ابن حزم بين الأخذ بالمنطق الأرسطي ورفض القياس الفقهي - المصطفى الوضيفي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاستمسك ابن حزم ولا شك بالمنطق الأرسطي لحل بعض المعضلات الموروثة في الثقافة الأندلسية كتمسك أهل الأندلس بالنوازل والفقه المالكي وتزمتهم على المستخرجة… وبالمقابل رفض كل ما هو عقلي كالكلام والمنطق… لهذا قد أخطأ من اعتبر أن ابن حزم صنع بالمنطق ما صنع الغزالي به، فابن حزم يوظف المنطق في العقليات بينما الشريعة فهو يدرك أن خصائصها غير خصائص المنطق.
مقدمة:
أريد في البداية أن أعيد إلى أذهاننا تلك الصورة القاتمة التي رواها ابن أحمد الأشبلي في وصف حالة المنطق بالغرب الإسلامي وهي صورة ولا شك أشبه بتلك التي حكاها ابن حزم وابن طملوس وقد تجلت في كتابات كثير من منتقدي فن المنطق، فليس هناك أبشع من اعتباره زندقة وسفسطة بل وفي كثير من الأحيان كفر وحدث، يحكى ابن أحمد الأشبلي أنه قال: "كان الحفيد أبو بكر بن زهر قد أتى إليه من الطلبة اثنان ليشتغلا عليه بصناعة الطب فترددا إليه، ولازماه مرة وقرآ عليه شيئا من كتب الطب، ثم إنهما أتياه يوما وبيد أحدهما كتاب صغير في المنطق وكان يحضر معهما أبو الحسين المعروف بالمصدوم، وكان غرضهم أن يشتغلوا فيه، فلما نظر ابن زهر إلى ذلك الكتاب قال: ما هذا؟ ثم أخذ ينظر فيه، فلما وجده في علم المنطق رمى به ناحية، ثم نهض إليهم حافيا(…) وهم يتعادون قدامه إلى أن رجع عنهم مسافة بعيدة فبقوا منقطعين عنه أياما لا يجسرون أن يأتوا إليه. ثم إنهم توسلوا إلى من حضروا عنده واعتدوا بأن ذلك الكتاب لم يكن لهم، ولا لهم فيه غرض أصلا، وأنهم إنما رأوه مع حدث في الطريق وهم قاصدون إليه، فهزؤوا لصاحبه وعبثوا به وأخذوا منه الكتاب ففر وبقي معهم ودخلوا إليه، وهم ساهون عنه فتخادع لهم وقبل عذرهم واستمروا في قراءتهم عليه صناعة الطب…"(1).
هذا الوصف الذي وصف به المنطق في الغرب الإسلامي عامة واحد من الأسباب التي دفعت بابن حزم إلى البحث عن أسباب نفور أهل الأندلس من المنطق من جهة وواحد –كذلك- من الأسباب التي دفعت به إلى الاهتمام بهذا الفن من جهة أخرى. فابن حزم صرح بأهمية المنطق والاستفادة منه في شتى العلوم، وقد ذهب إلى أكثر من هذا، فسلب الفهم عن كل من لم يؤت هذا العلم "وليعلم من قرأ كتابنا هذا أن منفعة هذه الكتب ليست في علم واحد فقط بل في كل علم، فمنفعتها في كتاب الله عز وجل وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي الفتيا في الحلال والحرام، والواجب والمباح من أعظم منفعة وجملة ذلك في فهم الأسماء التي نص الله تعالى ورسوله (ص) عليها وما تحتوي عليه من المعاني التي تقع عليها الأحكام على حسب ذلك والألفاظ التي تختلف عباراتها وتتفق معانيها، وليعلم العالمون أن من لم يفهم هذا القدر فقد بعد عن الفهم عن ربه تعالى وعن النبي (ص)، ولم يجز له أن يفتي بين اثنين لجهله بحدود الكلام، وبناء بعضه على بعض، وتقديم المقدمات، وإنتاجها النتائج التي يقوم بها البرهان وتصدق أبدا، ويميزها من المقدمات التي تصدق مرة وتكذب أخرى ولا ينبغي أن يعتبر بها"(2).



إن هذا الاتجاه الذي دعا إليه ابن حزم له جذوره في القدم، فقد كان العلماء قبله على اتصال بالمنطق كالشافعي…(3).
لكن بجانب هذا الاتجاه وجد اتجاه اتخذ من المنطق موقفا معاديا ولعل مناظر ابن حزم –الباجي- يعتبر من أوائل من تمسكوا بهذا الرأي، ونقل من الشرق إلى الغرب "المنطقي مستحقر"(4).
وبصفة عامة، فقد عادى أهل الأندلس المنطق واعتبروه خروجا عن الدين، وهكذا ذكر الكلاعي وهو ينصح ابنه ويحذره من الفلسفة ومن تعاطي الفلسفة:
وفلسفة الفلاسفة اجتنبهـــا يجعجعن الكلام ولا طحينا
وقفت على أصول قد بنوهـا على العادات بهة فدعينـــا
وتنقض الأصول بكل شـرع وما هم عندنا متشرعينــــــا
كالإنسان الذي حدوه حدا بحي ناطق ميتا دفينــــــــا
وهذا الحد متنقض بطفـــل وخرس قد ثـووا متبكمينـــــا
إلى أن قال:
وقد كان ابن حزم في ضـلال يقول بقولهم ويدين دينـــــا
متابعة لفلسفـة وكفـــــــــر وردا للشرائع أجمعينــــــــا
فلا معهم يكون على اتفــاق ولا معنا فهم كمذبذبينـــــــا
عليهم لعنة الرحمـان تتـــرا فقد شانوا الشرائع منتمينـــا(5)

ولم يخل كتاب صناعة المنطق لابن طملوس من تصوير مثل هذه المواقف الأندلسية من المنطق بل ومن كل العلوم الجديدة، "فقد ألفت الأندلس شيوع علوم متعددة إلا صناعة علم الكلام وصناعة المنطق، وكان أهل هذه الجزيرة لما ألفوا الفقه والنوازل المالكية، اعتقدوا أن كل جديد فيه خرق للإسلام حتى كثر التأليف فيه والمناظرة بينهم بسببه في المجالس حتى يتهذب ويخلص ويغلب من الغرابة حيث بالغت سائر العلوم التي تداولوها إلا صناعة المنطق فإني رأيتها مرفوضة عندهم مطروحة لديهم لا يحفل بها ولا يلتفت إليها وزيادة إلى هذا أن أهل زماننا ينفرون عنها وينفرون ويرمون العالم بها بالبدعة والزندقة وقد اشترك في هذا الأمر عنهم دهماؤهم وعلماؤهم"(6). ولعل هذه الصورة التي لقيها ابن حزم الأندلسي بالأندلس وأهله هي التي دعته إلى البحث عن أسباب تمسك أهل الأندلس بهذه المواقف فأرجأها إلى:
1 ـ الجهل بهذا العلم وأهميته ودوره
2 ـ تمسك أهل الأندلس بالنوازل المالكية.
وهو نفس الاستنتاج الذي وصل إليه ابن طملوس، فقد ألفوا الفقه المالكي فقط فكلما جاءهم جديد نفروا منه ولكن عندما يعرفونه يصادقونه…(7).
ونظرا لما كان يطبع أهل الأندلس من الجهل بعلوم الأوائل، فإن ابن حزم رأى من الواجب عليه أن يؤلف ديوانا لبيان علم المنطق. "ولقد رأيت طوائف من الخاسرين شاهدتهم أيام عنفوان طلبنا وقبل تمكن قوانا في المعارف وأوان مداخلتنا صنوفا من ذوي الآراء المختلفة كانوا يقطعون بظنونهم الفاسدة من غير يقين أنتجه بحث موثوق به على أن علم الفلسفة وحدود المنطق منافية للشريعة، فعمدة غرضنا وعلمنا إنارة هذه الظلمة بقوة خالقنا الواحد عز وجل لنا، فلا قوة لنا إلا به وحده ولا شريك له"(8).

إن دعوى التأليف في المنطق لا تقتصر على هذا السبب بل لها أسباب متعددة أبرزها إعطاء مكان للقياس الأرسطي كحل لأهم معضلات الرأي، فبالقياس الأرسطي تمكن ابن حزم من تقديم نموذج لتجاوز القياس الفقهي وبه –كذلك- تمكن من تجاوز أهم المشكلات التي سقط فيها الفقهاء عند تعاملهم مع هذا الأصل. وبوقفة عند دوافع أخذ ابن حزم بالقياس الأرسطي ورفض القياس الفقهي يظهر ذلك:

الدافع الأول: المنطق الأرسطي وبناء الشريعة على القطع.

إن ابن حزم يولي أهمية كبرى لبناء الشريعة على القطع وكل ما يتعارض مع القطع فإنه يتحول عنه إلى ما يضمن له تلك الخاصية، وقد يظهر هذا الاتجاه بشكل واضح في مبحث القياس. فقد رفض ابن حزم القياس الفقهي لينتقل عنه إلى القياس الأرسطي ظنا منه أن الأول ظني مذموم والثاني برهاني مقبول في نظره، والخصائص التي أضفت على القياس الظنية هي:

ـ إنه ليس قياسا وإنما هو عبارة عن استقراء ناقص، وتسميته بالقياس تعتبر مغالطة من قبل بعض الفقهاء: "اعلم أن المتقدمين يسمون المقدمات قياسا فتحيل إخواننا القياسيون حيلة ضعيفة سفسطائية وأوقعوا اسم القياس على التحكم والسفسطة فسموا تحكما بالاستقراء المذموم قياسا"(9).
ـ ومما أضفى على القياس الفقهي الطابع الظني أنه يعتمد في استخراج علله على مسالك عقلية-استقرائية لا تظفر بالجزئيات فتجيء ناقصة.
ومن هنا تأتي ثورة ابن حزم على الفقهاء والنحاة لأنهم اعتمدوا مثل هذه الطرق وهي كلها استدلالات ظنية لا تفي بالقطع.
إن ما يضمن لابن حزم القطع بل الحقيقة هو تجاوز القياس الفقهي (الاستقراء) إلى القياس المنطقي لاعتماد هذا الأخير على قضايا مستمدة من أوائل العقل والحس: "فينبغي لكل طالب حقيقة أن يقر بما أوجبه العقل أو يقر بما شاهد وأحس وبما قام عليه البرهان… وأن لا يسكن إلى الاستقراء أصلا.."(10).
إن ما ينبغي ملاحظته أن ابن حزم قد ابتعد عن الحق حين قصر مسائل العلة في المسالك العقلية "الاستخراجية، فالمسالك لا تنحصر في هذا الصنف بل هناك مسالك نصية تعتمد الكتاب والسنة والإجماع، وإذا كان كذلك فالقياس لا يحكم عليه بأكمله أنه ظني بل فيه ما هو قطعي ووجود العلة في الفرع قطعيا كان القياس قطعيا متفقا عليه"(11). وحتى لو فرضنا أن القياس ظني فإن الفقهاء جميعا متفقون على الأخذ به(12).
ومما أبعد ابن حزم عن الحق –كذلك- أنه اعتقد "القطيعة في البرهان"(13): وهذا ما تستبعده المدرسة الاستدلالية الحجاجية لأن البرهان وإن كان يعتمد على قضايا تدخل في إطار أوائل العقل والحس(14)، فإنه لا يخلو من إقناع السامع ببعض المسلمات التي لا دخل للبرهنة فيها "إن البرهان احتجاج مموه، والانتصار له لا يعني انتصارا للحقيقة، بل هو اختيار موقف، إنه تمسك بأدنى درجات اليقين، ذلك أن البرهان حتى في أعلى صوره في المنطق والرياضيات لا يقدم لنا سوى يقين مصطنع، لأن المقدمات التي ينطلق منها ليست بديهية بل إقناعية لا مكان للبداهة فيها"(15).

الدافع الثاني: المنطق الأرسطي وكمال الأنساق الظاهرية:

لقد سبق لابن حزم أن أسس نسقا لغويا وبقي الإشارة إلى تكامل هذا النسق مع القول بالقياس المنطقي، لا شك أن الظاهرية الحزمية في اللغة تريد البقاء عند النص ولكي تكمل هذا النسق لا بد لها من رفض القياس الفقهي والأخذ بالقياس المنطقي لأن هذا الأخير يضمن لها الانسجام التام مع الظاهر، وفي الأخذ بالقياس الأرسطي ما يمكنها من تجاوز التعليل، لأن ظاهرية ابن حزم وإن كانت ترفض القياس، فهي بالأولى ترفض التعليل و"إذا كان ابن حزم خصما لدودا للقياس فلأنه يعترض صراحة على نظرية التعليل…"(16). وتجاوز القياس الفقهي والأخذ بالأرسطي يضمن كذلك لابن حزم تجاوز دليل الخطاب بمفهومه المخالف والموافق، لأن القضية التي يتألف منها "لا تعطيك أكثر من نفسها"(17)، هذا ناهيك عن النتيجة التي تضمن لابن حزم تجاوز نقل حكم الأصل إلى الفرع لأن النتيجة لازمة عن المقدمتين السابقتين. "اعلم أن باجتماعهما… تحدث أبدا عنهما قضية ثالثة صادقة أبدا لازمة ضرورة لا محيد عنها وتسمى هذه القضية الحادثة عن اجتماع القضيتين الأولى والثانية نتيجة لأنها انتتجت عن تينك القضيتين والأوائل يسمون القضيتين والنتيجة معا في اللغة اليونانية السلجسموس"(18).

إن تضمن النتيجة في القضيتين السابقتين يسجل أول عقم بالنسبة للقياس الأرسطي في مقابل القياس الفقهي، فالقياس المنطقي يهدف إلى إقامة برهان "على حقيقة معلومة لا للكشف عن حقيقة جديدة"(19). بينما المنطق الإسلامي ينتج وفق حدود مضبوطة وهذا الفارق هو ما حدا ببعض الفقهاء أن استبعد القياس المنطقي عن القياس الفقهي" قد زعمت الفلاسفة أن القياس لا يصح ولا يتم من مقدمة واحدة ولا يكون عنها نتيجة وإنما ينبني القياس من مقدمتين فصاعدا، أحدهما قول القائل: "كل حي قادر" والثانية "كل قادر فاعل" وهذا ليس من القياس بسبيل ولا له به تعلق"(20)، وذلك راجع إلى ما استنتجناه سابقا من اعتبار القياس الفقهي منتجا والقياس الأرسطي غير منتج "ما قالوه ليس من القياس بشيء، وإنما هو ضم قول إلى قول يقتضي أمرا من الأمور، وهو موجب ضم القولين ومقتضاه من غير حمل شيء على شيء ولا قياسه عليه وما سموه نتيجة فإنما هو موجب ضم أحد القولين إلى الآخر"(21).

الدافع الثالث: المنطق الأرسطي والضرورة التناظرية.

ادعى بعض الباحثين أن ابن حزم يعتبر أول من طبق علوم الأوائل على الشريعة الإسلامية. وفي تطبيقه اليوناني على كثير من المسائل الفقهية يمكن أن نقول أنه أول من مزج منطق اليونان بعلوم المسلمين"(22). لكن الناظر في رسائل ابن حزم يلاحظ أنه يميز بين الخصائص الشرعية والخصائص المنطقية، فالشريعة الإسلامية تستمد معارفها وآلياتها من النص والإجماع والدليل بينما المنطق يستمد معارفه من العقل ويهدف إلى:

*التمييز بين البرهان والشغب
*والرد على المشغبة
*والتمييز بين الحق والباطل(23)

هذه الأهداف إذا ما نظرنا إليها في إطار الدعوى السابقة فإننا نجد أنفسنا أمام تناقض، إذ كيف يمكن القول بأنه يطبق المنطق على الشريعة وقول ابن حزم إن الخصائص الشرعية غير الخصائص المنطقية(24).

إن ابن حزم لم يأخذ بالمنطق كطريقة في الاستنباط وإلا لما أمكنه الاستنباط لأن المنطق يهدف بالأولى إلى إقامة البراهين على حقائق معلومة فهو من هذا الجانب غير منتج للأحكام، ولكن من جهة أخرى هو يقع أو يبرهن على الأحكام، ولهذا فاستغلال ابن حزم للمنطق كان استغلالا جداليا(25)، وهذه ضرورة تفرض على ابن حزم الذي نصب نفسه خصما لكل النحل والملل "كان اتجاهه إلى مجادلة أهل المذاهب والنحل الأخرى أن ينازع بقوة منطقية في المناظرة والجدل"(26).
ومن هذا المنطلق سيكون الخلاف بين الباجي وابن حزم خلافا في منطلقات الجدل، فالأول مزود بالمنطق الإسلامي بينما الثاني له منطلق منطقي.

الدافع الرابع: المنطق الأرسطي والثورة على الفقهاء المالكية:

إن تمسك أهل الأندلس بالمواقف المالكية وخاصة فقه المستخرجة سيثير العديد من المشاكل بين الظاهرية والمالكية بالأندلس وسيتسبب في تعميق الخلاف والجدال بينهما، ولذلك كانت جل الاعتراضات الحزمية مركزة على أخذ المالكية بالنوازل وأخذهم بالقياس "وقد كانت الخصومة بين ابن حزم وفقهاء المالكية عنيفة بالغة لأن إبطال القياس والرأي والتقليد كانت تعني حربا لا هوادة فيها على فقهاء المالكية بالأندلس يومئذ"(27).
والمالكية بدورها لم تأل جهدا من انتقاد ابن حزم خاصة عند تمسكه بالمنطق(28)، ولهذا كثيرا ما كانت مالكية الأندلس تتهم ابن حزم بالرد على الشرعي بالمنطقي" فإن خصمك يحتج أنه لا يلزمه الخروج عما قيده الشيوخ الثقاة عنهم وتضمن ذلك كتب جمة هي معلومة مشهورة مسموعة رواية رواية رواها الثقاة عنهم وهم في جملتهم عدد كثير، إلى قول واحد يطلب التعليل والاحتجاج ويرد بالمنطقي على الشرعي"(29).
ويزيد الباجي في تعميق هذا الخلاف حين ينتقد المنطق الفلسفي ويعتبره بدعة دخلت الأندلس عن طريق بعض الأغمار "ولولا من يعتني بجهالتهم من الأغمار والأحداث لنزهنا كتابنا عن ذكر الفلاسفة، ولكن قد نشأ أغمارا وأحداث جهال عدلوا عن قراءة الشرائع وأحكام الكتاب والسنة إلى قراءة الجهالات من المنطق واعتقدوا صحتها وعدلوا على متضمنها دون أن يقرؤوا أقوال خصومهم من أهل الشرائع الذين أحكموا هذا الباب وحققوا معانيه"(30).


خاتمة واستنتاج:

وفي الختام نلاحظ أن ابن حزم تمسك ولا شك بالمنطق الأرسطي لحل بعض المعضلات الموروثة في الثقافة الأندلسية كتمسك أهل الأندلس بالنوازل والفقه المالكي وتزمتهم على المستخرجة… وبالمقابل رفض كل ما هو عقلي كالكلام والمنطق… لهذا قد أخطأ من اعتبر أن ابن حزم صنع بالمنطق ما صنع الغزالي به، فابن حزم يوظف المنطق في العقليات بينما الشريعة فهو يدرك أن خصائصها غير خصائص المنطق.

وكما أخطأ الباحثون في تقدير هذه الخاصية أخطأ ابن حزم حين اعتبر المنطق الأرسطي في شكله البرهاني قطعيا، فالمنطق وإن انبنى على أوائل العقول والحس فهو بدور يتصف بمواصفات حجاجية أقل ما يقال عنها أنها ظنية.



المصادر والمراجع:

القرآن الكريم:

-1  ابن حزم الظاهري، الأحكام، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1980.

2  -الباجي (أبو الوليد)، أحكام الفصول، تحقيق عبد المجيد التركي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط.أولى 1986.

-3  ابن حزم الظاهري، التقريب لحد المنطق، تحقيق إحسان عباس، الجزء الرابع، طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط. أولى 1983.

-4إبراهيم (زكريا)، ابن حزم الأندلسي، الدار المصرية للتأليف والنشر، د.ت.

-5 رسائل ابن حزم، تحقيق إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط.أولى 1980-1981، الجزء الأول، ط.أولى 1980، الجزء الثاني والثالث، 1981.

-6  القرافي (الإمام)، شرح التنقيح، تحقيق طه عبد الرؤوف، دار الفكر، القاهرة، ط.أولى 1973.

-7  السيوطي (جلال الدين)، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.ط.

8 -ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء، دار الثقافة، بيروت، ط.الثالثة، 1981.

9  -ابن طلموس، كتاب المدخل لصناعة المنطق، المطبعة الأبيرقية مدريد، ط.حجرية، 1916.

-10 الغزالي، المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق محمد حسن هيتو، دار الفكر، دمشق 1980.

-11  النشار (علي سامي)، مناهج البحث عند مفكري الإسلام، دار المعارف، القاهرة، ط.الرابعة، 1978.

-12 التركي (عبد المجيد)، المناظرات في أصول الشريعة الإسلامية، ترجمة وتحقيق وتعليق عبد الصبور شاهين وعبد الحليم محمود، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط.الأولى.

-13محمود (زكي نجيب)، المنطق الوضعي، طبعة القاهرة، 1961.

-14 مجلة الجامعة الأردنية، عمان، المجلد 14، ع17، س.1987.

-15  مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 41، ص.1986.

-16 نصيحة أبي عبد الله الكلاعي الاندلسي، تحقيق ذ.أبو خبرة، مخطوطة في ملكنا و5 و6 قرأنا هذا التحقيق بالمخطوطة الموجودة بخزانة ابن يوسف مراكش رقم 426.

-17 داود (سليمان)، نظرية القياس الأصولي، دار الدعوة الإسكندرية 1984.

18 –Chaim Perelman, Le champs de l’argumentation, Presses universitaires de Bruxelles, 1970.