أحيانًا تجرِفني الدُّنيا ...
أتداعَى بينَ أصابعها كحقولِ الغيمِ و أُمطِرُ في كلّ الغاباتْ
وأَطيرُ إلى أَرضٍ لا يعرِفُها بشرٌ ..
أحيا فيها مثلَ مجانينِ الحُكماءِ ..
بعيدًا عن صخبِ الأمواتْ ،
أحيانًا أنظُرُ خلفِي ،
كمْ ضيَّعتُ على طُرقاتِ الوهمِ من الطُّرُقاتْ
أتَحسّسُ كفَّ صديقٍ كانَ هنا ،
و فتيلاً أعمى في ركنٍ تَرِبٍ ...
و حجارةَ بيتٍ مَنْسِيٍّ ،، و حكاياتْ ..
أحيانا أشعرُ أنّ أمامي ما يكفي كيْ أحلُمَ أو أشتاقَ ،
وأكتبَ شعرًا غير الشّعرِ ،
وأنسى آلافَ الخيباتْ ..
وأكادُ أرى ما بعدَ خطايَ ، وما قبل الكفنِ الباردْ ..
سيكونُ شتاءٌ آخرُ للغرباءِ ،
وأحزانٌ أنقى من ذلّ الكلماتْ
أحيانا أسمعُ نهرا يهدِرُ بالأسماءِ وبالأوجاعِ وبالشّهواتْ ..
و أقولُ لنفسي في ثقةٍ :
مازالَ بإمكاني أن أفهمَ بعضَ طقوسِ الأقدارِ ،
وأرتّبَ مجراها كي لا تتأخّرَ عن موعدِها ..
مازال بإمكاني أن أشهدَ ميلادًا آخرْ ،
وأعلّقَ أُمنيةً في البالِ على إحدى النّجماتْ
مازال بإمكاني أن أشهدَ مولدَ أبناءٍ كُثُرٍ ..
و طيورٍ من نسلي .. وفراشاتْ
وأتمَّ حديثا كنت بدأتُهُ قبل سنين مع المتنبّي
عن أخبار الشّعرِ وأحوالِ الشُّعراءِ ،
وعن عاداتِ سيوفِ الدّولةِ في الدّهر العربيِّ ،
لماذا صرنا نحنُ لهم من دون النّاسِ عدًى ؟؟؟
ولهم في كلّ سبيلٍ من دمنا طَعْناتْ ..
مازالَ بإمكاني أن أنفخَ في جمر الأيّامِ
شهورًا أطولَ أو سنواتْ ..
لأمزّقَ ما أصلحتُ من الإنشاءِ
ومن أوراقِ تلاميذي وأُعلّمَهم ..
أنّ النّحو العربيّ بلا قلبٍ عربيٍّ ليسَ لهُ معنى ..
وبأنّ التّاريخ المكتوبَ بأقلامِ الحُجَّابِ وخُدَّامِ السُّلطةِ ليس لهُ معنَى ..
وبأنّ دروسَ الجُغرافيا ليستْ للحِفظِ ، ولكنْ ...
كي تحتلَّ مكانكَ فوقَ الأرضِ وتحت الأرضِ ،
وتعرفَ بيتَك كلَّهُ ، طولَ ذراعِكَ إن مُدَّتْ ، ومساحةَ جلدِكَ
في الوديانِ وفي الشّطآن وفي الغاباتْ ..
مازال أمامي بعضُ الوقتِ
لأكتبَ عن أمّي شيئًا لا يشبهُ أنصافَ الكلماتْ ..
سأُعاتِبُها في غيبتها وأقولُ لها :
لمَ عِشتِ لنا حطبًا في نارٍ مواقدِنا ؟؟
و خَبَزْتِ لنا من لحمكِ ما نقتاتْ ؟؟
ورضِيتِ ولمْ نخفِضْ لكِ أجنحةً ،
و نسِيتِ بأن ترتاحِي قبل الموتِ قليلاً ..
بضعَ ليالٍ ، أو أيّامًا .. أو ساعاتْ
أحيانا أشعرُ أنّ حياةً واحدةً لا تكفي ،
كي أربحَ حربا واحدةً ..
لكنِّي أعرف أنّيَ لم أُخلَقْ عبثًا ..
وبأنّيَ زيتُ القنديلِ ،
سيجِفُّ ويَنشَفُ ، لكنّ القنديلَ يظلُّ يُضيءُ ،
مادامتْ تَغمُرهُ الظّلماتْ ..
لي وطنٌ يحتاجُ إلى زهرٍ يحميهِ وذاكرةٍ ،
لي سكنٌ في أحلامِ الزّيتونِ وأحزانِ الواحاتْ
لي كفنٌ سيناسبني حتما من دون قياسٍ شخصيٍّ
سيناسبني الدّيباجُ الأبيضُ بعد الأسودِ في كلّ الحالاتْ
لي زمنٌ مازلتُ أُخاتلُهُ
وأقولُ ووجهي تحتَ النّارِ : لعلّ الأجملَ آتْ ..
ولعلّ السّهمَ الشّاردَ يُخْطِئُني أو يُمهِلُني
لكنّ القادمَ فاتْ ...
نهرٌ يتدفّقُ نحو بحارِ الغيبِ هو العُمْرُ ..
لكنّهُ أيّامٌ معدوداتْ .