قراءة في كتاب "إمكان النهوض الإسلامي" ـ مراجعة نقدية في المشروع الإصلاحي لعبد الله العروي ـ لمؤلفه الدكتور أمحمد جبرون ـ محمد الرازقي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

  3d-abstract-L-iCtOrGصدر للأستاذ محمد جبرون، الكاتب المغربي والباحث في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، كتاب جديد تحت عنوان 'إمكان النهوض الإسلامي، مراجعة نقدية في المشروع الإصلاحي لعبد الله العروي" ، عن مركز نماء للدراسات والأبحاث، ضمن سلسلة مراجعات، من 190 صفحة من القطع المتوسط.
بهذا الكتاب يتعزز المشروع الثقافي الذي يتوخى تجديد الفكر الإسلامي وتأصيل مفاهيمه، والذي يمتد إلى المشاريع الإصلاحية الأولى منذ أواخر القرن التاسع عشر والتي عالجت إشكالية النهضة، ودافعت عن الأصالة والهوية والاستمرارية التاريخية، في مقابل المشاريع الأخرى التي تقوم على أوليات وأسس مغايرة، والحوار المفتوح بين "الفرق الكلامية" المعاصرة بتعبير أمحمد جبرون، الذي تمخض عنها، كمحاولة للجواب عن سؤال النهضة الكبير: كيف يمكن تجاوز التأخر السائد في المجتمعات العربية والإسلامية؟


لكن اليوم وبعد مرور كل هذا الوقت، وبعد كل الأحداث التي طرأت على الساحة، والإسهامات النظرية والفكرية التي عززت المشهد الثقافي الإسلامي والعربي، أصبح من غير الممكن الحديث عن الإصلاح دون ذكر إسهامات احد أهرامات الفكر العربي المعاصر، الذي أبدى مقدرة كبيرة على التنظير والإبداع، وله حظوة في صفوف الشباب والنخبة العربية، بل وتجاوز صدى أعماله حدود الوطن العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة، انه المفكر المغربي عبد العروي، ولعل مؤلفه الشهير "الإيديولوجية العربية العاصرة" حجر الأساس في مشروعه الإصلاحي  والذي يعود تأليفه إلى 1967م، الذي تزامن صدوره مع ظرفي عربي وإسلامي جد حساس، وبناء على هذا الحضور المستمر للنظرية الإصلاحية للعروي في نقاشنا النهضوي بالعالم العربي، يقترح الأستاذ محمد جبرون في مقدمته كتابه هذا العودة لهذه النظرية، وعرضها من جديد على النقد والتأمل، استخلاصا لحسناتها وطرحا لسيئاتها في أفق بناء نظرية إصلاحية إسلامية قوية، تقوّم باستيعاب سوء فهم العروي من ناحية، وإدراك النواقص التي نبه إليها من ناحية أخرى.
إذا فالكاتب يطلعنا منذ البداية عن هدفه من نقد مشروع العروي الإصلاحي، الذي يقوم على أسس ثلاثة يمكن تلخيصها في أعادة إدراك الذات، إعادة تعريف العقل، تبني مفهوم جديد للدولة، وتجاوز المفاهيم التقليدية، واستنادا على هذه الأسس يقترح الكاتب توزيع جهده النقدي والتنظيري في الكتاب على أربعة فصول هي على التوالي بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة وقائمة المراجع المعتمدة في الدراسة:

1.    من إيديولوجية التطابق مع الآخر إلى إيديولوجية التطابق مع الذات:
تعرض الكاتب في هذا الفصل لإشكالية المماثلة والتطابق مع الآخر، مع الغرب في مشروع عبد الله العروي، بعد أن قدم مضمون وخلاصة الايديولجية العربية المعاصرة ، وهو منهج أعلن عنه منذ البداية في هذه الدراسة، لينتقل بعد ذلك إلى تبرير وعرض الأسباب التي دفعته للاشتغال على هذا المؤَلّف ومراجعته بعينه، والتي تتمثل في موقفها –أي الإيديولوجية العربية المعاصرة- من الأصالة والسلفية التي من شان تصحيح المغالطات التي ألحقت بها -حسب جبرون- أن تساهم في بناء "الفكرة السلفية" على أسس أكثر علمية ومصداقية من تلك التي انبنت عليها أواخر القرن 19م وبداية القرن 20م، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لمكانتها بين النظريات الإصلاحية المعاصرة كتعقيب نظري عميق على المشاريع السابق، وبداية دورة فكرية إصلاحية، تلك التي وصفها الكاتب باللاتوازن والانفعال تجاه قضايا الإسلام، لينتهي إلى الافصاح عن العلة الغائية من هذا النقد والمتمثلة في الانتقال الى طور إصلاحي جديد.
هكذا ينتقل بنا الكتاب الى حصر المفاهيم وامتداداتها، وجرد أهم المبادئ التي وجهت تصور العروي في أطروحته ، والتي لخصها في : التداخل التاريخي والغرب التائب، التشكيك في الاستمرارية التاريخية، الماركسية الموضوعية، والتي حاول جبرون مساءلة مصيرها بعد مرور ما يقارب أربعة عقود على ظهورها، فيما إذا تقوت بالأحداث والمستجدات، أم أنها ضعفت ونسفت من أساسها، ليستقر على الرأي الثاني، أي إلى اعتبار دعوة العروي للتداخل بين العالمين العربي-الإسلامي والغربي على أساس وحدة المصير، بمثابة نوع من الرومانسية الفكرية، مستدلا بحالة الصراع والمواجهة التي صبغت علاقتنا بالغرب، كالتوسعات الاستعمارية..الخ، ذلك أن خصوصية مشاكلنا، يفرض طرق خاصة لمعالجتها، ما يجعل دعوى "القطيعة" مع التراث، والتى يميل إليها العروي لأنه "في ظل الدولة القومية، تكون الاستمرارية التاريخية قد تبددت نهائيا ولم يعد لها قوام فعلي" غير مقنعة وغامضة في آن، وهذا يفضي  بنا إلى الماركسية الوضوعية كايديولوجية فكرية سياسية قادرة على حمل هموم العرب وتطلعاتهم المشروعة الى النهضة والتقدم، وكخطاب نقدي تؤكد الأحداث والوقائع -حسب الكاتب- على تراجعها بسبب فشل التجارب السياسية الماركسية، كسقوط الاتحاد السوفياتي، وانتصار الديموقراطي والليبرالي في اوروبا الشرقية...الخ، وبسبب طبيعتها المثالية المتعالية عن الواقع الذي فشلت في فهمه، ما فسح المجال أمام تيارات فكرية جديدة تسعى إلى تهذيب الرأسمالية الليبرالية وتخليقها لا العمل على إقبارها أو تجاوزها. هكذا ينتهي بنا الكاتب بعد مراجعة "الاديولوجية العربية المعاصرة" الى القول بان أسمى غاياتها تحقيق التطابق مع الآخر، وهذا سوء فهم للأسباب الحقيقية لواقع التأخر التاريخ ما يجعل  مصير هذه الأخيرة –أي القول بالتطابق- هي فقدانها لمحتواها، كونها لم تفلح في توجيه إرادة الإصلاح للعرب التوجيه الصحيح، وبالتالي لم تتمكن الاديولوجية العربية المعاصرة من قيادة الممارسة وتوجيه الفعل التاريخي العربي، وهو ما يثير أسئلة عريضة حول العلاقة بين الفكر والتجربة، وحول أسباب الطلاق بين الطرفين في التجربة النهضوية العربية.


2.    الإسلام والإسلام التاريخي:
يحاول الكاتب من خلال هذا الفصل مناقشة رؤية عبد الله العروي للتراث الإسلامي، وتصوره لدور هذا الأخير في مسار إرادة التحديث والنهوض، والتي يتهمها الاستاد جبرون منذ بداية هذا الفصل بالراديكالية في مقاربتها للذات وعناصرها العقدية والثقافية، واختزال الإسلام بتجريده من مضامينه التشريعية والأخلاقية، وذلك لغرض إثبات العروي لرأيه المؤطر بسؤال الإصلاح في تطابق الذات مع الآخر ورفع الحواجز والموانع، والتي يشكل التراث إحدى جوانبها، ولعرض أفكار العروي في هذا المجال يقترح علينا الكاتب مقاربتها من خلال ثلاثة محاور: الإسلام والحداثة ويحاول الكاتب فيه بيان بطلان دعوى العروي في جعله النخبة العربية أمام اختيارين، إما اختيار الحداثة الفكرية، وإما اختيار الوفاء للذات ويعني الموت في التاريخ، وهو ما يقضي على أي إمكانية للتوفيق -حسب الكاتب- بين مسعى التحديث والوفاء للأصالة. لينتقل في المحور الثاني إلى تبيان نكران العروي لدور الإسلام في قيادة إرادة النهضة وتجاوز التأخر التاريخي، مقابل دفاعه عن الماركسية والعقلانية المرتبطة بها على حساب تصفية نفوذ الإسلام الثقافي، هكذا يدعونا جبرون في المحور الثالث إلى تعريف جديد للحضارة الإسلامية خلافا للتعريف الذي منحه إياه المتكلم عبد العروي، قبل أن ينتقل إلى مناقشة آراءه في القرآن والسنة والنبوة، محاولا إبطال القول بتاريخية القرآن وخضوعه لنفس المنطق الذي يحكم باقي الموجودات في التاريخ، وفي نفس الوقت محاولة رد الاعتبار لدور الاجتهادات الفكرية والمنهجية لفقهاء الإسلام في فهم القرآن، تلك التي دعا العروي إلى وضعها جانبا وقراءة القرآن بلا واسطة، أي دون المرور عبر فهم السلف لهذا الأخير.
السنة هي الأخرى حضيت بنصيبها من مراجعات جبرون، نظرا لمكانتها –حسب قوله- في المنظومة الإسلامي، إذ وقف مدافعا عن قدسيتها، ورد دعوى خضوعها لمنطق الكون والفساد، او قانون الوجود والعدم الذي يدعو إليه العروي بطريقة غير مباشرة، وفي نفس الآن إثبات بطلان دعوى أن السنة هي انتصار لفهم معين لأشراف مكة، بين افهام أخرى كانت منافسة لها ولم تستطع فرض تصورها، فالسنة حسب الكاتب ليست مجرد بيان لكيفية تطبيق النص الأزلى على الواقع البشري المتحول حسب تعبير العروي والذي وضعه أشراف مكة، لتحكم سلطتها على كل مجالات الحياة الإنسانية، وتكريس التقليد فيها، بل هي في جوهرها كيفية ومنهج للتقريب بين القرآن والتاريخ، أما التقليد فهو-حسب الكاتب- مجرد معطى تاريخي فقط، وليس كما يقول العروي عادة فكرية متأصلة في العقلية العربية التي بناها الإسلام.
يرجع جبرون فشل فرضيات العروي إلى قصور المنهج الذي اعتمده والمتمثل في التاريخانية في فهم وتفسير الظاهرة الدينية وبشكل خاص ظاهرة النبوة والوحي، فالإسلام يجب فهمه انطلاقا من التعريف الذي وضعه لنفسه كما يقول جبرون، والذي أثبتت مسيرته في التاريخ انه لم يقف حجر عثرة أمام طموحات الأمة.


3.    الدولة الإسلامية الحديثة: المفهوم والإمكان:
دافع الكاتب في هذا الفصل عن وجود نظرية في الدولة عند المسلمين، في سعيه لاثبات بطلان الحجج التي اتى بها العروي، اذ اقترح جبرون استنطاق عدد من الأعمال النظرية الإسلامية -وهو المنهاج الذي كان قد عابه على العروي سابقا- ومساءلتها بحثا عن مفهوم الدولة الإسلامية.
إن ظهور الدولة الاسلامية حسب الكاتب يؤطره حدث بارز وفريد من نوعه، وهو ظهور الإسلام في بلاد جاهلية تكاد تعرف تخلو من سلطة سياسية ذات تقاليد في الحكم والسياسة، اذ أن هوية الدولة الجديدة وفلسفتها أرساها النبي فتتطور في العصور الأخيرة، لتتضح ملامح المفهوم الإسلامي للدولة في أعمال ابن خلدون وابن تيمية والطرطوشي والغزالي، وهو ما يتعارض الى حد ما مع ذهب الكاتب في مطلع هذا الفصل من كون مسألة تسمية الدولة ووصفها وتعريفها، أنها لم تكن ذات أهمية بالعالم العربي قبل منتصف القرن العشرين، كما ان هذا الطرح يحتوي على كثير من التجاوزات في حق المنطق الذي يحكم حركة الفكرة في التاريخ وتكون المفاهيم واستقرار حمولته، خصوصا عندما يحاول الكاتب تحميل عصور خلت مفاهيم لم تكن معالمها وحدودها قد تشكلت بعد، وخصوصا مفهوم الدولة بالمعنى الحديث، حيث نجد استعمالا لمفاهيم تنتمي إلى مجالات معرفية وقيمية مختلفة بنفس المعاني، في تناغم وانسجام لا تقبله طبيعة كل واحد منها بالتعريف.
إن هذا الحشد لهذه العدة من المفاهيم الغاية منه إبطال دعوى العروي في كون أن "منطق الخلافة الحق يقضي أن الدين لا يتساكن مع الدولة بل يصهرها ليحيلها إلى لا دولة"، ذلك أن تاريخ الإسلام أثبت أن "الإسلام دين ودولة" أي انصهار كل من الدين والدولة حسب جبرون، وهو ما ينفيه العروي بدعوى انهم لم ينصهرا بل تعايشا جنبا إلى جنب في ظل الدولة السلطانية بشكل حافظ كل منهما على تمايزه، لكن العودة إلى تاريخ شعار "الإسلام دين ودولة" سنجد انه يرجع إلى تلك الفترة التي اكتشف فيه المسلمون الاختلال بين العدل والشرع، إذ أصبح الشرع ليس شرطا ضروريا لتحقق العدل والدليل هو التجربة الأوروبية الحديثة، المتمثلة في نموذج دولة التنظيمات، فرفع الشعار كرد فعل عن الإحساس بفقدان الشرع لمكانته وحضوته في المجتمع وفي أدبيات المشاريع النهضوية.
إن حديث جبرون في هذا الفصل عن الدولة يلفه كثير من الغموض، خصوصا عندما يجعل الدولة القطرية كمرحلة انتقالية فقط ساعدت العرب للانتقال إلى مرحلة الدولة الإسلامية الحديثة والخروج من مرحلة التقليد إلى الحداثة في المجال السياسي، وهذه قفزت كبرى من مجال نظري وفكري له أسسه ومبادئ تحكمه، هو الإسلام كمنظومة قيمية لها تصور لمختلف مناحي الوجود، الى مجال آخر وهو "الحداثة" الذي يقوم على أوليات وأسس مغايرة، ومنظومة قيمية تجاه العالم تختلف جذريا ولا تستقيم مع الجمع الذي اقامه الكاتب بين المجالين.
لقد عالج الاستاذ امحمد جبرون في هذا الفصل اشكالية المنهج الذي اعتمده العروي في مقاربته لمفهوم الدولة، وعاب عليه استعماله للمنهج الاستقرائي، ودعوته إلى جمع الشواهد من تاريخ المسلمين واستقرائها في أفق الحسم في مسألة التسمية: هل ما بين أيدينا نظام شرقي ام عربي ام إسلامي؟ على اعتبار انه لا إجماع عن تلك المقدمة –حسب الكاتب- التي بنى العروي على أساسها استنتاجاته، فيقترح علينا تبعا لذلك منهجا آخر، هو المنهج الاستنباطي، لكون كل التسميات والأحكام موجودة مسبقا في نصي الكتاب والسنة، وبالتالي ما علينا إلا بامتلاك آلية القياس، وهو ما يضعنا وفق هذا الطرح أمام أحكام مسبقة تحاول تقييد الوقائع المتغيرة لنص ثابت، وتحصيل حاصل. ودليل جبرون في هذا ان الاستنباط والقياس هو خاصية حضارية اختصت بها الحضارة الإسلامية وهو ما نشم فيه نوعا من التقليد والثبات التي قد لا تكون متمتعة بنوع من الانسجاع مع الرغبة المعبر عنها في بداية الكتاب، في تجاوز التأخر التاريخي الحاصل، والتي قد يكون الثبات على هذا المنهج الذي يدافع جبرون على استمراريته احد أسبابها.
4.    معضلة العقل العملي في الفكر الإسلامي وآفاق العقلانية:
تعرض فيه الكاتب لـ"مفهوم العقل" عند العروي قراءة ونقدا باعتباره أنضج متونه الإصلاحية، وكجهد نظري تفكيكي، تحليلي، وتركيبي للعقل الإسلامي في مختلف صوره وتجلياته. إن هذا الفصل بمثابة حوار مع "مفهوم العقل" عند العروي، يسائله ابتداء ليبين الدوافع والمبررات التي كانت وراء تأليفه، قبل ان ينتقل الى النتائج والمفارقات التي استنتجها العروي من خلال الاشتغال على تجارب فكرية وعقلانية في التاريخ الاسلامي، والتساؤل حول مصير "العقل العملي" مع ابرز أعلام العقلانية الإسلامية العلامة ابن خلدون والذي اعتبره بانه بقي في حدود العمران ولم يتجاوزه، ولم يفض على غيره من المجالات.
لهذا فالنهوض حسب العروي مشروط بالقطيعة مع عقل الاسم أو (العقل المطلق)، واستبداله بعقل الفعل او (العقل العملي)، الشئ الذي يجد مقاومة من طرف التراث الإسلامي، وهنا نحس بتدخل جبرون وهو يحاول ان يقنعنا بان التأخر الحاصل اليوم ليس صدى لكل التراث، وبالتالي تحميله المسؤولية عما نعيشه اليوم، لان العصر غير عصر السلف، ذلك ان الفقه الإسلامي المعاصر استطاع مواكبة العصر ما  يعني انه لم يعق إرادة النهضة والتقدم، هكذا تكون دعوى القطيعة لا مشروعية لها في التعامل مع التراث.
خاتمة:
يبدو من خلال جولتنا في الكتاب ان هاجس الكاتب الأول كان هو الذود عن التراث امام المقاربات التي تسائله بمناهج غير التي تعارف عليها السلف، ورد تلك النزعة التي تذهب الى ضرورة قياس واقعنا على مقاس الحضارة الغريبة، اذ يقترح الأستاذ جبرون حلا يعبره حلا وسطا بين "الرجعية" والـ"التغريب"، وهو ان الاستفادة من الحداثة الغربية بما تتيحه من إمكانات ووسائل في مجال ما هو مادي، وترك المجال الثقافي والديني لما سماه بالخبرة العربية لمساءلته، بناء على مسلمة أن إشكال التأخر ليس بمعطى ثقافي متمثل بسيادة نزعة التقليد كعادة فكرية إسلامية متأصلة في العقلية العربية التي بناها الاسلام، بل هو معطى تاريخي توجد اسبابه في ثبات البنيات الاقتصادية والاجتماعية..الخ.
ان الكتاب يدعونا الى قطف ثمار الحداثة اللذيذة من شجرة الغرب، والثناء في نفس الوقت على جذوع النخل التي أصبحت عاقرا لا تثمر كرمز للذات والأصالة. فان كان العروي يدعونا لاستيراد شتائل من هذا الغرب وتبيئتها في المناخ العربي والاسلامي، والاستغناء عن هذه الجذوع، فان جبرون يؤكد مرة أخرى ان الأرض عاقر لا تنفع الا لجذوع النخل، اذ يجب فقط الاستفادة من خبرة الزراع العرب في تطوير طرق العناية به، لكن الاستاذ جبرون لم ينتبه ربما الى انه في نهاية المطاف ستحصل على حبات تمور فقط لن تصمد أمام إغواء فاكهة الكيوي والأناناس الغربية.