تبدأ الرواية ب"العودة"، وتنتهي بالرغبة "للسفر" والهجرة من جديد. بين العودة والغربة والاغتراب، يصبح "أحمد بوناجي (بين مفارقة الإهداء والشخصية المحورية للرواية)، "شاهدا على "طمس كل مواطن الجمال وإشاعة القبح"، وليصبح ل"السلمون" حق العودة والتي أمست شهادة ثانية، عن تـشظي مضاعف، يقول في أحد فصول الرواية: "كان الإحساس بالاجتثاث يكبر في وجداني، كنت أشعر في دواخل نفسي وكأنني نبتة هيفاء اقتلعت من تربتها قبل الأوان ورمي بها إلى الخلاء دون رحمة".. هل تغير بعد العودة؟، بل تضاعف ليصبح الاجتثاث، حالة من الفقدان واغترابا مأساويا، لا شكل فيه للحياة ولا للمكان، بكل حمولاته التاريخية والرمزية.
الكاتب محمد خراز، والذي عاش مسارا إداريا في وزارة الثقافة المغربية، كان قريبا من الكتاب ومجالات الأدب. أسعفه تخصصه في مجال السوسيولوجيا واهتمامه بالثقافة الشعبية، أن يغطي ب"ملح زائد" نصه الروائي "عائد الى بياضه" حي بياضة. يبقى لسلطة المكان، حي بياضة، "سطوة رمزية خاصة" على المتخيل الروائي، ومن خلاله على رمزية المكان ككل، مدينة أسفي هذه القصيدة المشبعة بالتاريخ، النائمة على ضفاف "أطلنتيس". لقد أمست إيديت بياف وأم كلثوم وفاطنة بنت الحسين، والعمارة والفسيفساء وهندسة البيوت والآثار والأكل والطبخ المغربي وحياة البحارة وثقافة البحر والأسماك والعيطة والملحون والطرب..، مزيج من المعارف أسبغت على النص الروائي متعة الحكي، ومتعة أفق القراءة.
في ورقة كتبتها الشاعرة والناقدة، الدكتورة لطيفة المسكيني، تقول عن رواية "عائد الى بياضه" للكاتب محمد خراز، "لا تتوقف رؤيا بناء الحبكة الروائية في رواية "عائد إلى بياضه"، للروائي المغربي محمد الخراز عند الاحتفاء بتفاصيل المدينة أو الإنسان فحسب، ولكنها تجاوزته إلى الكشف عن الأثر الفلسفي والوجودي الذي يخلفه السفر على الإنسان في شموليته، والعبور في رحاب الأمكنة والأزمنة المتباينة، وذلك باعتماد لعبة سردية شديدة المتعة والتشويق تحتفي بالسرد والتبئير الحكائي المتعدد والتوازي السردي للحكايات، من خلال الاستذكار و شعرية الفلاش- باك الساريين في مواطن عدة من فصول الرواية... من خلال ذاكرة الإنسان والمكان المسكونة بعشقها الأزلي للخلود في بياض لوح البدء والخليقة، في بياض الروح والحبر السري للذاكرة، ذاكرة الكون والإنسان في سفره الدائم عبر الأزمنة بين الألم والفرح، بين الحياة والموت، عودا إلى صفاء النهايات في أعلى تجليات بياضه،...".