رمان إنجاردن والاستطيقا الفينومينولوجية - محمد المعطي القرقوري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

"من جاني أنا مقتنع بأن المقاربة الفينومينولوجية للموضوعات وللظواهر الاستطيقية أعطت نتائج صالحة حتى الآن، وأن تطبيقها في دراسة الأعمال الفنية، على سبيل المثال، يفتح آفاقا واعدة للمستقبل، وأيا ما كان بالنسبة للإستطيقا أو بالنسبة للأنظمة المرتبطة بها، فأنا لا أطالب مع ذلك باستبعاد المناهج الأخرى، أو الاستعمال الوحيد للفينومينولوجيا، وكل باحث عليه أن يقرر هو نفسه أي منهج يناسبه، وبأي تساؤلات سيبدأ. المطالبة بالتطبيق الحصري لهذا المنهج أو ذاك يقود عموما إلى مقاربات أحادية الجانب، وإلى مسبقات تتعلق بالضبط بالدوران لا أقل ولا أكثر."
Roman Ingarden

تقديم:

نتوخى من هذا المقال أن نرسم أفقا فلسفيا من شأنه أن يقربنا من الفضاء الفلسفي الشاسع والغني، الذي تبلورت في إطاره استطيقا رومان إنجاردن الفلسفية الفينومينولوجية خلال القرن العشرين، في الفترة الممتدة من سنة (1931 إلى 1970)، وهي الفترة التي شهدت ميلاد أسلوب جديد في التفكير الإستطيقي الحديث على يدي فيلسوف عظيم وقطب لامع من أقطاب الفلسفة الفينومينولوجية، الذي إليه يرجع الفضل، كما يقر بذلك هانزجيورج جادامير، واصفا إياه بالفيلسوف الفينومينولوجي البولندي العظيم، في كونه أول من كشف هذا الطريق(1)، ويعد إنجاردن من أوائل المنتسبين لمبدع الفلسفة الفينومينولوجية العظيم إدموند هوسرل، الأستاذ الذي تتلمذ على يديه جيل بكامله من الفلاسفة الفينومينولوجيون النابهون، وفي مقدمتهم رومان إنجاردن البولندي الأصل الذي تفرد بنيل ثقة الأستاذ، مما جعله في مستوى نقد ومراجعة وتصحيح ما أنجزه إدموند هوسرل، في إطار مشروعه الفلسفي الفينومينولوجي والمنهجي، مما جعل منه حجة في تصحيح المذهب وتقويم المنهج.

لقد حظي رومان إنجاردن بتقدير كبير في الأوساط الفلسفية عموما، وفي دائرة الاستطيقا والنقد الأدبي والفني بوجه خاص خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكل ذلك مناط بمقدار ما وصلت إليه أعمال هذا المفكر العظيم من غنى واتساع يحيط بالأبعاد المتعددة للعمل الفني الأدبي سواء كان من جانب الملاحظ والمتلقي، أو من جانب الناقد، أو من وجهة النظر المصاحبة للعمل الفني(2)، وكل هذا فرض وبقوة حقيقة اعتبار نظرية إنجاردن حول مفهوم العمل الفني الأدبي كأساس للإستطيقا الحديثة للتلقي(3)، ونقطة الانطلاق الحقيقية لكل النظريات المعنية بعملية القراءة(4)، كما أنها شكلت أساسا نظريا لفهم كل النظريات المتعلقة بفهم وإدراك الأبعاد المختلفة التي كشفتها الدراسات الأدبية خلال النصف الأخير من القرن العشرين وعلى هذا الأساس المتين بادر البعض من النقاد ومؤرخي الأدب المرموقين بتصنيف إنجاردن في مرتبة الأب المباشر لإستطيقا التلقي)5(.

لم يقف الأمر عند هذا الحد فقط، بل نجد أن إنجاردن ذهب بعيدا في مجال توسيع دائرة المعرفة بالفنون الأدبية في جوانبها الفنية واللغوية والجمالية، مما جعله أهلا لوضع أسس ابستيمولوجيا المعرفة الأدبية، في مقابل ابستيمولوجيا العلوم الحقة، وهذا ما تعرضه كتبه ومحاضراته ومداخلاته في العديد من المؤثرات والملتقيات الفلسفية والعلمية، التي لم يكن إنجاردن يتوانى عن الحضور والمساهمة في مختلف أشغالها، بل وفي ترؤسه لأشغالها أحيانا كثيرة، وبخاصة دورات الاستطيقا، حيث كان حضوره محط تقدير كبير من طرف المفكرين والفلاسفة المساهمين في تلك المؤتمرات العالمية والدورات القارية.

المنطلق:

يرتبط رومان إنجاردن Roman Ingarden (1893 – 1970) الفيلسوف البولندي العظيم بالحلقة الأولى من متعلمي إدموند هوسرل في كونتجين )Gottingen6)، وهو بذلك حاز مكانة متميزة لدى أستاذه هوسرل، سمت به فق مراتب كل المتعلمين في حلقة الأستاذ المؤسس العظيم للفلسفة الفينومينولوجية، فهو لم يكن مجرد تلميذ ينهل من معين الأستاذ، ولا هو من التابعين والسالكين على هدى طريقة ومنهاج مؤسس المدرسة الفينومينولوجية فقط،وإنما كان إنجاردن وبحق، ناقدا ومجددا ومدعما للفلسفة والمنهاج الفينومنولوجي(7)، وهذا في واقع الأمر هو ما تكشفه لنا تلك العلاقة المباشرة والقوية بين إنجاردن وإدموند هوسرل، ومن جملة تجليات هذه العلاقة الفاعلة والقوية بين هذين الفيلوسفين الكبيرين، نذكر واقعة تمكين إدموند هوسرل لإنجاردن من كتابة مقدمة كتابه (تأملات ديكارتية) في نسخته الأولى الألمانية، وهي واقعة تشهد بما كان يحضى به إنجاردن من مكانة لدى أستاذه هوسرل. وإلى جانب ذلك تحضر كتابات إنجاردن النقدية والتصحيحية المرتبطة بأهم القضايا والمشكلات الفلسفية والمنهجية التي أثارتها فلسفة هوسرل، خاصة في أطوارها المتأخرة، ولعل أهم إنجازات إنجاردن بهذا الخصوص، هو نقده لتصورات هوسرل المرتبطة بفلسفته الترنسندنتالية التي ختم بها هوسرل مشروعه الفلسفي الفينومينولوجي، وهي الفلسفة التي عارضها إنجاردن بقوة وسعى إلى تجاوزها بنجاح كبير لينقد بذلك نفس الفلسفة الفينومينولوجية التي شيدها هوسرل بجهوده المتواصلة من مأزق كان يشكل عنصر هدم لأسسها ومنطلقاتها، ويتعلق الأمر هنا بالوجهة المثالية التي مالت إليها فلسفة هوسرل الترنسبدنتالية التي كانت هي خاتمة مشروعه الفلسفي.

 لقد تجند إنجاردن من أجل مقاومة هذه المثالية والعمل على إبعادها عن دائرة الفلسفة الفينومينولوجية، وذلك من خلال أعمال وجهود أخذت منه قسطا وافرا من حياته،وهو الأمر الذي يؤكده أحد الباحثين في فلسفة انجاردن قائلا: عندما نتابع مجموع الأعمال الكبيرة والهامة جدا لدى إنجاردن نرى أنه قضى نصف حياته الفلسفية وهو يقاوم المثالية الترنسندنتالية لدى هوسرل، ويندرج كتابه "جدل حول وجود العالم" الذي هو في تقدير الكثيرين من متابعي فلسفة إنجاردن عملا فلسفيا كبيرا يؤسس للمشروع الإستطيفي الذي أنجزه إنجاردن لاحقا، وإن كان الكتاب في جوهره ينحو منحا ميتافيزيقيا(8).

وبالفعل فقد اتجهت فلسفة إدموند هوسرل في مراحلها الأخيرة، حسب قراءة إنجاردن لها نحو السير في فهم مجموع العالم الواقعي، وعالم الأشياء كموضوعات قصدية،وهذا ما تكشفه إشارة هوسرل التي أكد فيها عل أن توسع دلالة مفهوم "الموضوع القصدي"تشمل في الوقت ذاته الموضوعات ذات الوجود الحقيقي وهذا ما يجعلنا غير مؤهلين بشكل كبير الأن للكلام عن تقسيم يفصل بين الموضوع الحقيقي والموضوع القصديوهي بذلك مجبرة، بفعل هذا الافتراض على قبول المثالية(9)، وهي النتيجة التي تمثل تهديدا مباشرا من شأنه أن يقوض دعائم الفلسفة الفينومينولوجية ومنهاجها العظيم، وبذلك انخرط بعزم في المناقشة، بالاهتمام بالبرهنة على وجود اختلاف حقيقي على صعيد الوجود بين الموضوع الواقعي والموضوع القصدي، ولذلك أعطى إنجاردن منذ بداية تفكريه الفلسفي الاسبقية للأنطولوجيا على الفينومينولوجيا، وهكذا كانت الانطلاقة، فمنذ اللحظة الأولى اتخذ إنجاردن من الوضع الأنطولوجي للموضوع القصدي منطلقا لمعارضة المثالية الترنسندنتالية لدى هوسرل، واضعا بذلك أسسا جديدة لبناء استطيقا  فنومينولوجية تجعل من العمل الفني الأدبي منطلقا لها(10).

ميلاد الإستطيقا الفينومينولوجية:

لقد أكد إنجاردن في مناسبات عديدة على أن كل انشغالاته المرتبطة بقضايا الاستطيقا، تجد أصولها ومنطلقاتها في تلك المشكلات الوجودية التي فجرتها إشكالية المادية والمثالية، وهي الإشكالية التي لم تفلح جهود أستاذه هوسول المتأخرة في تجاوزها. وخاصة بعد قبوله  بافتراضات فلسفية تؤسس لمثالية ترنسندنتالية، وهو الأمر الذي شكل في الحقيقة مصدر قلق فكري وفلسفي فعال ومنتج لدى انجاردن، وهو ما نتج عنه شق طريق واسع أمام هذا الفيلسوف العظيم ليشيد، وباقتدار مشهود به على صعيد واسع، حقولا إستطيقية ذات سند فينومينولوجي وأنطولوجي كانت له أهمية كبيرة في صياغة قواعد ووضع أسس ومنطلقات لتلك الحقول الإستطيقية، وبذلك اتجه إنجاردن صوب الجمع بين التحليل الفينومينولوجي الذي يقصد الماهيات، وبين التحليل الأنطولوجي الذي يبحث في أسس ومقوقات الموجودات، وذلك من أجل كشف حقيقة وجود الموضوع القصدي كوجود مخالف لوجود الموضوع الواقعي.

لقد وجد إنجاردن في العمل الفني الأدبي الصورة الحقيقية لوجود الموضوع القصدي الذي يقابل على المستوى الأنطولوجي الموضوع الواقعي بما هو العام الواقعي بكل اشيائه وموجوداته المختلفة، ولتحقيق ذلك بادر إنجاردن إلى الجمع بين ثلاثة اتجاهات أو حقول فلسفسة، وهي الأنطولوجيا، والفينومينولوجيا والإستطيقا.

هذه الاتجاهات الثلاثة وجدت مجتمعة لدى إنجاردن، ليس بوجه مصطنع، ولا بحسب ما يقتضيه النسق، ولكن على الأصح، بحسب أسباب داخلية، داعمة لمشروع فلسفي متكامل، يوجد في صلبه نظام الموضوع القصدي(11).

على هذا الأساس كانت الدراسات الإستطيقية لدى إنجاردن جامعة بين موضوعات أربعة هي: الأعمال الفنية، الموضوعات الإستطيقية، المبدعين والمتلقين، والعلاقات البينية التي تربط بينهم(12)، وفي إطار هذا التوجه المبدئي سعى إنجاردن من أجل تشييد إستطيقيا تضع التحليل المزدوج الفينومينولوجي والأنطولوجي إطارا لعمل الإستنطيقا الفينومولوجية(13).

- الموضوع والمنهاج:

لعل أكبر ميزة تميز بها هذا الفيلسوف العظيم، فيما يخص توجهاته الإستطيفية، الغنية والمتفردة، هي كونه لم يقف به عمله الفكري عند حدود بسط نظرياته وآراءه المتعلقة بكل جوانب انشغالاته الاستطيفية المختلفة، وإنما أيضا، وبموازاة مع ذلك، سعى إلى مواكبة إنجازاته العلمية بالمساءلة والمراجعة والتقييم النقدي، وذلك من خلال محاضراته ومداخلاته التي شهدتها العديد من المؤتمرات والندوات الدولية حول قضايا الإستيطيقا في كل أبعادها الفلسفية والنظرية، هذه المؤثمرات والندوات التي كان حضور إنجاردن ضمن فعالياتها يشكل في حد ذاته حدثا بالغ الأهمية في تقدير العديد من المفكرين المشاركين في تلك اللقاءات نظرا لما كان يحضى به هذا الفيلسوف من مكانة رفيعة وتقدير بالغ من قبل كل المشتغلين بقضايا الإستطيقا المختلفة، وعلى رأسها قضايا الموضوع والمنهاج، وهذا ما يفرض علينا في سياق هذا العرض أن نبسط أهم التصورات النظرية حول هذين المكونين الرئيسين في إستطيقا إنجاردن الفينومينولوجية، مسترشدين بما تضمنته خطابات إنجاردن التوضيحية حول تصوراته النظرية المؤسسة لأفكاره الفلسفية والإستطيقية حول مفهومه للعمل الفني عموما، والعمل الفني الأدبي على وجه الخصوص، هذه الأفكار التي تعرضها الأعمال الأساس المكونة لمشروعه الإستطيقي الفينومينولوجي.

- الاستطيقا الفلسفية:

نعتقد أنه من جملة ما تميزت به مسيرة إنجاردن الفلسفية الغنية، هو كونه جعل من الحديث عن مجالات البحث التي يشتغل عليها موضوعا موازيا، يتولى من خلاله شرح وتوضيح آرائه ونظرياته المتعلقة بمجال الإستطيقا الفلسفية والفينومينولوجية التي عرضمجمل تصوراته عنها في كتبه المنشورة. وفي هذا السياق نجد أن إنجاردن أعطى اهتماما بالغا لتحديد طبيعة وآفاق الحقل الإستطيقي الذي يوليه أهمية خاصة، وذلك في مقابل حقول أخرى يعمل فيها باحثون آخرون، تدفعهم في ذلك اهتمامات أخرى غير تلك التي يشتغل عليها إنجاردن، وفي هذا الإطار ألقى إنجاردن محاضرة على قدر كبير من الأهمية في المؤثمر الفلسفي العالمي الرابع عشر المنعقد في ألمانيا في دورة الإستطيقا عام 1968، وكان إنجاردن رئيسا لهذه الدورة، وهناك وجه حديثه نحو المشكلات الأساس التي تحيط بالمجال العام للإستطيقا الفلسفية التي يضعها إنجاردن في مقابل ما سماه بالإستطيقا الذاتية والإستطيقا الموضوعية، وهما في تقديره مقاربتين أحاديتي الجانب، وهو من خلال هذا التمييز يجعلها تصف نفسها من الوجهة التي تستدير فيها باتجاه ملاقاتها بين ذات خبيرة وموضوع، هو بوجه خاص، عمل فني.

ويؤكد إنجاردن، في هذا السياق، أن ذلك التلاقي يؤسس منبعا لتنمية تجربة إستطيقية، وأيضا لتأسيس الموضوع الجميل.

وهو يرى أن التحليل الفلسفي لهذا التلاقي يكشف حينئذ كل الظواهر وكل التشكلات الأساس التي هي جوهرية بالنسبة للابحاث الإستطيقية التي من شأنها أن تسمح بتحديد المفاهيم الأساس المرتبطة بالموضوع، وهذا هو ما يضفي على الدراسات في الحقل الإستطيقي وحدة داخلية هي ما يميزها عن المقاربات الأحداية الجانب(14).

يتعلق الأمر إذن بإستطيقا فلسفية، إطار عملها هو تفسير المفاهيم الأساس التي تشتغل في دائرة البحث التوضيحي المتعلق بارتباطات أنطولوجية جوهرية (نظرية) وبالعلاقات بين عدد من الخبرات المعيشة، وعدد من الموضوعات، وبخاصة الأعمال الفنية وما يرتبط بها من قيم فنية وجمالية، يرى إنجاردن أن هذا الإطار الذي تتحرك ضمنه هذه الإستطيقا هو ما يجعل منها، وبوضوح بحثا فلسفيا، وليس فقط مكملا جوهريا للشعب الأخرى للفلسفة. وهي بهذا التحديد تستمد من الفلسفة مقدمات ومنهجيات، وبالخصوص عندما يتعلق الأمر بشرح طرق وجود وبنية الأعمال الفنية، حيث يتعين إذ ذاك التوجه نحو الأنطولوجيا العامة والنظرية الفلسفية في القيم (15).

أكيد أن هذه الإستطيقا الفلسفية، التي يعرض إنجاردن تصوره عنها في صلب هذه المحاضرة، والتي نقدم هنا أهم الافكار الواردة فيها، بخصوص آفاق وحدود هذه الإستطيقا في مجال مقاربة الأعمال الفنية، هي بالأساس إستطيقا فينومينولوجية، حيث أكد إنجاردن اقتناعه التام بفعاليتها في تناول الأعمال الفنية، وكل الظواهر والموضوعات الإستطيقية المرتبطة بها فهو يقول: أنا مقتنع من أن المقاربة الفينومينولوجية للموضوعات والظواهر الإستطيقية أعطت نتائج صالحة حتى الآن، وأن تطبيقها في دراسة الأعمال الفنية، على سبيل المثال، يفتح آفاقا واعدة للمستقبل ... ومع هذه الإشادة القوية بفعالية المنهج الفينومينولوجي فإن إنجاردن، وبما للعقل الفلسفي من رجحان يضيف تحفضا لافتا: فأنا لا أطالب مع ذلك باستبعاد المناهج الأخرى، أو بالاستعمال الوحيد للفينومينولوجيا، فكل باحث عليه أن يقرر هو نفسه أي منهج يناسبه، وبأي تساؤلات سيبدأ، فالمطالبة بالتطبيق الحصري لهذا المنهج أو ذاك يقود حتما إلى مقاربات أحداية الجانب (16).

والجدير بالملاحظة في هذا السياق، أن إنجاردن ينبه في ذات الوقت الذي يصر فيه على تشبته بالخاصية الفلسفية للإستطيقا، على أن ذلك لا يمثل إدانة لكل الأبحاث التجريبية والمقاربات الوصفية والتاريخية التي يشملها العلم العام للفن، أو سيكولوجية السلوك الفني والإبداعي أو ما يرتبط بالتجربة الإستيطيقية كسيكولوجية التلقي الفني وظهور الأشكال والتيارات الفنية... وكل هذه المقاربات لها إشكالياتها المشروعة ولا يليق أبدا وضع أهدافها في إطار الشك، فجميعها تستطيع أن تقدم نتائج قابلة أن تكون هامة بالنسبة للإستطيقا الفلسفية (17).

وفي مقابل ذلك يؤكد إنجاردن على أن الإستطيقا الفلسفية القائمة على أساس المنهاج الفينومينولوجي تحديدا، تقدم للأبحاث في الإستطيقا  التجريبية اختبارا حقيقيا لمفاهيمها الأساس، وبوضوح كامل، تسنده قوانين مدعمة بماله صلة بجوهر الاشياء التي لا يمكن أن تكون مكشوفة بواسطة منهج استقرائي تجريبي بصفة خاصة(18).كل هذه المقدمات القوية في دلالتها الفلسفية والمتماسكة في أبعادها النظرية تدفع إنجاردن إلى الإقرار بهذه النتيجة وهي أن الإستطيقا الفلسفية تؤسس الأصل النظري الضروري للإستطيقا التجريبية ذاتها(19).

إن هذا الاعتماد المتبادل بين الإسطيقا الفلسفية والإسطيقا التجريبية، الذي يؤكد إنجاردن هنا على أهميته وضرورته، لا يحجب بأي وجه كان مبدأ الإستقلال المنهجي والموضوعاتي بينهما، وعلى هذا الاساس تحتفظ كل من الإستطيقا الفلسفية، والإستطيقا التجريبية بخصوصية ونوعية مجال عملها، ويهمنا في هذا السياق أن نشير إلى الحقول التي تعمل في إطارها الإستطيقا الفلسفية التي هي مجال عمل إنجاردن على وجه الخصوص.

ففي سياق المحاضرة المشار إليها آنفا، يعرض إنجاردن بوضوح كامل مجمل الحقول التي تعمل ضمنها الإسطيقا الفلسفية، وهي بالشكل التالي:

أ- أنطولوجيا العمل الفني، وهي على قسمين:

1- النظرية الفلسفية العامة للبنية أو الشكل (الفني) ووجود العمل الفني عموما.

2- أنطولوجيا الأعمال الفنية الجزئية (الرسم، الأعمال الأدبية، المعزوفات الموسيقية).

ب- أنطولوجيا الموضوع الإستطيقي، بما هو تعيين وتنفيذ إستطيقي لعمل فني من حيث شكله وطريقة وجوده.

ج- فينومينولوجيا السلوك الإستطيقي الإبداعي (المسار الذي يكون عليه الإبداع).

د- البحث الفينومينولوجي في أسلوب عمل فني وعلاقته بقيمته.

هـ- فينومينولوجيا وأنطولوجيا القيم التي تظهر في الأعمال الفنية والموضوعات الإستطيقية، وهي قسمان: القيم الفنية، والقيم الإستطيقية، مع استحضار السؤال المتعلق بالتأسيس الممكن لتلك القيم في عمل فني أو موضوع إستطيقي، وكذلك للقيم المرتبطة بالخبرات الإستطيقية المعيشة والتي تنكشف فعليا مع الخبرة بالموضوع الإستطيقي المباطن للعمل الفني.

و- فينومينولوجيا الخبرات الإستطيقية لدى المتلقي ووظيفتها في عملية تأسيس الموضوع الإستطيقي.

ز- نظرية المعرفة المتعلقة بالعمل الفني والموضوع الإستطيقي، وخصوصا المعرفة بالقيم الفنية والقيم الإستطيقية ونظرية التقييم الإستطيقي.

ن- النظرية الفلسفية للمعنى ولوظيفة الفن في الحياة الإنسانية (ميتافيزيقيا الفن)(20).

يتبين من خلال عرضنا لكل هذه الحقوق الفلسفية، التي يؤكد إنجاردن على أنها تعالج مشكلات مختلفة بعضها مع البعض، ولكنها تبقى في ارتباط وثيق على مستوى الدراسة والبحث، حيث لا يمكن معالجة أي مشكلة منها في استقلال عن المشكلات الأخرى، مما يؤكد وحدة الإشكالية، وهذا طبعا هو ما يؤكد مرة أخرى أن واقع الاستقلالية المتبادلة بين تلك المشكلات هو أصل الوحدة النسقية لكل الإستطيقا الفلسفية(21).

الإستطيقا الفينومينولوجية: مجال البحث ومنظومة المفاهيم

في المحاضرة التي ألقاها إنجاردن في معهد الإستطيقا بجامعة أمسطردام في 17 مارس من سنة 1969 يحدد إنجاردن الإستطيقا الفينومينولوجية إنطلاقا من اعتبارها واحدة من تيارات الفلسفة المعاصرة، وبخاصة مباحث الإستطيقا، التي منها كان تطور الإستطيقا الفينومينولوجية، وفي حدود معينة كان استقلالها عنها(22).

إذن وكما هو واضح من كلام إنجاردن فالإستطيقا الفينومينولوجية هي جزء من مباحث الإستطيقا العامة، وهي في نفس الآن تتمتع بنوع من الاستقلال الذي يحفظ لها خصوصيتها إزاء ما تختص به الإستطيقا العامة من مشكلات وقضايا، وهي كما يوضح إنجاردن في نفس سياق الكلام تمثل بالنسبة له دورا ثانويا: عمليا منهجي في البحث والطريق التي من خلالها طرحت المشكلة، وضعت الأشياء بشكل مختلف كليا(23).

الاختلاف هنا في عبارة إنجاردن مرده إلى الطريقة والمنهاج، كما هو واضح من كلامه، والمنهاج بطبيعة الحالة هو نفسه المنهاج الفينومينولوجي، الذي يقوم في أساسه على الرغبة في تأسيس العلم والفلسفة من خلال السعي إلى الرجوع إلى الأشياء ذاتها، بما هي ظواهر تسكنها الماهيات، التي هي غاية العلم وهدف عمل المنهاج.

هناك شبه إجماع بين الباحثين في الفلسفة الفينومينولوجية، التي وضع أسسها إدموند هوسرل، على الحقيقة التالية وهي أن الفينومينولوجيا ليست شيئا آخر غير المنهاج الفينومينولوجي، هذا المنهاج الذي الغاية منه هي إكتشاف ماهية الظواهر، وهي عملية إنما تتأتى بواسطة التأمل الانعكاسي لخبرة الذات بتلك الظواهر ذاتها،وهي خبرة يؤسسها مبدأ عام يتمثل في التأكيد على ضرورة أن يكون الانطلاق من الأشياء وليس من التصورات، كما هو الشأن في مناهج أخرى(24).

في كل مسارات هذا المنهاج الفينومينولوجي يتعين، بل يجب أن يكون الإنصات إلى الأشياء هو سيد الموقف، فالأشياء ذاتها تتكلم بما يشكل حقيقتها، إطار هذا الإنصات إلى الأشياء هو بالأساس الخبرة المباشرة، وهي خبرة تخالف كليا الخبرة الحسية والمعطى المحسوس، وكل الكيفيات الحسية التي هي منطلقات الوصف التجريبي في المناهج الوضعية.

ما يميز الظاهرة على صعيد المنهاج الفينومينولوجي، يتمثل في كونها ظاهرة تبرز حقيقتها على صعيد الوعي، أي أنها تشكل حقيقة ما يظهر للوعي على مستوى الخبرة المعيشة التي تقبل الوصف والتحليل عن طريق التأمل الإنعكاسي لكل الخبرات المرتبطة بالظواهر ذاتها، سواء أكانت إدراكات حسية أو تخيلات مصدرها الخيال المنتج، أو انفعالات محركها الأثر الحسي، أو المعنوي، أو اللفظي اللغوي، وما يوحدها على صعيد الوعي هو حصولها في إطار خبرة شعورية، هي حامل المعنى المطلوب استحضاره معرفيا.

مفتاح كل هذه الخطوات على صعيد هذا المنهاج الخصب هو المفهوم المحوري في الفينومينولوجيا كلها، والذي هو الدعامة الأولى للمنهج أعني مفهوم القصدية،بما هي المسألة الرئيسة في مباحث الفينومينولوجيا بحسب ما يظهر بوضوح في كتاب الأفكار  الذي نجد تحديده لدى المؤسس إدموند هوسرل في هذا الكتاب، بكونها أي القصدية هي ما يميز الوعي بالمعنى القوي،وهي التي تسمح في الوقت نفسه بتناول تيار الخبرة في كليته، بما هو تيار للوعي، وبما هو وحدة لوعي واحد(25).

لقد وضع إدموند هوسرل مفهوم القصدية في مركز التفكير الفلسفي، وهو بذلك قد أعاد طرح المشكلة الفلسفية التقليدية لعلاقة الذات بالموضوع، ولكن بشكل جديد، فالتحليل القصدي يكشف أن الموضوع متضمن دائما في القصد الذي يسعى إليه(26).

 بهذا التحديد لمفهوم القصدية يرسم إدموند هوسرل حدودا نظرية وفلسفية للمسألة المحورية في التفكير الفينومينولوجي، أعني مسالة التأسيس الفينومينولوجي لموضوعات الوعي، وهذه الحدود هي التي شكلت أرضية خصبة لانطلاقة التفكير النقدي لدى إنجاردن بخصوص  النتائج التي انتهت إليها مواقف أستاذه هوسرل وهي تمثلهنا المسألة الأساس، وهو ما دفع إنجاردن إلى وضع صيغة بديلة للتأسيس الفينومينولوجي لموضوعات الوعي، متجاوزا بذلك الصيغة التي وقف عندها هوسرل(27)،ويتعلق الأمر هنا، في إطار هذه الصيغة البديلة بتأكيد إنجاردن على أن التأسيس الفينومينولوجي للموضوعات لن يكون وقفا على فعالية الوعي وحدها، وإنما يقوم كذلك الموضوع مع معطيات الخبرة بالدور الهام في عملية تأسيس موضوعات المعرفة، ومن خلال سيرورة هذا النقد لصيغة التأسيس عند هوسرل تأكدت لدى إنجاردن ضرورة أن يوضع التناول الأنطولوجي للموضوع من حيث بنيته الوجودية سابقا على التناول الفينومينولوجي له على صعيد الوعي(28).

انطلاقا من مخرجات هذا النقد وعلى أساس نتائجها الفلسفية أقام إنجاردن الإسطيقا الفينولوجية، والتي في إطارها حضى العمل الفني الأدبي بكل اهتمامه نظرا لكونه يمثل حقيقة وجود الموضوع القصدي الخالص، هذا الموضوع الذي لا يتحقق له الوجود إلا على صعيد القصد، وهو ما يحصل من جهتين: جهة المبدع لذلك الموضوع، وجهة المتلقي للعمل الفني الأدبي، هذا العمل الذي هو في حقيقته الموضوع الجميل من حيث هو هدف التحليل الإستطيقي في مستوى العمل على إظهار كل عناصر وجود وتحققه وذلك على صعيد القراءة والوعي، وإدراك مقوماته الجمالية على صعيد التذوق والتقييم(29).

يمكننا أن نجمل القول حول الحدود التي وقف عندها المشروع الفينومينولوجي الداعم للإستطيقا إنجاردن، بالتأكيد على خاصيتين أساسين في هذا المشروع، وهما أنطولوجيا الموضوع، بما هي دائرة للكشف عن بنية الأشياء والموجودات في ذاتها، وقصدية الوعي الذاتي بما هي إطار لكل نشاط صادر عن وعي الإنسان(30).

ويتمثل فضل إنجاردن على الإستطيقا الفينومينولوجية في تشييده لهذا الإطار المنهجي الصارم، والعمل على توسيع نطاق تطبيقاته على العمل الفني الأدبي بهدف استجلاء الموضوع الجميل بما هو موضوع قصدي خالص يقطن فضاءات العمل الفني الأدبي، ويشكل في الوقت ذاته مضمون وغاية كل قراءة إستطيقية لهذا العمل نفسه(31).

- العمل الفني الأدبي والموضوع الجميل:

تدور إستطيقا إنجاردن الفينومينولوجية، في مجملها حول محور أساس، يتكون من عنصرين اثنين، متلازمين ومتداخلين، هما:

بالتحديد مفهوم العمل الفني الأدبي، ومفهوم الموضوع الجميل، وحول هذين المفهومين تناسلت كل القضايا التي طرحها وعالجها إنجاردن بعمق بالغ واقتدار مشهود به في مجمل كتبه ومحاضراته ومداخلاته، عبر كل المؤتمرات والدورات الفلسفية العالمية، وبخاصة دورات الإستطيقا، ويكفينا حجة في هذا المجال كون الكتابين اللذين هم عمدة إنجاردن في هذه الإستطيقا، وهما كتاب "العمل الفني الأدبي" وكتاب "المعرفة بالعمل الفني الأدبي"، وكلاهما يمثلان عرضا فينومينولوجيا نظريا ومنهجيا بالغ الدقة والعمق لمفهوم العمل الفني الأدبي وملازمه مفهوم الموضوع الجميل، وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال الذي من شأنه أن يفتح أمامنا أبواب إستطيقا إنجاردن على مصارعها، وأيضا يحملنا، في سياق هذا المقال على أن نتوخى في مقاربتنا لهذه الإستطيقا حدود الإيجاز والتركيز في العرض والتحليل بما يتوافق مع طبيعة وحدود المقال.

إن الكلام عن طبيعة وحقيقة العمل الفني الأدبي، منظورا إليه على صعيد التناول الأنطولوجي والتأسيس الفينومينولوجي والإبستيمولوجي، الذي يتوخى حسب موقف إنجاردن الحصر النهائي لمجال الأعمال الأدبية. يفترض تناولا وتحديدا مفاهيميا لماهية العمل الأدبي في عمومي حقيقته. وهذا هو ما يطرح الصعوبة الأولى التي تواجه الباحث، والتي مردها إلى التساؤل التالي : من بين أي الأعمال يكون علينا أن نصنف الأعمال الأدبية؟(32) وهل هي موضوعات واقعية أم موضوعات مثالية ؟ وما هي العناصر التي لا تلحق أبدا بالعمل الأدبي، والتي يجب أن تكون مستبعدة من التأسيس الجوهري لهذا العمل من حيث هي عناصر غريبة عن ماهيته؟(33)

البنية والتأسيس الأنطولوجي :

موضوعية العمل الفني الأدبي

العمل الفني الأدبي حقيقته كما يحددها إنجاردن هي كونه موضوعا قصديا خالصا، وهو بذلك ليس من قبيل الموضوعات المثالية لكونه أشد تعلقا بالوعي الفني وبالنشاط المبدع لخالقه ومؤلفه، وهو كذلك ليس من قبيل الموضوعات الواقعية، لأن وجوده متعلق حصريا بقصد خالص(34) ولذلك فإن حالته في الوجود، حسب تعبير إنجاردن لها شبه بالموضوع الواقعي، فهي من قبيل " التبعية في الوجود" وبنيته وفقا لما يمثله جوهرها، توجد على وجه الإجمال في صورة بناء مرتب في عدد من المستويات، ومشيد بعدد من الطبقات المتغايرة.وهي تتمايز بعضها عن البعض من حيث :

  • جانب موادها المتميزة، ومختلف معاني أي منها منبثق عن ماديتها المتميزة.
  • وجانب الدور الذي تلعبه كل طبقة بمقدار علاقتها بغيرها من الطبقات، وبقدر صلتها بتأسيس مجموع العمل وعلى الرغم من تنوع المواد التي تتشكل منها مختلف تلك الطبقات، فإن العمل الأدبي لا تكونه رزمة متنافرة من العناصر المجتمعة بشكل اعتباطي، وإنما هو عبارة عن كل عضوي، وحدته متجدرة فيما لكل طبقة من طبقاته من تنوع، وأن هناك طبقة متفوقة، هي تلك الحائزة لوحدة المعنى، والتي تشكل دعامة التناغم البنيوي لمجموع عناصر العمل ومنها تكتسب كل الطبقات طبيعتها الخاصة وأساس وجودها(35).

تتميز هذه الطبقات المكونة للعمل الأدبي بكونها متعددة الأصوات في جوهر وجودها، ومختلفة في دائرة ارتباطها، ولكن في إطار وحدة الكل الذي من  خلاله تكتسب قيمتها ووظيفتها الفنية والدلالية و الإستطيقية(36).

ويحصر إنجاردن هذه الطبقات على الصورة التالية :

طبقة وحدات المعنى، وهي تمثل المادة ذات الخصوصية في عملية بناءالعمل الأدبي، لكونها مشاركة في تأسيس باقي الطبقات الأخرى، وبفضل ميزتها الخاصة فهي لا تختفي في كلية العمل الأدبي(37). كما أنها تملك صوتها الخاص ضمن تعددية الأصوات في العمل الأدبي وهي بذلك كله تساهم بقدر كبير في تشكل العمل الأدبي ذاته(38).

طبقة الموضوعات المصورة، وهي موضوعات قصدية خالصة مشتقة ومصممة بواسطة وحدات المعنى، وهي تتعلق بأشخاص أو بأشياء أو بأي من الوقائع والحالات والأفعال الشخصية. وهذه الموضوعات المصورة يمكن أن تكون محددة أو معينة في لحظات من الوجود المختلفة، وبشكل حصري ذاتيا، وبآثار عاطفية وبإضاءة انفعالية(39).

إن تأكيد إنجاردن على حقيقة الوجود القصدي الخالص للموضوعات المصورة في سياقات العمل الفني الأدبي، في معرض تحليله لطبيعتها ووجودها، يطرح مسألة علاقة هذه الموضوعات بالعالم الواقعي، وهنا أيضا يؤكد إنجاردن أن تلك الموضوعات لا يكون لها سوى المظهر الخاري للواقع، مادامت هي لا تحضر على الفور كموضوعات متجدرة في العالم الواقعي وفي الزمان الواقعي، ذلك لكونها غير ذات استقلال عن الذات الواعية التي توجه نحوها فعلا محددا بها(40).

أماكن اللاتحديد في الموضوعات المصورة:

 إذا كانت الموضوعات المصورة في سياق العمل الأدبي هي في  طبيعتها قصدية خالصة، فإن طبيعتها هذه تحمل في ذاتها، أو تشكل فيها " أماكن اللاتحديد" وبعدد غير محدود وهو ما يسميه إنجاردن اللا محدود المختلف، يعني الذي لا ينضب معناه(41)، لكونه مختلف في إطار كثرة وتعدد معانيه، فمثلا عندما نقول " امرأة مثيرة للجدل" نكون بصدد توجيه الذهن، ذهن المستمع أو القارئ، إذا كان الأمر يتعلق بموضوع جرى تصويره في سياق عمل أدبي نحو عدد غير محدود من الاحتمالات التي يتشكل من خلالها مضمون الجملة، وهذا ما يفتح المجال واسعا أمام تعدد أماكن اللاتحديد.فهل يتعلق الأمر بامرأة في شبابها أم في كهولتها، في إخلاصها أم خيانتها، في ذكائها أم غباوتها، في جمالها أم بشاعتها، إلى غير ذلك فالأمر يرجع كلية إلى مجرد صورة تخطيطية تفتح المجال أمام تعدد " أماكن اللاتحديد"(42).

إن الاعتبارات التي عرضناها أنفا تشكل حقيقة وخصوصية العالم المصور فنيا وأدبيا في إطار عمل أدبي، وهو ما يميزه جذريا عن كل الموضوعات الواقعية على المستوى الأنطولوجي سواء في فرديته واستقلاليته، وهي أيضا اعتبارات تمثل في نفس الآن أساس وجود العمل الفني الأدبي(43).

طبقة المظاهر التخطيطية.

تتشكل هذه الطبقة من مجموع الصفات والمظاهر التي تلحق بالموضوعات المصورة في سياقات العمل الأدبي، وهي كما يوضح إنجاردن ذات علاقة دائمة مع أفعال الوعي، وفي معية الذات المدركة(44) من حيث هي المنفعل الذي بانفعاله معها يتم السماح لها بالظهور(45). وهي أيضا تمثل على صعيد العمل الأدبي ركنا أساسا في بنائه الفني، كما أنها لا تظهر في سياق العمل الأدبي إلا في صورة مظاهر تخطيطية(46).

إن ارتباط هذه المظاهر بالذات المدركة لا يعني إنها نتاج لخبرة فرد معين ذي بنية سيكولوجية، كيفما كان شأن هذا الفرد،وإنما هي ذات أساس يحدد وجودها بالقوة من خلال العبارات التي تعرض بواسطتها الموضوعات المصورة وحالات الأشياء التي يتم عرضها في سياق العمل الأدبي(47).

وعلى أساس من هذا الوضع الذي تكون عليه المظاهر في العمل الأدبي يبرز السبب النظري الذي يسمح، حسب ما يراه إنجاردن، بالتأكيد أنه في العمل الأدبي لا يمكن أن تحضر إلا مظاهر تخطيطية. وأثناء القراءة ( قراءة العمل الأدبي) أيضا تنضاف مظاهر مختلفة ذات راهنية ... يأخذها القارئ من مضامين مظاهر أخرى، تحضر في خبرته(48).

إذن العمل الأدبي هو قبل كل شيء تشكيل تخطيطي، ولأجل معرفته يجب أخذه ضمن طبيعته التخطيطية، وبدون الخلط بينه وبن مختلف تعييناته التي تتشكل عند قراءاته المختلفة.

إن وظيفة المظاهر التخطيطية في العمل الأدبي هي في المقام الأول تمكين الموضوعات المصورة من أن تكون مستدرجة نحو التجلي والظهور بطريقة محددة سلفا من قبل العمل الأدبي ذاته(49). وإذا تعطل هذا الدور، فالموضوعات المصورة تبقى متسمة عند القراءة بالفراغ(50).

فماذا يعني غياب المظاهر التخطيطية عن عمل أدبي معين؟

سؤال يطرحه إنجاردن ليبرز الضرورة المرتبطة بحضور هذه المظاهر في العمل الأدبي، وهو ما سبق التنويه عنه، ليؤكد أن غيابها يجعل العمل الأدبي فاقدا لهويته ليبقى مجرد معالجة بحثية جافة، أو وثائق قديم لا قيمة لها(51).

يؤكد إنجاردن في سياق حديثه عن وظيفة المظاهر التخطيطية وعن ضرورتها بالنسبة لبناء العمل الأدبي الجيد على انه إذا أراد عمل أدبي أن يكون بالفعل عملا فنيا، فيجب على الأقل أن تتضمن لحظات الأوج فيه موضوعات منجذبة نحو التجلي من خلال مظاهر ذات تصنيف استطيقي(52). وبذلك يبرز الدور المزدوج الذي تلعبه المظاهر التخطيطية في بناء العمل الأدبي، فهي من جهة تسمح بالإدراك البصري للموضوعات المصورة في النماذج المحددة سلفا من حيث طريقة تجليها، وهي في نفس الآن تكتسب سلطة فعلية على الموضوعات المصورة، وذلك بالشكل الذي يجعلها مؤثرة في عملية تأسيسها ومن ناحية أخرى ونظرا لما لها من ميزات، فهي تؤسس كيفيات ذات قيمة استطيقية خاصة .. تلعب دورا جوهريا على مستوى التلقي الإستطيقي للعمل الأدبي(53).

ويؤكد إنجاردن في سياق حصره لوظائف هذه المظاهر على انه إذا لم تكن قد أخذت بصورة جاهزة في العمل الأدبي (في التلقي) فإن  القارئ يُفَعِّلُ أثناء قراءته مظاهر مغايرة تقريبا ونابعة من حركيته الذاتية الخاصة. لكن من هذا الجانب، فلن يكون هذا القارئ أبدا على ارتباط كلي بالعمل الأدبي الذي يقرأه، كما أنه لن يكون في المستوى المطلوب من التلقي الفاعل على المستوى الإستطيقي(54).

وتتميز هذه المظاهر التخطيطية أيضا بخاصيات زخرفية وكيفية استطيقية لها دلالتها الخاصة فيما يتعلق بالقيمة الفنية للعمل الأدبي، والتي بدونها لا يحقق هذا العمل الحضور المطلوب على كل مستويات التلقي سواء الفني أو الإستطيقي(55).

الكيفيات الميتافيزيقية ودورها في بناء العمل الأدبي :

يتعلق الأمر هنا بطبقة الموضوعات الذاتية وبوظيفتها في بناء العمل الفني الأدبي في جوانبه الفنية والإستطيقية معا.ويؤكد إنجادن في سياق تحليله لطبيعة هذه الوظيفة على القول إنها الوظيفية الأكثر أهمية من بين وظائف الطبقات الأخرى، والتي تباشرها هذه الطبقة من أجل إظهار وكشف الكيفيات الميتافيزيقية المحددة.

التي بانكشافها يبلغ العمل الأدبي ذرونه في لحظة تلقيه الناجح من قبل قارئ مؤهل، حائز لكل مقومات الإدراك الإستطيقي.ويوضح إنجاردن بهذا الخصوص أن المظهر الفني الخالص لهذه الكيفيات الميتافيزيقية يكمن في الطريقة التي يتم بها هذا الظهور والانكشاف في إطار العمل الفني الأدبي(56) ولذلك فإن الكيفيات الميتافيزيقية لا تشكل، كما يؤكد إنجاردن، طبقة خاصة في العمل الأدبي،مادامت هي من الناحية الأنطولوجية متعلقة بالموضوعات الذاتية المصورة وبوظيفتها الخاصة(57).

ومن ناحية أخرى يمكن لهذه الكيفيات أن تكون مدركة ضمن وحدات دلالية خالصة لكن وبهذه الكيفية لا يمكنها أبدا أن تصل إلى درجة الانكشاف(58). والسؤال هنا هو هل طبقة الموضوعات الذاتية هي التي تمارس، على وجه الخصوص، وظيفة كشف الكيفيات الميتافيزيقية ؟ يتعين فقط أن نضيف أن هذه الوظيفة لا يمكن أن تمارس إلا من خلال الموضوعات المصورة المكونة والمهيأة للتعبير(59).

إن تجلى الكيفيات المياتافيزيقة وانكشافها لا يتطلب فقط موضوعات ووضعيات مصورة ذات ميزات الموضوعات الذاتية الخالصة ولكن أيضا الطريقة التي يتم بها تصويرها وتجليها. وبتعبير آخر يتطلب الأمر بنية وتآزر كل الطبقات المكونة للعمل الأدبي(60).

عندما تقرأ في جريدة يومية تقريرا أمنيا يتعلق بحدث مأساوي، فالأمر يتعلق بوضعية تتضمن الكيفية الميتافيزيقية للمأساة، غير أن نبرة وأسلوب التقرير الأمني الرسمي يجعل من المستحيل الإنكشاف المأساوي في بعده الإستطيقي(61).

وفي سياق الحديث عن طبقة الموضوعات الذاتية،وعلاقتها بالكيفيات الميتافيزيقية وما قد يلحق بها من أبعاد رمزية، يؤكد إنجاردن على أن الرمز في العمل الأدبي ليس إلا وسيلة، ولا يتعلق الأمر به عمليا من حيث هو رمز، ولكن فقط بما هو مرموز إليه(62)، طبعا في إطار طبقة الموضوعات الذاتية والمصورة، وأيضا بخصوص الحالة التي تكون عليها الأشياء. كما انه على المرموز أن يكون غنيا في معانيه حيث يمكن للرمز ذاته أن يكتسب أهمية معينة(63).

العمل الفني الأدبي ومشكلة "الحقيقة" و«الفكرة":

ينطلق إنجاردن بخصوص هذه المسألة من التساؤل التالي : بأي معنى يكون لنا الحق في الكلام عن حقيقة تخص عملا فنيا أدبيا؟(64).

وهو يبدأ الإجابة عن السؤال المطروح بعد هذا التوضيح، حيث يقول : نحن نفهم من المعنى الدقيق لكلمة الحقيقة تلك العلاقة المحددة بين حكم مطابق وحالة الشيء الموجود وجودا موضوعيا ومتميزا من خلال مضمون معناه... على أن الحكم الصادق هو نفسه ما يدعى بالحقيقة ولا أحد من هذه المعاني التي لكلمه الحقيقة يسمح لنا بطريقة عقلانية أن نتكلم عن الحقيقة بخصوص موضوع عمل فني أدبي(65)، وذلك لأنه لا وجود لعبارة من عبارات العمل الفني الأدبي هو حكم بالمعنى الخاص والمطابق للحقيقة(66).

وبهذا يخلص إنجاردن إلى القول بأن مسألة الحقيقة ليست شرطا في وجود العمل الأدبي وكما انه في ذات الوقت ينفي بشكل تام الاعتقاد في وجود فائدة في البحث عن الفكرة في العمل الفني الأدبي بمعنى القضية الصادقة(67).

وعوضا عن توجيه الاهتمام لمثل هذه القضية، التي يعتبرها إنجاردن، كما لاحظنا عديمة الفائدة، فهو يؤكد مقابل ذلك على أن ما هو جدير بالأهمية في هذا المجال هو أن تؤخذ في الاعتبار الكيفيات الميتافيزيقية ضمن إنكشافها الذاتي في احتساب قيمة العمل الفني الأدبي(68).

تلقي العمل الفني الأدبي، وإشكالية القراءة:

هناك تأكيد واضح من لدن العديد من الباحثين في إستطيقا إنجاردن على أن أهداف وغايات هذه الإستيطاق يؤطرها مفهومان متوافقان ومتلازمان، هما مفهوم التلقي ومفهوم القراءة. والجدير بالملاحظة هنا هو أن مضمون ودور المفهومين، كما تعرضهما نظرية إنجاردن، يفصلانها عن جل المقاربات المعاصرة لها والتالية لها، وفي نفس الآن يضعانها منطلقا لكل النظريات التي اهتم أصحابها بالتلقي والقراءة على صعيد التناول النقدي الجمالي للأعمال الفنية الأدبية(69).

إن تأطير هذين المفهومين للقسم العملي من إستطيقا إنجاردن يظهر بوضوح أن جانب الاهتمام العام لدى إنجاردن كان منصبا بالأساس على الأبعاد الجمالية في تجربة تلقي العمل الفني الأدبي وفي قراءاته كما يظهر بوضوح أيضا أن الجهود الفلسفية الأخرى، في جانبها الإستطيقي، والتي عاصرت إنجاردن وقارب أصحابها العمل الفني الأدبي، من جانب مسألة التلقي والقراءة، كانت في أغلبها مقاربات تنحو إلى إعطاء الأولوية في البحث لما هو لساني ولغوي سيميائي، على ما هو جمالي إستطيقي بالتحديد. وهذا كان هو حال كل النظريات المدعمة للتيارات ذات التوجه النقدي البنيوي والسميائي وغيرهما من النظريات النقدية التي ظهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ومع ذلك فإن تأثير إنجاردن على كل هذه التيارات ظل ثابتا وواضحا باعتراف النقاد ومؤرخي الأدب الذين صنفوا إنجاردن في مرتبه الأدب المباشر لإستطيقا التلقي(70).

ينطلق إنجاردن لمقاربة إشكالية التلقي والقراءة بدءا بالتساؤل حول كيفية فهم العمل الفني الأدبي من حيث هو شيء يعرض في صورة المكتوب والمدون على الورق. وهو تساؤل يحمل بداخله مسألة المعرفة والفهم التي هي المنفذ الذي من خلاله يلتقي القارئ بالعمل الفني الأدبي، مما يتيح أمامه إمكانية التعامل معه على مستوى من التلقي الإستطيقي المطلوب(71). ومدخل هذا التعامل يحدد إنجاردن حقيقته إنطلاقا من تأكيده على ضرورة التمييز بين طريقين مختلفين :

الطريق الأول ينطلق من قراءة عمل أدبي خاص وما قد ينتج عن هذه القراءة من معرفة بذلك العمل. والطريق الثاني يتمثل في الموقف المعرفي الذي يقود إلى المعرفة بالبنية الجوهرية للعمل وبالطبيعة الخاصة والمميزة للعمل الأدبي كما هو(72).

وهما طريقان مختلفان للمعرفة وما ينتج عنهما من معرفة مختلف كذلك. والنوع الأول يعمل على قراءة خاصة وشخصية لعمل أدبي خاص كذلك. ومع هذا النوع من القراءة نقف عند عتبات المسألة الصعبة: ما الذي يشكل الطبيعة العامة للعمل الفني الأدبي ؟

ويعقب إنجاردن على هذا التساؤل بالرجوع إلى ما يقوله الفينومينولوجيين في مثل هذه الحال من أن الأمر هو مسألة تتعلق بالتحليل القبلي لجوهر فكرة عامة لعمل فني أدبي ولا شيء من هذا يمكن اكتشافه في مستوى قراءة عادية لعمل أدبي(73).

العمل الأدبي هو في حقيقته تشكيل قصدي خالص، يجد منبع وجوده في الأفعال الإبداعية لوعي الكاتب، وأساسه الفزيقي في النص المنبث في المكتوب(74) لذلك فإن المعرفة به تبدأ من الرموز اللغوية والأصوات الشفاهية المنتظمة في النص، والتي تشكل المادة الأولوية لعملية بناء الموضوعات المصورة ولصياغة المعاني المتضمنة للموضوع القصدي الخالص،  من هنا كان فعل القراءة هو أساس هذه العملية ومنطلقها العملي، لذا كان من الضروري الوقوف عند طبيعة وحقيقة هذا الفعل، من حيث أساسه الفينومينواوجي، وهو ما يقتضي حصر ماهية فعل القراءة والكشف عن كل عناصر تكوينها وفعاليتها في بلوغ ماهية وجوهر المقروء(75).

يمثل مفهوم القراءة في منظور إنجاردن فعلا مركبا يتضمن أبعادا كثيرة ومتعددة، ترتبط أساسا بمنطلقات القارئ وغاياته الموجهة للقراءة. وعلى أساس من ذلك يميز إنجاردن بين نوعين من القراءة، القراءة المنفعلة والقراءة الفاعلة(76).

القراءة المنفعلة هي الحصيلة المباشرة للقراءة العادية، كما يسميها إنجاردن، وهي مستوى من القراءة لا يرقى من خلاله القارئ إلى الفهم والإستيعاب لجوهر العمل الفني الأدبي في كليتيه، وإنطلاقا من مكوناته في المستوى الأنطلوجي المتعلقة بجوانبه الفنية والجمالية والإبداعية. وبذلك فالقارئ لا يحقق مع هذه القراءة تأسيسا لا معرفيا ولا نظريا لأي من الموضوعات المعروضة في سياقات العمل الفني الأدبي في كليته. وبالرغم مما قد يكون لهذا القارئ من فعالية في قراءته فإنه مع ذلك لا يحقق أدنى تجربة مع ما يمثله العمل الأدبي، كما أنه لا يحقق أي شكل من التلقي لا الفني ولا الإستطيقي(77).

إن المجهود المبذول على صعيد هذه القراءة المنفعلة يقف بالقارئ عند مجرد التفكير في معاني العبارات، وبدون أن يسعى إلى تحويل تلك المعاني إلى موضوعات دالة ومعبرة وبذلك يبقى القارئ محاصرا بظاهر المعنى فلا تكون هناك أي محاولة ذهنية للارتقاء من العبارات المقروءة وما تحمله من معاني إلى الموضوعات الخاصة بها والمعروضة من خلالها(78).

ويضيف إنجاردن في سياق كشفه لماهية القراءة المنفعلة والعادية قائلا : ليس هناك أي محاولة لفهم دلالات ومعاني العبارات، ولا لتأسيسها بطريقة تركيبية. ومن ثم فليس في هذه القراءة أي شكل من التواصل أو الاتصال بالموضوعات المتخيلة ( في سياق العمل الأدبي)(79) ذلك لأن ما يضل غائبا عن هذا النوع من القراءة هو بالذات العالم الذي تتحرك في إطاره الموضوعات المصورة في العمل الأدبي، وهو ما يشكل هدف وغاية القراءة الفاعلة والذي من خلال مكوناته الفنية والإستطيقية المتحققة في مستوى الإدراك الإستطيقي، يبلغ العمل الفني الأدبي درجة تحققه وتعيينه في صورة كونه موضوعا استطيقيا تؤسسه كيفيات استطيقية مختلفة ومتناغمة(80).

هذه الأهداف والغايات تبقى بعيدة التحقيق لدى القارئ العادي، لكونه في قراءته المنفعلة يقطع أواصر الصلة بالعالم المتخيل الذي يجري عرضه في العمل الأدبي، فيقف القارئ مشدودا إلى معاني العبارات المفردة، فيقرأ حينئذ عبارة تلو أخرى، وكل عبارة يفهمها مفصولة ومعزولة عن الكل، فهو لا يسعى إلى إقامة تركيب دلالي بين العبارة التي يقرؤها والعبارات التي تلحق بها، حتى أنه إذا طلب منه أن ينجز ملخصا قصيرا لما يقرؤه فإنه يعجز عن ذلك81.

وعلى النقيض من ذلك، ففي القراءة الفاعلة نجد أن دور القارئ الفاعل يتمثل أساسا في تحقيق معرفة شافية لمعاني ودلالات العبارات تبلغ حدا كافيا من التواصل والاستجابة معها، وهو بهذا العمل يكشف بوضوح حقيقة كون العبارة (ومعانيها) إنما هي مجرد ممر أو معبر لبلوغ الموضوع القصدي(82).هذا الموضوع الذي يشكل زبدة ما تتمخص عنه القراءة الفاعلة لعمل فني أدبي، متكامل البناء تام في ماهيته متجانس في عناصره ومقوماته الفنية والجمالية.

عند بلوغ هذا المستوى يقف القارئ على أرضية التحقق الإستطيقي لكل الموضوعات المصورة في العمل الأدبي، مما يجعله في مستوى المواجهة الإستقطيبية مع الموضوع الجميل الذي هو ماهية وتحقق العمل الأدبي في كليته ....وبذلك وعلى درجة من الحقيقة كما يقول انجاردن يصل القارئ إلى حد أن يكون " كالمبدع" للعمل الفني الأدبي(83).

يتبين من كل ما سبق أن العمل الفني الأدبي إنما يقدم نفسه للقارئ المتمكن كموضوع جميل ليس من خلال تتبع معاني العبارات ودلالة الموضوعات المصورة ضمن سياقات العمل الأدبي، ولكن فقط عندما يرتقي فهم وإدراك هذا القارئ إلى ما هو خلف هذه المعاني، والموضوعات المصورة من عوالم غنية بدلالاتها الإنسانية والتي يتم إحضارها على صعيد الإدراك الإستطيقي لدى قارئ متمكن حائز لكل الوسائل التي تجعل من عملية تعيين العمل الفني الأدبي وتحقيقه فنيا وإستطيقيا أمرا واقعا(84).

يؤكد إنجاردن على أن هذا الأمر يتطلب من القارئ ليس فقط فعالية خاصة، ولكن أيضا يتطلب منه قدرات مختلفة يتعين أن تتوافق  مع البنية الخاصة للعمل الفني الأدبي. وبدون هذه الفعالية الخاصة وبدون التحقق السليم لموضعة تركيبية، لا يمكن بنا عالم الموضوعات المعروضة في العمل الفني الأدبي. وبدون ذلك أيضا لا يكون هناك اتصال مباشر معرفي واستطيقي بهذا العالم من جانب القارئ(85).

لهذا كله فإن وجود قراء كثيرين يفهمون نصا ما فهما حرفيا، ويدركون معاني العبارات المكونة للنص. فذلك لا يمكنهم من الفهم الجيد لنمط العالم الذي يتعاملون معه من خلال العمل الفني الأدبي، كما أنه لا ترقي ردود أفعالهم إلى مستوى التلقي الإستطيقي الفعال لما يعرضه العالم الظاهر في سياقات العمل الأدبي. من هنا جاء تأكيد إنجارده على أن أساس إضفاء موضوعية تركيبية على معطيات العمل الفني الأدبي، هو عموما عميلة صعبة، وتحقيقها بنجاح يتوقف على مؤهلات وذكاء القارئ من جهة، وعلى بنية طبقة الوحدات الدلالية من جهة أخرى(86).

تحقيق العمل الفني الأدبي وتعييناته الممكنة:

لما كان العمل الفني الأدبي في حقيقته موضوعا قصديا خالصا. وكان بناؤه المادي على صورة تشكيل تخطيطي، أساسه منظومة من الطبقات المتبانية في وظائفها، والمتآلفة في تركيبها العضوي. فإن مقاربته فنيا وإستطيقيا تفرض بالضرورة التواصل مع كل طبقاته المختلفة، وبصفة خاصة طبقة الموضوعات المصورة والحاملة للقصد المودع  بها من طرف المبدع لهذا العمل. وهذا هو ما يجعل منها الطبقة التي تتضمن سلسلة من أماكن اللا تحديد(87). ويؤكد إنجاردن بهذا الخصوص أن وجود أماكن اللا تحديد، في كل عمل أدبي ذي جودة عالية ، ليس حادثة ولا خطأ في تركيبة فاشلة وإنما هي ضرورية في كل عمل فني أدبي(88).

وأمر هذه الضرورة، في الحقيقة، وفي سياق نظرية إنجاردن، يجد أصله في المكون الأساس لماهية العمل الفني الأدبي، ويتعلق الأمر بمفهوم القصد الخالص، وكذالك وبشكل خاص، بخصوصية تطبع الموضوعات المصورة، لتفصلها جذريا عن الموضوعات الواقعية(89).

 الموضوع الواقعي، هو في جوهره ومن جميع جيهاته وأشكاله محدود، ومحدوديته هذه بكل أشكالها تعني أن هذا الموضوع لا يمثل في وجوده الخاص أي وجه يكون به هو نفسه بدون أي تحديد. لذلك فهو لا يمثل أي مكان للا تحديد(90).

وبخلاف ذلك فالموضوعات المصورة في عمل فني أدبي، والتي هي بطبيعتها موضوعات قصدية خالصة تتشكل فيها أماكن اللا تحديد، وفي عدد غير محدود(91).

أماكن اللاتحديد في العمل الفني الأدبي يتم عرضها قصديا بطريقتين :

بواسطة تعبيرات إسمية، وكذلك بواسطة عبارات كاملة. فإذا قرأنا في عمل فني أدبي هذه الجملة مثلا ( نادل مقهى مرح) فنحن لا نواجه سوى تخطيط شكلي لعدد لا محدود من أماكن اللاتحديد، لكن تقريبا لا أحد من هذه الأماكن يكون ممتلأ، وعلى هذا الأساس فإن تعيينات العمل الأدبي تتميز بوفرتها واختلاف مضامينها(92).

وما يترتب عن هذه الخاصية هو كون العمل الفني الأدبي لا يفترض فيه أن يكون منطقيا بالضرورة، أي كحدود لما هو ممكن بداخل العالم الذي خبرناه نحن بالفعل، وهذا ما تؤكده طبيعة العمل الفني الأدبي من حيث هو تشكيل تخطيطي(93).

إن المعرفة بهذا التشكيل التخطيطي تقتضي أن يؤخذ ضمن طبيعته التخطيطية. من هنا كانت ضرورة عدم الخلط بين العمل الأدبي وبين مختلف تعييناته الناتجة عن قراءته المختلفة(94).

ويترتب عن كل ما سبق أن تحقيق معرفة إستطيقية متناسبة مع العمل الفني الأدبي، يقتضي تحققا مناسبا للموضوعات المصورة في العمل، وهذا بدوره يفرض أن عملية ملأ أماكن اللاتحديد في سياقات العمل الأدبي، مع أنها قد تأخذ أشكالا مختلفة، أن تراعي تناغما حقيقيا مع الطبقة الدلالية في العمل الفني الأدبي(95).

إن الاختلاف الذي يطبع الطرق التي يحصل بها ملأ فراغات اللاتحديد يمكنها أن تقدم كيفيات إستطبيقية جديدة وذات قيمة عالية تخص طبقة العالم المعروض بكل موضوعاته المصورة، والتي بإمكانها أن تحقق علاقات جديدة بين كيفيات إستطيقية تتعلق بطبقات أخرى في العمل الفني الأدبي، كما أنها تقود بالضرورة إلى تعدد في تحقيقات العمل الفني الأدبي بكامله(96).

إن تحقيق العمل الفني بشكل ناجح، كما يؤكد إنجاردن، يضل مشروطا بالدرجة التي يكون عليها التحقيق المعطى للعمل الأدبي ضمن روح المقاصد الفنية لكاتب العمل ومبدعه، وهنا يكون مقدار القرب من هذه المقاصد أو البعد عنها حاسما في الحكم على ملاءمة التحقيق أو عدم ملاءمته(97).

تلعب طبقة المظاهر التخطيطية الدور الأهم في العمل الفني الأدبي، وذلك قياسا إلى عملية بناء القيمة الإستطيقية في كل تعييناته.

وبهذا تكتسب الطريقة التي بها يتم تحقيق وتعيين تلك المظاهر أهمية كبيرة في المعرفة الإستطيقية بالعمل الفني الأدبي. وبذلك يبرز دور القارئ والكيفية التي تتم بها قراءة العمل الفني الأدبي(98).

تعود هذه الأهمية الكبيرة التي تمثلها المظاهر التخطيطية بالأساس إلى كونها مادة تعبيرية بامتياز، وهي موجهة نحو تحريك خبرة الذات المدركة، ذات القارئ المالك لكل القدرات الإدراكية ذات الأساس الإستطيقي الذي بتوفره لدى القارئ تأخذ تلك الإدراكات طابعا ملموسا يقوي من قدرة الذات على أن تتنبه لما تمثله المظاهر من دلالات معبرة، بشكل واقعي وملموس، مما يجعل المظاهر، إذ ذاك في مستوى إنجاز وظيفتها الخاصة والمتمثلة في دفع الموضوع الذي تحقق إدراكه إدراكا إستطيقيا، إلى الظهور في صورة الموضوع الجميل(99).

هذه الأهمية التي تتميز بها المظاهر التخطيطية في العمل الفني الأدبي الجيد، مردها في تقدير إنجاردن إلى بعدها التعبيري الذي تضطلع به، والذي يجعلها تلعب الدور الأهم في عملية القراءة الفاعلة، وفي كثير من الأحيان تكون لها أهمية دلالية فيما يتعلق بسير المعرفة الإستطيقية بالعمل الفني الأدبي، وفي الشكل النهائي يبقى لها دور الإضطلاع بتعيين العمل الفني الأدبي(100).

وفي ارتباط بكل ما سبق، يوضح إنجاردن أن تحيين تلك المظاهر وجعلها ملموسة، خلال قرائتها وتمثلها، غالبا ما يشكل المركب الأقل تبسيطا وشرحا في عملية قراءة عمل فني أدبي(101).

- دور القارئ في تعيين العمل الفني الأدبي:

إن تركيب جميع طبقات العمل الأدبي، بما هي كل في إطار وحدة عضوية، ومعرفة فكرته الخاصة، كل ذلك يعد ثمرة لكل العمليات التي تقوم بها الذات المدركة، وهي بالأساس عمليات معقدة ومترابطة باطنيا، ومن خلالها يتمكن القارئ من امتلاك رؤية لكل طبقات العمل الأدبي مما يمكنه من إنتاج تعيين خاص بهذا العمل(102).

هناك أمام قارئ العمل الفني الأدبي مسلكان، كل واحد منهما توجهه رغبة معينة لدى هذا القارئ، وتتحكم فيه عمليات معرفية محددة. فإذا كانت رغبته يؤسسها موقف ما قبل إستطيقي، فإن معرفته بالعمل الأدبي تقف عند حدود صورته الفنية التي تحكمها قواعد البناء الفني للعمل، وإذا كانت رغبته يؤسسها موقف إستطيقي، وتوجهها منظومة من القيم الإستطيقية الملتحمة بالعمل الفني الأدبي فالنتيجة من ذلك هي تجلي الموضوع الجميل الذي هو جوهر وحقيقة العمل الفني الأدبي، بما هو فضاء القصد الخالص(103).

وبناء على كل هذه المعطيات المبنية على تحليل ما هو أنطولوجي وفينومينولوجي لعناصر بناء العمل الفني الأدبي، يؤكد إنجاردن على أنه ليسوا كثيرين هم القراء الذين لهم القدرة على بذل الجهد الضروري لبلوغ هذه الرؤية الختامية في كل قراءة، ولكن بدون هذه الرؤية لا يعرف القارئ، على الأكثر سوى هيكل العمل الفني باردا وميتا(104).

ومع ذلك يبقى دور الأعمال الفنية الجيدة حاسما في كل قراءة مؤهلة ومالكة لكل الوسائل والأدوات المعرفية والفنية.

إذ أن هذه الأعمال تكون لها السلطة الكبرى في احتواء القارئ (المتلقي)، ويبدو أن لها أيضا القدرة على وضعه في حالة إنفعالية وبحساسية شبه إبداعية، بحيث يمكن من خلالها لمعرفة إستطيقية صحيحة أن تنجح بسهولة أكبر، وهذا ليس فيه شك أبدا(105).

وبقدر ما يؤكد إنجاردن على أمور من هذا القبيل، أي من قبيل هدوء الإحساس والإستقلال الباطني الذي يجب أن يتوفر لدى القارئ، نظرا لكونها أمور ضرورية لحصول معرفة أمينة وصحيحة، فإنه مع ذلك ينبه إلى محدودية دائرة هذه المعرفة الصحيحة، إذ أنها هي أيضا نادرة للغاية وحصولها مخصوص بقراء روافدهم من ثقافة إستطيقية عالة(106).

الهوامش

  • هانز جيورج جادامر: تجلي الجميل تحرير روبرت برناسكوني-ترجمة ودراسة وشرح د. سعيد توفيق: المجلس الأعلى للثقافة عدد 23 سنة 1997 ص 106.
  • Patricia limido-heulot : l’est héstique phénoménologique de roman ignorent, présentation –esthétique et ontologie de l’ouvrage d’art-choix de textes (1937- 1969) traduction de poticia limido-Henlot-libraire philosophique VRIN 2011-paris P.21
  • Rainer warining (ed) – Esthética de la réception. édition visor dis S.A 1989 Madrid P.14.
  • د.معتز سلامة أحمد عبد الله –النظريات الموجهة إلى القارئ في الخطاب النقدي الحديث عالم الفكر العدد 2-2015 أكتوبر ديسمبر ص 116.
  • Gerld Nyenhuis H 6Prologo la compréhension de la obra de arte littéraria Traduction de Gesald Nyenfuis H UNIVE SIDOD Ibramercana – département de letras ALTER TEXTO SA EDICION EN ESPONAL 2005 m2XIO p 11.
  • PATRICIA LIMIDO-Heulot –Ibid P7
  • سعيد توفيق – دراسة في فلسفة الجمال الظاهرية ط 1 -1992 المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت ص 317.
  • Patricia limido –Heulot.IBID P7
  • HUSSERL-TWARDOWSKI : sur les objets inventionnells 1893-1901- librairle philophique J.VRIN tradition par jacques ENGLISH Paris 1993 P.293
  • PATRICIER LIMIDO IBID P8
  • IBID P.9
  • IBID P.10
  • IBID P.12
  • IBID P.29-30
  • IBID P.30
  • IBID P.30
  • IBID P.30-31
  • IBID P.31
  • IBID P.31
  • IBID P.31-32
  • IBID P.32
  • IBID P.39-40
  • IBID P.45
  • HUSSERL Idées directrices pour une phénoménologie – traduit de l’allemand par poul Ricœur GALLIMARD 1950 P.282-283.
  • IBID P.284
  • IBID P.282
  • سعيد توفيق –دراسة في فلسفة الجمال ... نفس المعطيات السابقة ص 44
  • نفسه ص 44
  • نفسه ص 322
  • نفسه ص 326
  • نفسه ص 327
  • Roman ingarden – L’œuvre d’art littéraire –traduit par Philibert Secrétan –l’âge d’Homme France 1983 p 27.
  • IBID P.36
  • IBID P.11-112
  • IBID P.43-44
  • IBID P.44
  • IBID P.183-184
  • IBID P.189
  • IBID P.190
  • IBID P.212
  • IBID P.213
  • IBID P.219
  • IBID P.224
  • IBID P.224
  • IBID P.224
  • IBID P.263
  • IBID P.236
  • IBID P.244
  • IBID P.235
  • IBID P.236
  • IBID P.241-242
  • IBID P.249
  • IBID P.251
  • IBID P.252
  • IBID P.252
  • IBID P.252
  • IBID P.254
  • IBID P.255
  • IBID P.257
  • IBID P.257
  • IBID P.252
  • IBID P.254
  • IBID P.254
  • IBID P.254
  • IBID P.255
  • IBID P.255
  • IBID P.257
  • IBID P.257
  • د.معتز سلامة أحمد عبد الله- النظريات الموجهة إلى القارئ نفس المعطيات ص ( 116- 117).
  • Roman ingarden – la compréhension de la obra de arte litéraria traduction de Gerald Nyenbuish univer-sudad ilroamerciana département de lettras –Alter texto 1 er édition en espagnol 2005 Mexico p .11.
  • IBID P.18
  • IBID P.23
  • IBID P.28
  • IBID P.35
  • IBID P.35
  • IBID P.56
  • IBID P.57
  • IBID P.69
  • IBID P.69
  • IBID P.69
  • IBID P.57
  • IBID P.59
  • Roman ringarden l’ouvre d’art I.B.d P.60
  • IBID P.63
  • IBID P.69
  • IBID P.69
  • IBID P.71
  • IBID P.72
  • IBID P.210-211
  • IBID P.212-213
  • IBID P.211
  • IBID P.211-212
  • IBID P.30
  • IBID P.214
  • Roman engarden-la compréhension de la olra del arte P.74-75
  • IBID P.76
  • IBID P.76
  • IBID P.78
  • IBID P.79
  • IBID P.79
  • IBID P.97
  • IBID P.98
  • IBID P.114
  • IBID P.115
  • IBID P.116
  • 116
  • المصادر والمراجع:

أعمال رمان إنجاردن المعتمدة في العرض: بالفرنسية والإسبانية

1- L’ouvre d’art littéraire – Traduit par philibert secreton – l’âge de l’Homme – lausanne–Bordeaux – France 1983.

2- esthétique et ontologie de l’œuvre d’art … choix de textes 1937 -1969 presentation. Traduction et notes de patricia limido-heulat. Librairie philosophique j.VRIN.2011 paris France.

3- la comprehension de la obro de arte literario- traduccion de Gerald Nyenbuis H. universidad I braomericana. Departamento de letras. Alter texto 1a edicion en espanol 2005 México.

4- concerecion y reconstruccion – Estética de recepcion – Rainer Worning (ed) edicion, visor Dis.S.A, 1989. Madrid – Espana. p 35.

5-Rainer Warning (ed) – Estética de reception-edition – Visor dis. S.A 1989 Madrid.

مراجع بالعربية أو المنقولة إليها:

5- إدموند هوسرل: أزمة العلوم الأوربية والفنومينولوجيا الترنسندنتالية ترجمة د إسماعيل المصطق – مراجعة د . جورج كتورة الناشر المنظمة العربية للترجمة الطبعة الأولى بيروت يوليو 2008.

6- سعيد توفيق – دراسة في فلسفة الجمال الظاهراتية – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ط 1 بيروت 1992.

7- د. عبد الرحمن يوعلي – نظريات القراءة – دار نشر الجسور ط 1 وجدة – المغرب سنة 1995.

8- هانز جيورج جادامر – تجلي الجميل – ترجمة ودراسة وشرح د . سعيد توفيق المجلس الأعلى للثقافة . 23 سنة 1997.

9- إيزر فولفجانج – فعل القراءة – جمالية التجاوب – ترجمة د. حميد لحمداني – د.الجيلالي الكية – مكتبة المناهل 1995.

محمد المعطي القرقوري
باحث في الفكر الفلسفي الإسلامي والإستيطيقا الفينومينولوجية- والنقد الأدبي.