جلست وحيدا أتأملني وأنا أخترق جدار الصمت
كان المكان فارغا إلا من رعشة عرضية
وبقايا كلام تركه مثرثرون فوق طاولة منسية
ولوحة لبيكاسو
فتيات أفنيون
معلقة
مصلوبة
كأنها فقدت جزءا من اللون الفاقع
كأنها فقدت لمسة النحت
في لحظة جنون
2
رأيت البدو وهم يوزعون البسمات في الشارع العام
بدو يرحلون
من مكتب لآخر
من شقة باذخة لشقة أخرى
من ليموزين لأخرى
من ضحكة سخيفة لأخرى
بدو يوزعون البسمات في الشارع العام
يقتلون عنفوان الزهرات اليانعة
بدو بربطات عنق
لا يمثلون الرأي الهام
3
عبرت الشارع مسرعا بطيئا على السواء
كنت أبحث عني باهتمام
كم كانت السيارات كثيرة ذلك اليوم
كم كان الزحام يشبه طباخا مبتدئا يتعلم التلاعب بأومليت مطهوة
أو لعلها وليمة شواء
تعثرت وأنا أمشي
مشيت كثيرا
اكتشفت بعد خطوات
أن أي مسافة .. أي مجازفة ..
لا تعرف الانتهاء
4
للراحلين من مدن الجنوب أغنية يرددونها
أغنية رتيبة الإيقاع
للراحلين شمعة حمراء بديعة
تضيء الضوء
ترفع وتيرة توارد الخواطر
حيث يتصور فتى بدهشة خائبة ثمرات الكمثري
حين يفكر بجارته المراهقة
وحين يشتكي الفقراء من ندرة الخبز والسكر وصعوبة الأوضاع
5
للراحلين دائما محطة للراحة والضياع
محطة لغسل الألبسة الداخلية
ولرسم خيال حول وليمة وهمية
تهرب من أفواههم كلما قالوا اننا قريبون
وكلما شعروا بمعركة شرسة في بطونهم الخاوية
تذكرهم أنهم جياع
هؤلاء الجنوبيين
دائما .. على نفس المسافة المستحيلة
حيث يسافرون ويسافرون بدون داع
6
جلست وحيدا
كمالك الحزين
كإطار بلا صورة ولا حواف
كظل تائه بين الظلال وشمس صيف مغناطيسي
يحتل الصورة
يهرب من الصورة
يغتالها ، يمزقها
يعلن حربا غبية بلا أهداف
جلست وحيدا أرقب مشية غراب تعلم المشي بعد أن استنفد كل المشي النمطي
جلست وذاكرتي تجر قافلة من الأوثان وثورا أثريا بدين
تجر تاريخا رائعا
تاريخا خائبا
تاريخا لا يمثلني ولا يمثل سلالة العائلة
لا ينتمي لطائفة قديمة
ولا لقبيلة من الأشراف .