أما المداخلة الثانية فقد جاءت موسومة ب"ذاكرة الفقد وأسئلة الكتابة، قراءة في رواية "طي الألم" لِهَالة البدري"، قدمها الأستاذ محمد أعزيز، وقد توقف فيها عند كيفية اشتغال الذاكرة بوصفها دافعا محرضا على فعل الكتابة، نظرا لما تختزنه الذكريات من آلام جراء الفقد الفادح الذي ألمّ بالذات الساردة بعد موت زوجها، على هذا الأساس تغدو الكتابة في حد ذاتها فعلا مؤلما بما هي مواجهة مع الغياب الموجع، كما حاول المتدخل إبراز الآليات الكتابية المتوسل بها في تسريد الذاكرة المؤلمة ودور هذه الآليات في تشييد النص الروائي، كما توقف عند جماليات هذا التشييد بما هو انفتاح على مختلف الأجناس والخطابات والفنون لاستجلاء الأسس الفنية للرواية المدروسة.
فيما جاءت المداخلة الثالثة للأستاذة بشرى قانيت بعنوان "أصوات الذات: بين هاجس الكتابة وأفق التلقي"، تناولت فيها بالدراسة والتحليل العمل الإبداعي "نص هجره أبطاله" للكاتبة المصرية "دينا محمد عبد السلام"، حيث أشارت إلى تشعب الفرضيات معبرة عن طبيعة مقاربة هذا المتن التي تنوس بين ما هو بنيوي، يسائل عناصر تخييلية عدة: ذات الشخصية وعلاقتُها بالآخر والمجتمع والمكان والزمن، وصلتُها بالتاريخ والذاكرة، وبين ما هو مندرج في سياق موضوعة الكتابة والتفكير فيها انطلاقا من استحضار العناصر السابقة وأفق التلقي، دون غض الطرف عن حضور وعي الذات المثقفة، من خلال حضور التناص في أكثر من موضع ضمن المتناص الروائي.
في المداخلة الرابعة المعنونة ب "الواقعية السحرية وجمالية التعبير عن الذات في رواية "جبل التيه" لمنى العساسي، رصدت الأستاذة لطيفة هدان الطريقة التي تنبني بها أصوات الذات في علاقتها بالآخر والمجتمع، كما أشارت إلى أن الكاتبة عملت على استكناه مجموعة من الذوات ودفعها إلى البوح بما يختلج أعماقها،متوسلة بالحلم بوصفه حيلة من حيل الكتاب لسبر أعمق طبقات الذات، ومستندة على صياغة أسطورية للواقع وهي استراتيجية إبداعية ترى في البناء السحري الأسطوري للنص حلا مناسبا لتمثيل الواقع المجتمعي المأهول بالفقر والاستبداد والعادات الاجتماعية الرديئة.
أما آخر مداخلة في هذه الجلسة الأولة، فكانت بعنوان "رحلةُ الحياة والموت: مُقاربة سيميائية هَوَوية لرواية سدرة لغادة العبسي" كشفت من خلالها الباحثة سارة الأحمر، عن هوى الخوف الذي تعيشه الذات الساردة، وبينت فيها المقاصد الذاتية والاجتماعية الثاوية خلفه بالاعتماد على مقاربة سيميائية هَووية، كما أبرزت آليات اشتغال المعنى الاستهوائي داخل النص الروائي، وتوجه الأفعال السردية، وتتحكم في انبثاق المعاني والدلالات التي ينبني عليها خطاب الخوف المتجسد في نص "سدرة".
وانطلقت أشغال الجلسة العلمية الثانية برئاسة الأستاذ عبد الإله مرتبط، الذي أعطى الكلمة لأول متدخلة وهي الأستاذة سلمى براهمة في مداخلة موسومة ب"الرواية النسوية العربية: بين تمثيل الذات وإعادة تمثيل العالم. قراءة في رواية الحديقة المحرمة لسهير المصادفة"، حيث أكدت في البداية على أن الرواية تندرج ضمن الروايات النسوية، أي الروايات المنتصرة لقضايا النساء، والتواقة لتفكيك النسق الذكوري، وقد بينت أن هذا العمل الفني قد جاء نسويا، بفضل استراتيجيته القائمة على تناوب صوتي الرجل والمرأة على الحكي، وتناوب عالمين من حيث الحضور، عالم واقعي حديث، وآخر غريب يحيل على العوالم البدائية الما قبل تاريخية. كما رصدت الأستاذة في ورقتها مجموعة من التقنيات الروائية المعتمدة في الرواية، والتي غدا بعضها ملمحا نسائيا، يميز المدونة السردية النسوية.
في المداخلة الثانية، سعت الأستاذة مريم دمنوتي، إلى مقاربة رواية "أيّام الشمس المشرقة" للكاتبة المصرية ميرال الطحاوي في بُعديها التّيماتيكي والفنّي الجمالي، حيث لمست المداخلة سؤال الهوية الإنسانية في علاقته بتجربة الهجرة والاغتراب، وما يَترتّب عليه من معاني الألم والضياع والاغتراب النفسي الاجتماعي والقلق الوجودي الذي يعاني منه المهاجرون في بلاد المهجر. كما توقفت أيضا عند البناء الفني للرواية والتقنيات السردية التي وظفتها الكاتبة في صياغة مُتخيّلها الروائي.
بعد ذلك، قدمت الباحثة ابتسام الهاشمي مداخلتها والتي عملت فيها على استكشاف تجليات الذات وتتبع أسئلتها في سرديات المؤنث، مستعينة برواية "هناك حيث ينتهي النهر" للكاتبة المصرية "مريم عبد العزيز" نموذجا للتحليل، وذلك من خلال تتبع تحول انشغال الذات بالأنا الفردية نحو الاهتمام بالنحن الجماعية، مسلطًة الضوء على الجوانب الإنسانية، والثقافية، والتاريخية، التي تنسجم داخل سرد المؤنث، وذلك عبر تتبع اجتهاد الساردة في اعتماد ضمائر المتكلم والسرد الحواري، واللجوء إلى الجماليات التعبيرية المتعددة؛ بهدف استيعاب البعد الإنساني بتنوعه وشموليته.
أما في مداخلتها المعنونة ب "إشكالية الاغتراب الذاتي في رواية بساتين البصرة لمنصورة عز الدين"، فقد توقفت الباحثة مريم السعيدي عند مفهوم الاغتراب باعتباره ظاهرة نفسية وفكرية، وانطلقت في هذه القراءة من اغتراب ذات البطل وكذا المسببات الاجتماعية والثقافية المتدخلة فيه، وما يلحقه من تبعات نفسية تؤثر بشكل مهم على الذات. كما عملت على الكشف عن المظاهر الأخرى للاغتراب، والبحث في مفهوم انشطار الذهن أو الذات وربط كل ذلك بما عاشه ويعيشه الإنسان العربي المغترب في وطنه، وفي حاضره. وقد حظيت هذه الرواية بقراءة أخرى للأستاذ عبد الإله مرتبط وسمها ب"المستويات الخطابية في رواية بساتين البصرة لمنصورة عز الدين"، قدم ملخصا لأهم ما ورد فيها.
المداخلة الأخيرة، قدمتها الباحثة غزلان عتقاوي بعنوان "السرد النسوي بين البوح والوعي بالذات في رواية أطياف كاميليا لنورا ناجي" والتي أكدت على أن الرواية قدمت في شكل رسائل تبوح بأسرار جريئة من طرف الأنثى العربية في مقابل بوح الآخر، كما صورت نوعية من المثقف المهزوم اجتماعيا من طرف الوعي الجمعي، لا يحمل قضية ولا هما وجوديا.
اختتم اللقاء بنقاش مثمر تفاعل فيه الحضور مع المداخلات، نظرا لراهنية المواضيع التي تم تدارسها، وكذا لدور الرواية المصرية في إغناء المشهدين الأدبي والثقافي العربيين.
متابعة: نهاد القزوي