أهمية تدريس الفلسفة للأطفال ـ اسماعيل بوزيد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

من الأسئلة البديهية التي قد تتبادر إلى أذهاننا، والمتعلقة بتدريس الفلسفة للأطفال، هي من قبيل: لماذا يجب على الأطفال دراسة الفلسفة؟ وحينما نقول تدريس الفلسفة للأطفال، فهل يعني هذا تدريس الفلسفة بشتى مواضيعها كما هو الحال في المستويات التعليمية الأخرى، أم أنّ الأمر يتعلق بتدريس موضوع من موضوعات الفلسفة والتمثل بالخصوص في التفكير النقدي؟ وهل يمكن للطفل أن يتفلسف؟ وما هي الطرق والسبل الممكنة لتدريس الفلسفة للأطفال؟ وما هي النتائج المترتبة عن تدريس الفلسفة للأطفال؟
إذا تأملنا جيداً في الحياة المعيشية للأطفال، فإنّنا نجد أنّ الأطفال فلاسفة عفويون، لأنّهم في الثلاث سنوات الأولى من عمرهم يسألون باستمرار سؤال لماذا؟ إلا أنّنا غالباً لا نشجّع الأطفال على طرح أسئلة من هذا القبيل ومواصلة النقاش حول أشياء لا يعرفونها، بل الأكثر من ذلك نقوم بردع الأطفال، حتى لا يقوموا بطرح تلك الأسئلة التي تشغل أذهانهم.
إنّ عقل الطفل الذي يتساءل ويطلب تبريراً للمعايير المقبولة، يشير إلى البحث الغريزي عن المعنى، أي معنى الأشياء. ويمكن تشجيع هذا المسعى وتوجيهه في اتجاه بناء شخصية متكاملة وقوية للطفل، وهذا هو الجانب الذي يمكن أن تساعد دراسة الفلسفة على تحقيقه. وقد أظهرت الدراسات أنّ الأطفال الذين يدرسون الفلسفة هم الأكثر تحقيقاً لنتائج أكاديمية أفضل، كما يتمتعون بمزايا اجتماعية مثل تحسين احترام الذات وإظهار التعاطف مع الآخرين.

وحينما نقول تدريس الفلسفة للأطفال، فإنّنا نقصد بكلامنا هذا، تدريس التفكير النقدي للأطفال، والتفكير النقدي هو موضوع من موضوعات الفلسفة. والهدف من تدريس التفكير النقدي، هو إنتاج أطفال مفكرين قادرين على التعقل والتحليل والتركيب، وكذلك التمييز بين الصواب والخطأ، ومن ثمة بناء تعقلاتهم حول الموضوعات والأسئلة التي يناقشونها. ولا سبيل إلى تحقيق هذا الهدف إلا من خلال تشجيع المناقشات التي يقودها الطفل ويسهلها أستاذ متمرس على الفلسفة.
إنّ الرهان على تدريس الفلسفة للأطفال لم يكن قديماً جداً، بل معاصراً، حيث لم تظهر فكرة تدريس الفلسفة للأطفال إلا في نهاية الستينيات من القرن الماضي في أمريكا، بفضل الجهود التي بذلها الفيلسوف والمفكر الأمريكي ماثيو ليبمان، من خلال مؤلفاته العديدة، من بينها "التفكير في التربية"[1] و"الفلسفة في الفصول الدراسية"[2]، وغيرها من الكتب الأخرى، التي عمل فيها ماثيو ليبمان على إبراز دور وأهمية تدريس الفلسفة للأطفال.
وهكذا، يتّضح لنا أنّ فكرة تدريس الفلسفة للأطفال بدأت في عام 1970، من أجل بناء وترسيخ مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال، وأنصار هذه الفكرة يعتقدون أنّ الفلسفة لا تقتصر على الأكاديمية، بمعنى أنّ الفلسفة يمكن أن تدرس خارج الأكاديمية، ولعلّ هذا ما كان يفعله سقراط في آتينا.
فالفلسفة في البداية وخاصة مع سقراط، لم تكن موجهة إلى النخبة، بل كانت موجهة إلى عامة آتينا. فسقراط كان يحاور شباب آتينا، ولم يكن يخص فئة دون أخرى. لذلك يمكن القول أنّنا اليوم في حاجة إلى إعادة اللحظة السقراطية، بمعنى إعادة الفلسفة إلى الثقافة الشعبية، ولعلّ تدريس الفلسفة هي محاولة لتحقيق هذا الأمر.
لقد أراد ماثيو ليبمان أن يطور معقولية المواطنين، فوجد أفضل طريقة للقيام بذلك هو تعليم مهارات التفكير النقدي في سن مبكرة. فالتفكير النقدي حسب ماثيو ليبمان يسهل الحكم لأنّه يعتمد على المعايير، ويصحح الذات ويجعلها أكثر إبداعية مما كانت عليه من قبل.
ومن بين الوسائل أو الطرق لتدريس الفلسفة للأطفال نجد القصص الفلسفية التي تضم في داخلها أفكاراً واسعة في مجالات مختلفة، فالقصة بمثابة أداة تعليمية، إنّها تثير تفكير الطفل. ويجد فيها من جهة الألفة والتشابه بين أحداث القصة وأحداث الحياة الواقعية التي يعيشها، ويجد من جهة أخرى عالماً جديداً يمكن التفكير فيه من مختلف وجهات النظر. ولعلّ دور وأهمية القصة باعتبارها وسيلة فعالة لتدريس الفلسفة للأطفال، هي التي جعلت ماثيو ليبمان يقوم بكتابة وتأليف عدة قصص فلسفية موجهة للأطفال.
إنّ الغاية من تدريس الفلسفة للأطفال تكمن بالأساس في تحسين وتجويد قدرات التفكير عند الأطفال وتنمية قدراتهم على التفكير النقدي. وبالإضافة إلى هذه الغايات، فإنّ تدريس الفلسفة للأطفال يعمل على ترسيخ مجموعة من القيم، من قبيل النزاهة والاحترام، المسؤولية، الحرية، التفاهم، التسامح والصدق والثقة. ومن أجل امتلاك هذه القيم يحتاج المرء إلى تطوير مهارات التفكير بهذه الطريقة، أي بطريقة تدريس الفلسفة للأطفال.
وهكذا، يتضح لنا أنّ غاية تدريس الفلسفة للأطفال هي تحسين قدرات ومهارات التفكير النقدي. ولعلّ السبب الذي جعل الباحثين ينصبون على فكرة تدريس الفلسفة للأطفال، يتمثّل في كون مرحلة الطفولة، من أهم مراحل نمو الإنسان، حيث أنّ كلّ ما يتلقاه الطفل في هذه المرحلة الأولى من نموه يترك أثراً كبيراً في تكوين شخصيته، وأنماط سلوكه وعاداته التي تصاحبه في كل مراحل طفولته.
إنّ مسألة تدريس الفلسفة للأطفال مسألة في غاية الأهمية، لكونها تعمل على تجويد وتحسين مهارات التفكير لدى الأطفال. فهناك عدة تجارب نموذجية في هذا المجال، كالولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والأرجنتين واليابان، وغيرها من الدول التي وعت بضرورة وأهمية تدريس الفلسفة للأطفال.

[1] Matthew Lipman, Thinking in Education, Cambridge University Press, Edition: 2, 2003.
[2] Matthew Lipman, Philosophy in the Classroom, Temple University Press, 2nd edition, 1980.