في رواية الاخدود ينتقل منيف إلى تصوير اهل السلطة والسياسة في الصحراء التي تتحول إلى حقل بترولي. نقطة البداية كانت انتقال الحكم من السلطان خربيط إلى ابنه خزعل الذي يمنح كل التسهيلات إلى الأمريكان لتحقيق مخططاتهم. الشخصية الرئيسية في هذا الجزء هو مستشار السلطان الجديد صبحي المحملجي الملقب بالحكيم وهو من أصل لبناني جاء إلى حران أولا كطبيب ثم ينتقل إلى العاصمة موران بحس مغامر ليرتقي إلى أكبر المناصب ويبسط نفوذه. في هذا الجزء تزداد وتيرة التحولات حدة وسرعة بحيث لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما ستؤول اليه الأمور. ينتهي هذا الجزء في لحظة انقلاب فنر على اخيه حين كان خارج موران.
مقطع من الرواية : في وقت من الأوقات كانت حران مدينة الصيادين والمسافرين العائدين، أما الآن فلم تعد مدينة لأحد. أصبح الناس فيها بلا ملامح. إنهم كل الأجناس ولا جنس لهم. إنهم كل البشر ولا إنسان. اللغات إلى جانب اللهجات والألوان والديانات. الأموال فيها وتحتها لا تشبه أية أموال أخرى. ومع ذلك لا أحد غنيا أو يمكن أن يكون كذلك. كل من فيها يركض، لكن لا أحد يعرف إلى أين أو إلى متى. تشبه خلية النحل وتشبه المقبرة. حتى التحية فيها لا تشبه التحية في أي مكان آخر، إذ ما يكاد الرجل يلقي السلام حتى يتفرس في الوجوه التي تتطلع إليه، وقد امتلأ خوفا من أن يقع شيء ما بين السلام ورد السلام.
هكذا رآها محمد عيد وهو ينظر إليها من جديد. لقد عاش هنا سنوات عديدة. عاش البداية كلها. رأى الأحجار وهي تركب بعضها وترتفع لتصبح بنايات عالية. ورأى الشوارع وهي تشق لتصبح مسالك للبشر والدواب والسيارات. ثم رأى الدكاكين والمطاعم وهي تتوالد مثل الفطر. ورأى دار الإمارة والقيادة ومستشفى الشفاء. أما الآن وهو يصلها لكي يستقر فيها مرة أخرى، وعندما ينزلق في فندق زهرة الصحراء، ثم يتجول في الأسواق والأحياء، فإنه ينكر تماما أنه كان هنا. لا يعرف شيئا. لا يعرف أحدا. ولاشيء مثلما كان من قبل. حتى دار الإمارة، على التل الشمالي، أصبحت الآن سجن حران المركزي. أما القيادة العامة التي كانت مقرا لجوهر فقد تحولت إلى مخفر للشرطة.