المتهوكون - ابراهيم عثمان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسعندما تفلس أمة، وتفقد قيمها تلك المعاني الحضارية الجميلة المتوهجة التي توارثتها جيلا بعد جيل، فانه يتسلط عليها من هم دون مستوى تلك القيم الروحية والفكرية والجمالية بدعواتهم المتغابية ورداءتهم الطموحة، الى إعادة النظر في تاريخ الشعوب والأمم، وتشكيل رموزه عن طريق استنساخه من الخلايا الحية باستغلال منهج الهندسة الوراثية، أو استعارة منهج اعترافي يساعدهم على تعرية مشاعرهم وأفكارهم التي ورثوها عن عصاب اجتماعي موغل في التعصب، مولع بركب أمواج الموضة والدعوة إلى الانسلاخ دون أي مبرر أخلاقي أو فلسفي أو ديني أو تاريخي.
إن معارضة التاريخ وحشره في مناهج تعسفية على حد تعبير شبنجلر:<< ومعارضة لكل هذه المناهج التعسفية والمنشقة من التقليد والاختيار الشخصي والتي حشر فيها التاريخ حشرا لهو ضرب من الجنون والتعبير عن نيات سيئة ونظريات واهية تبدو في عيون     أصحابها سليمة، وتبدو لغيرهم ممن أمعنوا النظر في لوحات هيرودوت وكتابات أفلاطون وأرسطو وشيشرون وأوغسطين وابن رشد وتوما الأكويني بأنها سطحية ومتعارضة >>..وهذا ما وصفهم به أيضا واحد من كبار مفكري هذا العصر  الذين أوغلوا بعيدا في الفلسفات والحضارات والديانات محاورا ومجادلا وناقدا ومفندا:     <<وهذه النظرية لا تجد إلى اليوم شراحا يحرصون على الغلو في مداها، وعلى نسيان الروابط الكثيرة التي ربطت جميع ثقافات البحر الأبيض المتوسط وآسيا الصغرى بعضها ببعض>>.

نعم إن هذه القراءات التي تستمد قوتها، وتستلهم حججها من مثل هذه النظريات التي يلجأ أصحابها إلى التسلح بجميع الأساليب والحيل لإقامة نظرية في علم الاجتماع الثقافي، تقوم أساسا على تنفيذ الأوامر وانتظار المكافآت قد دحضها سارتر مرتين، مرة عندما كتب قائلا:<< إن حكام المستعمرات لا يؤجرون لكي يقرؤوا هيغل، وهم لهذا قلما يقرؤونه، ولكنهم ليسوا بحاجة إلى هذا الفيلسوف ليعرفوا إن الضمائر الشقية كانت تتشوش بمتناقضاتها">>؛ ومرة عندما راح يشرح فكرة الاستعمار كنظام متخذا من الجزائر نموذجا فكتب قائلا:<< تلك هي الحجة؛ وقد أجاب عليها زعماء جبهة التحرير الوطني بقولهم: إننا سنحارب حتى ولو كنا سعداء في ظل الحراب الفرنسية>>.

نعم إننا لسنا قي حاجة إلى قراءة القديس أوغسطين لكي نكتشف تاريخ أمتنا من جديد، أو نصلح اعوجاجا في حضارتنا، أو كأن نباعد بين حلقاتنا الثلاث بقدر ما نحن في حاجة إلى قراءة هذا القديس الفيلسوف قراءة ابستمولوجية متأنية، أو قراءة بنيوية تفكيكية انثروبولوجية بعيدة عن المسخ الأيديولوجي, أو كأن نطبق عليه منهجا مقارنا يسمح لنا باكتشاف ذواتنا فيه, بدلا من الأحكام التوتولوجية المتواطئة التي تنطلق من خلفيات يتحكم فيها وضع أمني متسلط, وآخر سياسوي متعفن يريد أن يوهم الناس بأن لهم في التاريخ أسماء كبيرة غير ماسينيسا ويوغرطا والأب دونات الذي أخذ مكانه القديس أوغسطين ..



.. أسماء سرقت منهم, وأنه آن الأوان لكي تعود هذه الأسماء إلى تضاريسها الجغرافية الأولى، لكي يزينوا بها مواقعهم الأيديولوجية والفكرية، وينعموا في ظلها بالراحة والطمأنينة، دون أن يستفيدوا من غيهم وغرورهم ومن شر أنفسهم ووساوسهم القهرية التي لا تنضب أبدا حتى تورثهم ذهانا بارانويا يجعلهم يعتقدون بأنهم من أحسن خلق الله، وأكثرهم قدرة على التفكير والتنظير وهداية الناس من الضلال التاريخي والفلسفي والديني.


إن الجنون الفكري الذي أصاب كتابنا منذ أن حاز الروائي الكبير نحيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب..هذه الجائزة التي رفضها سارتر احتراما لمواقفه المبدأية،ثم تراجع، وتجاهلها صمويل بكيت الكاتب  الايرلندي.ورفضهما هذا فهو يدل على عدم انتمائهما إلى تلك العصب الأدبية أو الدينية التي أفرد أندري بللي العضو البارز في أكاديمية غانكور الفرنسية بحثا كاملا تحت عنوان <<العصب والجماعات السرية عبر التاريخ قائلا: إن عدد العصب الأدبية المتأدلجة لهو بعدد الأفراد..وهل هذه العصب صنعت من مادة رخامية أم من مادة طينية؟. ففي كل عصر، وعلى الهامش أو ضد التيار تظهر جماعات لها رفضها لكل الضوابط المشتركة.. وهذا من أجل أن تعطي ضوابط أخرى تكون أكثر صلابة وصرامة، وتكون باسم، أو لصالح مذهب فني أو مذهب أخلاقي>>.


وربما أن وجودهم داخل هذه العصب، هو الذي يدفع بهم إلى التسابق، ويحركهم نحو دوائر النفوذ من أجل الحصول على رتب أدبية نؤهلهم لكي يكونوا من أعيان هذا المجتمع ومشاهيره..ولعل هذا السلوك قد جعلهم يستعبدون مرتين:مرة باسم قوانين الثقافة، ومرة باسم قوانين الوفرة والعولمة.      

وفي ظروف كهذه تكتسي بطابع التعجرف العقائدي، فانه بات من الصعب أن نتحدث بحرية مطلقة ودون خوف, وعن شخصياتها المؤثرة في سلوكها السياسي والثقافي دون أن نقع في الأخطاء التي تنتج عن غياب ذلك النقاء الموضوعي الذي يسمح لنا بأن نكون نحن أنفسنا دون أن نكون ذلك الآخر الذي يحاول جاهدا أن يشوه التاريخ.

إن محاولة تشويه التاريخ التي تعود إلى القرن التاسع عشر هي اللعبة المفضلة التي ظل يمارسها الضعفاء والمتهوكون في انتمائهم الحضاري؛ لذلك تراهم دائما يسعون إلى التسابق بفضل تكوينهم العقائدي داخل تلك العصب المتصارعة على الفوز بمساحة جديدة من النفوذ، لكي تعطيهم تلك الفرصة النادرة ليعبروا عن شذوذهم البيداغوجي والثقافي بجملة من النظريات الواهية والتفسيرات العلمية المستنسخة التي تساعدهم على تبرير مشروعهم العقائدي الداعي إلى قيام مجتمع الرداءة الطموحة..هذا المجتمع الذي ستقوده هذه الرداءة نحو حتفه ، لأنها ستفرض عليه قيمها الجديدة  التي ستقوده نحو الانسلاخ عن جميع قيمه الروحية والفكرية والجمالية واللغوية, و تعده للقبول بأي دور يوهمه بأنه أصبح يعيش في مجتمع ما بعد الحداثة دون أن يقوم بأي ثورة تمكنه  من قلب سلم القيم واشباعها نقدا فلسفيا, وآخر حضاريا يتسم بالاتزان الأخلاقي والتوازن الديمقراطي.


إن نظرة متواضعة ومنسجمة مع الفكر الفلسفي والفكر الديني ستميط اللثام عن هذه المواقف التي تدفع باصحابها الى اتخاذ قرارات هي أقرب الى تلك القرارات السياسوية ، منها الى تلك المواقف التاريخية والاحكام الفلسفية.

وربما ولهذا السبب ستظل محاولاتهم هذه مجرد محاولات يائسة وفاشلة شأنها في ذلك شأن محاولات الماركسيين الجدد، ومجاملي فرساي  الذين حاولوا أن يضحوا بكل شيء من أجل انقاذ كل شيء، فقاموا بقلب كل شيء:"ان التضحية بكل شيء في سبيل الزخرف والثقافة المسرحية، أو غير المسرحية، في سبيل الكلمات والموقف، والاقنعة  والرموز والمظاهر الكاذبة. ان ذلك يعني وضع المجتمع وضعا مقلوبا".


وقبل أن نتساءل مع ريمون روير عن هذا الوضع المقلوب للمجتمع الذي تحبذه الرداءة التي تدعي الطموح التاريخي، وتسعى في المقابل

الى اقامته بشتى الأساليب والحيل، والى استبدال الرموز التاريخية  برموز وظفت جهودها الفكرية والدينية في اعادة التوازن السيكولوجي والحضاري لشعوبها ومجتمعاتها وقيمها دون أن تلتفت الى تلك الاوطان التي شهدت ميلادها، وساعدت على تفتق عبقرياتها بسحر طبيعتها.

ان دعوة كهذه مهما امتلكت من الحجج، فانها ستظل تفتقر الى النصوص الكافية لاقامة الدليل على جزائرية القديس أوغسطين بعد هذه السنوات الطويلة التي تفصلتا عن تاريخ ميلاده وتاريخ وفاته. لذلك فاننا مهما حولنا أن ننقب في كتابات هذا الرجل بنية الاهتداء الى جزائريته التي لم تطرح الا في سنة 2000 بعد أن مضى على وفاته أكثر من 1646 سنة، فاننا لن نكتشف أكثر مما اكتشفه المهتمون بسيرته  التي تقول بانه ولد في سوق أهراس سنة 354  من أب وثني، وأم مسيحية .

وما عدا ذلك، فاننا لن نستطيع أن نجزم بأن هذا الرجل الذي تربى على مواعظ "أمبرواز دي ميلان" و"شيشرون" والافلاطونية الجديدة والكتاب المقدس، فهو جزائري روحا وفكرا وحضارة.

ان هذا سيقودنا الى طرح السؤال الآتي: كيف سيقتنع هؤلاء المنادون بجزائرية القديس أوغسطين من خلال هذه المدارس والمذاهب التاريخية المتناقضة، والفلسفات النقدية المتضاربة دون أن يكونوا مثقفين بالمفهوم الاثنولوجي، وهم يدركون جيدا بأن الرجل قديس عبرت عنه فلسفته وديانته وسيرته الذاتية والحضارة التي جعلت منه رمزا من رموزها، ومعبرا عن وجودها طيلة 35 سنة، بكل ما أوتي من حكمة وأمان وعبقرية.

نعم ان مجازفة كهذه فهي لا تحتاج الى مثقفين بالمفهوم الاثنولوجي، ولا الى مثقفين عنصريين قوميين بقدر ما تحتاج الى مثقفين كنائسيين محرومين من أي حس ثقافي، أو أي فكر فلسفي أو ديني يمكنهم من عدم المزايدة على قديس قدم من التضحيات والكتابات ما يثبت دون جدال بأنه ذلك الفيلسوف المسيحي الوسيطي الروماني الذي نهل من الافلاطونية الجديدة.

ان قول الحقيقة في هذا الشأن لا تجبر أحدا منا بأن يتكاذب على التاريخ، أو أن يضحي من أجل أفكار وهمية تتجاوزه في النهاية، و تتجاوز حواسه ومداركه، ولا يستطيع في نهاية المطاف البرهة على  صحتها أبدا.


وربما هذا هو الشعور الذي دفع برجل في حجم "كارل ياسبرز" أن لا  يخلط بين الوهمي والتاريخي عندما حاول أن يجيب عن سؤال ظل يلازمه كفيلسوف وجودي شغلته تأملاته الفلسفية بالبحث عن انتمائه  وعن معنى استمراره في العيش:"الى من أنتمي؟ ومن أجل ماذا أعيش لقد عرفت هذا أول ما عرفته في مرآة التاريخ".

ان الذين اجتهدوا في تفسير هذه التأملات قد وجدوا ما يبررها على المستوى التاريخي، وكذلك على المستوى الفلسفي. ولذلك فانهم وبعد أن تعبوا من اجترار التأملات والادعاءات عادوا الى التاريخ من جديد.. عادوا الى مرآته دون أن يعطوا الفرصة لأنفسهم، لكي  يكذبوا على التاريخ، أو يطوعوا مناهجه، أو يستعينوا بمن هم دون ج.دو بلافيل و.مارو، وا.جلصون"و ادوارد جورنو" الذي كتب يقول عن الارث الذي تسلمته الفلسفة الوسيطية عن أوغسطين:<< والمثال الثقافي الذي تلقاه العصر الوسيطي من أوغسطين يرسم بشكل صورة توراتية انجيلية، هي بذاتها التي التي يتسلمها مؤلف "العقيدة المسيحية "الكتاب الثاني (40 ،61) وفعلا، وحسب سفر الخروج (11 ،2 ، 12 :35 ، 36 ) تلقى العبرانيون من الله، قبل ترك مصر، الأمر بأن يسرقوا من المصريين أواني  من ذهب وفضة ، وأن يحملوها معهم، وذاك ما يتوجب على المفكر المسيحي أن يفعله: أن يأخذ عن الكتاب القدامى الحقائق التي تضمنتها  الفلسفة الوثنية، لأجل ادخالها في الحكمة المسيحية ؛ وهذا يعني  بالحقيقة افقار المصريين بغية اغناء العبرانيين وذاك ما فعله الخطابي القديم أن يتخلى عن القيم التي كان حتى ذلك الحين يخدمها، وعن  ذلك  المثل الأعلى الثقافي الذي كان المثل الأعلى لشيشرون وكنتيليان  حيث الحكمة والفصاحة تتزاوجان بانسجام، وانما كان يتوجب فقط  تنصير كل ذلك، وفيما بعد فقد احتذى مثال أوغسطين هذا، قسم مهم من مفكري العصر الوسيطي>>.



أما على مستوى الأشكال الأدبية، فانه عمد الى تطبيق سفر  الخروج على الفكر حرفيا:"لم يكتف أوغسطين في هذا الشأن بالأخذ من الوثنيين تلك الأشكال الأدبية التي كان يرتديها فكرهم. بل وجب   تطبيق وصيته " سفر الخروج" على الفكر بالذات: سلب المصريين من  أجل اغناء العبرانيين، فالفلاسفة الذين جردهم أوغسطين كانوا بشكل رئيسي الافلاطونيين الجدد".

هؤلاء هم الباحثون الحقيقيون والدارسون المتخصصون الذين تحفظ لهم الموسوعات الفلسفية أسماءهم، وتستشيرهم الكتب التي تحاول أن تؤرخ للفلسفة الأوربية في عصرها الوسيط، وتستشيرهم الاقلام التي  تحاول أن ترسم صورة عن أوغسطين اللاهوتي ، وأخرى لأوغسطين الفيلسوف المسيحي الوسيطي. ولا أظن أن هناك كاتبا، أو باحثا أو مؤرخا أولى اهتماما بالفلسفة المسيحية بالقدر الذي فعله "ج.جيلصون"، حيث أفرد لها فصولا للبحث في روحها ورموزها بدءا من أوغسطين الى توما الأكويني الذي عاش ما بين 1225- 1274 . ومن أراد أن يتأكد من ذلك، فعليه أن يبحث في كتبه التي ألفها وهي كثيرة :

- الفلسفة في العصر الوسيط
-روح الفلسفة الوسيطية
- مدخل لدراسة القديس اوغسطين
- التحول الجذري لمدينة الله

ليقف بنفسه على تلك المغالطات التي حملها النصر في عدده الصادر في 30.04.00 وتحت هذا العنوان الصارخ << الجزائري الذي علم  الانسانية التسامح>> حيث ومن خلال مقدمة اختارت أن تدق مساميرها في جسد الأمة دون أن تقدم شيئا يستحق التنويه ؛ باستثناء ما يمكن وصفه بالمغالطات العقائدية التي تفتقر الى الأدلة  وتصب في اتجاه يخدم حركة الأباء البيض، ويحي تلك النزعة التي رافقت الثورة الفرنسية، وحملت لها جميع عادات الأدب الفلسفي على حد تعبير ( توكفيل و تين).

وأن هذه الظاهرة قد استغلها الفيلسوف الفرنسي لشرح نظريته في    الاوبئة العقائدية :" ولكن العقائديين يحاولون دوما الافادة من الاختلاط  وأن يلعبوا على هذين الجانبين وكذلك السياسيون المحترفون والديماغوجيون أو العقائديون الذين يضيفون، على هذا النحو، وبدون جهد عقلي كبير، الى شهرتهم السياسية شهرة أنهم مفكرون".

ان الحديث عن القديس أوغسطين يقودنا في نهاية المطاف الى طرح مجموعة من الاسئلة التي تحتاج الى اجابات مدعمة بالادلة والبراهين حتى لا نتهم بالغباء وقلة الذكاء، لأننا في واقع الامر لم نقدم اجابات نابعة من عمق التاريخ .. وانما قدمنا وبكل وقاحة قراءات لا تستجيب لشهوة القراءة بقدر ما تستجيب لقراءات السياسي المتأدلج.. الشئ الذي يجعلنا محل سخرية وشك في نظر ابنائنا، عاجزين عن مواجهة النقد الذي سينصب على رؤوسنا، ويؤلب علينا الضمائر والعقول  والألسنة والأفئدة ، ويغضب أباء الكنيسة على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ، ويستنفروا الكتاب والشعراء والفلاسفة ومؤرخي الحضارات والديانات قديمها وحديثها.. ووقتئذ سنضطر الى تحكيم  دولي لكي نفك هذا اللغز المحير الذي يطرحه النصر الثقافي من خلال كتابه.وعندئذ هل ستقبل الحضارة الرومانية والكنيسة المسيحية بأن ينسب أوغسطين الى قرطاج أو الى هيبون بدلا من روما ؟..وهل باستطاعة هؤلاء الذين كتبوا على صفحات النصر الثقافي  مروجين لجزائرية القديس أوغسطين أن يأفرقوه أو يعربنوه حتى يتسنى لهم احتواؤه ثم اضافته كرقم لتراثهم الثقافي ليتفاخروا به مثلما فعل "توما الأكويني" عندما قام بتنصير أرسطو.

واذاتساهلنا في الطرح قلنا هل بامكانهم أن يستفيدوا من تراثه كما  استفاد القديس "توما الاكويني" من تراث ابن رشد وابن سينا وابن    ميمون دون أن يستغلوا هدية الرئبس عبد العزيز بوتفليقة الى البابا ، كما استغلت فرنسا قصة المروحة لاستعمار الجزائر، وهذا لتقوية       موقفهم العقائدي .. وبدلا من هذا الطرح لماذا لا يقيمون الدنيا  ويقعدونها من أجل الدوناتية التي ناضلت من أجل أن تظل الجزائر بعيدة  عن الرومنة .. بل لماذا لايدعون الى انشاء جمعية تضم اليها مريدي الفكر الأوغسطيني على غرار جمعية ابن رشد التي ضمت اليها جميع  المريدين والمهتمين بالفكر الفلسفي الرشدوي على اختلاف أجناسهم وانتماءاتهم دون أن يكون للأسباني أفضلية على المغربي أو المشرقي أو كأن يدعي أحدهم بتبنيه، أو المطالبة بعودته الى حظيرة تاريخه الوطني.

واذا ما سلمنا جدلا واعتباطا بأن هذا القديس فهو جزائري  روحا وفكرا وحضارة كما يزعم دعاة الأوغسطينية الجدد الذين  وجدوا ضالتهم في اعلام مستلب يحاول جاهدا أن يجعل منهم قساوسة في التعبير عن أطروحاته وتوجهاته الماكلوهانية  الفكرية والاديولوجية، وفي النطام أحسن داعم مادام يعيش في عزلة دولية تحتم عليه أن يبحث في صفوف النخب المثقفة عمن يدعم سياسته  التي تقوم أساسا على التزوير ابتداء من الانتخابات المحلية، مرورا  بالانتخابات الرئاسية ، وصولا الى تزوير التاريخ وتشويهه حتى تظل الجزائر تبحث عن نفسها، وعن هويتها الضائعة في دهاليز التاريخ  دون أن تجد سبيلا الى تلمس تضاريسها، أو استنشاق هوائها في حين  سيظل القديس أوغسطين ملكا للتاريخ ، وواحدا من كبار قادة الفكر  الانساني الذين لا يحتاجون الى أي انتماء عرقي ، أو جغرافي لكي  تكون له الحضوة التي تجعل منه مواطنا فوق العادة .. كما أن انتماءه الى هذا الشعب أو ذاك لن يمنحه شرعية، أو أي اعتراف أكثر مما أعطته روما .


ان صكوك الغفران التي يحاول بعضنا أن يقدمها كقربان لرجل ظل يمنح هذه الصكوك لأتباعه من المسحيين ولروما التي أحبها ، وناضل    من أجل ارساء حضارتها في شمال إفريقيا، لهو ضرب من الجنون   والاعتباط . لذا فانه آن الآوان لكي ننظر للأشياء بعين المنطق العقلي الذي لا   توجهه الاديولوجيات ومنطق العولمة .. كأن نحاول مثلا أن نحتفل به كملك  للإنسانية  بدلا من الاحتفال به كبطل قومي.. وبذلك نفوت علينا فرصة أن نكون قيصريين أكثر من القيصر نفسه وعولميين أكثر من العولمة نفسها.

هذا اذا لم نكن نسعى وبخبث عقائدي الى العولمة عن طريق القديس  أوغسطين ، بدعوى امتلاكه، عن طريق خوصصته ، حتى نبقي والى  الأبد على أفولنا التاريخي والفلسقي.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟