في الشعر المغربي : تحليل سيميائي لقصيدة" الخمارة "للشاعر أحمد المجاطي نموذجا ـ د. البخاري نعيمة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

totalement-abstraitمقدمة:
     إن رصد التجربة الشعرية عند شاعر مغربي أصيل مثل أحمد المجاطي، كانت غايتها أولا مساءلة التجربة الشعرية المغربية في معاناتها واستكشافها، نظرا لأن القضايا المرتبطة بهذه التجربة لطالما ظلت معزولة نظرا لغناها ولأنها أوسع من أن تحيط بها الأبحاث التي تم إنجازها إلى يومنا هذا. فالعديد من الأشعار التي تستحق الدراسة تبقى طي النسيان. وتعرف السنوات الأخيرة تراكما فيه كثير من الحشو، لا يمكن أن ندمجه كله في باب الشعر. وتكاد الدراسات التي تتناول الشعر المغربي بالبحث محصورة كميا والإشكاليات والقضايا التي تتناولها ما تزال تحتاج إلى المساءلة والدرس، بماجد من الدراسات النقدية الحديثة بتوجهاتها المتعددة. رغم ذلك فقد عرف الشعر المغربي كيف يفرض مكانته داخل خريطة الشعر العربي بل حتى الشعر العالمي. ويبقى مع كل هذا الجهد على مستوى الكم والكيف، يثير أكثر من سؤال؟


     ما الذي يعطيه خصوصيته؟ ماهي طبيعته وحدود العلاقة التي تربطه بمختلف الممارسات العربية بل العالمية؟ هل يأخذ عنها أم يحاكيها ؟ هل يختلف عنها أم يتجاوزها ؟ أسئلة كثيرة ترمي بنا في متاهات السؤال، في قلق دائم يدعونا إلى السير في مسارب المدارات الشعرية.
      إذن، هذا هو السؤال، هذه المغامرة، هذا الممكن وهذا المستحيل الذي نخطو به نحو هذا المسار الإبداعي الذي يفرض علينا نفسه لقراءة هذا النموذج الشعري المغربي، وكذلك لنعيد النظر في تلك الأحكام التي أصبحت مهيمنة عليه، وأصبحت لا تقبل المساءلة.
       إننا نعرف انتماء هذا الشعر للشعر العربي عموما، لكن هذا الانتماء لا يمحو هويتنا المغربية، فالأوضاع الاجتماعية السياسية والثقافية التي عاشها المغرب، لها آثارها على جسد هذا الشعر. ومن الواجب علينا أن نستمع لمكامن الاختلاف ولإيقاع الذات الكاتبة، وبالتالي لما يميز هذا الشعر باعتباره شعرا مغربيا أصيلا.
     إن أسئلتنا كثيرة، مادمنا نتحدث عن الشعر المغربي ومادمنا نخوض في تجربة الشعر المغربي التي يكتنفها الغموض، الذي هو من طبيعة الشعر. هذه الأسئلة التي لن نستطيع  الإجابة عليها كلها، لأن السؤال هو سؤال الوجود قبل كل شيء وسؤال البحث عن الذات وعن الهوية وعن الموقع، وبتعبير آخر سؤال "الكونية". لكننا سنكتفي برصد بعض من هذه الأسئلة والإجابة عنها، بحسب ما يقتضيه تحليل هذه القصيدة، مع علمنا أننا أمام نص ملغم .
      يشكل الأدب وضمنه الشعر أدق تعبير عن الذوات المختلفة، ولا يمكن لأي كان أن ينتج هذا النموذج بدلا من الآخر، وإلا لن يكون صادقا في تعبيره عنه. وتصرح الفترات التي مر بها الشعر المغربي، بل المجتمع المغربي، بالآلام التي نتج عنها، وعن حقه في البوح عن هذه الذاتية الجريحة المهيمن عليها، منذ عصور. ونحن نحاول هذا التجاوز ينتابنا قلق وسؤال دائم وتردد حول هذا الشعر وحول بنائه وخصوصيته. يبدو لنا هذا الحوار فاعلا، يمكن أن يخلق لنا، مستقبلا ذلك التميز النوعي الذي يرغب في تحقيقه كل شاعر مغربي وكل غيور على هذا الشعر من نقاد وباحثين.
       لا يمكننا عملنا هنا من الخوض في كل الأسئلة المطروحة حول خصوصيات هذا الشعر، وكل ما يتصل به باعتباره حقلا منفتحا على البحث والدراسة. لكننا نجد أنفسنا مسيرين بشغفنا بهذا الحلم البعيد ـ القريب، بهــذه« الطريقة الحالمة لتأسيس الوجود وجعله …نقطة توازن أقوى في سيرورة مملوءة بالاختلال» ([1])، للخوض في البحث في أسرار هذا الكائن الممكن واستكشاف هذا الفردوس المفقود عبر ليل ديوان"الفروسية" للشاعر أحمد المجاطي وعبر ذات حالمـــــة، تتمتع  بصمت وبعمق، بهذه التجربة في تناسب وانسجام، تلك هي ذات الشاعر من قصيدته الشهيرة " الخمارة".
     بدأت سمات الشعر المغربي الحديث تتضح مع أواسط القرن العشرين، وبرزت ملاحم القصيدة المغربية فيما ظهر من أشعار الستينات. وبدأت كذلك ملامح الحداثة في الشعر مع شعراء هذه المرحلة في الرؤية والتطبيق. فكان بحثهم الحثيث عن خبرة وتجربة جديدة مغايرة لتخطي آثار التقليد، وقيام حركة شعرية حديثة تدرك الشعر وضرورته، وتؤمن به كخطاب نوعي معرفي. وتضمن للشعر المغربي حضورا على المستوى الوطني والعربي وعلى الصعيد العالمي لاحقا.
    لا نحتاج أن نذكر بفترة الخمسينات التي عرفت تحولا كبيرا في تاريخ المغرب، إذ أن تمرير عملية الاستقلال وإفراغها من محتواها الثقيل بمعاناة الجماهير الشعبية المغربية التي ([2]) خاضت معركة الاستقلال لتحسن وضعها الاجتماعي والاقتصادي، لوضع حد لكل مخلفات الاستعمار الرهيبة، كان لها أثرها على التجربة الشعرية المغربية. إن ولادة القصيدة المغربية الجديدة، كانت ولادة طبيعية، بما أنها جاءت كاستجابة للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المتغير، وللتفاعلات الفنية والتاريخية مع الحالة النفسية والوجدانية للإنسان المغربي المعاصر، الذي بدأ يتواصل مع الحياة البشرية بكل تطوراتها.
      في ظل هذه المعطيات الجديدة التي أفرزتها فترة ما بعد الاستقلال، كان من الطبيعي أن يستجيب الشاعر المغربي للحداثة كظاهرة فنية تقتضيها ظروف العصر. وقد نجح العديد من الشعراء المغاربة في استيعاب مفاهيمها في وقت كان فيه المتن الشعري المغربي بحاجة ماسة للعديد من المبادرات الجريئة لاقتحام هذا المجال الخصب،
     « إن الشعر المغربي الحديث واقع شعري، يفعل في المتخيل العام كما يفعل في إنتاج تجارب لها شأنها وكتابات تعد بالاندماج المبدع في الحركة الشعرية الإنسانية المعاصرة، بأسئلتها وقلقها وتياراتها المتعددة»([3]). وما البدايات الأولى التي عرفتها مرحلة الستينات، إلا الإرهاصات الأولى لمثل هذا التنوع والتغيير الحاصل الذي كانت تبحث عنه القصيدة المغربية. ونجد فيما استنتجه أحمد المعداوي في أطروحته" أزمة الحداثة في الشعر المغربي الحديث"([4]) تفسيرا لما كانت تعانيه القصيدة من ارتداد وجذب، مما كان يشكل عائقا في بعض الأحيان لانطلاقها من قيود التقليد.
      على العموم، نقبل أن التجربة الشعرية المغربية عرفت مراحل مميزة بصمت تاريخها ويمكن أن نحصرها في ثلاث مراحل: ([5])
      المرحلة الأولى: تنطلق من سنة 1948، إبان الاستعمار ونشاط عمل الحركة الوطنية، وانطلاق المد التحرري، عبر الوطن العربي، ومن الأسماء الشعرية البارزة في هذه المرحلة عبد الكريم بن ثابت، ومحمد بن إبراهيم، وعبد الرحمان الدكالي، وعلال الفاسي، وعبد المالك البلغيتي، ومحمد القري...
      المرحلة الثانية: عايش هذا الجيل، فترة الاستعمار، كما عايش فترة الاستقلال بوعي. ويمكن اعتبار أفراد هذا الجيل هم الرواد الذين بدأت معهم القصيدة المغربية الحديثة بعملهم على التغيير وبحثهم عن التأسيس. ومن الأسماء التي لمعت في هذه الفترة محمد الحبيب الفرقاني، مصطفى المعداوي، أحمد المجاطي، محمد على الهواري محمد الخمار الكنوني، محمد الميموني، محمد السرغيني، عبد الكريم الطبال، أحمد صبري وأحمد الجوماري...
        المرحلة الثالثة: يمثلها جيل الشعراء الشباب من السبعينات، وهو الجيل الذي عاش انتكاسات كثيرة، ومسلسلات من الرعب والإحباط والقمع. كذلك عرفوا« نهاية الاستعمار التقليدي وبداية الاستعمار المنهجي الجديد فوق هذه الربوع إلى الآن...»([6]). ونذكر منهم محمد بن ميمون ومحمد بنيس ومحمد بن طلحة وإدريس الملياني ومحمد الشيخي وأحمد مفدي، وعبد الله راجع، وعبد العالي الودغيري، وعلال الحجام...
     2 ـ هذا التقسيم المرحلي لتطور الشعر المغربي، قد يحتاج إلى إعادة النظر، بحكم المرحلة التالية التي عرفت طفرة جديدة في التجربة الشعرية، وبحكم الاطلاع الواسع للشعراء المغاربة على الشعر العالمي، كما أن رغبتهم في تأسيس صرح شعري مغربي نوعي، جعلهم يسعون إلى تجريب الجديد من القصيدة النثرية وغيرها. ومن جانب آخر فالنقاد المغاربة صقلت تجربتهم الشعرية بمعارف جديدة تسمح لهم بقراءة جديدة للشعر المغربي الحديث. وربما نجد فيما يقوله صلاح بوسريف ما يؤيد رأينا يقول:« في تجربة الجيل الذي أنتمي إليه، استشعر الشعراء ضرورة حرية اتخاذ القرار، والكتابة في أفق شعريات أكثر قدرة على استيعاب شرطها الجمالي. فالحرية، كما أكدنا ذلك في (لسان الواحد، بيان في نقد تكريس المعنى)، لها معنى التيه، وهي أيضا ترحل دائم، وهو ما يعطي انطباعا بالضياع، أو يدفع له بالأحرى؛ لأن الضياع هنا لا يعني التلاشي أو الإمحاء. فالضياع إذن، البدء ولحظة الهجوم الأولى على الأراضي المجهولة التي لا أثر فيها لعابر. وهذه البدئية هي معادل تلك القدرات البدائية التي امتدحها كيركغور، والتي يتصف بها الفرد الذي لم يصبه الفساد»([7]).
     إن الشعر المغربي يحتاج إلى إعادة مساءلة وإعادة قراءة، وقد يحتاج إلى جهود كثيرة من العديد من النقاد المغاربة، بحكم تاريخه أولا، ونظرا للإصدارات الشعرية المغربية المتعددة المنشورة إلى الآن ثانيا.
       « إن مقترح "القصيدة المغربية الحديثة" هو مقترح عام، الاقتراب منه، هو تورط معلن في رحابة زمنية، قد لا تفي شساعتها بحاجة الباحث والقارئ معا لمقاربة ممكنات سؤاله وهو من جهة ثانية، تورط في رحابة إنتاج شعري، لا يمكن بأي حال حصره أو ضبطه لعوامل كثيرة، لعل أولها, أهمها، صعوبة الوصول إلى متن يمتد زمنيا إلى أكثر من قرن. وأما ثاني هذه المزالق هو مفهوم" الحديث" ذاته، الذي قد لا يعني الحداثة بالضرورة، كما أن حديث المغرب ليس هو حديث المشرق، بخلاف المعاصر.»([8])
       إن ظهور الشعر المغربي الحديث، لم يأت من فراغ، كما أنه ليس ناتجا عن تأثر الشعراء بسابقيهم، إذ لم يجد الشعراء المحدثين في سابقيهم ما يلبي رغبتهم في التجديد والبوح عن تجاربهم الاجتماعية السياسية. ويفسر عبد الله العروي هذا التجاهل بقوله:
      « لم يرفض الشعراء المحدثون بجميع اتجاهاتهم التجديدية والمراحل التاريخية التي عاشوها، كل المتن الشعري القديم، وعدم رضاهم عن قراءة اللاحقين منهم لشعر السابقين عليهم... إلا بعدما استطاع المتن الشعري العربي بالمشرق أن يدخل إلى حياتنا الثقافية منذ بداية العشرينات إلى اليوم…ولقد كان دخول هذا المتن بمختلف اتجاهاته ومراحله التاريخية بقوة إلى الساحة الثقافية عن طريق الكتب والمجلات والصحف وعن طريق البعثات الثقافية المتبادلة بين المشرق والمغرب، عاملا قويا في إهمال الشعر المغربي القديم، وفي عدم اهتمام الأجيال اللاحقة بالأجيال السابقة عليها»([9]).
        نقبل بتأثر الشعر المغربي الحديث ككل التيارات الفنية بتوجهات الظاهرة الشعرية الشرقية. كذلك لأن الشعر المشرقي يستمد استمراريته من النظريات الغربية بقول العروي:« سبق أن ذكرنا بأن الشرق قد جعل من نفسه خبير حفريات ونبش آثار لكي يفهم ذاته، ويفهم الغرب. فلنقل عن المغرب، إنه باحث مضاعف عن الآثار. إنه منقب مضاعف لحفريات الماضي القريب والبعيد»([10]).
       يؤكد عبد الله العروي هنا على أن المغرب عرف الغرب عن طريق الشرق. ونتلمس هذا التأثير في النصوص الشعرية المغربية الحديثة، إذا نظرنا إلى الظاهرة الشعرية المغربية من زاوية التناص مع النصوص الشرقية والغربية.
       لقد وجد الشعر المغربي في الشعر المشرقي حركة تغيير وتحويل استمد منها وجوده في بداياته، « وكانت اندفاعة الشعر الجديد في المشرق وفي المغرب، على السواء اندفاعة قوية وجريئة غدتها عدة عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية ذات طابع وطني وقومي وعالمي لا سبيل إلى رصدها هنا بتفاصيلها. إن تبني الشعراء المغاربة لتجربة الشعر الجديد بكل عنفوانها ودفقها الفكري والإبداعي يعد من سمات القصيدة المغربية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي..»([11]).
      من المؤكد أن هذه التجربة الشعرية المغربية انصهرت فيها مجموعة من العوامل استمد تأثيرها من الظاهرة المشرقية، كالارتباط بالتراث والدفاع عن قضايا الهوية والتحرر، والقيم الخلقية والاجتماعية. لكن نشير إلى أننا يجب أن لا ننسى خصوصية الشعر المغربي ولغته، كما أن الظروف التي نظم فيها مختلفة عن الظروف المشرقية، وهي تطفو على بساط قصائده. وهذا ما يفرض علينا ضرورة مراجعة بعض الأحكام اللصيقة به وتبين أوجه الاختلاف. كذلك، نذكر أن هناك أحكاما صادرة من داخل المغرب على هذا الشعر يجب إعادة النظر فيها لأنها أصبحت مسلمات تطلق على فترة معينة، كبنية السقوط والانتظار. إن ما وصل إليه النقد الشعري المغربي لقادر على رفع هذه المسلمات وإعطاء الشعر المغربي الحديث المكانة التي يستحقها منذ بداياته الأولى. يجب العمل على استنطاق الصمت واستحضار المنسي وتفجير المكبوت في هذا الشعر الذي يميزه وضعه وبعده الإنساني.
   3 ـ إذا ما عدنا إلى المراحل السابقة نجد أن شعراء المرحلة الثانية هم الذين حملوا راية التجديد في الشعر المغربي. وكان اهتمامهم ينصب على قصيدة التفعيلة.أما موضوعاتهم فكانت تنبع من الهم الوطني العام والهاجس الوجودي. وكانت مهمة الشاعر بالغة الأهمية والتعقيد، فعليه أن يأخذ في الاعتبار كل الأوضاع السائدة التي يعيشها ويتفاعل معها، على اعتبار أن الشاعر هو أكثر الناس رهافة حس وعمق وجدان، لخلق وإبداع أشكال شعرية جديدة، وهو مطالب أن تكون رؤيته الشعرية على قدر من التفرد والخصوصية التي تجسد مدى عمق تجربته واتساعها. ولهذا الغرض فهو في حاجة ماسة إلى استدعاء أدوات تعبيرية جديدة.
     هكذا، لا يكون، « الشعر شعرا إلا إذا كان: 1 ـ شعورا صادقا وعميقا وتعبيرا أصيلا ودقيقا عن شخصية صاحبه بأبعادها الجسدية والنفسية والاجتماعية والفكرية 2ـ تمثلا واعيا وثاقبا لتجربة الواقع الموضوعي بمظاهرها التاريخية والاجتماعية والثقافية...3ـ وامتلاكا قويا لناصية اللغة وتمكنا كافيا من تقنيات التعبير الفني والأداء الأدبي.4ـ وإيمانا غامرا بالقضايا التي يعبر عنها الشاعر ويدافع عنها محلية كانت أو قومية أو إنسانية...»([12]).
    إن فترة الستينات هي التي أفرزت لنا شعرا جديدا يحاول خرق العروض التقليدي، ويتوجه صوب تغيير قوالب الكتابة والتخفيف من الضغط والتقيد بالقوالب الشعرية القديمة. وهذا ما تجسد في قصائد شعراء مميزين مثل أحمد المجاطي وغيره... من الذين عاشوا تجربة الخيبة والانكسار وتوالي الإخفاق. وقد ساهمت معرفتهم الشعرية في تأسيس دعائم القصيدة المغربية الحديثة. وهذا يعني بداية انتماء المغرب للحداثة الشعرية، بالتخلي عن النمط التقليدي والبدء في بناء قصيدة تجد مكانا لنموذجها في المستقبل. وتؤسس لرؤية شعرية وجودية مختلفة، تقوم على عملية تدمير وإعادة بناء تضمن الاستمرارية والمكانة المميزة.
       إذن، مع التجربة الشعرية المغربية الجديدة « تكون موقف يناقض المواقف السالفة والماضية. فلقد كانت مسألة ضرورة الاستجابة لدواعي العصر ولمقتضيات التطوير، وبمباركة منطق المعاصرة، ضرورة حتمية، بل أكثر من هذا، لقد تجاوزت الحداثة هذه الضرورة عبر صوغ رؤية جديدة للذات في علاقتها بالوجود، وكذا في موقفها منه، ورؤية بمكنتها أن تضمن للشاعر حضوره المتميز والمتفرد. بذلك، وبشكل موضوعي، تغيرت آليات التعبير الشعري وتحرر قوله من معيارية القصيدة التقليدية وهياكلها…»([13])
       إننا لا ننكر الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة، التي تولي أهمية للشعر المغربي  الحديث ولشعرائه من قبل منابر أدبية أصبح لها وزنها على الساحة العربية والدولية مثل"بيت الشعر المغربي" و"اتحاد كتاب المغرب"،  و"رابطة أدباء المغرب". وقد عملت على نشر دراسات عن الشعراء المغاربة مثلما عملت " رابطة أدباء المغرب"، حيث خصصت دراسة للشاعر أحمد المجاطي بمساهمة مجموعة من الباحثين ونشرت في كتاب تحت عنوان" أحمد المجاطي شاعر المغرب". ومن جانب آخر عمل بيت الشعر المغربي على تخصيص دورة من دوراته لنفس الشاعر، ونشر كتاب يحمل عنوان "دورة أحمد المجاطي الأكاديمية في الشعر المغربي المعاصر" لمجموعة من الباحثين الوازنين في الساحة الثقافية المغربية. وهذا التقليد ترسخ مع بيت الشعر المغربي، سنويا لإضاءة جوانب من تاريخ الشعر المغربي بكل رموزه، كما نشير إلى دور الشبكة العنكبوتية للاتصال في نشر العديد من المقالات عن الشعر المغربي. وهذا في رأينا يدل على الاهتمام بدراسة المتون المغربية سواء النثرية والشعرية.
     إذن، شكلت المراحل التي قطعها الشعر المغربي الحديث، نوعا من الوعي الشعري النوعي، يمكننا من القول بوجود نماذج مغربية مختلفة مميزة  لكننا نجد مع ذلك الناقد الجاد بنعيسى بوحمالة يقول:«... هل اقتدرت الثقافة المغربية، طوال تاريخها، على إنتاج متخيل شعري مقنع وجاذب، مهيأ، تلقاء نضوجه المحتمل، لبلورة نص شعري مغربي معاصر لا يقل شاعرية عن نظيره المشرقي»(

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟