خلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء الثالث) - أحمد رباص

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

بنوع من الفضول الفلسفي، المصحوب بدهشة الاكتشاف، قادني البحث عما قيل وكتب حول هذا الموضوع إلى هذه الدراسة الرائعة المنشورة على النت بقلم بينوا غوتييه. وبما أن الكتابة ثمرة للقراءة، كانت هذه الترجمة:

أحد المعارضين الأكثر حزما لهذه وجهة نظر حول الفلسفة هو تيموثي ويليامسون، الذي يؤكد في نفس الوقت (1) أن الفلسفة ليست تحقيقا مفاهيميا؛ (2) وأنها تعلمنا، على غرار العلوم، أشياء عن العالم؛ (3) وأنه من الممكن مع ذلك، على الأقل جزئيا، ممارستها "على كرسي مريح"؛ ولكن (4) هذا لا يعني أنها من خلال ملكة معرفية معينة، تختلف عن تلك التي ننخرط فيها في معرفتنا العلمية أو العادية عن العالم، تساهم في معرفته - بما في ذلك عندما يتم إجراؤها في كرسي مريح.
في مقابلة أجراها حول عمله "فلسفة الفلسفة" (2007)، يقول ويليامسون: "إن الاختلافات بين الفلسفة والتخصصات الأخرى لا تتميز عن الاختلافات بين الفيزياء والرياضيات والتاريخ والاقتصاد والبيولوجيا واللسانيات، والتي هي في حد ذاتها ملحوظة للغاية. وعلى وجه الخصوص، أقترح أن يكون هدف الفلسفة، على المدى الطويل، هو اكتساب نوع من المعرفة بالطريقة التي تسير بها الأمور. وأعتقد أيضا أن ما يسمى بالانقسام بين المعرفة والفهم هو انقسام زائف: لا يمكنك أن تفهم لماذا يكون شيء ما على ما هو عليه دون أن تعرف لماذا يكون هذا الشيء على ما هو عليه."
من خلال هذا الإعلان الواضح جدا، يتم التأكيد بشكل خاص على فكرتين. (1) المنهج الفلسفي لا يختلف جوهريا عن منهج العلوم: أحدهما ليس قبليا جذريا بينما الآخر سيكون جذريا بعديا (مع ترك مسألة الرياضيات جانبا). (2) العلم والفلسفة لا يتعلقان بأشياء مختلفة جذريا، كما يعتقد أولئك الذين يعرّفون الفلسفة بكونها تحقيقا مفاهيميا، وفقا لويليامسون.
في ما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة، يكتب ويليامسون في "فلسفة الفلسفة" أن “القليل من الأسئلة الفلسفية هي أسئلة مفاهيمية بالمعنى الذي يميزها”؛ أو أن "مجال الفلسفة ليس مفاهيميا بالمعنى الذي يميزه".

وبنفس الروح، وبشكل أكثر دقة، يرى ويليامسون أنه إذا كان كل ما يمكن أن نتعلمه من الحالات التي تخيلها جيتييه هو أنه "من الممكن من الناحية النظرية أن يكون لديك اعتقاد حقيقي ومبرر دون امتلاك المعرفة".
يقول ويليامسون: "هذا لن يدحض الفرضية القائلة بأن المعرفة هي، بطريقة ضرورية ميتافيزيقيا، الاعتقاد الحقيقي المبرر الذي مفاده أن الاحتمال المفاهيمي بأن شيئا ما له العدد الذري 79 دون أن يكون ذهبا يدحض الفرضية القائلة بأن الذهب هو، بطريقة ضرورية ميتافيزيقيا، العنصر الذي يبلغ عدده الذري 79. إن نظرية المعرفة تهتم في المقام الأول بطبيعة المعرفة، وليس بطبيعة مفهوم المعرفة. إذا كانت المعرفة في الواقع متماهية مع الاعتقاد الحقيقي المُبرر، فسيكون هذا هو المهم إبستيمولوجيا، بغض النظر عن الاحتمال المفاهيمي لعدم هويتهما.
ثم يتابع ويليامسون: "إن نتيجة تجربة فكرية مثل تجربة جيتييه، والتي تم تأويلها على أنها احتمال مفاهيمي بسيط، ستكون ذات أهمية لمنظري المفهوم في المقام الأول، وليس للإبستيمولجيين. […] وينطبق الشيء نفسه على التجارب الفكرية الموجودة في فروع الفلسفة الأخرى. لكن استخدام التجارب الفكرية لا يقتصر على نظرية المفاهيم فحسب؛ بل ينتشر كذلك في أغلب فروع الفلسفة."
من الصعب، عند قراءة هذا المقطع الأخير، ألا نشعر كما لو أننا إزاء مصادرة على المطلوب: يؤكد ويليامسون أن التجارب الفكرية التي يلجأ إليها الفلاسفة في كثير من الأحيان لإقامة استنتاجاتهم لا يمكن أن تقتصر على مفاهيمنا فقط، لأن هذه التجارب الفكرية تُستخدم في كل مكان في الفلسفة، بما في ذلك من قبل أولئك الذين لا يفكرون في وضع "نظرية عن المفاهيم". ما لم نفترض بعد ذلك أن الفلاسفة يفهمون بشكل أساسي أو بالضرورة ما يفعلونه عندما يمارسون الفلسفة - الأمر الذي من شأنه أن يجعل عمل ويليامسون غير ضروري تماما - تتلخص الحجة المقترحة في ما يلي: لا يمكن للتجارب الفكرية أن ترتبط بمفاهيمنا فقط، لأن هذه التجارب الفكرية تُستخدم في كل مكان. في الفلسفة وفي الغالبية العظمى من الحالات يتم استخدامها لحل الأسئلة الفلسفية التي لا تتعلق بمفاهيمنا.
لكن هذه النقطة ليست الأكثر أهمية. مثل هذه النقطة التي تظهر في كل من المقاطع التي استشهدت بها هي حقيقة أن ويليامسون يأخذ بشكل منهجي بفكرة أنه إذا كانت الفلسفة تتكون بالكامل من نشاط توضيح مفاهيمي، فهي إذن (1) تتعلق بمفاهيمنا بدلاً من العالم و (2) أنها تسعى جاهداة إلى إثبات حقائق حول مفاهيمنا؛ بمعنى أن العلم يسعى جاهداً إلى إثبات حقائق حول العالم.
ومع ذلك، فإن هذه الفكرة ليست واضحة بذاتها بأي حال من الأحوال، وتشكل، علاوة على ذلك، سوء فهم شبه كامل في ما يتعلق بنوع الموقف الذي يدافع عنه فلاسفة مثل بيتر هاكر، متبعين فيتجنشتاين. يتساءل هاكر: هل يمكننا أن نستخلص من التأكيد على أن الفلسفة هي تحقيق مفاهيمي كونها "تملك في نهاية المطاف مجالا محددا - أي المفاهيم؟" سيكون ذلك مضللاً. إن كونها بحثا مفاهيميا لا يعني التركيز فقط على المفاهيم، بل يعني، من بين أمور أخرى، عدم انتهاج الملاحظات والتجريبات.
بالتلازم، لا يترتب عن فكرة أن الفلسفة هي تحقيق مفاهيمي، وعن حقيقة أن ذلك يتم من خلال النظر في استخدام الكلمات التي تعبر عن مفاهيمنا، أن اللغة هي مجال الفلسفة؛ "اللغة هي ما يهتم به علم اللغة"، وهناك، على سبيل المثال، بالنسبة لللغوي "اهتمام قليل إلى حد ما بالتساؤل عما إذا كان بإمكاننا القول إن الأحداث تتحرك وبأي معنى". علاوة على ذلك، وعلى عكس ما يُفترض غالبا، لا يترتب عن فكرة أن الفلسفة هي بحث مفاهيمي أن هذه الطريقة في تصور الفلسفة وممارستها تحافظ على رابط خاص مع فلسفة اللغة.
قبل كل شيء، لماذا نفترض أنه إذا كانت الفلسفة عبارة عن تحقيق مفاهيمي، فإنها تدور حول المفاهيم وليس حول ما تدل عليه المفاهيم؟ يبدو لي أن هذه النقطة الأساسية في مفهوم فيتجنشتاين عن الفلسفة قد عبر عنها هاكر بشكل جيد للغاية حينما قال: "إن نوع الفهم الذي تسعى إليه الفلسفة فريد من نوعه. يمكن وصفها بطرق مختلفة ومضللة إلى حد ما. في الموقف الميتافيزيقي: تسعى الفلسفة إلى الحصول على فهم للطبيعة القبلية للأشياء وللعلاقات الداخلية بين الأشياء […]. في الوضع المفاهيمي: تسعى الفلسفة للحصول على لمحة عامة عن بنية (أجزاء) مخططنا المفاهيمي والعلاقات المنطقية النحوية بين عناصره. في الوضع اللغوي: تسعى الفلسفة إلى الحصول على لمحة عامة عن أجزاء لغتنا التي تؤدي، بطريقة أو بأخرى، إلى مشاكل مفاهيمية. إذا فهمنا هذه الأمور بشكل صحيح، نجدها أوصافا لنفس المشروع.
يمكننا إذن أن نقول، بكلمة واحدة، إن الحقائق المفاهيمية «تصف جوانب من طبيعة موضوعها؛ تحدد المفهوم المعني؛ وتظهر في استخدام الكلمات"؛ وأن إدراك الموقف الفيتجنشتايني يتمثل في إدراك أن الأمر يتعلق بنفس الشيء.
لا يمكننا بالطبع أن نقبل هذه النقطة، أو – هذه حالتي – أن نشعر بعدم القدرة على فهمها بشكل كامل واعتبار أن الفتجنشتاينيين يجب أن يكونوا قادرين على إخبارنا أكثر بكثير، أو أفضل بكثير، عن موضوعها. بحيث نصل إليه ونتوقف عن أن نضع في أذهاننا بانتظام - على وجه التحديد لأننا لا نتمكن من فهمه بشكل كامل - فكرة أن هناك مع ذلك شيئا غامضا للغاية في حقيقة أننا، في تحليل مفهوم مثل مفهوم الحدث، فهمنا طبيعة الأحداث؛ أو فكرة أن هناك صدى هادئا بشكل غير سار في الاعتقاد بأنه ليس من الممكن أن نقول أي شيء عن طبيعة الأحداث أكثر مما يمكننا استخلاصه من مفهومنا عن الحدث. ولكن، في الفلسفة كما في أي تخصص آخر، سيكون من الأفضل، لتحظى للمناقشة بأي اهتمام، ألا ننسب إلى أولئك الذين نريد إفحامهم مواقف ليس لديهم أي نية للدفاع عنها، وأن نسعى جاهدين إما إلى مهاجمة الأطروحة التي يدافعون عنها حقا، أو، إذا حكمنا أنهم لم يقدموا لنا أسبابا كافية للاعتقاد بأن هذه الأطروحة من المحتمل أن تكون واضحة ومرضية حقا، إلى تقديم أسباب هذا الحكم. لكن، في "فلسفة الفلسفة"، لا يفعل ويليامسون أيا منهما.
لا أقصد هنا تقديم دفاع أو توضيح للموقف الفيتجنشتايني في ما يتعلق بنطاق التحليل المفاهيمي. سأشير ببساطة إلى أنه يبدو لي على الأقل أنه يستحق ألا نرفضه بمجرد هزة كتف منهكة أو مرهقة، مصحوبة باعتراضات يبدو قصورها شبه مقصود وأنه يهدف إلى إظهار القليل من الأهمية التي ينبغي (الآن) أن تعطى له. الشيء الذي أود أن أفعله هو أن أثير نقطة لا ينبغي اعتبارها ثانوية أو لا أهمية لها، وهي أن حقيقة توصيف الفلسفة باعتبارها تحقيقا مفاهيميا تسمح لنا بالوفاء على الفور تقريبا بما أسماه بيكوك "تحدي التكامل"، في حين أن مفهوم التفكير الفلسفي ونوع المعرفة التي من المفترض أن تسمح لنا الفلسفة باكتسابها، والذي دافع عنه ويليامسون، من جانبه، فشل في مواجهة هذا التحدي.
(يتبع)
المصدر: https://books.openedition.org/cdf/3540?lang=fr