حرية الاعتقاد و مشكل حد الردة في الإسلام - عادل الطاهري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسمرجعية حقوق الإنسان.. وضعية أم سماوية؟
ثمة مفارقة كبيرة في الفكر الإنساني  عامة منذ تغلغل المنظومة الحقوقية في المجتمعات و إقرارها في المواثيق و الإعلانات، حيث جُعِل من الفكر المادي الوضعي المرجعية لتأسيس منظومة حقوق الإنسان، و اعتبر الدين السماوي عامل عسف و قهر للإنسان. إن هذا الخبط  راجع إلى أمور عدة، أهمها ما قد نسميه فلسفة تاريخ الأديان، أعني المسار التاريخي الذي يتبعه الدين و أصحابه و أوضاعهم داخل مجتمعاتهم، فالدين يبدأ دائما مقموعا داخل بيئته، و في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحكي معاناة الأنبياء عليهم السلام و طغيان المعارضين لرسالاتهم و حظر حرية الاعتقاد، كقوله تعالى "لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين"، و قوله تعالى على لسان الذين اضطهدوا شعيبا عليه السلام " لنخرجنك يا شعيب و الذين آمنوا معك أو لتعودن في ملتنا"، و بعد أن يفتح الله على الأنبياء يسطرون صفحات مشرقة في التسامح الديني و إقرار حرية الاعتقاد و العفو عن الذين ساموهم بالأمس أشد العذاب، فعلى سبيل المثال بعد أن فتح نبينا محمدا صلى الله عليه و سلم مكة، نادى في المشركين بقول يوسف :"لا تثريب عليكم"، و "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، لكن ما أن يلحق الأنبياء بالرفيق الأعلى إلا و يحدث تحريف في الأديان، حيث يقوم أرباب المصالح باستغلال الدين لأغراض دنيوية ضيقة، فيتم توظيف الدين في السياسة توظيفا تعسفيا، و من التحريفات التي تطال الأديان ادعاء  الأشخاص _كهنة أو ملوك أو شيوخ..- لامتلاك الحق في قتل المخالفين في المعتقد و الفكر، و هنا يتخذ الدين كذريعة لتصفية المنافسين السياسيين، و التهمة الجاهزة  دائما هي المروق عن الدين و الزندقة.. و في تاريخنا الإسلامي لم يسلم من هذه التهمة الجائرة حتى كبار الصحابة كعثمان الذي هدر دمه بدعوى "كفره كفرة صلعاء" كما قيل على لسان عمار، و  علي لكونه كفر على حد قول الخوارج بتحكيمه للرجال في حادثة التحكيم المشهورة.


إن فلسفة التاريخ هذه أو "سنة الله" بالعبارة الدينية التي تمر بثلاث مراحل، هي التي حملت أصحاب القراءات السطحية للأديان للقول بأنه لم يعرف للمخالفين في العقيدة سوى المطابق الخشبية و المشانق، بينما نجد أن الحقائق التاريخية تثبت أن الأنبياء هم أكثر الناس عرضة للعنف و القهر من قبل مخالفيهم بدعوى ارتدادهم و تغييرهم لدين الآباء، فيرد الأنبياء دائما بقولهم "أو لو كنا مكرهين؟"، فبيت الدين هو أعماق القلب، فكيف يكره المرء على تبني أفكار ليس مقتنعا بها. إنها رؤى قاصرة كتلك التي تسود عامة في سوسيولوجيا الدين، حيث الاهتمام بالتوظيف الاجتماعي للدين، لا بمنابعه الصافية.
إن تقديم قراءة إبستمولوجية للأنساق التي تقوم عليها المرجعيتان الوضعية و السماوية في رؤيتهما و موقفهما من الإنسان لكفيلة برفع الغطاء عن هذه المسألة الدقيقة. ففي  الفكر المادي تفسيران لأصل الدين، هناك التفسير الماركسي الذي يرى أن الدين من صنع الأقوياء لإخضاع الضعفاء، و الرؤية النيتشاوية التي تعتقد بكون الدين بطاقة رابحة في يد الضعفاء من أجل معارضة الأقوياء، فلو سلمنا جدلا بأن الدين قضية مفتعلة لكان تفسير "نيتشه" الأقرب إلى الصوب، ذلك أنه باسم الدين فقط يمكن المطالبة بالمساواة و الإخاء بالنظر إلى أصلهم السماوي المشترك، أما إذا اعتبرنا الإنسان امتدادا للحيوان، فسيكون قانون الغاب هو السائد، من هنا فلا معنى للمطالبة بالمساواة و الحقوق في عالم المادة، بل إن المبدأ الدارويني "البقاء للأصلح" هو الأصلح، من هنا نفهم جيدا التماسك المنطقي لفكر نيتشه و هو يردد قولته المشهورة في كتابه هكذا تكلم زرادشت "تخلص من الضمير و من الشفقة و الرحمة، تلك المشاعر التي تطغى على حياة الإنسان الباطنية، اقهر الضعفاء و اصعد فوق جثثهم". إن حجر الزاوية لكل قضايا الإنسان بما فيها حقوقه لن يكون عميقا إلا إذا عدنا إلى السؤال الأنطولوجي "ما أصل الإنسان؟"  فالإيمان بالخلق و بوجود الله يعني الحرية، و أما الاعتقاد في التطور فيعني الحتمية و الكفاءة و الاستحقاق، و لا معنى هناك لمشاعر الرحمة و التكافل و العدالة.. يقول جاسبرز "عندما يكون الإنسان واعيا بحريته و عيا حقيقيا فإنه في الوقت نفسه مقتنعا بوجود الله.. فالله و الحرية لا ينفصلان"، بالفعل فالله وحده من خلال الفعل الفجائي للخلق هو القادر على خلق إنسان حر.
إن الحقيقة التي أريد أن أقف عندها هي إثبات الأصل السماوي لحقوق الإنسان بما في ذلك حق الحرية، و هذه المسألة تشبه إلى حد كبير أصل الأخلاق، فقد تحدث إيمانويل كانط عن تبعية الدين للأخلاق، و تحدث دافيد هيوم عن استقلال الأخلاق عن الدين استنادا على المبدأ الذي يراه منطقيا –مبدأ- "لا وجوب من الوجود"، و قد قام الدكتور طه عبد الرحمن بتتبع هاتين النظريتين فوقف عند أصولهما الدينية،  فأية محاولة لبناء صرح أخلاقي على أساس لاديني تبدو فاشلة تماما، و أن الرجوع إلى الأصول التي اقتُبِست منها النظريات العلمانية الأخلاقية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلفيها لادينية، يقول طه عبد الرحمن "إن الدين مهد الأخلاق اللادينية التي جاء بها، بحيث تكون حقيقة الأخلاقي اللاديني أنه أخلاقي ديني متنكر، و دليل تنكره إنكاره للحاجة إلى الحقيقة الدينية قولا و الإقرار بها فعلا"، إن الدين شمس الأخلاق، و معلوم أن الشمس عندما تغيب يظل أثرها بارزا  في ذلك الدفء الذي يشع من الأرض، فغيابها لا يعني أبدا التنكر لها.

حرية الاعتقاد بين القرآن والسنة.. والإجماع !
لا تعترف أكثر النخب المسلمة بالإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، فهي ترى أنها غريبة عن المرجعية الإسلامية، التي لا تقر بالكثير من المواد (خصوصا المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلقة بحرية الاعتقاد و تغيير الدين)، و هذا ناتج عن خطأ فقهي ذائع الانتشار، و هو ما سمي في كتب الفقه بـ "حد الردة"، فالإسلام بزعمهم لا يخول حق تغيير الدين. إن الكتب الفقهية تكاد تطبق على هذا الحكم "الإسلامي"، و للمرء أن يستغرب من هذا الحكم الجائر مع غياب الأدلة من القرآن و السنة على جواز قتل المرتدين، إن هذا ينم عن كون هذا الحكم أملته ضرورات سياسية في عصر ما، حيث عملت على تأويل النصوص الدينية تأويلات غير مستساغة، و فهم الأحداث التاريخية بما في ذلك ما سمي بـ "حروب الردة" التي قادها أبو بكر رضي الله عنه فهما خاطئا  بحثا عن المصداقية لعمليات التصفية و القتل باسم الدين، و إذا علمنا أن عملية التدوين في الفقه و التاريخ كانت في العصر العباسي (سنة 143هـ كما قال الإمام الذهبي)، و علمنا بالمنهج الذي سار عليه خلفاء بني العباس مع مخالفيهم، اتضحت لنا جذور هذا الحكم الجائر الذي لا يمت للسماحة الإسلامية بصلة.
لننظر في القرآن الكريم على ضوء القواعد الأصولية التي وضعها لنا علماؤنا، إن علماء الأصول يرون أن أصول الدين قضايا كلية، هي من المحكمات و لا يمكن أبدا أن تكون من المتشابهات، و أن هذه القضايا الكلية لا يطالها النسخ، و إذا وجد من الجزئيات ما يتعارض مع هذه الكليات التي هي أم الكتاب و أس الشريعة وجب تأويلها، يقول الإمام الشاطبي "إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا يؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان و لا حكايات الأحوال"، و إذ ذاك "فلك في التأويل سعة"  كما يقول، أي تأويل ما يتعارض مع هذه الكليات وفقا للغة العرب و باعتماد القواعد الأصولية كحمل المطلق على المقيد و المجمل على المبين و رد المتشابه للمحكم و معرفة الناسخ و المنسوخ أو محاولة الجمع بين النصوص و هذا الذي يسمى في اصطلاح المحدثين بـ "مختلف الحديث"...
إن قول الله تعالى "لا إكراه في الدين" قضية كلية تقرر حقيقة بديهية و هي أن الدين لا يمكن أبدا أن يكون بالإكراه، ذلك أن الدين مسألة إيمانية قلبية تقوم على الاقناع و ليس الإقماع، فالدين و الإكراه لا يجتمعان أبدا، و متى ثبت الإكراه بطل الدين، و كما أن المكره على الكفر ليس بكافر فإن المكره على الإيمان لا يعد مؤمنا، بل إن الإكراه في الدين لا ينتج سوى طبقة من المنافقين الذين يشكلون خطرا أكبر ممن عرف كفرهم. يقول الدكتور أحمد الريسوني " قضية (لا إكراه في الدين) قضية كلية محكمة، عامة تامة، سارية على أول الزمان و آخره، سارية على المشرك و الكتابي، سارية على الرجال و النساء، سارية قبل الدخول في الإسلام و بعده، أي سارية في الابتداء و الإبقاء"، ذلك أن الدين لا يكون أبدا بالإكراه، فهذه الآية كما يقول العلامة ابن عاشور "جيئت بنفي الجنس [لاإكراه] لقصد العموم، و هي دليل واضح على إبطال الإكراه بسائر أنواعه.."، فإذا ثبت أنها من الكليات علمنا أنه لا يمكن ردها لوجود ما يتوهم أنه يتعارض معها، و لأنها جاءت بصيغة العموم فلا يمكن تخصيصها إلا بدليل قطعي الدلالة و الثبوت، وهذا ما لا يمكن لأن "التشابه لا يقع في القواعد الكلية" كما يقرر الشاطبي.
و الآيات التي تقرر حرية المعتقد كثيرة جدا في القرآن الكريم، لنذكر بعضا منها، يقول عز وجل "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" (الكهف : 30) و "إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا" (الدهر : 30) و "قل أعبد الله مخلصا له ديني فاعبدوا أنتم ما شئتم من دونه" (الزمر : 16)، بل إن اهل  يوضح أنه خلق الإنسان حرا و ليس في سنته إكراه " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس : 100). و يجدر بنا أن نذكر أن الله لم يذكر أي جزاء دنيوي لمن ارتد عن الدين الإسلامي، في حين ذكر عقوبة الزاني و السارق.. و نحن عندما نذكر هذا فإننا لا ننقص من شأن السنة النبوية، فهي مثل القرآن في القيمة التشريعية، لكن كيف لله أن يذكر في مواضع عدة من القرآن عقوبات أخروية للمرتدين دون أن ينص على عقوبة دنيوية و هو ما يحمل دلالات و معاني لا تخفى، ففي حد السارق يقول تعالى " السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما"، و في حد الزناة يقول تعالى "الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة" لكن عندما يتحدث عن المرتدين يقول " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"، فأين العقوبة الدنيوية؟ بل إن الشرط في هذه الآية أن لا يموت المرء و هو كافر حيث يقول "فيمت و هو كافر" ما يعني أن الله قد ترك للمرتد فرصة التوبة طول العمر، و ليست هذه الآية الوحيدة التي ذكر فيها الله تعالى المرتدين عن الدين، بل ثمة آيات أخرى لم تنص على أية عقوبة دنيوية، فكيف يغفل الله تعالى ذكر العقوبة التي هي القتل و يذكر ما هو أقل شأنا كقطع اليد و الجلد، يقول جل جلاله : " إن الذين آمنوا ثم كفرو، ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا، لم يكن الله ليغفر لهم و لا ليهديهم سبيلا"، ففي هذه الآية إشارة واضحة إلى بقاء المرتد على قيد الحياة رغم كفره و ارتداده، و هذا ما يوحي إليه قوله تعالى "ثم ازدادوا كفرا"، و في آية أخرى يقول عز وجل " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف.."، لا شك أن المؤمن عندما يقرأ هذه الآية سينتظر العقوبة الإلهية في الدنيا و الآخرة، لكن لا شئ من ذلك كما هو الشأن في باقي الآيات، حيث يقول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونهم..."، و في تفسير الآية الكريمة "و قالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار و اكفروا آخره لعلهم يرجعون" يقول الإمام الحسن البصري  : إنهم طائفة من أهل الكتاب أرادوا تشكيك أصحاب رسول الله (ص) فكانوا يظهرون الإيمان بحضرتهم ثم يقولون عرضت لنا شبهة أخرى فيكفرون و يستمرون على الكفر حتى الموت"، فهذه خدعة يهودية و هم الذين عرفوا بحرصهم على الدنيا، فلو كان في كفرهم بالذي أنزل على الرسول (ص) تهديدا لحياتهم لما اتخذوا هذه الخطوة لتشكيك الصحابة الذين كانوا ينظرون إلى علمهم نظرة إعجاب.
هذا بخصوص القرآن الكريم، أما في السنة النبوية الشريفة، فلا وجود لدليل صريح على جواز قتل المرتد، و كل ما اعتمد عليه القائلون بهذا الرأي الفقهي الخاطئ مطلق ينبغي أن يحمل على المقيد، يقول ابن حجر العسقلاني "جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة و أخرى مقيدة، فينبغي حمل مطلقها على مقيدها"، و هذه قاعدة أصولية مشهورة، لا بد من مراعاتها لدرء شبهة التناقض في الشريعة الإسلامية.
من هنا فحديث "من بدل دينه فاقتلوه" لا يمكن فهمه إلا على ضوء الأحاديث الأخرى، و على ضوء سيرة النبي (ص) كذلك و سيرة صحابته رضي الله عنهم، ففي حديث آخر  يعلل عليه السلام  قتل المرتد بالخروج على جماعة المسلمين، و معلوم أن الخيانة جريمة تعاقب عليها كل القوانين الوضعية، يقول النبي صلى الله عليه و سلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس و الثيب الزاني و المارق من الدين التارك للجماعة"، و الحديث الآخر الذي روي في نفس المعنى بلفظ آخر يقتلع جذور الشبهة و لا يترك أي مجال للشك في أن المقصود بالمرتد هو ذاك الذي يخرج محاربا لجماعة المسلمين، ففي حديث صححه الألباني يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث  : رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، و رجل خرج محاربا لله و رسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفسا فيقتل بها". و إذا علمنا أن بلاد الإسلام كانت عندئذ دار حرب و يتربص بها الأعداء من كل جهة، و أن ترك الدين كان يعني الالتحاق بالجماعة الأخرى التي تعادي المسلمين، كنا بهذا قد أضفينا المعقولية على هذا الحكم الشرعي، فالردة في زمن الرسول لم تكن مجرد قناعة فكرية، فرغم أن النبي حاول وضع أركان دولة المواطنة حيث الاشتراك في خدمة الوطن رغم اختلاف العقيدة، إلا أن التطبيق العملي لهذه المبادئ المدنية لم يكن قد تمكن بعد من لاشعور المرتدين، و ما يؤكد هذا ما ثبت في مصادرنا التاريخية عن قصة ارتداد عبد الله بن أبي سرح  : " إن عبد الله بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله (ص) فأزله الشيطان [أي ارتد] فلحق بالكفار" من هنا يظهر أن الارتداد الفكري كان يقابله دائما الولاء لجماعة المشركين التي كانت تحارب المسلمين، أي أنها كانت خيانة للوطن، فأمر النبي بقتل  الخائن، و بهذا كذلك يمكن أن نفهم سبب عدم جواز قتل المرأة المرتدة، إذ البنية الجسدية للمرأة لا تسمح لها بحمل السلاح و الخروج للحرب، اللهم إن كانت منظّرة فعندئذ يجوز قتلها كما يذكر بعض الفقهاء.
إن الإسلام لم يفرض أية عقوبة على مجرد الارتداد الفكري، و أعتقد أن الذين ينسبون حكم الردة للإسلام يجوزون على الأنبياء الكيل بمكيالين، فهم الذين كانوا يردون على مضطهديهم الذين يتهمونهم بالارتداد بقولهم "أو لو كنا مكرهين"، فكيف يتقبل هؤلاء أن يقع الأنبياء في نفس ما وقع فيه أعداؤهم، هذا محال عقلا، و منزه عنه أنبياء الله صلوات الله عليهم، لذا فالأعرابي الذي بايع الرسول على الإسلام،  ثم بعد أن أصابه و عك في المدينة طلب من النبي (ص) أن يقله بيعته، فأبي رسول الله، لم يقتله (ص) ، بل خرج الأعرابي من المدينة، و قال (ص) "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها و تنصع طيبها". و مما له دلالة خاصة في هذا الصدد أن يورد الفقهاء حد قتل المرتد في كتاب الحرابة، من هنا فعلى الذين يحكون الإجماع على وجوب قتل المرتد أن يتريثوا و يبينوا لنا المقصود بالمرتد؟ هل هو الذي لم يقتنع بالدين الإسلامي فكفر به أم ذاك الذي ترك الدين و فارق الجماعة؟
و بخصوص الإجماع فلا بد من تحري الصدق في هذه المسألة، فالواقف على مبحث الإجماع في أصول الفقه يعلم أن انعقاده أمر مستحيل اللهم في زمن الصحابة رضي الله عنهم، فقد وضع الأصوليون للإجماع شروطا لا تكاد تتحقق، فضلا عن كون شروط انعقاده نفسه مختلف فيه، لهذا قال ابن تيمية : "ولا تعبأ بما يُفرض من المسائل ويُدَّعى الصحة فيها بمجرد التهويل، أو بدعوى أن لا خلاف في ذلك. وقائل ذلك لا يعلم أحداً قال فيها بالصحة، فضلاً عن نفي الخلاف فيها. وليس الحُكْمُ فيها من الجَّليّات التي لا يُعذر المخالف فيها. وفي مثل هذه المسائل قال الإمام أحمد: "من ادعى الإجماع فهو كاذب"".
وقد أورد صاحب كتاب "قتل المرتد الجريمة التي حرمها الإسلام"  في الفصل الثامن (ص135 – 142) الكثير من النصوص التي  تبطل الإجماع، منها روايات عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و إبراهيم النخعي و الثوري، و كذلك الشوكاني من المتأخرين، و سنقوم بإيرادها في ملحق المقال القادم...
وبهذا يتضح أن القرآن و السنة لم يشرعا  حدا لمن ارتد عن دينه و ظل وفيا لوطنه، بل إنه أمر بقتل الخائن.
وسنقف في المقال القادم إن شاء الله عند ما يسمى في مصادرنا التاريخية بحروب الردة، لنعلم هل كانت هذه الحروب من أجل أن القبائل العربية وقعت في "ردة" عقدية أم سياسية؟ و هل كانت هذه الحروب تروم تحقيق التوحيد العقدي أم السياسي؟

نبذة عن الكاتب : مدون مغربي مهتم بالفكر الإسلامي و الفلسفة
موقع الكاتب : www.adiltahiri.maktoobblog.com

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟