علي الوردي : (10) هل السلف الصالح هو الأنموذج الأكمل ؟ ـ د. حسين سرمك حسن

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

1164933323232في الفصل الرابع : ( مشكلة السلف الصالح ) من كتاب "وعّاظ السلاطين" ، يتناول الدكتور علي الوردي مشكلة ( سخيفة ) كما يصفها وتتمثل في محاولة الواعظين العودة بنا إلى صدر الإسلام من خلال القول بأن السلف الصالح هو الأنموذج الأكمل الذي علينا الإقتداء به . وهو يعد هذا المنطق ( سخيف طبعا ) لأن المسلمين الأوائل ليسوا الأنموذج المثالي الذي علينا أن نقتفي خطاه في حياتنا الراهنة ، وذلك لأنهم نجحوا في البداية ثم فشلوا وما علينا إلا أن ندرس أسباب فشلهم لكي نتعظ بها في تجاربنا الحاضرة . وحسب الوردي فإن هناك شواهد قوية على إحساس النبي وعمر وعلي من بعده بالتشاؤم من المستقبل الذي ينتظر التجربة الإسلامية . فبالإضافة إلى أن القرآن الكريم يقول : ( إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى ) مؤسِّسا لناموس اجتماعي شامل للفشل والضمور والإنحطاط الذي ينتظر أي حركة اجتماعية كبرى ، فإن الواقع قد أظهر أن المسلمين كانوا أول عهدهم يكافحون الظلم والترف والاستغلال في أيام الرسول ، لكنهم بعد أن أُتخموا بالمال والترف أصبحوا بحاجة لمن يكافحهم كما يقول الوردي . والشواهد التي ينقلها الوردي تشير إلى أن الرسول قد خرج إلى المسجد في أواخر أيامه وصاح بصوت عال :
( أيها الناس .. سُعّرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ) ( الإسلام سيرجع غريبا ) بدلا من أن يتفاءل بانتشار الإسلام .


أمّا عمر فقد بكى عندما وصلته الغنائم من بلاد فارس بدلا من أن يفرح وقال :
(.. الله لم يعط قوما هذا إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء ) كما أنه وضع سُنة استشرف منها هبوط الإسلام وتدهوره حين قال :
( ألا أني سننت الإسلام سنّ البعير، يبدأ فيكون جذعا ثم ثنيا ثم رباعيا ثم سداسيا ثم بازلا. ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان ؟ فإن الإسلام قد بزل).
أما الإمام علي فقد قال :
(من ملك استأثر) مستشرفا ما كان الإسلام مقبلا عليه من استئثار وطغيان.
ورغم تحريم الربا فقد نمت طبقة المترفين (الطغاة كما سيسميهم الوردي لاحقا ) في ظل فتوحات الإسلام بدرجة أكبر من الإسلام وذلك من خلال شراء العبيد (وكلّهم حرفيون من البلاد المفتوحة ) وتشغيلهم في التجارة وفرض ضريبة عليهم يؤدونها كل يوم أولاً ، وإعطاء الأموال للتجار لاستثمارها وتقسيم الربح ثانيا ، والبيع المؤجل ثالثا . وقد (حبس) عمر الأغنياء في المدينة ومنع انتقالهم إلى الأمصار، كما خرج على سُنة أبي بكر وبدأ بتوزيع المال على الناس بالتساوي قائلا :
( لا أجعل منْ قاتلَ رسول الله كمن قاتلَ معه) ، كما منع تعذيب أحد في الجزية.. وغيرها من الإجراءات الحازمة التي حاول من خلالها احتواء سرطان نمو ثروات المُترفين .

وقد شعر بالخطر حتى أنه قال في أواخر أيامه :
( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين ) .
لكنه أغتيل قبل أن يحقق ذلك ، وخلفه عثمان الذي انفجرت في عهده القنبلة الموقوتة ، حيث قام بأشياء لم يقم بها عمر منها : أنه أطلق الأغنياء بعدما حجزهم عمر في المدينة وسمح لهم بالسفر ، وأضاف إلى قائمة الأغنياء أسماء جديدة هم الصحابة الذين أسلموا بعد الفتح وكان عطاؤهم في عهد عمر قليلا ، وترك الأغنياء يؤدون الزكاة إلى الفقراء بأنفسهم بعدما كان الجباة يجبونها منهم . وكانت النتيجة تضخّم ثراء الأغنياء الفاحش ومضاعفة فقر المسلمين المسحوقين . فظهرت مجموعة من الوعّاظ الثائرين منهم أبو ذر الغفاري الذي كان ينهى عن ( الكنز ) ، ويرى أن الزكاة وحدها غير كافية وأنّ على الأغنياء أن يعطوا الفقراء جميع الأموال التي يكنزونها بحيث لا يبقى لديهم إلا معاشهم ومعاش ذويهم .


وحسب الوردي فإن أبا ذر لم يُواجه ويُحارب من قبل وعّاظ السلاطين في أيام عثمان حسب بل في العصر الحديث أيضا . فقد اجتمعت لجنة فتاوي الأزهر في عهد الملك فاروق وقررت الطعن في أبي ذر واتهمته بالهَوَس والخروج على إجماع المسلمين وذلك عام 1954 . وهو يرى أن هؤلاء الوعاظ الذين يسمحون للغني بجمع الأموال ثم يأتون ليعظوه بمخافة الله ويهدّدوه بعذابه هم كمن يطلب المستحيل ، فهم يتجاهلون طبيعة العقل البشري ، وينسون أن الإنسان يندفع بما تمليه عليه ظروفه النفسية والاجتماعية ثم يطلي اندفاعه هذا بطلاء من الدين والفضيلة . وهنا يعود الوردي إلى نقد المنطق القديم ( الأرسطي ) حيث يرى أن الطغيان حليف الغنى كما أشار القرآن ، وفي هذا سر لا يفهمه أصحاب المنطق القديم . فهذا المنطق يصنّف الناس إلى أخيار وأشرار ، ومن كان من الناس خيّراً بقي في نظره خيّراً حتى الموت . وهذا رأي لا يستسيغه المنطق الحديث الذي يرى أن الإنسان خيّرٌ وشرير في آن واحد . وتكوين الشخصية البشرية قائم على أساس التفاعل بين نزعة الخير والشر فيه . واختلاف الناس نسبي يعتمد على طبيعة الظروف النفسية والاجتماعية المؤثرة . وهنا يؤكد الوردي على دور العوامل اللاشعورية التي تضغط على الإنسان وتجعله يتصرف ثم يحاول إيجاد غطاء عقلاني أو ديني لتصرفاته . ثم يشير إلى حقيقة خطيرة تتمثل في :
( أن الدين لا يردع الإنسان عن عمل يشتهي أن يقوم به، إلا بمقدار ضئيل . فتعاليم الدين يفسرها الإنسان ويتأولها حسبما تشتهي نفسه . وقد رأينا القرآن والحديث مرجعا للكثير من الأعمال المتناقضة التي قام بها المتنازعون في صدر الإسلام . فلقد وجدناهم يقتل بعضهم بعضا ويكفّر بعضهم بعضا، ثم يستندون في ذلك على آية من القرآن أو حديث من النبي. وكان كل حزب من الأحزاب المتطاحنة يملك سلاحا قويا ضد خصومه من الآيات والأحاديث. ولا تزال الفرق الإسلامية تتحارب بالآيات والأحاديث .كل فرقة تملك في جعبتها أسلحة شتى مما قاله الله أو قال الرسول الكريم . يقول علي بن أبي طالب : ( القرآن حمّال أوجه ) وهو يعني بذلك أن القرآن يحمل تفاسير متنوعة وكل حزب يستطيع أن يجد له في القرآن ما يريد من دليل يسنده في عمله ) .


والوعاظ هم الذين يتصدّون لهذه المهمة غير المقدسة ، فيبررون للسلطان أفعاله بتأويل الآيات والأحاديث . فهم من ناحية يدعون الناس إلى نبذ الثورة وشق عصا الطاعة على السلاطين اقتداء بالسلف الصالح الذي كان موحَّدا و( ملائكيا ) في حين أن الوردي يقول أن الصحابة تشاتموا مرة أمام النبي وتضاربوا بالنعال . كما أنهم في أيام عثمان ساروا في طريقين متعاكسين أوصلهم إلى القتال . ومن ناحية أخرى نجد الوعاظ يضعون المتون النظرية التي تبرر أفعال الطغاة قياسا على تأويلات لوقائع التاريخ الإسلامي في عهد النبي ، هذا – حسب الوردي – ما فعله الإمام القرطبي في تفسيره حيث أدان دعوة أبي ذر إلى عدم (الكنز) جاعلا سور القرآن التي تنهى عن الكنز وقتية ، ونهي النبي عنه مرتبطا بظروف فاقة المسلمين أول الدعوة !! .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟