فلسفة وتربية

تمهيد
من المعلوم أن التقدم سنة الحياة وان العقل البشري يسعى بكل جهوده الى المساهمة في التقدم بالإنسان ومن البديهي ايضا ان يتمسك كل البشر بحقهم الوجودي في التقدم من اجل الرقي والازدهار ولكن توجد عدة عراقيل خارجة عنهم تمنعهم من ذلك وتظهر عدة موانع قاهرة تحول بينهم وهذه الفضيلة الحضارية. فإذا كان التقدم المادي للغرب مجرد همجية جديدة ووهم حضاري بالنظر الى الفشل الذريع التي منيت به الرأسمالية وتحولها إلى ظاهرة امبريالية استعمارية للإنسان والطبيعة والحياة وسقوط اقنعة العولمة وتكذيب وعودها الجوفاء فإن مبدأ التقدم الروحي الذي تمسكت به الحكمة المشرقية يظهر كبديل واقعي له. لماذا تم اعتبار التقدم الغربي مجرد اسطورة؟ وكيف يمكن المراهنة على الطابع الروحي للتقدم الانساني؟

أسطورة التقدم المادي
"إن الخطوة الجماعية للنوع البشري تسمى التقدم. قال فيكتور هوغو: "ان التقدم يشتغل".
لقد كانت أسطورة التقدم مشتركة بين الجميع قبل بضعة عقود. أتذكر، في الستينيات، كان ذلك عصر طائرة الكونكورد الأسرع من الصوت، وأول تلفزيون ملون، والترانزستور، وأول أجهزة الكمبيوتر، واكتشاف خصائص الحمض النووي على يد جاك مونو وفرانسوا جاكوب وأندريه لوف (جميعهم ثلاثة فائزين بجائزة نوبل في الطب عام 1965)، وأول عملية زرع قلب أجراها كريستيان بارنار عام 1967 في جنوب أفريقيا، وأول خطوة للإنسان على القمر عام 1969، وما إلى ذلك. كان الإيمان بالتقدم عامًا، وكان مشتركًا في الاعتقاد بأن زيادة المعرفة يجب أن تساهم بطبيعة الحال في التقدم الأخلاقي للبشرية. ومن المؤكد أنه في نفس السنوات، جاء الهيبيون أولاً، ثم حركات 68 مايو، لزعزعة هذه الأفكار الراسخة لبعض الوقت. لكن هذه السنوات نفسها شهدت تطور الزراعة المكثفة، وخصخصة البذور، والاستخدام المكثف للأسمدة مثل النترات والفوسفاط، وما إلى ذلك والمبيدات الحشرية، وما إلى ذلك، دون أي ضمير.هل علمنا أن هذا يعني بداية تدمير التنوع البيولوجي؟ تعريض الظروف المعيشية على الأرض للخطر؟ وكان الاعتقاد في التقدم. . العودة بالزمن إلى نهاية القرن الثامن عشر. تراودني فكرة خاصة حول كوندورسيه، عالم رياضيات، فيلسوف، سياسي، آخر ممثلي حركة التنوير، وهنا أيضًا دوّن ملاحظات، محمولاً بإيمانه الثابت بالإنسان، رسمًا لصورة تاريخية لتقدم الروح الإنسانية:" من بين أهم التطورات في الروح الإنسانية لتحقيق السعادة العامة، يجب أن نعد التدمير الكامل للتحيزات، التي أنشأت بين الجنسين عدم مساواة في الحقوق قاتلة للشخص نفسه الذي يفضله بأسباب واهية لتبريره الاختلافات في تنظيمهم الجسدي، والتي يود المرء أن يجدها في قوة ذكائهم، وفي حساسيتهم الأخلاقية، لم يكن لها أصل آخر سوى إساءة استخدام القوة، وقد حاولنا عبثًا منذ ذلك الحين ثم نعذره بالمغالطات".

الأستاذ مراد غريبي:

 ما هو رأيك في اهم بوادر الاهتمامات الفلسفية بنشوء الاديان، وانت تناولت أفكار فيورباخ حول هذا الموضوع، نود تلخيصها لنا. وهل لا زالت الاسبقية الراجحة في الايمان الديني للفلسفة أم للاهوت؟ وهل كان للطبيعة دور ديني قامت به؟

الدكتور علي محمد اليوسف:

بداية أود التنبيه هنا الى أن افكار فيورباخ في كتابه أصل الدين هي قراءة فلسفية تعتمد الطبيعة والذات في منهج تصوفي تأملي، وما هو مستجد حديثا ظهور علم متخصص في نشأة وتطور الاديان يدعى (علم الأديان) وهو علم:

1.لا يأخذ باجتهادات التفلسف في نشأة الاديان،

2.لا يأخذ بمدونات اللاهوت الذي لا تسعف ادعاءاته اكتشافات آثارية واركيولوجيا التاريخ،

ولا يأخذ حتى بالمعجزات الدينية.

 لكن مع هذا تبقى آراء فيورباخ الفلسفية حول نشوء الاديان تمتلك من الاثارة الفلسفية الشيء الكثير الذي لا يتوفر عليه علم الاديان باعتباره علما لا يقوم على نظريات تجريدية غير تجريبية ولا على فلسفات أو تنظيرات غير مدعمة باسنادات اركيولوجية وتنقيبات حفرية. الفلسفة تقول ما تعجز عنه بقية الاجناس الفكرية قوله أو التعبير عنه لكنها ليست علما طبيعيا خاضعا للتجربة.. الفلسفة ام العلوم لكنها ليست علما.                    

الأستاذ مراد غريبي:

إذن ماذا عن الطبيعة ونزعة التدّين البدائي؟

الدكتور علي محمد اليوسف:

يقول أحد الفلاسفة المعاصرين في معرض حديثه عن تعالق الدين واللغة عند الفيلسوف بروديكوس (ان الانسان البدائي والذي بدا له أن كثيرا من الظواهر الطبيعية معادية له، ومع ذلك كان معجبا جدا بالهبات التي تزوده بها الطبيعة لتسهيل حياته ورفاهيته)، وفي تعبير ظريف ليوربيدوس قوله: أنه يتوجب على الارض أن تثمر شيئا لإطعام قطيعي سواء اكانت الطبيعة راضية أن تفعل ذلك أم لا. كانت ولازالت الى يومنا هذا الأم المرضعة لبقاء النوع البشري من الانقراض. هذه الطبيعة المادية في مجموع تكويناتها وتنوعاتها الارضية، لم تكن طبيعة جامدة (روحيا) بمعنى الثبات والسكون الفيزيقي الذي يعدم تساؤلات ما وراءها، تساؤلات الانسان الكائن النوعي في ذكائه المتفرد به عن باقي المخلوقات والكائنات، (عقليا - روحيا) خياليا تأمليا ميتافيزيقيا في ما وراء ظواهر الطبيعة المادية. كان هو الهاجس الذي لازم الانسان طيلة مساره الانثروبولوجي.

مقدمة

الحرية، إذا عرفناها بشكل عام، هي القدرة على القيام أو عدم القيام به، ونسمي هذه القوة "الإرادة الحرة"، والقدرة على أن تكون المبدأ الخاص بأفعال الفرد، دون أن تكون مقيدة بأي شيء خارجها. لكننا اعتدنا الحديث عن الحرية بعدة معانٍ، أي أن نعزو صفة الحرية بناء على اعتبارات مختلفة. فمثلاً نقول عن شخص: إنه حر لأنه لا يجبره شيء أو أحد على ذلك، أي لأنه ليس عبداً؛ نقول عن آخر، السجين مثلا، إنه حر في التفكير رغم أنه محبوس في السجن رغما عنه؛ نقول أيضًا إن الشخص حر، الذي يُمنح، داخل المجتمع، الإمكانية، ولديه القوة الفعالة، للقيام بأشياء معينة؛ أو مرة أخرى، على مستوى آخر، أن الإنسان الحكيم حر، لأنه يتحكم في أهوائه، الخ. فهل للحرية إذن درجات على المستويين الفلسفي والقانوني؟

يبدو لنا هذا واضحًا على الفور، لأننا لا نستطيع أن نقول، في الواقع، إن غير العبد، والسجين، وموضوع المجتمع، والرجل الحكيم، وما إلى ذلك، أحرار على نفس المستوى: لذلك يبدو جيدًا هناك عدة مستويات من الحرية. سيكون كل من هذه الشخصيات بعد ذلك "أكثر" أو "أقل" حرية، حتى نتمكن من تتبع مقياس الحرية، والذي سينتقل من أدنى مستوى للحرية إلى أعلى مستوى. ولكن هل يمكننا حقا أن نكون أكثر أو أقل حرية؟ ألا ينبغي بالأحرى أن نقول إن الحرية ليس لها درجات، ولا تكمن إلا فيما نعتبره أعلى درجاتها؟ وبالتالي فإن المشكلة التي تطرح هي ما إذا كان لا يزال بإمكاننا، بصرف النظر عن هذا المستوى المتطرف، أن نتحدث عن الحرية، أي ما إذا كان من المنطقي الحديث عن "حرية أقل" أو "الحرية المحتملة فقط". إذا كانت هذه المستويات الدنيا من الحرية أقل من المستوى الأعلى من المقياس، أليست إذن مجرد زائفة، أفلا ينبغي إذن أن نتحدث عنها باعتبارها حرية وهمية؟ فهل الحديث عن الحرية من حيث الدرجات معقول؟ أليست الحرية بالتعريف هي ما يفلت من كل الدرجات؟ أليست مطلقة؟

اللغة وسيلة التواصل الإنساني، ناقلة للثقافات، ومؤرخة لأحداث، وانتصارات، وانتكاسات الشعوب...“.

اللغة أعظم إنجاز بشري على ظهر الأرض، ولولا اللغة ما قامت للإنسان حضارة ولا نشأت مدنية ولقد وقر في أذهان الناس منذ القديم تقديس اللغة وإعظام شأنها، وبلغت القداسة عند الشعوب البدائية، أن ارتبطت اللغة عندهم بتأثير اللفظ وسحر الكلمة، واختلط الاسم بالمسمى، في عقيدة هذه الأقوام.
وقد أدرك العلماء في العصر الحديث، علاقة اللغة بالمجتمع الذي تعيش فيه، ومدى تأثرها وتأثيرها عليه، كما عرفوا الصلة القائمة بين اللغة والنفس الإنسانية، وتلونها بألوان الانفعالات والعواطف الوجدانية، لدى بني البشر.

بذلك تعتبر اللغة من أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة، وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي، وترتبط اللغة بالتفكير ارتباطاً وثيقاً، فأفكار الإنسان تصاغ دوماً في قالب لغوي، حتى في حال تفكيره الباطني، ومن خلال اللغة فقط تحصل الفكرة على وجودها الواقعي. كما ترمز اللغة إلى الأشياء المنعكسة فيها.

كما تعتبر اللغة نظاماً للتواصل يمكن أن يتبادل البشر الكلام اللفظي أو الرمزي، وهذا التعريف يؤكد على الوظائف الاجتماعية للغة، والحقيقة هي أن البشر يستخدمون اللغة للتعبير عن أنفسهم والتعامل مع الأشياء في البيئة المحيطة بهم. وتوضح النظريات الوظيفية للقواعد التراكيب النحوية من وظائفها التواصلية وفهم التراكيب النحوية للغة لتكون نتيجة لعملية التكيف النحوية ومصممة لتلبية الاحتياجات التواصلية لمستخدميها.

 ويرتبط هذا الرأي للغة مع دراسة اللغة في أطر عملية ومعرفية، وتفاعلية، وكذلك في علم اللغة الاجتماعي وعلم الإنسان اللغوي. فتميل النظريات الوظيفية إلى دراسة القواعد كظواهر حيوية، وتراكيب تكون دائماً في عملية تغيير كما تستخدم من قبل الناطقين بها. ويضع هذا الرأي أهمية على دراسة تصنيف لغوي، أو تصنيف اللغات وفقاً لسمات هيكلية، كما يمكن إثبات أن عمليات النحو تميل إلى اتباع المسارات التي تعتمد جزئياً على التصنيف. وكثيراً ما ترتبط وجهات النظر البراغماتية في فلسفة اللغة كعنصر أساسي للغة والمعنى مع أعمال فيتجنشتاين اللاحقة ومع فلاسفة اللغة العادية مثل: أوستن، وبول جرايس، وجون سيرل، وكواين.

يسعى علم اللغة الحديث إلى دراسة اللغة وهيكلها، بالتعاون مع العلوم الإنسانية الأخرى، مثل: علم الثقافة، التاريخ، الجغرافيا، علم الاجتماع، وعلم النفس، والانثروبولوجيا. فالعلاقة بين اللغويات والعلوم الأخرى (الإنسانية) علاقة نقاش وجدال مستمر منذ عقود بهدف دراسة اللغات الإنسانية كل من خلال زاويته.

 بالمقابل، يعتقد بعض اللغويين أنه لا ينبغي خلط تخصصهم مع هذه العلوم لأنه سيؤثر على نقاء أبحاثهم، حيث ظلت النظرة إلى اللغة في الماضي على أنها من علوم الأدوات والوسائل، وليست من علوم الغايات، حتى بدايات القرن التاسع عشر. وفي خضم البحث اللغوي الحديث ارتقت اللغة درجة أعلى، وأصبحت من علوم الغايات، بالإضافة إلى كونها من علوم الوسائل، وأصبح علم اللغة من أهم العلوم الإنسانية التي تـهتم بمختلف السلوك الإنساني أثناء اتصالـه بالآخريـن.

بعد أن كافح الإنسان في الماضي كي لا يتحوّل إلى عبد، عليه أن يناضل كي لا يتحوّل إلى آلة…”  إيريك فروم

1- مقدّمة:

إذ كان التشيّؤ صنو الاغتراب، فإنّ البحث في التشيّؤ لا يكون إلّا منهجاً في استكشاف الاغتراب الإنسانيّ في أقصى حالاته واستجواب معانيه في أعلى مستوياته. وإذا كان الاغتراب يشكّل البعد الفلسفيّ للتشيّؤ، فإنّ التشيّؤ يشكّل البعد المادّيّ المشخّص للاغتراب. وقد يكون التشيّؤ المؤشّر الأوّل للاغتراب، ولكنّه في النهاية يشي بعمقه، ويشكّل تمامه وكماله، ونعني بذلك أنّ التشيّؤ الكامل هو الظاهرة الكلّيّة للاغتراب في أكثر مظاهرة شموليّة وانبثاقاً. فلا يكون اغتراباً من غير تشيّؤ، ومن الاستحالة بمكان أن يكون التشيّؤ من غير الدلالة على الاغتراب؛ لأنّه يشكّل شرط الاغتراب وتجسيداً له. ومن الأمور الّتي يجب ألّا تغيب عن البال بأنّ الاغتراب والتشيّؤ مفهومان متداخلان في المعنى متشابكان في الدلالة، ومع ذلك فإنّ من يتأمّل بعمق قد يأنس طيفاً من الاختلاف. ومع أنّ ماركس سيّد المفهومين قد جمع بينهما وصهرهما في بوتقة واحدة، إلّا أنّ نفراً من المفكّرين قد عكفوا على استخدام مفهم التشيّؤ بوصفه أكثر قدرة على تجسيد مفهوم الاغتراب وتوظيفه في فهم أعمق لوضعيّة الهزائم الحضاريّة في وضعيّة الإنسانيّة المعاصرة، وربّما قد وجدوا في مفهوم التشيّؤ قدرة على الاستبصار الواقعيّ تجنّباً للوقوع في المطبّات الغامضة والمسالك الصعبة للاغتراب. فالاغتراب يحمل طابعاً فلسفيّاً محضاً، ويأتي التشيّؤ ليعبّر عنه بطريقة أكثر حسّيّة وتجسيداً. ومهما يكن الأمر، فإنّنا في هذا المساق ننحو إلى الإضاءة على مفهوم التشيّؤ مقارنة بالاغتراب واستكمالاً لمعناه ودلالته. وهو مهما يكن، فإنّ التشيّؤ يشكّل صيغة لازمة من الاغتراب نراها في توجّهات بعض المفكّرين الّذين أبدعوا في تناوله وتحليله والكشف عن أبعاده بطريقة سوسيولوجيّة بارعة في القدرة على البحث والاستكشاف. ويشار في هذا الصدد إلى نخبة من المفكّرين الّذي وظّفوه واستخدموه أمثال ماركس وماركوز وفروم ولوكاش وهونيث وهم الّذين بحثوا في متاهاته، واستكشفوا في أبعاده، ووظّفوه توظيفاً سوسيولوجيّاً خلّاقاً في الكشف عن مآزق العصر الصناعيّ الرأسماليّ ومستويات تشيؤه واغترابه.

وإذا كان التشاكل في مفهوم التشيؤ يأخذ مداه ثقيلا فإننا سنعمل في هذه المقالة على رصد المفهوم واستجلاء معالمه  وتحديد سماته وإبراز معانيه واستكشاف دلالته كشفاً عن  حضوره تجلّياته في  فضاءات الزمن الرأسماليّ  الليبرالي الحديد الّذي ينحو إلى أن يكون زمناً مادّيّاً زومبيا تغيب فيه الروح، وتفيض فيه قيم والربح والشهوة والتسلّط. إنّه زمن اللامتناهيات في السقوط الأخلاقيّ والانحدار القيميّ؛ إذ تحوّلت فيه كلّ الكائنات الحيّة والمادّيّة إلى سلع، بل إلى تجارة، ومن ثمّ إلى مادّة للتصنيع والاستهلاك. إنّه الزمن الّذي تحاك فيه الأشياء في دورة التصنيع والإنتاج، وكلّ شيء يدور فيه حول قيم الريح والاستهلاك، وكلّ شيء فيه يخضع لدورة السوق وقوانين العرض والطبّ: جسد الإنسان وروحه، ولا يبقى هناك شيء بعد ذلك لا يخضع لدورة السلع والأشياء: كلّ شيء يباع، تجارة البشر، تجارة الأعضاء، تجارة الجنس، الحبّ تجارة، والصداقة صناعة، وفيه تجارة الأدب والفنّ والأخلاق، حتّى الدين أصبح تجارة ونخّاسة. وهذا هو الزمن الّذي تبشّر فيه الرأسماليّة بزوال الإنسان وتشكيل الإنسان الآليّ "الروبوت"، الإنسان الزومبيّ (Zombie) (الموتى الأحياء) ([1])، الإنسان الجسد الّذي يتحرّك من غير روح، الإنسان البيونيّ الّذي تحوّل إلى كيان من الأسلاك والأجهزة والسيليكون ومثال ذلك المرأة السليكون. وفوق ذلك كلّه أصبحنا نتحدّث اليوم عن الإنسان السبورغ الإنسان الّذي تحوّل بجسده إلى كائن خارق، أو لنتحدّث عن الإنسان الآليّ. والمذهل في حركة الحضارة الصناعيّة والذكاء الاصطناعيّ أنّ الحضارة المادّيّة تسعى إلى إضفاء الطابع الإنسانيّ على الروبوتات بينما تجرّد الإنسان الحيّ من الروح والمعنى والدلالة، وتحوّل إلى كائن زومبي هشّ تستطيع أن تدمّره بعصاك لأنّه كائن بلا روح ولا معنى أو دلالة.

استهلال
ينبني هذا العمل-قدر الاستطاعة بطبيعة الحال-على ملاحظة تتبعية لِمجموعة من الأعمال المنشورة في حقل علم النفس الاجتماعي في المغرب. فقد أسعف تعاطينا، من غير شك، مع هذا الكم المعرفي، الجدير حقا بالاهتمام، على تحصيل ملاحظتين اثنتين مُؤَدَّاهُما:

1-فتور المواكبة المطلوبة، الرامية، على الأقل، إلى التعريف بالانهمامات العلمية لرواد السيكولوجيا الاجتماعية في الجامعة.

2-برود مَنْزَع القراءة، وتراخي الدًّافعية المُتَطَلِّعة إلى تحليل، وتفكيك أسس وحيثيات الخطاب السيكوسوسيولوجي في أفق نقده  فتقييمه بالتساؤل المُهَدِّم للمعرفة المُطمئنة؛ والاستفهام المُكَسِّر للنماذج الرَّكيكة. أَلاَ يُعْتَبَرالنقد الوجيه عَصَبَ المعرفة، ومِهْمَازَها الخَلاَّق للمعاني المُرَجَّحَة، والصانعُ للدَّلاَلاَت المُحتملة؟

 فيما أحسب، هذا هو المَسَاق الذي يُؤطرهاته الدراسة التي نَتَوسَّلُ بها الإطلالة على الإنتاج الفكري للمفكر وعالم النفس الاجتماعي الدكتورالمصطفى حدية سَعْياً إلى تقليب تَشَكُّلاَتِ خِطَابِه؛ وغايةً في الوقوف على المَسْأَليَات الأساسية، والطُّرُوحات الكبرى المبثوتة طَيَّ أبحاثه الغزيرة.

أولا: تقاطع الموضوعات والأفْهُومات في الاجتماع النفسي العربي:

 بحضوره الوازن في الساحة الثقافية المغربية والعربية على السواء، استطاع الأستاذ المصطفى حدية أن ينحت اسمه ضمن كبار السيكولوجيين العرب. فقد تمكن بفعل اجتهاده ومثابرته من تأسيس مشروع مدرسة قائمة الذات في حقل الاجتماع النفسي بالمغرب تتقاطع، في جزء كبير منها، مع أعمال أكاديميين عرب من عيار حليم بركات، هشام شرابي ومصطفى حجازي على سبيل المثال لا الحصر.

بحرقة لاضديد لها، طَرَقَ هؤلاء المفكرون الجذريون، بين ثنايا أبحاثهم، التي انصبت على المجتمعات العربية، مشكلات التخلف بأورامه المزمنة، وقضايا التنشئة الاجتماعية، والحرية، والهدر بكل أشكاله وألوانه المختلفة...فضلا عن جدلية الثقافة والهوية في عصرمدهش، سِمَتُهُ التَّبَدُّلُ والانقلاب؛ وخِصِّيصَتُه الاحتمال واللاَّيَقِين بفعل نهاية الجغرافيا وهيمنة الأمبريالية الثقافية.2..  فبالاستناد إلى مرجعية متينة تمتح من معين علم النفس، وتنهل من المنهج النقدي الاجتماعي-التحليلي، والإبداع السردي على السواء  عمد الدكتور حليم بركات(1933-2023)إلى تفكيك بنيات المجتمع العربي، وخلخلة الطبيعة السلطوية للدولة 3 ليخلص إلى القول بوجود هوة تفصل الإنسان العربي عن مؤسسات مجتمعه وسمها حليم بركات بالاغتراب 4 الذي يرده إلى:

  • - التجزئة والتفتت الاجتماعي
  • - هيمنة الدولة على المجتمع(=الاغتراب السياسي وأزمة المجتمع المدني) 5
  • - تسلط الأنظمة الهرمية القسرية التي يجسدها النظام البطريركي، وهيمنة المؤسسات الدينية، وغلبة التربية المعتمدة على الذاكرة والاستظهار.
  • - الاستغلال الطبقي ومايستتبعه من ظلم، وقهر وحرمان، واتساع الفجوات بين المعدمين والأغنياء.
  • - التبعية، والهيمنة الخارجية على معظم الثروات والمقدرات العربية
  • - سطوة المقدس، وصلابة التقاليد، وثباتية الطقوس التي تعمل على تزمين الصراع بين القديم/التراث والجديد/الحداثة.6

في فترة الثمانينيات، دارت فصول حوار فكري مثير وشائق في صفحات مجلة اليوم السابع بباريس بين اثنين من أهم أعلام الانتلجنسيا العربية، المغربي محمد عابد الجابري (1935-2010)  والمصري حسن حنفي (1935 – 2021)، وهو الحوار الذي جرى ضمه لاحقا في كتاب صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت في العام 1990، بحيث يعكس أهم القضايا والمواضيع التي شغلت عقول النخبة المثقفة العربية وكيفية تعاطي الأخيرة معها، بالتزامن مع التحولات الدولية التي كانت تلقي بثقلها على الثقافة العربية في سياق الانتقال إلى نظام القطب الواحد والعولمة المكتسحة لكافة مجالات الاجتماع الإنساني. وسنعمد فيما يلي إلى تلخيص أهم مواقف المفكريْن من القضايا والأسئلة موضوع هذا الحوار:

الأصولية والحاجة إلى "كتلة تاريخية"

يرى حنفي بأن ما يسمى ب "الظاهرة الأصولية" تتسم بسمات عامة اعتبارا لهيمنة الجناح اليميني عليها: القراءة الحرفية للنصوص دون مراعاة "أسباب النزول"، التشبث بإسلام طقوسي شكلي عوض الالتفات إلى روح الشريعة ومقاصدها السامية، رفض وإقصاء المكونات السياسية والأيديولوجية الأخرى (يساريين، ليبراليين، قوميين... الخ). ومن ثم فإن التحدي أمامنا – عند حسن حنفي - هو تقوية الجناح اليساري في الحركة الأصولية الذي برغم أفكاره العميقة ما زال يفتقر إلى الإطار التنظيمي الملائم.

بينما يرفض الجابري التحزب لهذا التيار الفكري أو ذاك (سلفي، ليبرالي، قومي، ماركسي) بالرغم من إقراره بشرعية وجود تلك الاتجاهات الفكرية. وبدلا من ذلك، يدعو إلى البحث عن "نقط التقاء" بينها في إطار كتلة تاريخية تستوعب جميع الأطياف الأيديولوجية للتفكير بجدية في قضايا المصير المشترك التي تهم الأمة بأسرها.

الموقف من العلمانية

يذهب المفكر المصري إلى أن العرب والمسلمين في غنى عن التمسك بأهداب العلمانية الغربية، إذ يكفي الإنصات لروح ومقاصد الشريعة التي تتصف بقدر كبير من المرونة والقدرة على مواكبة التطور التاريخي والعمراني لكونها جاءت لتحقيق مصالح العباد وحقوقهم: "الإسلام دين علماني في جوهره، ومن ثم لا حاجة له لعلمانية زائدة عليه مستمدة من الحضارة الغربية".

وبالمقابل لا يوافق الجابري محاوره على العبارة التي استخدمها (الإسلام دين علماني)، ويذهب إلى أنها تعمق سوء الفهم بدل تبديده. لكنه يتفق من حيث الجوهر مع حنفي من خلال إقراره أن مفهوم العلمانية كما طرح في الغرب لا يجيب عن الحاجات التاريخية والموضوعية للمجتمعات العربية لما يكتنفه من لبس شديد، وبدلا من تلك اللفظة يطرح مفهومي الديمقراطية والعقلانية كخيارين لا مندوحة منهما لنهوض العرب.

على مدى آلاف السنين الماضية، كان تاريخ العالم مدفوعاً بقوى أربع حضارات مهيمنة: الصينية، والهندية، والعربية، والأوروبية. وبينما طورت هذه الحضارات الأربع هوياتها الخاصة وشرائع الأعمال المقدسة، كان هناك على مر التاريخ قدر كبير من التلقيح المتبادل بين الحضارات الأربع. ونذكر مثالاً واحداً فقط من أمثلة متعددة: كان العالم العربي المسلم، ابن رشد (1126-1198)، المولود في قرطبة، وهو عالم في الفلسفة الأرسطية، ويُعرف على نطاق واسع بأنه الأب المؤسس للفكر العلماني في أوروبا.

تطورت الحضارات الأربع وتوسعت من خلال مزيج من التجارة والاستكشاف والحرب والغزو والأيديولوجية (الدين). وكانت الحضارة العربية هي الأخيرة من الناحية التاريخية. نشأت من زمن النبي محمد” ﷺ " (570-632) وتجميع القرآن الكريم، مدفوعاً بمفهوم الأمة – مجتمع جميع المسلمين الذين يوحدهم الدين وليس العشيرة أو العرق. وفي القرون التالية توسعت الأمة عبر معظم جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط، وشمال وشرق أفريقيا، وعبر آسيا الوسطى وصولاً إلى الهند، عبر المحيط الهندي، عبر بحر الصين الجنوبي، لتصل إلى ما يسمى اليوم إندونيسيا.

بدأ صعود أوروبا مع "عصر الاكتشافات" في أواخر القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حيث أتاحت التقنيات البحرية الجديدة ورسم الخرائط وانتشار المطبعة للإمبراطوريات الأوروبية المنقولة بحراً غزو "العالم الجديد". مع الثورات الزراعية والعلمية والتجارية والصناعية والأيديولوجية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي حدثت، منذ أوائل القرن التاسع عشر، أصبح شمال غرب أوروبا يهيمن على العالم. وفي حين كانت حصة أوروبا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1700 تبلغ 20%، فإنها بحلول عام 1900 تضاعفت إلى أكثر من 40%.

لقد تحطم التوازن الاقتصادي والسياسي والعلمي والعسكري والثقافي والنفسي الذي كان قائماً بين الحضارات الأربع لعدة قرون في ضوء صعود أوروبا الذي لا يرحم على ما يبدو، وفي ضوء تحول الأوروبيين، على حد تعبير عنوان العمل الذي كتبه الراحل المؤرخ فيكتور كيرنان، "أسياد الجنس البشري" (1969). يشير الصينيون إلى الفترة التي تلت حرب الأفيون الأولى (1839) إلى التحرير (1949) باسم "قرن الإذلال". لقد تعرض جميع غير الأوروبيين للإذلال.

لعل متقدمي الأصوليين لم يفردوا  قاعدة "لا اجتهاد مع نص" مبحثا أو بابا خاصا، وإنما اعتبروها داخلة في أبواب الاجتهاد ومتفرعة في بعض قواعده العامة، ولذلك يصعب على الباحث أن يصنف القاعدة هل تدخل في الحقل المعرفي الأصولي، أم في الحقل المعرفي الفقهي، مادام أن كلا من الأصوليين والفقهاء لم يهتموا بها حق الاهتمام، ولذلك لم يتم التكشيف عن مضمرات هذه القاعدة المهمة رغم ذكرها في المصنفات الأصولية خصوصا في باب التعارض والترجيح.

وعلى العموم فإن أكثر من تكلم عن هذه القاعدة قال بعدم تجاوز النص والاجتهاد مع وجوده، بل إن الاجتهاد يتطلب عدم وجود نص في المسألة، لكن السؤال المطروح هنا هو مالذي يقصده الأصوليون  بإطلاقهم لفظة النص؟

وهل كل نص يسمى في عرف الأصوليين نصا يمنع معه الاجتهاد؟ ثم ماهو الاجتهاد المقصود عند الأصوليين؟ وماهي مضمرات القاعدة؟

وهنا سوف أسوق بعض تعريفات الأصوليين للنص ليتبين لنا مقصودهم من إطلاق هذا اللفظ:

يعرف صاحب المنخول النص بأنه " اللفظ المفيد الذي لا يتطرق إليه احتمال، وقيل هو اللفظ الذي يستوي ظاهره وباطنه ولا يرد عليه الفحوى المفهوم على القطع"[1]

ويعرفه أيضا في موضع آخر بأنه " هو الذي لا يحتمل التأويل"[2]

ونجد القرافي يفصل في التعريف شيئا ما فيقول:" النص فيه ثلاث اصطلاحات، قيل: ما دل على معنى قطعا ولا يحتمل غيره قطعا كأسماء العدد، وقيل مادل على معنى قطعا وإن احتمل غيره كصيغ الجموع في العموم فإنها تدل على أقل الجمع قطعا وتحتمل الاستغراق، وقيل: مادل على معنى كيف ما كان وهو غالب استعمال الفقهاء"[3]

ومن المتأخرين عرفه الأستاذ علي حسب الله بقوله: " هو اللفظ باعتبار دلالته على المعنى المقصود بالسوق أصالة، دلالة تحتمل التفسير والتأويل مع قبوله للنسخ في عهد الرسالة"[4]

آخر التعليقات

تعتبر مشكلة المقدس من أخطر الم...
من الغريب جدًا أن أغلب المفكري...

آخر المواضيع في

سلّ الوالد غصنها الفتي من حديقة التربية والتدريس، وكبّلها في سن مبكرة إكراها بقيد زواج، تجهل معه تماما معنى مسؤولية العش الزوجي، ولا لها معلومة عن لبناته، أو شروطه؛ قرار مفاجئ اتخذه دون سابق إنذار، خشية أن تأتيَه بكارثة، وتلطخ الشرف حسب ما ترجحه العقول الحجرية البالية، وتلوكه الألسنة المضمخة بالأمية والجهل...
على مضض، عانقت الصغيرة بسواعد من ألم، مصيرها المُرّ المرفوض، وتأقلمت مرغمة مع الوضع الجديد الذي يفوق طاقتها، تُقدم الخدمات لمن في البيت، وتهتم بأشغاله كما في اعتقاد البعض، أن مكان المرأة المطبخ، ومهامها الكنس والتنظيف ولا شيء أخر، تحت لافتة بالبنط العريض ((خادمة باسم الزواج،)) تلبي الطلبات في صمت، على نفس وتيرة أمها وجدتها الممتدة في سلسلة غابرة عابرة؛ لا حق لها في الرفض أو الاحتجاج، حالما تعرضت لإهانة، أو تحقير، أو ظلم، وإن فعلت فهي قليلة الحياء، ومحرومة من رضا الزوج..
اهتزت العائلتان طربا، لما علما بمولود ذكر سيزدان به الفراش ، الابن المنتظر من سيحمل اسم العائلة، الامتداد الأُسُري والسُّري على قاعدة مؤسسة بتمييز حاد، يوشح الأنثى باحتقار لئيم، النظرة الدونية الشرسة، التي مازال البعض يغذّيها بوعي جاحد، رغم أنه لا فرق في المشاعر والإحساس، اللهم الفارق الفزيولوجي...

ما زالت كلماتك ونحن نقف أمام مدرج الطائرة تتردد في مسامعي "الواقع هو ما عشناه، والحلم ما لم نبلغه بعد".
وها أنا أذكر تلك الكلمات التي ظلت موشومة في الذاكرة رغم كل هذه السنوات التي مرت على ذلك الواداع البغيض الذي لم يخلف في النفس سوى لوعة مكتومة وعبرة ظلت معلقة في المآقي لا تروم نزولا.
الآن، وبعد أن ذبلت أوراق العمر ولم يبق من هذا العمر أكثر مما مضى منه، يعيدني رنين صوتك إلى تلك السنوات التي حلقنا فيها على أجنحة الأحلام.
الآن، وبعد أن طوحنا معا، وانتقلنا سويا من فرح إلى فرح، تقف كلماتك بين الوهم والحقيقة، تغوص بي عبر بحار عميقة، وتحلق بي عبر فضاءات رحبة، تعانق أشعة الشمس وتراقص دارة القمر.
ها نحن أخيرا نقف وجها لوجه، أمنحك شوق السنين التي خلت، وتهبينني ذكرى ساكنة في القلب وبين ثنايا الروح، حلمان أبحر كل منهما في اتجاه و التقيا أخيرا ومصادفة على شواطئ العمر الزاحف بنا نحو القبر.
يتكرر المشهد أمامي، وتعاد الأحداث، فما أسرع احتفال الذاكرة بالماضي، أراني وأنا أفتح ذراعي لاحتضانك وأنت تطئين أرضي بعد رحلة طويلة قضيتها، عبرت فيها حدود العالم، وقضمت أنا خلالها الحديد بعيدا عنك، تحاصرني ذكراك ويطربني الشوق إليك.
جاءني صوتك هذه المرة متمردا ثائرا، لحنا سيمفونيا هز المشاعر وألهب الأحاسيس وهدهد الروح. اضطربت عندما سمعتك تقولين: "آن الأوان لنخطو أولى خطواتنا نحو حلمنا". وبين ذلك الوداع وهذا الاستقبال مرت سنوات العمر وعبرتُ خلالها من حزن إلى حزن.

".. وإنما يستبدع ذلك ممّن زجّى عمره راتعاً في مائدتهم تلك ثمّ لم يقْوَ أنْ يتنبّه."[1]

فاتحة

   قُلنا في بداية هذه السّلسلة من المقالات أنّها مُخصّصة لاستعمال محمد العمري للبلاغيّين العرب القدامى في كتاب "المحاضرة والمناظرة"، الّذي ألّفه للدّفاع عن البلاغة ومناقشة كتاب "التبالغ والتبالغية" لرشيد يحياوي، وقد دفعنا اختلاط ما قاله فيه عن السّكاكي إلى مراجعة كتاب "البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها" علّنا نعثر فيه على بعض ما يساعد على فكّ ذلك الاختلاط وإظهار مبرّرات الأحكام المرسلة. لكنّنا وجدنا فيه، عكس ما توخّيناه، إسقاطا وتعسّفا وتزويرا لا يمكن أنْ يبرّر بالاختيار القرائي غير التّوثيقي[2]: صنّف السّكاكي "مختصراً"[3] لقّبه بـ"مفتاح العلوم"، وحدّد في مقدّمته مقاصده وفسّرها، وعيّن أنواع العلم الواجب الاعتماد عليها والاستمداد منها، وبيّن الْكَيْفيّة الّتي ينبغي أن تتراتب بها تلك الأنواع وتترابط بما يجعلها نسقا نافعا لعموم المهتمّين بالأدب في زمانه، وبرّر كلّ ذلك تبريرا علميّا كافيّا لا يخفى على المنصف، واحتاط بأنْ خاطب قارئه قائلا له إنّ "الاستعمال بيدك"[4]؛ بيد أنّ العمري يَكْفُر كلَّ ذلك، ويتورّط  في الإتيان بآراء غريبة وأحكام متعسّفة وتَقوّلات غاية في الفحاشة، بدا معها صاحب المفتاح متهافتا، ومختزلا، ومحكّماً للنّحو والمنطق في البلاغة!. وقد ناقشنا بعض ذلك، وظهر لنا أنّ العمري ساقه بدون تحقيق، وحشر في كلامه آراء متفاوتة ينفي بعضها بعضا ويقع جلّها بعيداً عن بنية المفتاح ومقاصده.. لهذا نعود إلى كتاب "المحاضرة والمناظرة " الّذي نخصّص له هذه السّلسة من المقالات لمناقشة "محاضرته" الّتي يجعل من طوائف مخاطَبيه فيها الطلبة والتّلاميذ[5]!  

  • الجرجاني والسّكاكي مؤسّسان ومختزلان:

   يقول العمري: «بدأت عملية اختزال البلاغة العربية مع الجرجاني نفسه، ثم خَطتْ خطوةً واسعةً مع السكاكي، وبلغت نهايتها مع القزويني وباقي الشراح والملخصين. ولا لوم على أحد منهم، فقد استجابوا جميعا لحاجيات عصرهم وأسئلته، واستثمروا إمكانياته. بل يمكن شكر المتأخرين منهم على إيواء البلاغة في لحظات احتضارها كما آوتها الكنيسة في أوروبا بعد ذهاب شبابها اليوناني واللاتيني. سنبدأ من البداية ونسير مع عملية الاختزال خطوة خطوة إلى العصر الحاضر[6] «.

   قلتُ: يكفي أن تعرف أنّ العمري يرى، مثل آخرين كثيرين، أنّ عبد القاهر الجرجاني " هو المؤسّس الحقيقي للبلاغة العربية"[7]، وتعرف أنّه يرى، وحدَه هذه المرّة، وكما هو واضحٌ في هذا المقتطف، أنّ عبد القاهر الجرجاني  نفسه هو أوّل من اختزل تلك البلاغة لتتأكّد من تنكّبه عن سبل الضّبط والتّحقيق في "المحاضرة والمناظرة". ففي الرّأي الّذي لا يقيم للمعرفة – بلهَ العلم- وزنا يمكنك دائما أن تقول إنّ الجرجاني أسّس البلاغة واختزلها، وتبرّر التّنافي بالقول إنّ ذلك الاختزال إنّما هو اختزالٌ منهاجي يمكن أن يؤيّد أو يعارض، دون أن تكلِّف نفسك بأن تسأل: إذا كان هو المؤسّس، فبالقياس إلى ماذا يمكن اعتبار عمله مختزلا؟ ومادام اختزاله اختزالا منهاجيّا، فكيف يمكن أنْ يُؤيّد أو يُعارض؟ لا يجب أن نكلّف أنفسنا السّؤال لأنّ كلّ ذلك سائغ في المحادثات التي يتحكّم فيها الهوى والرّأي بعيدا عن واجب التّفكير في تحقيق القول والتّدليل عليه: يتحدّث بعض المهتمين بالبلاغة من المعاصرين عن "البلاغة العامّة"، وفي مرحلة ما قبل الجرجاني كان هناك الكثير ممّن تناولوا،  من زوايا مختلفة، جوانب ومسائل أدخلها الباحثون في مرحلة ما بعد السّكاكي في التّخصص الّذي لقّبه بعضُ المتأخّرين بالبلاغة، لذا، فإنّ الجرجاني حتّى وإنْ كان هو "المؤسّس الحقيقي للبلاغة" بالنّسبة للعمري، فإنّه مع ذلك هو الّذي اختزلها- ولا تستغرب!- لأنّه لم يجعلها عامّة بجمع كل ما كان منتشرا قبله!. نعم تجمّعت عنده كلّ الرّوافد، ولكنّه قلّل من قيمة الموازنات!! طيّب، ماذا لو جعلتَ "بلاغة" الجرجاني تتوسّع لتشمل "فصاحة" ابن سنان وغير ابن سنان أكانت البلاغة ستصير عامّة تماثل ريطوريقا أرسطو التي كانت نصب عين جيرار جنيت وغيره ممّن اقتفوا أثره وتحدّثوا عن البلاغة العامة والبلاغة المختزلة من الغربيّين؟ وعلى فرض أنّها ماثلتها أو فاقتها من حيث "المساحة" أكانت تسدّ مسدّ هذا النّموذج الكلّي الّذي يطمح إليه المختصّون زمننا هذا دون أن يقدر أحد على ادّعاء أنّه بناه على الوجه الّذي ينشد؟ وهل هناك إمكانية أصلا لإنشاء ذلك النّموذج الكلّي؟ وماذا لو كان ما يتحدّث عنه العمري بهذه الطّريقة الّتي تجمع الإسقاط والتّخبّط والوثوقيّة لا يوجد إلا في وهمه؟ كلّ ذلك لا يعني شيئا لصاحب "المحاضرة والمناظرة"؛ والمنطلق عنده متهافت: البلاغة العربية كانت عامّة قبل أن تتأسّس، وقد اختزلها المؤسِّس.  ما هو علم البلاغة الّذي اختزله الجرجاني؟ الجرجاني اختزل علم البلاغة الّذي لم يكن! أو كانت ظواهره ومباحثه تتبلور تدريجيّا في النّحو والتّفسير وعلم أصول الدّين وأصول الفقه والنّقد الأدبي والإعجاز!

الترجمة:
" سوف أتوصل، كما هو متوقع، إلى نتيجة مفادها أن ما بعد الحداثة، وهو آخر من الحداثة، لا يمكن تعريفه في سياق خطابنا "الحديث"، ولا ينبغي أن يكون من العبث تمامًا أن نضع موضع التساؤل ما الذي يشكل الفصل بين الحداثي وما بعد الحداثي - ذلك هو ما يكمن وراء إمكانية حديثنا عن الحديث أصلاً. وبالمثل، من الضروري التعامل مع آخر آخر من الحداثة، أي ما قبل الحداثة، والذي تم تعريف الحداثة أيضًا في كثير من الحالات بالإشارة إليه. هذه السلسلة – ما قبل الحداثة – الحداثة – ما بعد الحداثة – قد توحي بترتيب زمني. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن هذا النظام لم ينفصل أبدًا عن التكوين الجيوسياسي للعالم. وكما هو معروف جيدًا الآن، فإن هذا المخطط التاريخي للقرن التاسع عشر يوفر منظورًا يمكن من خلاله فهم موقع الأمم والثقافات والتقاليد والأعراق بطريقة منهجية. على الرغم من أن المصطلح الأخير لم يظهر حتى وقت قريب إلى حد ما، إلا أن الاقتران التاريخي الجيوسياسي بين ما قبل الحداثة والحديث كان أحد الأجهزة التنظيمية الرئيسية للخطاب الأكاديمي. إن ظهور المصطلح الثالث والغامض، ما بعد الحداثي، ربما لا يشهد على انتقال من فترة إلى أخرى بقدر ما يشهد على تحول أو تحول في خطابنا نتيجة لذلك عدم قابلية الجدل المفترضة للمزاوجة التاريخية الجيوسياسية الحديثة. وما بعد الحداثة أصبحت مشكلة متزايدة. وبطبيعة الحال، ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الطعن في صحة هذا الاقتران. ومع ذلك، فمن المثير للدهشة أنها تمكنت من النجاة من العديد من التحديات، ومن المبالغة في التفاؤل أن نعتقد أنها أثبتت أخيراً عدم فعاليتها. سواء باعتبارها مجموعة من الظروف الاجتماعية والاقتصادية أو باعتبارها التزام المجتمع بقيم مختارة، لا يمكن أبدا فهم مصطلح "الحداثة" دون الإشارة إلى هذا المزاوجة بين ما قبل الحداثة والحديث. تاريخياً، كانت الحداثة في المقام الأول معارضة لسابقتها التاريخية؛ ومن الناحية الجيوسياسية، فقد تم مقارنته مع غير الحداثة، أو بشكل أكثر تحديدًا، مع غير الغرب. وهكذا كان الاقتران بمثابة مخطط استطرادي يتم بموجبه ترجمة المسند التاريخي إلى مسند جيوسياسي والعكس صحيح. يتم طرح الموضوع من خلال إسناد هذه المسندات، وبفضل وظيفة هذا الجهاز الخطابي، يتم تمييز نوعين من المجالات بشكل مميز؛ الغرب الحديث وغير الغربي ما قبل الحداثي. بطبيعة الحال، هذا لا يعني أن الغرب لم يكن أبدًا في مراحل ما قبل الحداثة أو أن اللاغرب لا يمكن تحديثه أبدًا: فهو ببساطة يمنع إمكانية التعايش المتزامن بين غرب ما قبل الحداثة واللاغرب الحديث. إن الفحص السريع لهذا النوع من الحداثة يشير بوضوح إلى وجود قطبية معينة أو تشوه بين الطرق الممكنة لفهم العالم تاريخيًا وجيوسياسيًا. لا يوجد سبب متأصل يجعل المعارضة الغربية/غير الغربية تحدد المنظور الجغرافي للحداثة، باستثناء حقيقة أنها تخدم بالتأكيد في تأسيس الوحدة المفترضة للغرب، وهي إيجابية غامضة ولكنها مهيمنة، والتي نميل إلى اعتبار وجودها منح لمثل هذا الوقت الطويل. وغني عن القول أن الغرب توسع وتحول بشكل اعتباطي خلال القرنين الماضيين.

الترجمة:
"دائمًا ما يكون وضع شخص ثالث يشهد حوارًا غير مريح. ومن خلال عدم المشاركة، فإنه يضطر إلى تسجيل حركة الكلمات فقط. أحيانًا يتفق مع أحد المحاورين، وأحيانًا مع الآخر، ومن هناك يأتي الانطباع بأننا نتناقش حول موضوع مشترك. ولكن مع مرور الوقت يؤدي إلى الارتباك، فهو مجبر على إدراك أن كلمات أحدهما لا يمكن سماعها إلا في صمت الآخر. ومن خلال فرض الصمت والكلمات، فهي التي تدعم الحوار. ثم يبقى متسائلا عما إذا كان للسؤالين مقياس مشترك غير هذه اللغة التي يعبر بها كل منهما عما يفرقهما. ويصبح الاستماع إلى الطرف الثالث بمثابة انقطاع للحوار، باسم العودة إلى الرسالة. يتناسب كتاب هنري ديكليف مع هذه الحركة. لكن هذا لا يعني بالنسبة لهذا المؤلف أن العقيدة الكانطية يجب أن تسود بأي ثمن. سيبقى مصدر إلهام هيدجر الرئيسي طوال استعراضه، مع الحفاظ عليه بدقة معينة. المؤلف وحده هو الذي يسعى لإظهار كيف يمكن تقديم هذا الإلهام بشكل أكثر ومختلف من خلال نصوص كانط الأخرى، والتي يتم أخذها بعين الاعتبار في علاقاتها الداخلية. وذلك لأن ثلاثة اهتمامات أساسية تبدو مشتركة بين هيدجر وكانط: لقد شككا في فكرة الفلسفة ذاتها، وكانا مهتمان باستعادة معينة للميتافيزيقا وأرادا التفكير في التناهي. لكن المؤلف لاحظ بالفعل أن هذه المواضيع الثلاثة لا يمكن أن تجد أسماء أخرى لا تزال مشتركة بين الفيلسوفين. وذلك لأنه في تماسك أعمال كانط وهيدجر، تتلقى هذه المواضيع صياغة مختلفة تمامًا. وإذا كان هيدجر يسعى جاهدا لإخفاء هذا الاختلاف، فذلك لأنه يمتلك وجهة نظر خاصة للغاية لجميع أعمال كانط. ومع ذلك، في مناسبات مختلفة، بالفعل في بداية قراءته لكانط، يؤكد هيدجر أن تأويله يجب أن يفهم العمل بأكمله، ويجعل وحدته الداخلية واضحة.

 كيف تقوم شبكة من المفكرين بتحويل الرأسمالية بعد عقود من هيمنة اليمين، حيث تعمل حركة عبر الأطلسي من الاقتصاديين اليساريين على بناء بديل عملي لليبرالية الجديدة؟
تمكن التيار اليساري منذ سبعينيات القرن الماضي من تغيير طريقة تفكير الكثير من الناس حول التحيز والهوية الشخصية والحرية. وكشف قسوة الرأسمالية وتوحشها. لقد فازت بعض الأحزاب اليسارية في بعض الأحيان بالانتخابات، وفي أحيان أخرى تولى اليسار الحكم بفعالية بعد ذلك. ولكن الأحزاب اليسارية لم تكن قادرة على إحداث تغيير جذري في الكيفية التي تعمل بها الثروة والعمل في المجتمع ــ أو حتى تقديم رؤية مقنعة لكيفية القيام بذلك. باختصار، لم يكن لدى اليسار في الدول الغربية سياسة اقتصادية منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان.

وبدلاً من ذلك، كان لليمين رؤية واحدة تتمثل في الخصخصة، وإلغاء القيود التنظيمية، وخفض الضرائب على الشركات والأغنياء، ومنح المزيد من السلطات لأصحاب العمل والمساهمين، وتقليص السلطات للعمال ــ كانت هذه السياسات المتشابكة سبباً في تكثيف الرأسمالية، وجعلها أكثر انتشاراً في كل مكان أكثر من أي وقت مضى. لقد بُذلت جهود هائلة لجعل الرأسمالية تبدو حتمية؛ لتصوير أي بديل على أنه مستحيل.

في هذه البيئة المعادية على نحو متزايد، كان النهج الاقتصادي الذي يتبناه اليسار قائماً على رد الفعل ــ فيقاوم هذه التغيرات الضخمة، دون جدوى في كثير من الأحيان ــ وغالباً ما يكون متخلفاً، بل وحتى حنيناً إلى الماضي. ولعقود عديدة، استمر نفس المحللين النقديين للرأسمالية، كارل ماركس وجون ماينارد كينز، في الهيمنة على خيال اليسار الاقتصادي. توفي ماركس في عام 1883، وكينز في عام 1946. وكانت المرة الأخيرة التي كان فيها لأفكارهما تأثير كبير على الحكومات الغربية أو الناخبين الغربيين قبل أربعين عاماً، خلال الأيام الأخيرة المضطربة للديمقراطية الاجتماعية في فترة ما بعد الحرب الباردة وانهيار المنظومة الاشتراكية. منذ ذلك الحين، قام اليمينيون والوسطيون بتصوير أي شخص يجادل بأنه يجب كبح جماح الرأسمالية -ناهيك عن إعادة تشكيلها أو استبدالها- بشكل كاريكاتوري على أنه يريد إعادة العالم "إلى السبعينيات". لقد تم تقديم تغيير نظامنا الاقتصادي باعتباره ضرباً من الخيال، وليس أكثر عملية من السفر عبر الزمن.

ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأ هذا النظام في الفشل. وبدلاً من الرخاء المستدام والمشترك على نطاق واسع، فقد أنتج ركود الأجور، وتزايد أعداد العمال الذين يعانون من الفقر، والمزيد من عدم المساواة، والأزمات المصرفية، وتشنجات الشعبوية، والكارثة المناخية الوشيكة. وحتى كبار السياسيين اليمينيين يعترفون أحياناً بخطورة الأزمة. يعتبر جزء من المحافظين في الغرب بأن هناك فجوة انفتحت بين النظرية حول كيفية تحقيق اقتصاد السوق والواقع، حيث يشعر الكثير من الناس أن النظام لا يعمل لصالحهم.

أفرزت التقنيات الرقمية الحديثة مجموعة متنوعة من الوسائط الإعلامية الجديدة مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، مما أتاح لهذه الوسائل الوصول المباشر إلى أعداد هائلة من الجمهور حول العالم. وقد أدى ذلك إلى توسيع قاعدة المتلقين بشكل كبير، كما أتاح لهؤلاء المتلقين فرصة المشاركة والتفاعل مع محتوى الرسالة الإعلامية كما تغيرت طبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور، فأصبحت أكثر تفاعلية وفعالية من خلال إمكانية تلقي الردود والتعليقات وإضافة المحتوى الجديد من قبل أفراد الجمهور.

يتناول كتاب "إشكالية التلقي في الاتصال الرقمي "،  الذي حرره كل من : مي العبد الله و هيثم قطب ومحمد صبري و سمر كرامي ، دراسة لمجموعة من الإشكالات الخاصة  بحقل الاعلام في إنتاج المعلومات الإعلامية على مختلف انواعها ،ما أدى إلى فتح المجال للاهتمام بدراسة العملية ،سعيا الى فهم العلاقة الرقمية التي أفرزتها التكنولوجيا المعلوماتية والاتصال ،وقد تمت مناقشة  فكرة المؤتمر الدولي الذي انعقد في جامعة دهوك بالعراق التي  ركزت  على دراسة المتلقي أو الجمهور للرسائل والمنتجات، وكذلك العوامل المؤثرة في عملية الاستقبال وتأثيرها،كما ناقش أيضا العلاقة بين الرسالة والمتلقي وقضايا هذه العلاقة، وتم تنظيمه بفضل جهود الباحثين والأكاديميين من أربع وثلاثين مؤسسة من جامعات ومعاهد ومراكز بحثية من مختلف الدول. كان الهدف استكشاف وجهة نظر المتلقي في الاتصال وتسليط الضوء على العلاقة الدقيقة بين الرسائل والمتلقين لها. ومن خلال الحوار الأكاديمي المفتوح، سعى المؤتمر لزيادة فهمنا لديناميكية الاتصال وعملية الاستقبال.

سعت الدراسة الى تحقيق أهداف تتمثل في التعرف إلى سمات ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال ، وفهم كيفية تغيير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات طريقة توليد ونشر واستهلاك المحتوى ودراسة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه التغيرات التكنولوجية وكذا  فهم دور الشبكات الاجتماعية الجديدة ووسائل الإعلام المختلفة في نشر المعلومات والتفاعل ،وتحليل كيفية تغيير وسائل الاتصال الحديثة لعمليات التواصل والتعاون ، أيضا استكشاف الفرص والتحديات المتعلقة بتطور تكنولوجيات مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي ودراسة دور الحكومات والشركات في تشكيل وتوجيه تطور تكنولوجيا الاتصالات.

تقنية التعرف على الوجه أحد أشهر تقنيات الحماية البيومترية الموجودة حتى الآن، وغالبا ما يُطلق على تقنية الحماية البيومترية اسم المصادقة النقية أو الحقيقية، نظرا لأنها تعتمد على ميزة شخصية عوضا عن المفتاح الظاهري أو كلمة المرور.

وفي بداية عام 2024 ظهر تطبيق خبيث بتقنية جديدة يحمل اسم غولد بيكاكس (Gold Pickaxe) ويستهدف وجه المستخدم لتنفيذ عمليات احتيالية وسرقة المعلومات.

ما تطبيق غولد بيكاكس؟

كشفت شركة "غروب آي بي" (Group-IB) وهي شركة رائدة في إنشاء تقنيات الأمان السيبراني للتحقيق في الجرائم الرقمية ومحاربتها عن فيروس جديد من نوع حصان طروادة مصمم لسرقة بيانات التعرف على الوجه ووثائق الهوية واعتراض الرسائل القصيرة.

وأطلق عليه اسم "غولد بيكاكس" من قبل وحدة تحليل التهديدات التابعة للشركة، والذي نُسب إلى مهاجم صيني يُعرف باسم غولد فاكتوري، المسؤول عن تطوير مجموعة من أحصنة طروادة البنكية المتطورة للغاية.

يعمل غولد بيكاكس على نظام التشغيل "آي أو إس" (IOS) الخاص بهواتف آيفون، كما يعمل على نظام أندرويد. ويأتي على شكل تطبيق يحمل صفة شرعية لخداع الأشخاص ليقوموا بتنزيله.

‎ يشكل  كتاب ( الذكاء الاصطناعي، رؤى متعددة الاختصاصات) إضافة جديدة للنقاش المستجد والمتسارع في هذا المجال لتبديد الكثير من الغموض وحل بعض الإشكالات الفنية. ويعد هذا التأليف الجماعي حصيلة أعمال مجموعة من الباحثين المتخصصين، ضمن منشورات ورعاية المركز الديمقراطي العربي في ألمانيا – برلين، وإشراف وتنسيق أميرة سابق؛ ومما يقاربه ما شهدته السنوات الأخيرة  من تطورات ملموسة في مجال التكنولوجيا،  والتي أدت إلى تغييرات جذرية في مختلف مجالات الحياة..إذْ ساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في هذا التحول من خلال قدرته على محاكاة عمليات العقل البشري، وتوفيره  لفرص حقيقية للتعلم والبحث العلمي، لكنه قد يؤثر على العلاقات الاجتماعية والثقافية. ومن المهم حماية البيانات الشخصية وضمان عدم المساس بحقوق الملكية الفكرية،كما يتعين دراسة التأثيرات على الصحة النفسية للإنسان وتحليل التحولات الاجتماعية.

وبشكل عام، تتطلب الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي بأمان السيطرة على آثاره في المجتمع.

‎هناك عدد من التدابير القانونية والتنظيمية المهمة لحوكمة الأنظمة ومواجهة الهجمات السيبرانية:

أولا: إصدار قوانين تجريم الهجمات السيبرانية وتحديد العقوبات الرادعة؛

ثانيا: فرض المسؤولية القانونية على الجهات الحكومية والقطاع الخاص للحفاظ على أمن النظم وحماية البيانات؛

ثالثا: إنشاء هيئات تنظيمية ووكالات حكومية متخصصة بشؤون الأمن السيبراني؛

رابعا: إجراء تدريبات وتمارين للاستجابة لحالات الطوارئ والكوارث الإلكترونية؛

خامسا: تبادل المعلومات والمعارف بين الدول حول تهديدات السيبر وأفضل الممارسات؛

سادسا: التعاون عبر الحدود في مجالات التحقيق وملاحقة مرتكبي الهجمات؛

سابعا: إصدار معايير ولوائح تضمن حماية البيانات والبنى التحتية عبر مواءمة الأنظمة.

آخر الأنشطة الثقافية والعلمية

  • تنظيم ندوة في موضوع: جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية
    تنظيم ندوة في موضوع: جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء، بتنسيق مع فرقة البحث في الإبداع النسائي، كلية الآداب بتطوان، صبيحة يوم الخميس 30 نونبر2023، في رحاب كلية الآداب بنمسيك، ندوة في موضوع "جماليات السرد النسائي في الرواية المصرية"، بحضور ثلة من الباحثين والباحثات من مختبرات ومجموعات بحث تنتسب لكليات وجامعات مغربية مختلفة. كما جرى نقلها مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمساهمة الدكتورة جيهان الدمرداش من مصر. انطلقت الجلسة الافتتاحية، التي تولت رئاستها الأستاذة مريم ودي، بكلمة للسيدة سميرة الركيبي، نائبة العميد المكلفة بالشؤون الأكاديمية، رحبت فيها بالحضور ونوهت بموضوع الندوة والآفالق التي يفتحها أمام الباحثين والباحثات، ثم تلتها كلمة الأستاذ شعيب حليفي، رئيس مختبر السرديات، الذي أكد أن المختبر، وخلال مسيرته التي بلغت الثلاثين سنة بحلول عام 2023، قد…