عندما تكون مدينة الأنوار في قلب الإعصار ؟! ـ د. علي أسعد وطفة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

 abstr-lumieالصدمة الإرهابية التي تعرضت لها  باريس مدينة التنوير والأنوار  كانت أشبه بالبركان بالزلزال بالإعصار الذي هزّ  العقل الغربي وأيقظه من غفوته الحالمة . فالإرهاب تمكن هذه المرة من قلب الحضارة الغربية واصابها في الصميم ليضرب أحد أعظم أركان الحضارة في الغرب الأوروبي ويصيبها بطعنته النجلاء في صميم مبدأ الحرية الذي هو أصل الأصول في الكيان الحضاري الغربي . فقتل الصحفيين الفرنسيين في عقر دارهم اغتيال لحرية الفكر والعقل اغتيال لفكرة التنوير الذي تقوم عليه الجمهورية الفرنسية منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم . ومما لا ريب فيه أن الحرية  المحصنة تشكل غرة الثقافة الفرنسية والحضارة الغربية برمتها ، وما حرية الصحافة في أوروبا وفرنسا سوى التعبير الأعمق والأشمل عن روح الحضارة الغربية برمتها .
مقتل الصحفيين بهذه الطريقة الوحشية سابقة نَدُر مثيلها في التاريخ الإنساني الحديث ، وستشكل هذه الحادثة شرخا كبيرا  في طبيعة العلاقة الحضارية ما بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي وما بين المسيحية والإسلام . وقد تكون أشبه بشرارة موجة من الإرهاب القادم بين المسيحيين المتطرفين من جهة وبين المتشددين الإسلاميين المتطرفين من جهة أخرى  وربما ستكون الضربة قاسية على قوى اليسار في أوربا ؛ فالحادثة أضعفت قوى اليسار الأوروبي واليسار الفرنسي الذي نهج نهجا سياسيا تسامحيا وديمقراطيا مع المغتربين العرب والمسلمين والذي لطالما كان وما زال مناهضا للسياسيات العنصرية ضد المسلمين والعرب في أوروبا قاطبة .

فعندما يضرب الإرهاب مدينة النور  فإن ذلك يعني أن مخاض معادلة سياسية جديدة في السياسيات الغربية تجاه المسلمين بعامة والإرهاب والمتشددين في العالم الإسلامي . وليس أدل على ذلك من أعمال العنف التي تعرض لها المسلمون في مساجدهم ودور عبادتهم في عدة مناطق في فرنسا وفي العالم . وما كان المسلمون  العرب في حاجة إلى هذه المصيبة فقد كان لديهم ما يكفيهن من عناء المواجهات مع العنصريين والمتطرفين في أوروبا وفي العالم .
الغرب المسيحي شعوبا وحكومات قد بدأ الآن يشعر بالخطر في مواجهة هذه الصدمة الإرهابية الكبيرة التي هدفت إلى اغتيال حرية الصحافة والفكر والثقافة في أوروبا . والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي أحوال الجاليات العربية والإسلامية التي أصبحت في مواجهة مدّ أسطوري لموجة الكراهية والعنف ضد المسلمين والعرب بصورة خاصة ؟
لا أحد يعرف ما إذا كانت هذه العملية الإجرامية البشعة هي مجرد عملية انتقامية لبعض المتشددين ضد الصحيفة ؟ أم أنها كانت عملية تقوم على تخطيط سياسي ومدفوعة بقوى سياسية لها مآربها في إيقاظ الغرب على مواجهة صليبة جديدة ضد العرب والمسلمين . ومهما يكن الأمر فإن هذه الإجرام الإرهابي  يمكن تفسيره على خريطة المستفيدين والمتضررين من هذا العمل الجنوني المرعب .
إن المتضرر الأكبر من هذه العملية الشعوب والجاليات الإسلامية التي تعيش في الغرب والتي ستعاني أكبر موجة من الكراهية والإقصاء والتعصب والمضايقات في مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية. ويلي هذا الشعوب من حيث الضرر الحكومات الديمقراطية واليسارية التي يسرت للمسلمين سبل عيشهم واندماجهم في الغرب وسنت القوانين والتشريعات لحمايتهم ومساواتهم بالمواطنين الأصليين في هذه البلدان. ومما لا شك فيه أن هذه العملية ستؤثر في الموازين الانتخابية في المرحلة القادمة لصالح اليمين المتطرف في أوروبا بكل تأكيد.
والمستفيد الأكبر في من هذه العملية القوى اليمينية في أوروبا التي تستغل هذا الحدث لتصول وتجول في مجال السياسية والتي ستحصد أصوات الغربيين في أي انتخابات قادمة في فرنسا وي أوروبا . ومن كبار المستفيدين من هذه العملية ستكون الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي التي تزعم أنها تحارب الإرهاب.
وفي الخلاصة يمكننا القول  السياسيات الخارجية الغربية ستشهد تحولا كبيرا وسياسات جديدة في مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط أكان إرهاب الأنظمة أم كان إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة . وقد يكون الدرس الأساسي والأهم للغرب أنه عندما يلعب بالنار ويغذي الإرهاب في الشرق العربي فإن هذه النار ستحرق أيضا في معاقله وفي دياره . وكم نتمنى أن يكون هذا الحدث المخيف الشائن درسا للغرب يعيد فيه النظر في استراتيجياته ومواقفه الغير أخلاقية من قضايانا المصيرية . فالغرب بصورة أو أخرى يرسل الدمار والموت لبلادنا وهو ربما يجب عليه أن يعلم أن الإرهاب لا وطن له وليس له حدود وأن جحيمه قد يطال الجميع في القريب العاجل.
 ونحن على يقين بأن هذا العمل الإرهابي كان ضد الإنسانية والإنسان ضد مبدأ الحريات وضد الحضارة وضد المسلمين وقضاياهم العادلة قاطبة في الشرق والغرب . ومن هنا يجب على الشعوب العربية الإسلامية أن تدين هذا العمل الإرهابي في كل مكان من بقاع المعمورة.  كما يجب على الغرب أن يعيد النظر في كل السياسيات الرعناء الذي يعزز فيها قوى الاستبداد والتطرف في المنطقة العربية.
الدكتور علي أسعد وطفة –  جامعة الكويت

تعليقات (6)

This comment was minimized by the moderator on the site

مقال الدكتور يلقي الضوء على الصدمة الإرهابية التي أصابت مدينة باريس وكيف أثرت على الحضارة الغربية وعلاقتها مع العالم الإسلامي.

Alhanouf Alhajri
This comment was minimized by the moderator on the site

من وجهة نظري أري أن هذا المقال من المقالات التي توجد بها الكثير من الإيجابيات ، حيث وضح من خلاله الدكتور على أسعد وطفة أن الصدمة الإرهابية التي تعرضت لها مدينة باريس كانت أشبه بالبركان ، وبالزلزال ، وبالإعصار ، والمستفيد الأكبر فى من هذه العملية...

من وجهة نظري أري أن هذا المقال من المقالات التي توجد بها الكثير من الإيجابيات ، حيث وضح من خلاله الدكتور على أسعد وطفة أن الصدمة الإرهابية التي تعرضت لها مدينة باريس كانت أشبه بالبركان ، وبالزلزال ، وبالإعصار ، والمستفيد الأكبر فى من هذه العملية القوى اليمينية فى أوروبا التي تستغل هذا الحدث فى مجال السياسة والتي ستحصد أصوات الغربيين فى أي انتخابات قادمة فى فرنسا وفى أوروبا.

اقرأ المزيد
منى خالد الرشيدي
This comment was minimized by the moderator on the site

يتم استعراض الصدمة الإرهابية التي تعرضت لها باريس وتأثيرها على الحضارة الغربية والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين. يشدد المقال على أهمية حرية الصحافة والفكر في الثقافة الفرنسية والحضارة الغربية بشكل عام. كما يناقش المقال تأثير هذه الحادثة على...

يتم استعراض الصدمة الإرهابية التي تعرضت لها باريس وتأثيرها على الحضارة الغربية والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين. يشدد المقال على أهمية حرية الصحافة والفكر في الثقافة الفرنسية والحضارة الغربية بشكل عام. كما يناقش المقال تأثير هذه الحادثة على اليسار الأوروبي وعلاقته بالمسلمين والعرب في أوروبا. ويتساءل المقال عما إذا كانت هذه الحادثة هي عملية انتقامية فردية أم لها تأثير سياسي أو مدفوعة بأجندات سياسية. يختتم المقال بالتأكيد على أهمية فهم الفائدة والتأثير الذي قد يكون لهذه العملية الإرهابية على مختلف الأطراف المعنية.

اقرأ المزيد
نوره مشعل العازمي
This comment was minimized by the moderator on the site

شكرًا للدكتور علي أسعد وطفة على هذا المقال القيم والتوعية بأهمية الحرية والتسامح في بناء المجتمعات المتعددة الثقافات.
مقال الدكتور يلقي الضوء على الصدمة الإرهابية التي أصابت مدينة باريس وكيف أثرت على الحضارة الغربية وعلاقتها مع العالم الإسلامي....

شكرًا للدكتور علي أسعد وطفة على هذا المقال القيم والتوعية بأهمية الحرية والتسامح في بناء المجتمعات المتعددة الثقافات.
مقال الدكتور يلقي الضوء على الصدمة الإرهابية التي أصابت مدينة باريس وكيف أثرت على الحضارة الغربية وعلاقتها مع العالم الإسلامي. يشير المقال إلى أن هذا الهجوم ليس فقط على حرية الصحافة والفكر، ولكنه أيضًا يمكن أن يؤثر على الجاليات العربية والإسلامية في الغرب بشكل سلبي، ويشجع على التعصب والكراهية ضدهم. كما يتناول المقال تأثير هذا الحادث على المشهد السياسي في أوروبا وكيف قد يستغله الأحزاب اليمينية في الانتخابات المقبلة.

اقرأ المزيد
اريام حمد بريدان العازمي
This comment was minimized by the moderator on the site

اشكر الدكتور علي وطفه على هذه المقاله المفيده

ايه صباح العنزي
This comment was minimized by the moderator on the site

إن المتضرر الأكبر من هذه العملية الشعوب والجاليات الإسلامية التي تعيش في الغرب والتي ستعاني أكبر موجة من الكراهية والإقصاء والتعصب والمضايقات في مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية.

تحرير الشمري
لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟