على حساب المصالح العامة تقول :
مدن تحتفي بالمثلث المدمى
دون أن تنزع عن الوجه
القناع 
غير مكترثة للفجاج التي تتناسل
أجيالا من فجيعة
ص: 5 
وتسلط الضوء بجرأة حاسمة فاضحة على من يقتات  على مذكرات الماضي ، يجتر  أساليب رجعية أبلاها الدهر وجاوزها ،يمارس  عنفه  الرجعي كي يكسر  أحلاما يانعة  أنبتتها مبادئ حقيقية وطموح جامح  تقول :
رجل يغازل شاربا
يتمطى فحولة هدهدتها
حكايات الجدات
 من مراياها  صنعت
تماثيل تستنسخ نفسها
ص:6
رؤيا ثاقبة  إلى الذي يكرر  نفسه بما أبلاه الدهر وأكل عليه وشرب ،والمقصود بها ممارسة سياسة عفنة تقليدية عقيمة ،لاتقدم ولاتؤخر شيئا في جميع المجالات ،مما يجعل الأوضاع  متردية يوما عن يوم تتقهر إلى الوراء ...ومن منا لايرغب  في العيش الكريم دون فوضى ، ويحاول جادا تمشيط الواقع  من أيادي العبث  التي تصنع أوضاعا رهيبة ،لاتؤدي إلا إلى التدهور والخراب  يعيش فيها الإنسان تحت ظلال المآسي ...
وتمضي الذات الشاعرة  لتعري طبقة من المجتمع  مهيمنة ، بسياط الجلاد  تسوق المجتمع  برمته ، ولاتخلف  غير علامات الإجرام  مظَللة بالعتمة تقول :
فحولة بني هلال تتناسل
كجيوش هولاكو 
تكتسح الأفق الشفيف
وتسدل ستائر من سراديب
معتمة
ص:7
وحتى تبدو  الذات الشاعرة عادلة مع نفسها ،لاتني  تكشف الغطاء عن الشريحة المهمشة من المجتمع  الوفية لمبادئها ،والتي تعانق الحياة  بإصرار وتحدّ ، صامدة في وجه الإديولوجيات المهيمنة ،ممزقة كل  الأحجبة التي تخفي آيات التزييف والتمويه ..
تقول:
 وعيون أخرى
تشبثت بتلابيب الحياة
في رقصة للتحدي
طافحة بالبهاء 
ص:8
وتواصل الذات الشاعرة نضالها  بلا كلل  وبإصرار يَقظ ،إيمانا منها  أن النصر حليفها ، وسيرفل لامحالة في حلة غد مقمر بهي ،فتشهر  موقفها الصارم داعية إلى مواصلة الحزم والمواجهة ...وبعتاب خفيف  توجه نداءها إلى المهاجرين، الذين يغادرون مواطنهم إلى أخرى يفقدون فيها الكرامة وعزة النفس ؛ بإسفنجتهم يمسحون من لوحة الذكريات  كل الروابط والأواصر..وهي  ملامسة حقيقية لجوهر الإنسانية ،وماتأمله الذات الشاعرة ، ليعيش الإنسان في وطنه  بين أهله وعشيرته متمتعا بوضع نظيف ،خال من سبل التحقير والتنكيل  في غياب حقوقه الكونية والعيش الكريم ، موقف جريء إذاً ضد من يتسلح بالجبن للتسلل من حمأة النضال والمواجهة..
تقول :
كطيور مكتئبة
والسماء تحدق فيهم
فارغة
يمسحون ظلالهم المتخمة بالجراح
ص:16
  لا ريب في  أن هذا أمل كل امرء مِنا ،حين يعي بشكل تام  حقيقة الأشياء ومجريات الأمور،وكيف يفسدها العبث ويحولها من أمكنتها ،ويطمس معالمها ؛ ويلغي أهمها ويستبدلها بأخرى فارغة ..حس إنساني  واسع المدى ألمّ بالذات الشاعرة ،وفتق كل الرقع  عن نقط خامدة  في العمق ، تتفجر باليقين والحقيقة المخفييْن  تحت أقنعة الزيف وكل أشكال التمويه الغامقة ...

2ـــ الوجع
حقا قيل لانكتب إلا من خلال الألم أو الفرح أو الموت ..لكن أنا أرى أن غزارة الكتابات   تتدفق بكثافة من شرايين الألم ،فالألم داع قوي وحقيقي للكتابة ،لأن الذات الشاعرة  منكوبةٌ  ليس بهَمّها فحسب ، بل بهَمّ وأوجاع الإنسانية جمعاء، و بالنيابة عنها تتجرع  مغصَها المّر،كلما حاولت بسط قوارير السعد  على أفرشة المقهورين تتكسَّر بين يديها ..لذا تنطلق الذات الشاعرة المتعبة  بالخيبات والانكسار  إلى رقَع تطل على شرفات الضوء  تقول :
:أعبر حياة لاتكاد تحتمل
أوقد شموع ابتهالاتي
أكرر أدعية 
ص:51
على الرغم من انسدال خيوط الظلام المترعة بالظلم والاستبداد ، فالذات الشاعرة تتنسم عبق المجد ، لذا تحلق بين مفازات الأعاصير المظلمة ،وهالات الهلع لتلتقط غصنه ..تقول :
شتلة تسلم نفسها
لركض الريح
تكابد متأرجحة 
بين الليل والبياض
ص:22

3ــ الموت
شدت الشاعرة بقوة على تيمة الموت ،ليس الموت الإكلينيكي  لأعضاء الإنسان،ولكن موت الإنسان الرمزي ، سكوته / صمته  تجاه حقوق  تُسلَب من بين يديه علناً  وفي واضح النهار ،والترميز بتيمة الموت في الآن نفسه تحبيب للحياة ،وجعلها مقبولة  لدى المرء وعليه أن يحياها  بكرامة وكافة الحقوق ، وعليه أن يكافح من أجلها  كحق حاضر في الأذهان، يحس به المرء ويتذوق طعمه ،وكأنها بذلك توضح أنه لولا التأمل في الموت ماكانت الحياة  تبلُغ من المعنى أهميتَه ،وهي دعوة من الشاعرة إلى النضال من أجل تطوير الحياة وتغييرها ،وفهم كل أسرارها  ولُبْسها ،والعمل على فك رموزها وطلاسمها  تقول :
أفقْ
غيّر حروفك الأبجدية
اجعل  من نصلك
جناحا يسابق الريح
حاول أن تفك طلاسم صوتي
ص:52

4ــ الأمل
ضاقت الذات الشاعرة ذرعا بأحقاب وضع مزري، يَنبُت فيه الفطر السام، فركضت مفعمة بالتغيير والتجديد في زواياه المعتمة  ، لتزرعه حقلا من القرنفل  بعقلية واعية ترضخ لمبادئها ،وبإصرار وتحدّ تقف صامدة في وجه الإديولوجيات المهيمنة ، التي تقتات على خط التبعية والركوع  تقول :
وعيون أخرى
تتشبث بتلابيب الحياة
في رقصة للتحدي
طافحة البهاء
ص:8
فالذات الشاعرة مكللة بأحلام وردية ، وآمال براقة  تنتهج لها أوج السبل، لتتحقق وتُوهّج المكان،  ولو أن خيبة الأمل أحيانا تنهض  بقمم  تعثر  وتصطدم بجدار مسدود ...تقول :
جلسنا فوق خطانا
أصواتنا مبللة
وفي الطريق أضعنا النشيد
ص:12
على الرغم مما تتخبط  فيه  الذات الشاعرة من أوضاع منَفّرة ، تتفتح أمامها زئبقة الأمل من جديد ، وتمُدّ  براعم النبض  في أمداء لاطموح  المترع بالحلم  متمسكة  بذؤاباته ، لتغادر الساحة الكدرة إلى أفق يشع بالنور ، لتولد فولاذية  من طينة أخرى بقلب فَرِح ،وروح منشرحة   تحت راية الحرية ..تقول :
أعبر الأقنعة التي ألبسوني
أحمل نجوم الليل
لأضيء البرية المطلقة
في قلب قاتلي
ص:46

5ــ العشق
لا بل وتصبح مسكونة بالعشق حد الجنون ،ليس العشق الغرامي الذي يتقاسمه الذكر والأنثى ،بل عشق أزلي للحرية  وحب الإنسان ،وواقع تنجدل فيه الشموس ،فتهطل بالعيش الكريم ليتمتع الإنسان بكافة الحقوق : عشق للمجد / عشق للنصر / عشق لوضع نظيف من أيادي العبث ،عشق للغة تنصهر فيها الذات الشاعرة فتبوح في أقواسها بما يعتمل في الخاطر ...

6ــ الانكسار
الذات الشاعرة  حالمة ،متمنية ،آملة، طامحة لكنها  تلتسع أحيانا بالشؤم ،مما يزلزل الطموح أحيانا ،ويطفئ عيون الرغبة الجامحة فتضيق النفس ،ويتورم الخاطر، ويحتد التوتر ويسود الانفعال ليتفجر رصاصا في القصيد ..لكن سرعان ما تنهض من كبوتها..  فهي  وإن أصيبت بالإحباط كذا مرة  ،مازالت تعلق بأغصان الشموخ والصرامة في موقفها ،ولا تستسلم ،وتدرك أنها ستقوم منتصرة ،وتحقق ماتصبو إليه  وتحلم به، فتخترق جدار الإسمنت ، قافزة على الكبوات المتكررة ،مقتحمة انسداد الممرات بالموت والمنافي  والحصار ..وتمضي بين دهاليز العتمة وأغوار الظلمات نحو الشروق ، إلى الغد الأفضل الذي تحلم به ،نازعة عنها رداء الخوف .. سيزيف زمنها إن صح القول،لايتعبها تكرار حمل الصخرة تقول :
يتألق عنفوانا
 لتنتهي الأساطير
وأخرج من قصر العزيز
أتلو آيات تسبح للضوء
ص:43
 ولاتبقى قيد النضال بمفردها ،بل  تشمئز نفسها  وتتخذ موقفا صريحا  ضد الجبناء ، الذين يتخوفون  من المواجهة  والنضال بالهروب إلى عوالم سلبية  غريبة ،لاتطمس تواريخهم وهوياتهم ،وتمحي أثرهم من الحركة النضالية  تقول:
 كطيور مكتئبة
والسماء تحدق فيهم
فارغة
يمسحون ظلالهم المتخمة بالجراح
ص:16
ولاتقف الشاعرة عند هذا الحد ،بل تتجاوزه لتصبح داعية إلى النضال ،بكل جوارحها وشموخها، وما ملكت  من طرق  وأساليب الإقناع تقول :
لاتقف
أفق
غيرْ حروف الأبجدية
اجعل من نصلك
جناحا يسابق الريح
ص:52
هواجس تركض كالخيل ..والذات الشاعرة  تعدو خلفها تقتفي أثرها ،وهذا هو سر الإبداع / الخلق / القول الشعري ...

7ــ الصمت
 فوَعي الذات الشاعرة بمجريات الأوضاع  ،خلخل الصمت المشتعل  في القلب ، لينقلب احتجاجا وثورة وصراخا معلنة الرفض في أسمى تجليه ،بل صنعت منه عبوة ناسفة ووقودا لتفجيره كلاما ..
تقول :
يمتصني الصمت
يتقبل كل الألوان
في خفقان القلب
والشوق يعمد الليل
ص:21
 حين تتأزم  الذات الشاعرة أكثر،تدعو بشجاعة  مَنْ هَجَر ميدان النضال  في صمت ، مِن أجل  زرع الأمل لتحفيزه على مواكبة المسيرة النضالية وعدم التراجع، متأسفة عن من خذلتهم مواقف سلبية وغير راسية ، ..
فتقول :
صمتك
يعتصر قلبي
كطيور أسطورية 
ص:20

الصور الشعرية
 يؤثثها خيال خصب يتجاوز الواقع ،يلملم  عناصره من مصادر الإدهاش، وتجسيد الجماليات ،والاتساق الفكري ،ودقة المعنى وعمق الدلالة ،  الشيء الذي ساهم في رقي القصيدة لدى شاعرتنا ،وجعلها تشد القارئ من أول وهلة ...
فالشاعرة  متحت من التاريخ بمتسع الخيال  في حبكة رمزية مدهشة، يمتزج  فيها المتخيّل بمعطيات الحواس والفكر واللاشعور، لتعبر عن مشاعرها رابطة المحدود باللامحدود والزمان والمكان ،انطلاقا بما تحس به تجاه أوضاع تُخلخل توازنَها شرذمةٌ من البشر  بعقل  تليد ،تمارس عتُلّها لتكسر الأحلام  اليانعة، التي يؤسس لها فكر نقدي بناء  يتطلع إلى الآفاق السامية ،ويعرج بها إلى الأبراج  المشمسة، قافزا على أركان العتمة والزوايا المفعمة بالإبهام  من أجل غد مضيء ، ليخلق قطعا لغوية فنية،  تعج بأشكال رمزية  عذبة، تنبعث  عن إيمان عميق بما تعيه الذات الشاعرة ،وتدركه من حقائق ،فاتخذت قبائل بني هلال ـــ الموصوفين بإذكاء الصراعات والغزوات ،وتأييد الأقاليم على الصراع بشكل فوضوي دون أن تهمهم مسألة عَقَدية ولا تنافسية ،ولا عرقية ـــ أشكالا ً رمزية هامة تحيل بواسطتها قراءها إلى الطبقات  المهيمنة ،وماتمارسه  من طغيان على الطبقات الضعيفة ،تقول :
فحولة بني هلال تتناسل
كجيوش من هولاكو
تكتسح الأفق الشفيف
ص:7
والترميز تَشكّل بكل مكوناته البديعية، حتى أصبحت ترقد خلف  اللغة طبقات من  الاستعارات والإيحاءات  والتشبيهات ، تجسد فيها الذات الشاعرة  ما تخفيه جوانية الأهواء والمشاعر من جهة ،ومن جهة أخرى معانقة الحياة  بالأشياء، وربط علاقات بين متنافراتها وأضدادها موحدة بين الكون والإنسان،لتحولهما إلى جسد واحد  خالد... والترميز معناه استنطاق اللغة بغير المعتاد،وإنطاقها بالمدهش لمخاطبة خيال القارئ، والشاعرة أثرت اللغة بدءا من العنوان إلى آخر قصيدة  بالمجازي..وهذا أحد  الأمثلة  على ذلك لما تمّ توظيف كلمة أثينا ، فلم توظفها الشاعرة كأكبر مدن اليونان وعاصمتها، بل وظفتها كمملكة للمقهورين والمهمشين ،وضحايا  خطط سياسية  فارغة....
فالذات الشاعرة واعية بيقين الحقائق ، فاحصة للمناطق الشعرية خلف متاريس  الطغاة ،تلامس بالمباشر  للجوهري من الإنسان والعالم ،لتوقظ حساسية جديدة،انتظمت فيها دقات قلبها على حب المهمشين  ..

اللغة
حين حوصرت الذات الشاعرة برهبة الأوضاع ،وهيمنة التسلط بأشكاله القاهرة الهاضمة للحقوق والمكتسبات ،وأصبحت كل محاولات الإصلاح  عسيرة  في غياب الشروط وآليات التغيير، كانت اللغة مسندا اتخذتها الشاعرة مشجبا  تعلق عليه آيات البوح ..تقول :
هي لغتي
يسفك الموج المتألق
نشيدَه البهي رذاذا على جسدي
أؤرخ لذاكرة يشدوها الجموح
وأدون اعترافي
ص:43
فاللغة هي مدونة الذات الشاعرة للعشق والحلم والأمل والألم  ،تتناسخ بفيض دافق ومتنوع  في الكتابة الشعرية ، تؤسس بين ثناياها كينونتها  في أفق اكتشاف العالم ،وإعادة تشكيله بلغة متحررة من المساحيق المبتذلة ،مخترقة الجاهز والمسكوك  وتفسير الواقع  إلى تمثله ،وإعادة بنائه في المأمول  بما هو آت على أنقاض العبوري والمنفلت  من خلال موقف متمرد ،كأداة لتطهير النفس مما يعلَق بها من تأزم وضيق ،فتصحح في خاناتها  مسارت مختلة ، تقرع على رؤوس الفقراء كؤوس المذلة والدونية والاحتقار ، والغيض من فيض هذا جعل اللغة تتجلى في لُبُوس متعددة ،ما يبين أن  الشاعرة تمتح من كافة مشارب الثقافة :الأسطورية والفلسفية ،والأدبية والتاريخية  والقرآن،حيث رصعتها في هندسة فسيفسائية واضعة كل لفظ في مكانه الذي يليق به ويستحقه، ليشتعل بدلالته ومعناه فيؤدي مبتغاه ...
1ـــــ التناص مع القرآن :
تقول في ص:36
لمن تصلي له الكواكب
أحد عشر جرحا  باذخا
يمتص بهجتي ،يخرس عيني
تركيب قوي للألفاظ في صياغة استعارتية  مجازية تلميحية ،ليس بالنقل أو الاقتباس من القرآن ، ولكن بإعادة خلق اللغة بألفاظ قرآنية لتنطق بما هو غير مألوف ومعتاد ..
2ــــ السرد في شبه سيرة ذاتية
تتقلد الذات الشاعرة عدة ضمائر تختلف بين ضمير المتكلم المفرد "أنا " ونحن " في صيغة الجمع في أسلوب حكائي سردي ــ  مايشبه السيرة الذاتية ــ بكل مقوماته الزمانية والمكانية ،وتتابع الأحداث ،كما في القصيدة "رهانات القرنفل "تقول:
أغافل قناصين تعترض كرابيجهم
انسياب النهر
وأمتد أسدل الليل على كنوزي
أصل جسرا آمنا إلي
ص:46

على سبيل الختم 
فالشاعرة تمتلك من الأدوات الشعرية ما يجعلها تلج غابة الشعر دون خوف، متخذة من  باحاته مرقدا آمنا لها ،ثم تتلو قصائدها الرقيقة  المتدفقة بالأبعاد الإنسانية والكونية ،راكضة خلف حدوس الأمل، لتحقيق حلم يراودها ويقُضّ مضجعها ،ألا وهو تطهير الواقع من أياد الإجرام ،ليعيش الإنسان عيشا كريما بكافة حقوقه الكونية ،وبقدر ما تضرب الظواهر الإنسانية المزرية قلبَ الشاعرة، بقدر ما تنساب الينابيع الشعرية بدفقة زلالية مدهشة ،مطرزة بالآني والسالف والداني والقاصي في فسيفساء يدغدغ حاسة القارئ بدون مقدمات ...

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟