تجليات المنزع العقلي بين روح التّفكير التّساؤلي وإيتيقا المحاورة عند التّوحيدي - د. عبد الرزّاق السّومري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

   لا يمكن اختصار منزلة السّؤال في كونه شكلاً وحيداً ومستقلاًّ من أشكال الخطاب الأدبي في مدوّنة التوحيدي، فهو يخترقُ أكثر من شكل فنجده في التّناظر كما في المنافرة وقد يكون أيضاً مُنطلقاً للرّواية والتّذاكر وغيرها. وليس المقصود هنا بالسّؤال مجرّد السّؤال العاديّ ذي البُعد التّواصلي بالأساس وإنّما السّؤال المُولّد للتّفكير ذي البعد التبصّري، فهو آليّة تفكير وأكثر منه مجرّد أداة تواصل وتبليغ، وهو الحامل لمُشكل معرفي قد يتجاوز الاستخبار ولا يتطلّب بالضّرورة إجابة مُحدّدة أو إجابة واحدة. هو تقريباً شبيه بالسّؤال التّوليدي* بالمعنى السّقراطي أي في معنى المُساءلة المستمرّة لتوليد المعارف والوصول إلى نتيجة مفادها أنّه لا توجد إجابة نهائيّة. وفي الكتاب الثامن من "المواضع " لأرسطو والمُخصّص لـ"ممارسة المُحادثة الجدليّة "نجدُ تنظيراً مخصوصاً بمنطق الأسئلة وتمشّياتها باعتبارها آليّة ضروريّة تسبق الفهم وإطلاق الأحكام وسمّاه "علم السّؤال*" وهو علمٌ واصفٌ للطّرق والآليات التي تُطرحُ بها الأسئلة على المُحاور.

   ولا يخفى أيضاً أهميّة السّؤال بالنّسبة للمفكّرين والفلاسفة ما بعد أرسطو، فـ"كارل يسبرز" مثلاً اعتبر الأسئلة أهمّ من الأجوبة في عمليّة التّفلسف، دون اعتبار طبعاً أنّ كلّ إجابة مفترضة تتحوّل بدورها إلى سؤالٍ فلسفيّ جديد، ومنه يُستنتج أنّ السّؤال الحامل لمشكل معرفي، بالقدر الذي يبعثُ فينا الدّهشة والتّفكير، يظلّ حاملاً في نفس الوقت لقوّته وحيويّته ومُتأبّياً عن الانغلاق والفناء في الإجابة. "والقُدرة على السّؤال تعني القُدرة على الانتظار ولو كان ذلك مدى الحياة كلّها"([1]) على حدّ عبارة هايدغر، ويقصد بذلك أنّ السّؤال الأصيل يظلّ متجذّراً في الجواب إلى ما لانهاية وهو ما يؤكّده في سياقٍ آخر مشابه قائلاً: "كلّما زاد اقترابنا من الخطر تبدأ الطّرق إلى المُنقذ تلمعُ بجلاء أكبر، ونُصبحُ أكثر تساؤلاً، ذلك أنّ التّساؤل هو قمّة التّفكير"([2]). ويذهبُ "موريس ميرلوبونتي" بعيداً في تناول فلسفة السّؤال بأن يمنحه بُعداً أنطولوجيّاً، أي أنّ الوجودَ الإنساني في حدّ ذاته سؤالٌ ومنذ أوّل سؤال يبدأ الإنسان في تخطّي عتبة الحيوانيّة ففي "المرئي واللاّمرئي" يقول: "إنّ الأسئلة مُحايثة لوجودنا، لتاريخنا، فهي تولد بداخلها، وتموت بداخلها كلّما حصلتْ إجابةٌ ما، وفي غالب الأحيان فإنّها تتحوّل بداخلنا"([3]).فكأنّما الأسئلة لا تموت باعتبارها جوهر الإنسان، وحتّى الإجابات لا تُنهي المساءلة بل تظلّ مستكنّة فيها، فهي في النهاية أسئلة مُقنّعة وإن ظهرتْ بمظهر الإجابات.

   أمّا في الحقل الإيبستيمولوجي فخلف السّؤال تنكشف الرؤية البنائيّة* والدّيناميّة لتاريخ العلوم بوصفه صيرورة من التّساؤلات وتصحيح الأخطاء. ورغم أنّ الإيبستيمولوجيا التقليديّة قد تغاضت أو لم تتفطّن لأهميّة السّؤال في الكشف عن الجانب البنائي للمعرفة الإنسانيّة فإنّ النّظريات الحديثة (مايير،كوهن) آثرت تخطّي مخرجات النّقاش العلمي إلى الاهتمام أكثر ببنية التّفكير التّساؤلي والحفر أكثر في الجانب الحيوي والإشكالي للمعرفة من خلال دراسة الرّوابط بين الأسئلة الموجّهة والإجابات الممكنة، ما سماه ميشال مايير "بالفوارق المشكليّة*"([4])، مُميّزا بذلك بين إيبستيمولوجيا حلّ المشكلات والتي تكتفي فقط بالمستوى النهائي للمعارف وإيبستيمولوجيا البحث وإعادة بناء الحقيقة والتي تشتغلُ على المعرفة في جانبها الدّينامي التّساؤلي والإشكالي. أي المعرفة باعتبارها بحثاً وتساؤلاً وإعادة صياغة للمشكلات والفرضيات أكثر منها حصيلة نتائج قابلة للتجريب والاختبار. فسياق الاكتشاف أو الحقل الدّلالي للاكتشاف من خلال إنشاء أفق تساؤلي حول ظاهرة ما، أهمّ من النّتائج والمُخرجات. وحتّى الإجابة في الإيبستيمولوجيا الحديثة ليست إلغاءً للمشكل ونفياً للسؤال وإنّما إعادة هيكلة ونمذجة له وما يُقدّمه العلم في النهاية ليس حقائق موضوعيّة بقدر ما هي أنساق من الرّموز الواصفة والمُلائمة لنموذج أو منوالٍ ما.

   وليس من شكّ، أنّ أنماطاً من المعارف والآداب المجلسيّة في التّراث العربي، قد قامت على أكفّ السّؤال والتّسآل. وهي في الحقيقة ظاهرة ميّزت القرن الرّابع للهجرة عندما أصبح السّؤال إلى جانب المناظرة والجدل سمةً محمولة على نوع من المعرفة القائمة على التّدبّر والتّفكير بدلاً من الحفظ، والتّلقين، والشّرح، والتّلخيص. ومن أصداء هذه الظّاهرة أسئلة الوزير ابن سعدان للتّوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة" ومُحاوراته مع أبي سليمان السّجستاني وأبي زكرياء الصّيمريّ وأبي بكر القومسيّ وعيسى بن زُرعة والطّبيب المجهول في "المُقابسات" وأسئلة التّوحيدي نفسه المُوجّهة إلى ابن مسكويْه حول الأدب والفلسفة والأخلاق واللّغة والنّفس في "الهوامل والشّوامل".

   فالسّؤال المُولّد للمعارف قد لا يستهدفُ بالضّرورة إجابة أو موضوعاً بقدر ما يطلبُ ذاته كسؤال حامل لمشكل معرفيّ وقابل لتأسيس مرجعيّة إيبستيميّة جديدة تقطع مع النّزعة الوثوقيّة، والإطلاقيّة التي وَسَمَتْ مجالس الحديث والإملاء.

   وإذا ما نظرنا في المُدوّنات الثّلاث للتّوحيدي، ألفينا أنّ أغلب المسائل المطروقة في مجالس ابن سعدان في "الإمتاع" أو مجالس يحي بن عُدي وأبي سليمان المنطقي في المُقابسات أو في المجلس الذي جمع التّوحيدي بابن مسكويه، كلّها تأتلف وتنعقدُ انطلاقاً من أسئلة افتتاحيّة تُمثّل نواةً أولى تتناسلُ منها الأجوبة والأفكار. فالسّؤال ليس مجرّد منوال قولي بقدر ما هو قوّة مُحرّكة تتجاوز الأجوبة إلى خلق الحيرة والقلق بمعناه المعرفي والفلسفي، وليس غريباً بالتّالي أن وسم ياقوت الحموي التّوحيدي بكونه: "فيلسوف الأدباء، وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام، ومتكلّم المحقّقين، وإمام البلغاء"([5]). وليس الوسمُ مقصوراً على المُدوّنة الجامعة للتّوحيدي وانبجاس التّفكير الفلسفي من رحم القول الأدبي، بل أيضاً من خاصيّة التّسآل والمُساءلة في منهج التّوحيدي. فالسّؤال هو الحدّ الأعلى للتّفكير المؤسّس على الافتراض والاحتمال وليس التّفكير القائم على القبول والتّسليم. وحسبُنا أن ننظر مثلاً في "الهوامل والشّوامل" لنكتشفَ أنّ بنية الخطاب فيها قائمة على ثنائيّة السّؤال والجواب حول 175 مسألةً في الطّبيعيات والإلهيات والإنسانيات. وجاءت في أغلبها أسئلة حول السّبب أو الماهية من قبيل: "لم صَارَت الْأَنْفس ثَلَاثًا فِي الْعدَد؟ وَهل يجوز أَن تكون اثْنَتَيْنِ أَو هَل يَسْتَحِيل أَن تكون أَربعًا؟"([6]) أو"مَا الدَّلِيل على وجود الْمَلَائِكَة؟"([7]).

   وليس أبلغ من دليلٍ على منزلة السّؤال في إثارة الحيرة والرّغبة في البحث والاستقصاء عند التّوحيدي، من تلك الاستعارة الّتي عَنْوَنَ بها الكتاب. فالهوامل هي الإبلُ السّائمة الشّاردة الّتي تُركت بلا راعٍ والشّوامل هي الحيوانات الّتي تضبطها وتجمعها، وما الأولى سوى أسئلة التّوحيدي المبعثرة والمتوتّرة بمزيد من الشكّ والاحتمال في حين جاءت الثّانية استعارة لإجابات مسكويه التي حاولت ضَبْطَ وشَكْمَ ما أمكن من حيرات السّائل وشكوكه.

   أمّا في المُقابسات، فنُلْفِي عمليّة النّقل المعرفي بواسطة السّؤال، معضودةً مرّةً بالسّماع ومرّة بالأمالي ومرّة بالقراءة. ففي حدود تسعٍ وستّين مُقابسةً جاءت منقولة عمّا سمعه التّوحيدي من أبي سليمان السّجستاني أو غيره من الرّواة مثل ابن مقداد وغيرهم، والبقيّة جاءت موزّعة بين السؤال والإملاء والقراءة. فنجده في النّقل بالسّماع يقول مثلاً: "سمعتُ أبا سليمان المنطقي يقول" أو"سمعتُ الأنطاكي أبا القاسم وكان يُعرفُ بالمجتّي يقول" أو"سمعتُ أبا إسحاق الصّابي الكاتب يقول لأبي الخطّاب الصّابي "أو "نذكرُ في هذه المُقابسة أشياء سمعناها من أبي سليمان في مجالس الأنس". وأحياناً يكتفي بقول "قال يحيى بن عُديْ... وأنا حاضر" دون ذكر لفظ "سمعتُ".

   أمّا في السّؤال فالنّقلُ يتراوح بين حالاتٍ ثلاثٍ: حالة يكون فيها التّوحيدي سائلاً بنفسه وثانية يكون فيها ناقلاً لسؤال غيره، وثالثة يكون التّوحيدي نفسه مُجيباً عن السّؤال كأن يقول: " قُلتُ لأبي بكر القومسي-وكان كبيراً في الأوائل- بأيّ معنى يكون هذا الزّمان أشرف من هذا الزّمان؟" أو "سألتُ أبا زكريا الصّيمريّ عن الإنسان قال" وفي مواضع أخرى ينقل السّؤال على لسان غيره مثل قوله: "سُئل ابن سوار وكان ابن السّمح بباب الطّاق" أو "سُئل أبو محمد العروضي مرّة عن الحركة والسّكون أيّهما أقدم؟" أمّا الحالة الثّالثة التي يتموقعُ فيها التّوحيدي مُجيباً فنجدها تقريباً في المقابسة الرّابعة والعشرين الوحيدة والتي جاء فيها السّؤال الافتتاحي على النّحو التالي: "سألني أبو سليمان يوماً عن الطّبيعة وقال: كيف هي عند أهل النّحو واللّغة؟ أهي فعيلة بمعنى فاعلة أو بمعنى مفعولة؟"([8]).

   أمّا الأمالي في المقابسات فجاءت أغلبها منقولة عن مجالس أبي سليمان السّجستاني بلسان التّوحيدي قائلاً مثلاً: "وأملى أبو سليمان على جماعةٍ، كنتُ أحدهم سنة إحدى وتسعين وثلثمائة" أو"قال أبو سليمان أيضاً إملاءً" كما في المقابسة التّاسعة والسّبعين في حين تعلّق النّقل بالقراءة بما جاء في كتب الفلاسفة من قبيل: "قُرئ على أبي سليمان من كلام أبندقليس".

   غير أنّ الوسائط الأربعة (السّماع، المحاورة والسؤال، الأمالي، القراءات) للنّقل المعرفيّ في المقابسات قد لا تبدو للدّارس بذاك الفصل النّمطي المُتحجّر، إذْ يعسُر مثلاً نفي السّماع عن مجالس الإملاء والقراءة كما يمكن للسؤال أن يخترق الوسائل الأربع للنقل في المقابسات، فنجده صريحاً وافتتاحيّاً في أغلب المقابسات كما نجده مُضمراً ومستكنّا في السّياق الذي احتضن وأنشأ وضعيّة الإملاء أو السّماع أو القراءة من كتب الفلاسفة اليونان. ففي المقابسة الواحدة والعشرين مثلاً يقول التوحيدي: "سمعتُ أبا سليمان يقول: فضيحة حسيب لا أدب له، أفظعُ وأشنعُ من فضيحةِ أَدِيبٍ لا حَسَبَ له، فقال ابن الورّاق النّحوي: ولِمَ ذاك؟". فالمثال يُسفرُ عن سؤالٍ محمولٍ بالسّماع وبالرغم من كونه لم يرد مُتَصَدِّراً نصّ المقابسة فإنّه لم يفقد حيويّته ومحوريّته في استدعاء الأسباب والكيفيات حول قول أبي سليمان المنطقي المنقول بالسّماع. فكأنّ المقابسة هنا تنهضُ من قضيّة مطروحة في شكل مقدّمة* أوليّة يلعبُ فيها سؤال ابن الورّاق دور المُحرّك والحافز على البرهنة والاستدلال. فالتساؤل هنا وإن لم يكن افتتاحيّاً فهو القوّة المحرّكة التي وضعت قول أبي سليمان المنطقي على دائرة الشكّ والتّمحيص ووجّهت القول من التّقرير إلى التّبرير ومن الإثبات إلى الاستدلال.

   وحتّى في القراءات، فإنّ السّؤال لئن يختفي نهائيّاً فإنّ ظلاله ما تلبثُ تطفو من حين لآخر بدافع فهم وتفسير المقروء المنقول. فيقول التّوحيدي مثلا في المقابسة السّابعة والسّبعين: "قُرئ على أبي سُليمان من كلام أبندقليس: إذا استولتْ المحبّة على الأجسام التي منها تركيب العالم، كان منها العالم الكريّ، وإذا استولتْ الغلبةُ، كان منها الاستقصات والعالم الكائن الفاسد"([9]) ثمّ يقولُ: "فقالَ مُفسّراً". فالصّوت السّائل غير صريح هنا لكنّه مستكنّ في رغبة النّاقل ومن ورائه المتلقّي في فهم واستيعاب القول المقروء.

   وبالتّالي، نخلُصُ إلى أنّ المحاورة والسّؤال، ظاهرة تكاد تسري في كلّ نصوص الكتاب، ولعلّها من بين القرائن التي جعلتْ التّوحيدي يُسمّيها "المُقابسات"، فالقبْسُ، والإقباسُ، والاقتباسُ من معانيها طلب العلم من الآخر وأخذه واستعادته ([10])، ويبدو السّؤال ثاوياً في العُنوان باعتباره قادحاً لإيقاد المعرفة وتحريك التّفكير والتّدبّر وكذا الشّأن في المُحاورة بناءً على كون عملية الاقتباس تقوم على الأخذ والعطاء والمُشاركة في بناء العلم والأدب.

   أمّا في "الإمتاع والمؤانسة" فينقلبُ التّوحيدي مُجيباً على أسئلة الوزير أبي عبد الله العارض (ابن سعدان). وقد تتناسلُ عن إجابات أبي حيّان أسئلة فرعيّة إمّا متّصلة بالسؤال الافتتاحي أو منفصلة عنه في شكل استطرادات. فالسّؤال في "الإمتاع" نواة أساسيّة تنعقدُ حولها كلّ المواضيع والمسائل ويردُ بصيغ طلبيّة متنوّعة من قبيل: "وسأل مرّة عن المُغنّي" في اللّيلة الحادية والعشرين أو "وقال-أدام الله دولته- أُحِبُّ أن أسمعَ كلاماً في مراتب النّظم والنّثر" في اللّيلة الخامسة والعشرين أو "وقال ليلةً: ما الفرقُ بين الإرادة والاختيار؟" في اللّيلة الخامسة والثّلاثين.

   فكلّ تساؤل، هو في حدّ ذاته مشروع بحث وتأسيس لبداية التّفكير، هو "مطلبٌ للمعنى وتوجيهٌ للحضور في الكون"([11]) على حدّ عبارة هايدغر.

   غير أنّ خاصيّة التّفكير التّساؤلي، ليست الميزة الوحيدة في الكتب الثلاثة، وإنّما متنُ السّؤال أيضاً شكّل مُنعطفاً مُهمّا في تاريخ أدب المجالس، دون أن يُغمطَ حظّ المناظراتُ الكلاميّة التي وضعتْ بعض لبناته في القرن الثّاني للهجرة. ففضلُ التّوحيدي جليٌّ في هذا المنعطف، ليس في وضع الكثير من القضايا الغيبيّة على أكفّ السّؤال فقط، بلْ في تحرير السؤال نفسه من قَيْديْ المؤسسة الدّينيّة والسّياسيّة، فتناول بالنّظر في المقابسات موضوع الكون والفساد وعلاقة الأفكار بالإلهيات والنّجوم والكهانة والرقيّ والعزائم والكلام والفلسفة والدّين وسأل مسكويه في "الهوامل والشّوامل" عن النّفس والموت والحكمة والجبر والاختيار والملائكة والرّوح وغيرها وفي نفس الوقت خاض مع جليسه الوزير ابن سعدان في المحظور من السّياسة مثل خلل العلاقة بين الرّعيّة والسّائس وفساد السّلطان والحاشية والمسكوت عنه في المجتمع كـ"غلاء القوت وعوز الطّعام وتعذّر الكسب وغلبة الفقر وتهتّك صاحب العيال "([12]).

   إنّ وضع العديد من قضايا الإنسان والكون والإله على مشرحة السّؤال في مدوّنة مجالس التّوحيدي يُعدّ فارقاً إيبستيمولوجيّا في مستوى التّحرّر النّسبي على الأقلّ من ضغط وسائط النّقل المعرفي المُهيمنة مثل الرّواية والسّماع والإملاء والتّلقين والشّرح والتّلخيص، والأهمّ في ظاهرة السّؤال ليس موضوعه فقط، بل عمليّة المساءلة نفسها "فكلّ سؤال ليس بالضرورة تفلسفاً، بل الموقف الذي يجعلنا نسألُ باستمرار، فالتّساؤل حول صدقيّة الإثباتات هو ربّما في حدّ ذاته وقبل كلّ شيء تَفَلسُفٌ"([13]).

   هذا عن السّؤال في حدّ ذاته، أمّا متْنُهُ، وكما أشرنا سابقاً، فحسبُ التّوحيدي أنّه أعتق السّؤال من إسار القيود التي تحاول كتْم أنفاس التّفكير والتّدبّر، وللتّذكير فقط، أنّ للسّؤال في الفقه وعلم الأصول أحكاماً وأقساماً وضوابطَ ودوافعَ، منها ما هو شرعيٌّ ومنها ما هو مُنهىً عنه ومذموم ووجب تركه على وجه الحتم والإلزام بحيثُ يُثابُ تاركه ويُعاقبُ فاعله، وبناء على ذلك حُرّم الخوض في الغيبيات مثل الرّوح والملائكة، والعرش، والكرسيّ، وغيرها. ولم يلحق الذمّ موضوع السّؤال فقط، بل شمل حتّى الإكثار من الأسئلة على سبيل التعمّق أو بغاية إفحام الخصم وقد سمّاها الفقهاء والأصوليون "الأغلوطات" وهي تلك الأسئلة التي تضع المسؤول في موقف من الإحراج والتّبكيت وقد تُوقِعُهُ في الزّلل والغلط. وعرّفها أحمد بن حنبل نقلاً عن الأوزاعي: "الغُلُوطات: شداد المسائل وصعابها"([14]) ونهَواْ عنها بناءً على أحاديث وسير كثيرة منها أنّ النّبيّ قال: "سلوني! فسأله ابن الكوّاء، فقال: ويلك! سَلْ تفقّهاً ولا تَسلْ تعنّتاً" وفي رواية أخرى أنّ عليّاً بن أبي طالب قال لابن الكوّاء: "إنّكَ لَذَهّابٌ في التِّيه، سَلْ عمّا ينفعك ويعنيك"([15]).

   ومُجمل القول أنّ السّؤالَ، ليس مجرّد مِنوالٍ تلفّظيّ للخطاب المجلسيّ، ولا آلةٍ للتّوليد المعرفي فقط، ولا كذلك وسيطٍ لنقل الأفكار والعلوم، بل يحملُ أيضاً مشروع تصوّر إيبستيمولوجي للمعرفة في شكلها البنائي والدّينامي والمُشكليّ، مشروع يُحاول نقض النّموذج التّراكمي للمعرفة في شكلها التّلقيني القائم على التّنميط والاستعادة والتّلقين. وهو نفس الأفق التّساؤلي الذي سيُحاول تحرير انحسار العقل من ضغط المؤسسة الدينيّة وفتح باب الاجتهاد في أكثر من مجال. ولعلَّ بعضًا من فاعليّة السّؤال ودوره في إيقاظ العقل في أواخر القرن الرّابع للهجرة ستبرزُ أيضاً عندما وجّه البيروني ([16]) أسئلةً إلى الشّيخ الرئيس ابن سينا بشيءٍ من التّحدّي للّوغوس الإغريقي في مُحاولة لمُساءلة بعض التّصوّرات الأرسطيّة للكون والطّبيعة.

   وإذا ما نظرنا في الحوار أو المُحاورة في أدب المجالس فسنجدها أعقد تركيباً من السّؤال، لاسيما وأنّها تطرحُ كثيراً من الإشكاليات لعلّ في صدارتها طبيعة المُحاورة هل هي نمط تواصلي أم جنس خطابي أم حتّى جنس أدبي فلسفي يُحاول تحقيق استقلاليّته أُسْوةً مثلاً بأجناس حواريّة أخرى مثل محاورات إفلاطون وديكارت وهيوم ([17]). وإذا سلّمنا بصفة مؤقّتة مثلاً بكونها جنساً خطابيّاً فكيف تُتبيّن تخوم هذا الجنس من بين أجناسٍ أخرى مثل المُناظرة والنّقاش، لاسيما، وأنّ ملامح الحوار تسري في أكثر من نمطٍ قوليّ؟ وهل نعثُر في مدوّنة الأدب المجلسي على ما يستجيبُ جزئيّاً أو كلّياً لجنس المُحاورة؟

   ومهما كان الأمر، فإنّ جنس المُحاورة لئن لم نجدْ له إطاراً نظريّاً للتّصنيف الأجناسي في الأدب العربي القديم فإنّ التّحاور والحوار والمُحاورة، بوصفها شكلاً من القول قد جرتْ على ألسنة القُدامى وخِيضَ في تفصيلها مُعجميّاً ولُغويّاً. فمن معاني مادّة "حور" في اللّسان ما يتّصلُ بما هو حسّي مثل: "الحُواريُّ" تُنسبُ للدّقيق الأبيض الخالص وللّذي أُخلِص من كلّ عيبٍ أي من "رُوجِعَ فِي اختِياره مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَوُجِدَ نَقِيّاً مِنَ الْعُيُوبِ" و"المِحْوَرُ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ الخُطَّافِ والبَكَرَةِ، وَهِيَ أَيضاً الْخَشَبَةُ الَّتِي تَجْمَعُ المَحَالَةَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ بَعْضُهُمْ قِيلَ لَهُ مِحْوَرٌ للدَّوَرَانِ لأَنه يَرْجِعُ إِلى الْمَكَانِ الَّذِي زَالَ عَنْهُ، وَقِيلَ: إِنما قِيلَ لَهُ مِحْوَرٌ لأَنه بِدَوَرَانِهِ يَنْصَقِلُ حَتَّى يَبْيَضَّ"([18]).

   أمّا في ما يتّصلُ ببعض المعاني المجرّدة فنقرأ في اللّسان مثلاً: "الحَوْرُ: الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيْءِ وإِلى الشَّيْءِ...والحَوْرُ: النُّقْصَانُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ لأَنه رُجُوعٌ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ...وكلَّمته فَمَا رَجَعَ إِلَيَّ حوَاراً وحِواراً ومُحاوَرَةً وحَوِيراً ومَحُورَة، بِضَمِّ الْحَاءِ، بِوَزْنِ مَشُورَة أَي جَوَابًا. وأَحارَ عَلَيْهِ جَوَابَهُ: ردَّه. وأَحَرْتُ لَهُ جَوَابًا وَمَا أَحارَ بِكَلِمَةٍ، وَالِاسْمُ مِنَ المُحاوَرَةِ الحَوِيرُ، تَقُولُ: سَمِعْتُ حَوِيرَهما وحِوَارَهما. والمُحاوَرَة: الْمُجَاوَبَةُ. والتَّحاوُر: التَّجَاوُبُ؛ وَتَقُولُ: كلَّمته فَمَا أَحار إِليَّ جَوَابًا وَمَا رَجَعَ إِليَّ خَوِيراً وَلَا حَوِيرَةً وَلَا مَحُورَةً ولا حِوَاراًحَوَاراً أَيْ مَا ردَّ جَوَابًا. وَاسْتَحَارَهُ أَي اسْتَنْطَقَهُ...وَهُمْ يَتَحاوَرُون أَي يَتَرَاجَعُونَ الْكَلَامَ. والمُحاوَرَةُ: مُرَاجَعَةُ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ فِي الْمُخَاطَبَةِ، وَقَدْ حَاوَرَهُ. والمَحُورَةُ: مِنَ المُحاوَرةِ مَصْدَرٌ كالمَشُورَةِ مِنَ المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ"([19]).

   ومن المعاني الثّواني التي نعثُر عليها في مادّة "حور" معنى الرّجوع والمراجعة في الكلام، ومعنى النّقصان، ومعنى الجواب، والمُجاوبة. وهي معانٍ توقفنا على الأقلّ على سِمتيْن مهمّتيْن تُميّزان الحوار، الأولى وهي التّبادليّة والتّفاعليّة في ما يخصّ المُراجعة والمُجاوبة في الكلام. والثّانية في علاقة بطرفيْ الحوار ببعضهما وحاجة المتكلّم إلى المُخاطب والعكس في ما يُفهم من معنى النّقصان الذي يتطلّبُ زيادة في المعرفة والإقناع. أمّا المعاني الحسيّة التي نجدها في مادّة "حور" فقد تحملنا دلالة البياض والنّقاء والخالص إلى أخلص الكلام وأجوده وأنسبه في ما يختاره المُحاور لإقناع مخاطبه وتحملنا دلالة "المِحور" إلى فكرة المُعاودة ودوران الكلام على نفس الموضوع مثلما يدور المحور على بَكْرته أو مركزه.

   وغير بعيد عن الأصول المعجميّة العربيّة، تحملنا كلمة "Dialogue" في جذورها اليونانيّة "dialogos" إلى معانٍ مشابهة مع بعض الاختلاف، فنُلفيها متكوّنة من لاحقة وهي"Dia" وتعني" من خلال، بواسطة، بين" وجذر الكلمة "Logue" المنحدرة من كلمة "Logos" في معنى "الكلام أو العقل أو الفعل". فالكلمة تعني في دلالتها الحرفية تقريباً "الكلام الذي يخترقُ وينتزعُ"، وبالتّالي يكون حاصلُ المعنى المقصود هو “كلامٌ مُستدلٌّ عليه ومؤثّرٌ ويتّسمُ بالقدرة على الإقناع والحسم والتّجاوز بشكلٍ كاملٍ ودقيقٍ". فالتّفاعليّة سمةٌ مشتركة بين الدلالة العربية واللاّتينية رغم نزوع الكلمة في اللاتينيّة إلى معنى التّحاور بمعنى تبادل الأفكار انطلاقاً من جذر الكلمة "Logue" و"Logos" والذي سيُعطينا لاحقاً كلمة "Logique" في معنى العقل أو المنطق. وبمزيدٍ من التّوسيع الدّلالي نحت باختين كلمة "الحواريّة" "Dialogisme" في سياق مفهوم أشمل وهو تعدّد الأصوات، وتعني كلّ شكل من أشكال التّفاعل بين كلام السّارد الأساسيّ وبقية الشخصيات.

   غير أنّ الإشكال الذي يتعدّى المستوى اللّغوي هو طبيعة "المحاورة" مفهوماً أو اصطلاحاً، وكذلك منزلة هذا القول من بقية المناويل والأجناس الخِطابيّة الأخرى. وإذا كانت المحاورة جِنساً من الأجناس فلا بدّ على الأقلّ من أن تنضبطَ لمجموعة من المقاييس والمقوّمات مثل: الموضوع الذي تختصّ به، الخصائص البنيويّة، أدوار المُتحاورين، السّمات اللّغويّة، فضاء وزمان التّلفظ، وسائط نقل المُحاورة، مناويل التّقبّل.

   يُلاحظُ أنّ الكثير من الدّارسين العرب المُعاصرين قد عوّلوا فقط في تناول الحدّ الاصطلاحي للمحاورة على السّمات الشّكليّة وبعض المقومات البنيويّة، ويعني ذلك أنّهم وضعوا في خانة الحوار كلّ شكل من أشكال التّبادل القولي بين طرفيْن مهما كان موضوعه، يعني أنّه وفقاً للشّروط الشّكليّة يكفي وجود تطارُدٍ* في الكلام بين مُتكلّم ومُخاطب ويكون موسوماً بعلامات شكليّة مخصوصة حتّى يُصنّف ضمن الحوار.

   إنّ المُحاورةَ، شأنُها شأن الخُطبة تنضوي تحت عائلة الأجناس الشّفويّة، إلاّ أنّها على خلاف الخُطبة مثلا تطرحُ إشكالاً أجناسيّاً بحُكم اختراق ظاهرة التّطارد القولي لأكثر من جنسٍ أدبيّ أو فلسفيّ أو معرفيّ بصفة عامّة. وهو ما حدا بدومينيك مانغونو (Dominique Maingueneau) إلى وسْمه بالجنس المُتشعّب أو المُتشتّت أي كون المُحاورة إذا نُظِرَ إليها بوصفها مِنوالاً قوليّاً وتنظيماً نصّياً مخصوصاً، فهي بالتّالي موجودة في كثير من الأجناس. ويكفي إنشاءُ تبادلٍ قوليّ بين شخصيْتيْن حتّى يتشكّل حوارٌ. بيد أنّه رغم وجاهة هذا التّصنيف، فإنّ آراءً أخرى ترى أنّه لا يُمكن عزل المُحاورة من وجهة نظر سيميائيّة هرمونوطيقيّة عن مجموع القيم والمواضعات الاجتماعيّة المُتحكّمة في الحوار والمثالُ الأبرز على ذلك المكانة التي يحظى بها الجنس المسرحيّ في التّقاليد الحياتيّة الإغريقيّة.

   يُستخلصُ من ذلك، أنّ المُحاورة ليست منوالاً تواصليّاً شكليّاً بقدر ما هي توجّهٌ إيتيقيٌّ وعَقَديٌّ وفلسفيٌّ أحياناً يعني أنّه ثمّة من المسائل والمواضيع التي لا تُناقشُ وتُقاربُ إلاّ حواريّاً، بحيثُ لا يمكنُ مثلاً عزل المُحاورة عن ظاهرة التّوليد المعرفي عند إفلاطون ولا عن المسار التّعليمي والفلسفيّ عند ديكارت ولا عن المنزع الرّيبيّ* لدى هيوم ولا عن نزعة الأنسنة وظاهرة التّمجلس لدى التّوحيدي ومسكويْه. ففي سياق تبريره لاستخدام المُحاورة في "البحث عن الحقيقة" يقول ديكارت مثلاً: "هذه الحوارات الصّادقة، حيثُ يكشفُ كلّ واحدٍ لأصدقائه بطريقة حميميّة أفضل ما عنده من أفكارٍ"([20]). وفي سياقٍ مُشابهٍ يقول التّوحيدي في المقابسة السّادسة والستّين حول "حُكم بعض الحُكماء، وفي بيان حال العالم غير العامل": "نعودُ في مقابسةٍ أخرى إلى أشياء لأبي سُليمان فنأتي بها على وجهها ونذكُرُ في هذه حِكَماً سمعناها من الحرّاني أبي الحسن وغيره، فقد كانت المجالسُ لا تنصرمُ إلاّ عن فوائد كثيرة فلسفيّة وغير فلسفيّة"([21]).

   ويحملنا هذا التّصدير للمُقابسة من قبل التّوحيدي إلى أهميّة الحواريّة بصفة عامّة في تحقيق الفائدة أوّلاً وارتباطها بالمجالس ثانياً، وتبرزُ الحواريّة في عرض رأي أبي سليمان المنطقيّ على وجهات نظر مختلفة بدايتها موقف الطّبيب ثابت بن قرّة الحرّاني ثمّ المنطقي والفيلسوف أبو إسحاق بن زرعة ثمّ المنطقي أبو القاسم عيسى بن علي ثمّ الصّابئ وصولاً إلى أبي سليمان نفسه. وموضوع الخلاف هو هل تقتصرُ فضيلة العلم على العلم وحده أم لا تكتملُ إلاّ بالعمل والممارسة. غير أنّ ما يهمّنا في نصّ المقابسة هو استدعاء هذا المحتوى القضوي للحواريّة باعتبارها تعكسُ بنية ذهنيّة ترى في تعدّد الأصوات فائدة وضرورة لبناء المعرفة. وما الشّخصيات في نصّ المقابسة سوى وسائط ناقلة للأفكار أكثر منها كائنات بشريّة تاريخيّة. فالمُحاورة هنا تختزنُ تصوّراً إيبستيمولوجيّاً يؤمن بكون المعرفة تتأسّسُ على قاعدة النّقاش وتبادل الأفكار والمواقف. هو تصوّرٌ وإن لم يُهيمن كثيراً في القرن الرّابع للهجرة، لكنّ ملامحه برزت أكثر في أفكار التّوحيدي ومسكويْه.

   أمّا الاستنتاج الثّاني والذي يكشف عنه التّصدير فمرتبط بالعلاقة التي عقدها التّوحيدي بين الفائدة وعرض رأي السّجستاني على وجهات نظر مختلفة والمجالس التي لا تنصرمُ إلاّ على فائدة فلسفية وغير فلسفيّة. هذه العلاقة تجعل المُحاورة وكأنّها مُحايثة لأحياز جغرافيّة وفيزيائيّة مخصوصة أيْ أنّ طبيعة الفضاء والسّياق المكاني والزّماني هو الذي يُنشئ بدوره المُحاورة ومنه الفضاء المجلسيّ وبالتّالي ليس من باب الاعتباط أن يحفظ التّاريخ ارتباط التّفكير والمُحاورة والمُساءلة بأحياز وأمكنة مخصوصة مثل آغورا سقراط* ورِواق أرسطو* وملعب الكلبيّين* وغيرها. وقياساً على ذلك يكون المجلس أحد الأفضية المُلائمة للحوار والتّفاعل. غير أنّ خصوصيّة هذه التّفاعليّة في القرن الرّابع للهجرة وتحديداً في مجالس ابن سعدان في "الإمتاع والمؤانسة" ومجالس أبي سليمان المنطقي في "المقابسات"، تتجلّى في كون أغلب المحاورات تأتي بطريقة دوران الكلام الحرّ أي غير المقيّد وغير الموجّه خلافًا لمناويل التّواصل في المجالس السّابقة. فالمُحاورة تجري وفقاً لإستراتيجيّة التّوليد المعرفي متحرّرة إلى حدّ ما من الضّاغطات السّياسيّة والتّعليميّة وهو ما يُمكن أن نرصده من خلال واسمات لغويّة وغير لغويّة في الحوار تكشف عن طبيعة العلاقة بين المُتحاورين ومنزلة كلّ طرف. فكثيراً ما يفتتح ابن سعدان مجلسه متوجّها للتّوحيدي بقوله "وعُدْتُ ليلةً أخرى فقال: فاتحةُ الحديث معك فهاتِ ما عندك..."([22]) أو "فلما حضرتُ ليلةً أخرى قال: هاتِ..."([23]). أو "وقال مرةً: تعالَ حتى نجعل ليلتنا هذه مُجونية، ونأخذ من الهزل بنصيب وافر، فإن الجِدَّ قد كدَّنا، ونال من قُوانا، وملأنَا قبضًا وكربًا، هاتِ ما عندك"([24]). فتنفتحُ المُحاورةُ دون تحديدٍ أو توجيهٍ كما أنّ دوران الكلام يجري مُرسلاً وبدون تقييد في كثير من الأحيان فلا نجدُ القائم على المجلس شيخاً عالماً كان أو وزيراً أو خليفةً مُوجِّهاً لعمليّة التّبادل القولي وما تقتضيه من شروط لذلك غابت في محاورات التّوحيدي خاصّة واسمات الاحترام والتّوقير وأساليب الاستئذان في الكلام وجاءت الطّرادات في الحوار خالية من كلّ الإشارات إذْ اكتفى ناقلُها فقط بالمحتويات القضويّة للمنطوق وكأنّه حوار الأفكار وهي تتقارع وتتصارع وليس الأشخاص أو الشّخصيات.

   إنّ نقلَ المُحاورة من سياق المُشافهة إلى سياق المكتوب، يضعُ النصّ الحواري ضمن دائرة هرمونيطيقيّة أوسع تجعلُ من لعبة الأسئلة والأجوبة قابلة للتّأويل أو عدم الفهم أو سوء الفهم. أي أنّ عمليّة النّقل أنشأت ما يُسمّيه "بول ريكور" بالتّبعيد والمَوْضوعيّة* ([25]) والمقصود به أنّ انتقال الأطراف المُتحاورة من حالة الحضور إلى حالة الغياب يجعلُ من دلالة النصّ الحواري المنقول كتابةً مُتباعدةً عن قصديّة المتكلّم وعن فهم المُرسل إليهم وعن السّياقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة المُولّدة للحوار. وهي شبيهة جدّا بحالة "النصّ اليتيم" بعبارة إفلاطون في محاورات "فيدر" بحُكم غياب أو قتل المتلفّظ الحيّ من قبل الكتابة([26]). وبالتّالي يعملُ الانتقال من ثنائيّة متكلّم-سامع إلى ثنائيّة كاتب-قارئ، على جعل المُحاورة تنخرطُ في حقل الهرمونيطيقا بامتياز بفضل فعل الكتابة الذي حوّل المحاورة من مرحلة الخطاب الحدث إلى الخطاب بوصفه دلالةً. في الحالة الثّانية يفقدُ نصّ المحاورة سياقه الخاصّ ويصبح مفتوحاً على متقبّل افتراضي وتتجرّد الإحالات من مرجعياتها الحقيقيّة وتنفتح على دائرة تأويليّة أوسع.

   وهذا المنظور التّأويلي، قد يُمكّن نسبيّاً من ضبط بعض الملامح الأجناسيّة لظاهرة المُحاورة والإجابة جزئيّاً عن الإشكاليّة المطروحة سابقاً. وإذا كان الحوار الشّفوي أو المكتوب موضوعاً هرمونيطيقيّاً فلأنّه ينهضُ على قاعدة فهم الآخر وإفهامه من خلال تأويل قوله وبالتّالي يمكن اعتباره "تبادُلاً خِطابيّاً بين متكلّميْن أو أكثر حول موضوعٍ مُهمٍّ ويكون التّبادلُ نزيهاً وحُرّاً ويهدفُ إلى فهم الآخر أو إفهامه من خلال تفسير الخطاب المُتبادل"([27]).

   فعبارة "التّبادل الخطابي" تحملُ أوّلاً إلى الحقل اللّساني المشترك الضّروري للحوار دون أن يُغمط أيضاً حظّ التّبادل غير اللّساني مثل الإشارات وعلامات الوجه ومواضعات أخرى صوتيّة وثقافيّة مثل النّبر والتّنغيم وأساليب الاحترام، والتّوقير والاستفتاح، وغيرها. أمّا عبارة "متكلّمين أو أكثر" فتُحيل إلى مبدأ التّبادليّة أو التّفاعليّة الضّرورية للحوار وباعتبارها سمة تمييزيّة له عن المونولوج الذي يجري بمُتكلّم واحد فقط، والتّبادل الثنائي هو الشّكل النّمطي الأوّل والبسيط لكلّ محاورة. أمّا صفة "مُهمّ" التي نُسبت إلى موضوع الحوار فهي مقترنة بقاعدة الفهم المشترك، إذْ، لا يمكن لموضوع تنتفي منه الأهميّة أن يكون دافعاً للحوار ومحاورة فهم الآخر. والأهميّة هي من بين السّمات التّمييزيّة للحوار عن المُحادثة* بالنسبة إلى "بول ريكور" مثلاً. باعتبار الأخيرة يمكن أن تجري فقط لإضاعة الوقت وبدون موضوع مُحدّد أي مجرّد تبادل قولي للمجاملات لا غير.

   ونقرأُ في القيد الرّابع من التّعريف، والموسوم بعبارة "نزيه وحرّ "نزوعاً نحو التّمييز الإيتيقي للمحاورة عن أشكالٍ أخرى مثل المُناظرة* والنّقاش* وفي هذا القيد قُربٌ من مبدأ "التّعاون والتّبادل الكامل" الذي وضعه بول غرايس (Paul Grice) من شروط الحوار. أمّا النّزاهة هنا فتعني أنّ كلّ مُخاطِب يقول ما يعتقده صحيحاً بكلّ حريّة ودون ضغط أو قيود، أي النّزاهة بمعناه الفكريّ* وليس الأخلاقي. فهي وفقاً لعبارة ريكور "أن يقول الحقيقة أو ما يعتقده حقيقة لا غير". ومن مقتضيات النّزاهة باعتبارها سمة تمييزيّة للمحاورة، اعتراف المُحاورُ بأخطائه وهفواته وقابليته للتّعديل والتّصويب وتغيير وجهة النّظر ويمكن للحوار أن ينحرفَ عن مساره ويفقد هويّته إذا ما سقطت خاصيّة النّزاهة. فالمُحاورة بهذه السّمة جنس خِطابي مُشاوري أي أنّ الجانب الخلافي يهدف إلى بناء موقف مشترك انطلاقاً من وجهات نظر مختلفة وهذا ما يُميّزه عن المُناظرة والنّقاش حيثُ يبقى الخلافُ قائماً بحُكم قيام التّبادل القوليّ على نقد مواقف الخصم وحمله على الإذعان والاقتناع بوجهة نظر واحدة ومخصوصة أو عدم الاقتناع والتّبكيت.

   فالخاصيّة التمييزيّة الأساسيّة للمُحاورة تكمُن في هدفه وهو التّفاهم المُشترك وهي خاصيّة أجناسيّة ذات بُعد تواصلي إيتيقي وبها يمكن المسك بالفروقات بين المُحاورة من جهة القائمة على تعاقد خفيّ أو صريح يقضي بالتّعاون والفهم المشترك والمناظرة والنّقاش التي تهدف إلى الإقناع والاستمالة بنقد أفكار الخصم في سبيل التغلّب عليه وعلى أفكاره من جهة أخرى. ففي المُحاورة، يكون الفهم والتّفاهم هدفًا في حدّ ذاته. أمّا في المناظرة فالفهم وسيلة أو عتبة للإقناع والإفحام وفي النّقاش أيضاً يغدو الفهمُ مطيّةً للنّقد وإجلاء عيوب الخصم. ولمزيد التّوضيح يمكن جمع الفروقات بين هذه الأشكال من التّبادلات القوليّة في الجدول التّالي:

تبادلات قوليّة

 

مُحاورة

 

مُناظرة

 

النّقاش

 

مُحادثة

 

مُفاوضة*

أهميّة الموضوع

+

+

+

+ -

+

النزاهة والانفتاح

+

-

-

-

يمكن أن يُتوصّل إلى اتّفاق بأشكال حجاجيّة مُغالطيّة

الفهم

مُشترك وتعاقدي

الفهم وسيلة

الفهم وسيلة

الفهم وسيلة

الفهم وسيلة

الهدف

 

الفهم المشترك هدف في حدّ ذاته

الإقناع والغلبة

النّقد

غير ضروري، تمضية الوقت

بلوغ تسوية واتّفاق

نوع الحجاج

مُشاوري*

 

إقناعي* استمالي

مُشاوري

   يتوضّحُ من خلال الجدول إذن، أنّ المعايير اللّسانيّة وحتّى التّداوليّة، وحدها لا تكفي للتّمييز بين المُحاورة وما يُجاورها من أشكال خِطابيّة أخرى، وهو ما يستدعي مقاييس أخرى غرضيّة* وهرمونوطيقيّة إيتيقيّة، فنرى مثلاً كيف تكون المُحادثة استثناءً من بين الأجناس الخمسة في مستوى ضرورة أهميّة الموضوع في حين تنفردُ المحاورة عن الكُلّ في معيار النّزاهة والانفتاح والفهم المشترك هدفاً في حدّ ذاته لكنّها تشترك مع المُحادثة والمُفاوضة في انضوائها ضمن الحجاج المُشاوري غير السّجالي.

   وفي نفس النّسق النّظري تقريباً تناول موريس ميرلوبونتي أبعاد المحاورة في "فينومونولوجيا الإدراك" مُشيراً أنّ أهمّ ما يُميّزها هو التّمحور حول فكرة التّعالق الفكري والإيتيقي مع الآخر فكتبَ: "في تجربة الحوار، تتشكّلُ بيني وبين الآخر أرضيّة مُشتركة، فكرتي وفكرة الآخر تُكوّنان نسيجاً مُشتركاً، حالة التّخاطب تستدعي أقوالي وأقوال مُخاطِبي، فينصهران في عمليّة مشتركة حيثُ لا أحدنا بمفرده هو المُنشئ للفكرة. هناك الآن كائنُ مُضاعف، والآخر بالنسبة إليّ ليس مجرّد سلوك ضمن حقليّ المُتعاليّ، ونفس الشيء لحضوري بالنّسبة إليه، فالواحد منّا بالنسبة إلى الآخر هو مُتعاون ضمن تبادليّة كاملة...نحن نتعايشُ في نفس العالم"([28]).

   فالتّصوّر الذي يُبلوره ميرلوبونتي هنا يرتكز على مبدأ مُحايث للمحاورة وهو التّبادليّة الكاملة. أمّا التّناول الإيتيقي المثالي للمحاورة من خلال النصّ فيمكنُ تلخيصه في ثلاث أفكار أساسيّة وهي: المُحاورة تُنشئ عالماً مُشتركاً، المُحاورة سبيلٌ إلى تطوّر الفكر، الآخر ضروريّ للحدّ من الوثوقيّة والتّعالي. وكأنّ ميرلوبونتي هنا يستعيد التّصوّر الإفلاطوني في شكل آخر معتبراً بناء الأفكار والمعارف لا يتحقّق إلاّ في وضعيات مشتركة عبر الحوار وآليات أخرى وأن نُفكّر يعني أن نتحاور مع الآخر ومع الذّات.

   وفي ضوء هذا التّمييز المفهوميّ، يُمكن رصْدَ ملامح المُحاورة في بُعدها الإيتيقي والمعرفي في كثيرٍ من نصوص الأدب المجلسي قديماً، ولنا في موقف أبي حيّان في تصديره للمُقابسة الثّانية خيرُ مثالٍ عن هذا التّصوّر للمُحاورة وقيمتها في بناء المعارف وانتزاع الأفكار الصّائبة فيقول: "هذه مقابسةٌ دارت في مجلس أبي سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السّجستاني، وعنده أبو زكريا الصّيمريّ، والنّوشجاني أبو الفتح، والعروضيّ أبو محمد المقدسي، والقومسيّ، وغلام زحل، وكل واحد من هؤلاء إمام في شأنه، وفرد في صناعته؛ سوى طائفة دون هؤلاء في الرّتبة، وهم أحياءُ بعد؛ فاستخلصتها جهدي، ورسمتها في هذا الموضع، وقد كادت تضيع في جملة تعليق كثير ضاع استعضت منه الحسرة والأسى. ومن حق العلم، وحرمة الأدب، وذِمام الحكمة، أن يتحمل كل مشق دونها، ويصبر على كل شديد في اقتنائها وتحصيلها. ولا أنسب فضلاً إلى واحد منهم بعينه، لأن الكلام بينهم كان يلتفّ ويلتبس، وكانت المباهاة والمنافسة يدخلان فيه، ويظهران عليه؛ وينالان منه؛ وهذا من ذوي الطّبائع المختلفة معروف، ومن أصحاب التّنافس معتاد، ولو استتبّ القول بين سائل ومسؤل لحكيت الحال مُقرِّباً ومُبعِّداً ومُصوِّباً ومُصعِّداً؛ ولكن الأمر على ما عرّفتك، فكن عاذري عند خَلَلٍ يَمُرُّ، إن أبيْت أن تكون شاكري عند صواب تظهر عليه؟ إن شاء الله تعالى"([29]).

   تمحورت هذه المُقابسة حول مسألة إيبستيميّة تتعلّق بالفائدة من علم النّجوم وأخرى متّصلة بالفلسفة والطّبيعيات موضوعها "كيفيّة ارتباط السُّفليات بالعُلويات". ولقد آثر التّوحيدي أن يعرضَ في التّصدير الأطراف المُتحاورة في مجلس أبي سليمان السّجستاني منهم الفيلسوف مثل الصّيمريّ والقومسيّ والنّوشجاني ([30]) والعروضيّ مثل المقدسيّ والعالم بالفلك والحساب شأن غُلام زُحل. فبالإضافة إلى تنزيل المقابسة في سياق مجلسي حواري فإنّ المسألة المطروحة تدور أيضاً في حواريّة أخرى من المعارف المتنوّعة مثل الفلسفة والشّعر والفلك، والعروض، والبلاغة، والحساب. وبالتّالي نحن بصدد حواريّة تواصليّة بين أطراف متعدّدة وحواريّة معارف وتخصّصات متنوّعة وهو ما عبّر عنه التّوحيدي بجملة: "وكلّ واحد من هؤلاء، إمام في شأنه، وفردٌ في صناعته"، وإذا كان الحوارُ في بُعده الأوّل ذا صبغة إيتيقيّة إنسانيّة ترى في المُشترك والمُتعدّد والمُختلف سبيلاً ناجعاً لبناء المعارف، فإنّ الحواريّة في وجهها الثّاني ذات بُعدٍ إيبستيميّ، نابعة من تصوّر يقوم على كون المسألة المطروحة -وهي إمكانية خلوّ علم النّجوم من الفائدة- مفتوحة على أكثر من حقلٍ معرفيّ واختصاص علميّ.

   إنّ وعي التّوحيدي بأهميّة هذه التّفاعليّة في الخوض في عديد المسائل، يُقْرَأُ فيه ملامح لَبِنَةٍ مُؤسِّسة لمنوال تشاركي في بناء المعرفة وتناقلها وطريقة دورانها. منوالٌ قد يحُدّ من مركزية الذّات العارفة في بُعدها المُتعالي مثلما نجده في مجالس الإملاء والحديث والتّلقين. ولعلّ أبرز ما يُجلي هذا الوعي في نصّ المقابسة هو تعليق التّوحيدي مُتحدّثا عن المُشاركين في مجلس السّجستاني: "ولا أنسب فضلاً إلى واحد منهم بعينه، لأن الكلام بينهم كان يلتفّ ويلتبس، وكانت المباهاة والمنافسة يدخلان فيه، ويظهران عليه؛ وينالان منه؛ وهذا من ذوي الطّبائع المختلفة معروف، ومن أصحاب التّنافس معتاد" وهو قولٌ على غاية من الأهميّة من حيثُ الإقرار بطبيعة الاختلاف بين المُتحاورين ولا جدوى المُفاضلة  بينهم ومن حيثُ الاعتراف الضّمني بنسبيّة الحقيقة وبكون المعرفة تُولدُ وتُبنى من رحمِ الخِلاف والاختلافِ.

  وللمقارنة بين المنوال التّفاعلي الحواري والمنوال التّلقيني في الأدب المجلسي اخترنا هذا الجدول التّوضيحي التّالي:

المنوال    /    الخصائص

المنوال الحواري التّفاعلي*

المنوال التّلقيني*

طريقة دوران المعرفة

أفقيّة، تفاعليّة وتشاركيّة بين مجموعة من المُتحاورين.

عموديّة بين الشّيخ والتّلميذ في اتجاه واحد، غياب التّفاعليّة.

طبيعة المعرفة

المعرفة تُبنى وتُولّد من الحوارات، المعرفة نسبيّة.

المعرفة معطى جاهز، المعرفة مكتملة.

دور صاحب المجلس

توجيهي

رقابي

 

([1]) مارتن هايدغر، أصل العمل الفنّي، ترجمة أبو العيد دودو، ألمانيا، منشورات الجمل، الطبعة الأولى، سنة2003، ص15.

([2]) مارتن هايدغر، كتابات أساسيّة، ترجمة وتعليق إسماعيل مصدّق، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، الطّبعة الأولى، الجزء الثّاني،2003، ص197.

([3]) Maurice Merleau-Ponty, Le visible et l’invisible, Paris, Gallimard, 1964, p140.

([4]) Michel Meyer, Questionnement et Historicité, Paris, PUF, 2000, p.63&401.

([5]) ياقوت الحموي، معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، م.س، ص1924.

([6]) أبو حيّان التّوحيدي، الهوامل والشّوامل، تحقيق أحمد أمين والسيد أحمد صقر، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثّقافة،1951، المسألة 166، ص356.

([7]) أبو حيّان التّوحيدي، م.ن، المسألة 172، ص364.

([8]) أبو حيّان التّوحيدي، المقابسات، تحقيق حسن السّندوبي، القاهرة، المطبعة الرحمانيّة، الطّبعة الأولى، 1929، ص174، المقابسة 24.

([9]) أبو حيّان التّوحيدي، م.ن، المقابسة 77، ص.282-283.

([10]) العادل خضر، (في معنى "المقابسة"...أو نار الكلام)، الحياة الثّقافيّة، (تونس)، عدد234، 1 أكتوبر 2012، ص.5-18.

                                                                                 ([11]) Martin Heidegger, Etre et Temps, Paris, Gallimard, 1986, p28.

([12]) أبو حيّان التّوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تحقيق أحمد أمين وأحمد الزّين، مؤسسة هنداوي للنّشر، 2017، ص242، اللّيلة 17.

     ([13]) Maurice Merleau-Ponty, Apprendre à philosopher, Paris, chronique sociale, 2004, p44.

« Toute question, n’est pas philosophique, mais l’attitude qui consiste systématiquement à questionner, pour interroger la validité des affirmations, est peut- être en soi déjà philosophique » Apprendre à philosopher, p44.

([14]) أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطّبعة الأولى، 2004، ص92.

([15]) ابن عبد البُرّ القرطبيّ، جامع بيان العلم وفضله، م.س، ص468.

([16]) عبد الكريم اليافي، حوار البيروني وابن سينا، دمشق، دار الفكر، الطّبعة الأولى، سنة 2002.

طرح البيروني أسئلة علمية وفلسفية على ابن سينا ورغم انتصار إجابات الشيخ الرئيس للتّصورات الأرسطيّة للكون والطّبيعة فإنّ أهميّة الأسئلة تبرز في خلخلة بعض الثوابت في الفيزياء المهيمنة في العصر الوسيط إذْ شكك البيروني في صحة النظرة الأرسطية للخلاء والحركة، والأجسام، والوزن، وغيرها.

([17]) محاورات ديكارت نجدها خاصّة في عمله: البحث عن الحقيقة بواسطة النّور الطبيعي، ترجمة وتقديم مجدي عبد الحافظ، القاهرة، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى،2007. وقد اعتمد الشّكل الحواريّ بين ثلاث شخصيات وهي "Poliandre, Eudoxe, Epistémon " في حين ارتبطت المحاورة عند هيوم بكتابه محاورات في الدّين الطّبيعي، ترجمة وتقديم فيصل عبّاس، بيروت، دار الحداثة، 1980. وقد انبنى الكتاب على حوار منقول على لسان"Pamphile" جرى بين "Philon, Demea, Cléanthe".

([18]) أبو الفضل جمال الدّين بن منظور، لسان العرب، م.س، فصل الحاء المهملة، مادة (حور)، ص217.

([19]) أبو الفضل جمال الدّين بن منظور، م.ن. فصل الحاء المهملة، مادة (حور)، ص217.

([20]) René Descartes, La recherche de la vérité, dans Œuvres philosophiques, France, édition Ferdinand Alquié, Classiques Garnier, Tome 2, p1108.

« Ces conversations honnêtes ou’ chacun découvre familièrement à ses amis ce qu’il a de meilleur en sa pensée ». Œuvres philosophiques, p1108.

([21]) أبو حيّان التّوحيدي، المقابسات، م.س، ص262، المقابسة 66.

([22]) أبو حيّان التّوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، م.س، ص149، اللّيلة 9.

([23]) أبو حيّان التّوحيدي، م.ن، ص193، اللّيلة 13.

([24]) أبو حيّان التّوحيدي، م.ن، ص261، اللّيلة 18.

([25]) Paul Ricoeur, « La fonction herméneutique de la distanciation », Du texte à l’action, Essais d’herméneutique,2, Paris, Collections Esprit/Seuil,1986, p.101-115.

([26]) Jacques Derrida, “La Pharmacie de Platon” La Dissémination, Paris, Editions du Seuil, 1972, p.100.

                                              في هذا الفصل من الكتاب، يستعمل دريدا عبارة الكتابة القاتلة للأب: L’écriture parricide  

([27]) Housameddin Darwish, Paul Ricoeur, Problématique de la méthode et herméneutique du dialogue, Presses Académiques francophones, 2017, p578.

                                 ([28]) Maurice Merleau-ponty, Phénoménologie de la perception, Paris, Gallimard,1998, p407.

([29]) أبو حيّان التّوحيدي، المقابسات، م.س، المقابسة 2، ص120.

([30]) في الحقيقة تعوزنا التّرجمات بخصوص الصّيمريّ والنّوشجاني خاصّة وأنّ محقّق المقابسات اكتفى بكونهما من تلاميذ أبي سليمان المنطقي وأصدقائه وبالعودة إلى معجم الأدباء نجدُ ترجمةً للمُسمّى "محمد بن إسحاق أبو العنبس الصّيمري" يقول فيه الحمويّ: " من أهل الفكاهات، وأصله من الكوفة، وكان قاضي الصيمرة، وكان مع استعماله للهزل شريفا عارفا بالنجوم، وله فيه كتاب يمدحه المنجمون" ص2421. ومع ذلك لا يُمكننا التّأكّد من كونه هو المقصود، لأنّه لم يُدرك عصر التّوحيدي بحُكم وفاته سنة 282 للهجرة.