شهدت الأوساط الأكاديمية في إيطاليا خلال الأسابيع الماضية حدثين لافتين: تعلّق الأوّل برفض زيارة البابا، التي كانت مقرّرة في الخامس عشر من جانفي الفائت، إلى المعقل العلمي الأوّل في إيطاليا، وأكبر حرم جامعي في أوروبا، "جامعة لاسابيينسا" بروما؛ وتمثّل الحدث الثاني في نشر قائمة على صفحة ويب، سميت بـ"القائمة السوداء"، ضمّت أسماء 162 أستاذا وباحثا يهوديا يشتغلون في الجامعات الإيطالية، اتهمهم السّاهرون على صفحة الويب، التي سارعت وزارة الداخلية بحجبها، بمناصرة إسرائيل والسعي لتشكيل لوبي أكاديمي يهودي خدمة للصهيونية في إيطاليا. كما دعت الصّفحة إلى مقاطعة التعاون بين الجامعات الإيطالية والجامعات الإسرائيلية، واعتبرت استعمال الشعب الايطالي أداة من طرف أقلية عرقية متأدلجة، ومتماسكة ثقافيا مع كيان سياسي خارجي ألا وهي إسرائيل، من الانزلاقات الخطيرة.
في المسألة الأولى المتعلقة بطرد البابا، لم يأت رفض الزيارة من قبل الطلاب فحسب، الذين رفعوا شعار "لا نريد راتسينغر في معقل المعرفة لسبب أنه رجعي" وأعلنوا "أسبوع مناهضة الإكليروس"، الذي فسِّر بنفوذ تيار يساري داخل الجامعة الإيطالية، بل جاء الرفض أساسا من صنع أساتذة الفيزياء في الجامعة، الذين يعدّون أنفسهم أتباع غاليلي غاليلاي وجُردانو برونو، الذي لازال تمثاله بكامبو ديفيوري في المدينة العتيقة بروما، شاهدا على حرقه من طرف الكنيسة.
فأن تتقدّم الفيزياء حملة رفض زيارة البابا، يعني أن الكنيسة لم تسوّ بعد علاقتها مع العلماء، ولم تنقّ ذاكرتها مما ترسّب فيها من آثام ضد العقل والعلم. فقد تحجّج الأساتذة الرّافضون للزيارة بكلمة صرّح بها البابا جوزيف راتسينغر في مدينة بارما في الخامس عشر من مارس 1990، حين كان كردينالا، جاء فيها: "محاكمة الكنيسة لغاليلي معقولة وصائبة". لم يأت رفض زيارة البابا من فراغ، بل كان نتيجة تطوّرات في السنوات الأخيرة، سعت خلالها الكنيسة للهيمنة على المجتمع بعد أن تراجع نفوذ التيارات الاشتراكية والعلمانية ولم يبق غير اليسار الرخو واليمين المتحالف.
أتى الرفض لزيارة البابا بدافع رفض القطاع العلمي هيمنة الكنيسة الكاثوليكية، بعد أن صارت هذه الأخيرة تخيم بظلالها على شتى القطاعات الاجتماعية ولم تسلم منها حتى الأحزاب السياسية التي صارت تخطب ودّها دون حياء. فكان رفض زيارة البابا عبارة عن لا في وجه زحف الكنيسة على الدولة وليس رفضا لزيارة البابا، بصفة أبواب الجامعة مشرعة للحوار الديمقراطي أمام الجميع. كما أن رفض الزيارة، تضمّن رسالة تنبيه للكنيسة من مغبة السعي لالتهام المجتمع ثانية تحت مبررات إعادة الأنجلة، بعد أن قدّرت أن الفرصة سانحة على إثر تراجع الشيوعية.
فمع السنوات الأخيرة عادت الكنيسة لتضفي المشروعية من عدمها على البحث العلمي، وهو أمر رفضه جلّ المنشغلين بقطاع البحث. نظرا لما فيه من حد للحرية، وإن تعلّل الإكليروس بالدفاع عن الأخلاق ورعاية القيم عبر توظيف مقولة "البيوإيتيك".
أما ما تعلّق بنشر قائمة الأساتذة اليهود، التي أعادت للأذهان ذكرى القوانين العنصرية الصادرة بإيطاليا سنة 1938، التي صوّت عليها البرلمان وصادق عليها الملك، فهي تأتي امتدادا لتراكم من التوترات الأكاديمية عرفتها الساحة الإيطالية والأوروبية عموما مع اليهود. فلاتزال المحاصرة للمؤرّخين والعلماء الذين يُقدِمون على مراجعة الثوابت اليهودية، ولم يسلم من تلك المطاردة حتى اليهود. ففي السنة الماضية سُحب من المكتبات الإيطالية كتاب "أعياد فصح دامية: يهود أوروبا والقتل الشّعائري"، للمؤرّخ اليهودي أرييل طُوَاف، الذي تتلخّص أطروحته في إعادة النّظر في التّهم والمحاكمات والاعترافات، ذات الصّلة بالقتل الشّعائري للأطفال، الذي نسب لجماعات يهودية بأوروبا خلال العصر الوسيط. خلص فيها المؤرّخ إلى التورّط الفعلي لبعض أبناء ملّته في ممارسات قتل شعائري، بغرض إضافة دم الضّحايا للفطير المقدّس.
فضلا عن ذلك، أن "القائمة السوداء" المنشورة على الأنترنيت من إيطاليا، أتت في الحقيقة ردّ فعل على الاتهام الذي وجّهه نائب رئيس التحرير في جريدة "كورييري ديلا سيرا"، المصري الأصل مجدي علاّم، في مؤلّفه "تحيا إسرائيل"، المنشور مطلع الصائفة الفارطة، والذي اتهم فيه لفيفا من أساتذة الجامعة الإيطالية بموالاة "الإرهاب الفلسطيني". مما أثار ثائرة عديد المثقفين في إيطاليا الذين ردّوا بنشر لائحة احتجاج بأسماء عشرات الأساتذة والمثقّفين والصحفيين، ندّدت بموقف الصحفي من أساتذة عرفوا بحيادهم العلمي ومكانتهم الجليلة في الوسط الأكاديمي الإيطالي.
ولكن الجليّ أن مجدي علاّم عُرِف خلال الفترة الأخيرة بسعيه لركوب حصان الشّهرة تحت أي ثمن كان، ولو بالتنكّر لجذوره الحضارية والارتداد عن الدين الإسلامي، كما فعل أخيرا بتنصّره وقبوله العماد من يد البابا راتسينغر في الفصح الأخير.
كما يأتي نشر القائمة السوداء ضمن تفاعلات أوروبية أوسع، فخلال العام الفارط، حين طالب قسم من أساتذة أنجلترا بوضع حدّ للتعاون الثقافي والعلمي مع جامعات الدولة العبرية، على خلفية ما يجري من انتهاك لحقوق الإنسان الفلسطيني، وقّعت شرذمة من قائمة الـ162 الإيطالية رسالة، طالبت فيها الزملاء الأنجليز بالتراجع عن ذلك المسعى المدين لإسرائيل.
لقد أجّج كثير الاحتقان الحضاري بين الغرب والعالم الإسلامي، طيلة العقود الماضية، لعلّ أبرزهم الأبيض الأبيض موريس بورمانس، ابن الكنيسة البار، والمستشار العرّاب برنار لويس، غير أن الأوساط الأكاديمية بدأت تستفيق لذلك النفث، وتعي أن المشكلة الحقيقية للغرب في الكنيسة وإسرائيل.
فمع السنوات الأخيرة عادت الكنيسة لتضفي المشروعية من عدمها على البحث العلمي، وهو أمر رفضه جلّ المنشغلين بقطاع البحث. نظرا لما فيه من حد للحرية، وإن تعلّل الإكليروس بالدفاع عن الأخلاق ورعاية القيم عبر توظيف مقولة "البيوإيتيك".
أما ما تعلّق بنشر قائمة الأساتذة اليهود، التي أعادت للأذهان ذكرى القوانين العنصرية الصادرة بإيطاليا سنة 1938، التي صوّت عليها البرلمان وصادق عليها الملك، فهي تأتي امتدادا لتراكم من التوترات الأكاديمية عرفتها الساحة الإيطالية والأوروبية عموما مع اليهود. فلاتزال المحاصرة للمؤرّخين والعلماء الذين يُقدِمون على مراجعة الثوابت اليهودية، ولم يسلم من تلك المطاردة حتى اليهود. ففي السنة الماضية سُحب من المكتبات الإيطالية كتاب "أعياد فصح دامية: يهود أوروبا والقتل الشّعائري"، للمؤرّخ اليهودي أرييل طُوَاف، الذي تتلخّص أطروحته في إعادة النّظر في التّهم والمحاكمات والاعترافات، ذات الصّلة بالقتل الشّعائري للأطفال، الذي نسب لجماعات يهودية بأوروبا خلال العصر الوسيط. خلص فيها المؤرّخ إلى التورّط الفعلي لبعض أبناء ملّته في ممارسات قتل شعائري، بغرض إضافة دم الضّحايا للفطير المقدّس.
فضلا عن ذلك، أن "القائمة السوداء" المنشورة على الأنترنيت من إيطاليا، أتت في الحقيقة ردّ فعل على الاتهام الذي وجّهه نائب رئيس التحرير في جريدة "كورييري ديلا سيرا"، المصري الأصل مجدي علاّم، في مؤلّفه "تحيا إسرائيل"، المنشور مطلع الصائفة الفارطة، والذي اتهم فيه لفيفا من أساتذة الجامعة الإيطالية بموالاة "الإرهاب الفلسطيني". مما أثار ثائرة عديد المثقفين في إيطاليا الذين ردّوا بنشر لائحة احتجاج بأسماء عشرات الأساتذة والمثقّفين والصحفيين، ندّدت بموقف الصحفي من أساتذة عرفوا بحيادهم العلمي ومكانتهم الجليلة في الوسط الأكاديمي الإيطالي.
ولكن الجليّ أن مجدي علاّم عُرِف خلال الفترة الأخيرة بسعيه لركوب حصان الشّهرة تحت أي ثمن كان، ولو بالتنكّر لجذوره الحضارية والارتداد عن الدين الإسلامي، كما فعل أخيرا بتنصّره وقبوله العماد من يد البابا راتسينغر في الفصح الأخير.
كما يأتي نشر القائمة السوداء ضمن تفاعلات أوروبية أوسع، فخلال العام الفارط، حين طالب قسم من أساتذة أنجلترا بوضع حدّ للتعاون الثقافي والعلمي مع جامعات الدولة العبرية، على خلفية ما يجري من انتهاك لحقوق الإنسان الفلسطيني، وقّعت شرذمة من قائمة الـ162 الإيطالية رسالة، طالبت فيها الزملاء الأنجليز بالتراجع عن ذلك المسعى المدين لإسرائيل.
لقد أجّج كثير الاحتقان الحضاري بين الغرب والعالم الإسلامي، طيلة العقود الماضية، لعلّ أبرزهم الأبيض الأبيض موريس بورمانس، ابن الكنيسة البار، والمستشار العرّاب برنار لويس، غير أن الأوساط الأكاديمية بدأت تستفيق لذلك النفث، وتعي أن المشكلة الحقيقية للغرب في الكنيسة وإسرائيل.