الجذور التاريخية ـ الحضارية للظاهرة التوفيقية - د. محمد عابد الجابري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاس1ـ في الشرق الأدنى القديم:
التوفيقية الفكرية والمجتمعية التي تتوالد ضمن التطور التاريخي للشرق العربي، هل هي مجرد استجابة آنية لظروف وقتية عابرة ستزول بزوالها، وبالتالي طفرة منبتّة الجذور، منقطعة الصلة بالاستمرارية التاريخية ـ الحضارية للمنطقة، أم إنها إحياء واستعادة لنمط متكرر في سياق تلك الاستمرارية؟
إذا كانت الظاهرات الفكرية والمجتمعية لا تبرز من فراغ، وإذا كانت العصور لا تبدأ منقطعة الصلة بما سبقها، فلا بد من التنقيب تحت سطح الأرضية المعاصرة لاكتشاف حفائر التكون الحضاري التوفيقي في طبقاته التاريخية المتراكمة ولاستبانة أجيال السلالة الفكرية التوفيقية التي توالدت عبر العصور، حتى أنجبت الكائن المعاصر موضع الدرس، وذلك ليكون بحثنا في مناحي التوفيقية المعاصرة مستنداً إلى جذوره التاريخية القديمة، بعد أن رأينا مدى صلتها بالبيئة الاجتماعية السياسية الحديثة التي تولدت فيها.
تبدو (الظاهرة التوفيقية) على الصعيد الحضاري العام ـ وفيما يتعدى النطاق الكلامي الفلسفي الخالص ظاهرة قديمة الجذور في تاريخ الشرق الأدنى. ويمكن إيجاز أبرز معالمها وأدلها، وتبيان طبقاتها المتعاقبة وصورها المتكررة المستعادة في تتبع التشكلات الحضارية التاريخية التالية بشكل وجيز ومكثف.
أولاً: عندما حدثت المواجهة بين التراث العقلي الهيليني والتقليد الديني العبراني في القرون السابقة للمسيحية نشأت الحاجة لأول مرة في الشرق الأدنى ـ وربما في تاريخ العالم ـ إلى إقامة التوفيق بين العقل والإيمان وبين المنطق الانساني والوحي الإلهي، وشهدت الديانة الموسوية جهداً عقلياً ونشاطاً دينياً متفلسفاً كان أبرز مفكريه (فيلون) الذي عاش بين القرنين الأول قبل الميلاد والأول الميلادي، وجاء بالمفهومين المزدوجين القائلين: إن النص الديني (التوراة) وحي إلهي، وإن الفلسفة اليونانية تمثل الحقيقة الكونية، وعليه فقد وجد نفسه في مواجهة مشكلة (إقامة التوفيق reconciliation) بين الفلسفة والشريعة، بين أفلاطون وموسى. ويرى أرنولد توينبي ان هذه المجابهة المبكرة بين التأثير الإغريقي (الهيليني) الوافد مع النفوذ الروماني، وبين التراث الديني الإيماني للمشرق السوري لم تقف عند حدود إقامة توفيقية دينية فلسفية في اليهودية، بل مثلت ـ حسب تعبيره ـ الجدلية الخلاقة التي أثمرت المسيحية.



ثانياً: مثلت الأفلاطونية الحديثة التي انتشرت في مصر (الإسكندرية) والمشرق السوري على يد أفلوطين المصري اليوناني الأصل (203 ـ 269م) وتلميذه وشارحه فرفريوس السوري أو الصوري (232 ـ 034م) محاولة توفيقية خارج النطاق الخاص بإيجاد التوافق بين الديانات السامية (التراث الإبراهيمي) وبين التراث العقلي الهيليني، حيث ظلت في بداياتها إنسانية وثنية مستقلة عن اليهودية والمسيحية بل ومعادية لها أحياناً، وعملت على التوفيق (بين آراء الإغريق بعضها مع بعض، أو بينها من جانب والديانة الشعبية والتصوف الشرقي من جانب آخر. وتنهض توفيقية الأفلاطونية المحدثة المبكرة هذه في شكلها الانساني الوثني (تمييزاً لها عن الأفلاطونية المحدثة المتأخرة التي تكيفت مع المسيحية ثم مع الاسلام) تنهض دليلاً آخر على أن ظاهرة التوفيق في الشرق الأدنى القديم لم تنحصر في نطاق إقامة التلاؤم بين الوحي السامي والعقل اليوناني بالذات، ولم تكن في كل الأحوال اضطراراً من جانب العقل الانساني لتأويل النص الإلهي المنزل والتقيد به، بل مثلت أيضاً ـ على نطاق أعم ـ محاولة التوافق بين ما هو منطقي عقلي واضح البرهان وبين ما هو إيماني شعوري باطني (غنوصي)، حتى لو كان مستمداً من عقائد شعبية وديانات محلية إنسانية المصدر تفاعلت مع العقل طوعاً ولم تفرض عليه بسلطة الوحي. وعليه فالتوفيقية بعامة يمكن أن تكون محاولة طوعية لتحقيق التوازن بين ما هو عقلاني وما هو إيماني من تعارضات الحياة، بغض النظر عن ارتباطها التاريخي بالاستجابة لمتطلبات الوحي السماوي، وإن كانت تلك الاستجابة تمثل الفصل الأشهر من تاريخها المتداول.
ثالثاً: تمثل المسيحية المتفلسفة في المشرق مرحلة رئيسة في تاريخ ظاهرة التوفيق، وحلقة وصل هامة بين الأفلاطونية المحدثة وبين الفكر الاسلامي من كلامي وفلسفي، ونجد في المسيحية المتفلسفة مرحلتين متتابعتين تتوازيان مع المرحلة الكلامية ثم المرحلة الفلسفية في الاسلام. ففي القرنين الثاني والثالث الميلادي تظهر (المدرسة الدينية العقلية) المبكرة بزعامة أريجونس الذي ((شرح الإنجيل شرحاً حرفياً للعامة والمبتدئين، وشرحاً أخلاقياً للمتقدمين، وشرحاً رمزياً صوفياً للخاصة. وهذا الشرح الأخير هو ما يعرف بالشرح (الإشراقي) أيضاً، لما يدعى فيه من الاعتماد على النور الإلهي (البصيرة والإلهام) والإشراق والتجلي. وصداه هو ما يعرف عند المسلمين بالحكمة الإشراقية. وهذا النوع ((تأثر بالفلسفة الإغريقية في تعبيراته وفي طريقة تأويله للنصوص الدينية. ثم تنشط حركة فلسفية مسيحية أكثر استقلالاً عن اللاهوت منذ آخر القرن الرابع الميلادي إلى منتصف القرن السابع بزعامة يحيى النحوي واسطفان الإسكندري وغيرهما من رجال مدرسة الإسكندرية التي كان همها ((تقريب آراء الإغريق من الدين المسيحي)) فيما يتعدى مجرد التأويل العقلي للنص الديني، و ((هذه الحقيقة ذات أهمية في تحديد صنيع المسلمين وموقفهم من الفلسفة الإغريقية بعد أن اطلعوا عليها في صور مختلفة، وبالأخص في صورتها الأخيرة القريبة منهم التي رسمها يحيى النحوي وأتباعه)).
ب ـ توفيقية الحضارة الاسلامية:
بالإضافة إلى الجهد التوفيقي المشهود في علم الكلام والفلسفة الإسلاميين، رصد الباحثون مظاهر وخصائص توفيقية عديدة في الحضارة الاسلامية خارج النطاق الفكري الخالص نوجزها إجمالاً في المعالم التالية:
أولاً: إذا طبّقنا معيار التطور الجدلي (الديالكتيكي) على تاريخ الديانات السامية الثلاث نجد أن اليهودية بطابعها القومي المحدود وتركيزها على أهمية الشريعة ـ القانون تمثل (الموضوعة = Thesis) في هذه الجدلية. ثم تأتي المسيحية بطابعها العالمي الشمولي وتشديدها على الإيمان الداخلي والناحية الأخلاقية الروحانية لتمثل ثورة ونقيضاً ضدّ اليهودية، من داخلها، وضمن تراثها السامي (الإبراهيمي)، متخذة بذلك شكل (الموضوع النقيض = Anti-thesis)، ثم يجيء الاسلام ضمن إطار التراث السامي المتفاعل ذاته يمثل ـ بطابعه القومي وعالميته الانسانية، بتوفيقه بين القانون والإيمان، بجمعه بين (الموضوعين Synthesis). وإذا قرأنا هذه الجدلية بمنظار الظاهرة التوفيقية، أمكن القول إن الإسلام يمثل بمعنى من المعاني توفيقاً تاريخياً حقيقياً ـ على الصعيد الديني ـ بين (النظام الديني اليهودي) و (النظام الديني المسيحي) في مركب ديني جديد أصيل يجمع بين الخاصتين الجوهريتين في كل منهما ممثلاً طموح الروح السامية إلى التكامل والشمول والتوحيد والجمع بين الدين والدنيا. ويعبر الفيلسوف برتراند رسل عن جانب آخر من هذه الظاهرة، بعقد مقارنة أخرى تكمل في مغزاها هذه الفكرة، حيث يشير إلى أن الدولة الرومانية كانت واقعاً دون مثال، وإن الكنيسة المسيحية كانت مثالاً دون واقع. ولإعطاء مثال تاريخي يوحد هذه الثنائية نقول إن الاسلام كان الجامع بين ذلك الواقع وذلك المثال في مزيج واحد. كان الإمبراطورية وكان الكنيسة دون تمييز. كان (روما الدولة) وكان (مملكة الله) في وقت واحد ودون ثنائية. ولعل دولة (الخلافة) الاسلامية هي (المؤسسة) التي جسدت هذا المعنى في التاريخ بوجهيها المتوحدين: الديني والسياسي.
ثانياً: على الصعيد الحضاري ومكوناته، ورثت الحضارة الاسلامية وتمثلت المكونات التوفيقية السالفة في منطقة الشرق الأدنى. وكما واجه الاسلام من حيث هو دين النظامين اليهودي والمسيحي ووفق بينهما في صيغة أشمل وأكمل، وكما واجهت الحركة الكلامية الفلسفية في الاسلام الأفلاطونية المحدثة بإرثها الفلسفي الإغريقي من ناحية، والعقيدة الاسلامية بإرثها الإيماني السامي من ناحية أخرى، ووفقت بين نظاميهما المتعارضين في اعتقاد فلسفي إيماني مزيج، فإن الحضارة الاسلامية بدورها واجهت نظامين حضاريين متعارضين هما الهيلينية الرومانية من جهة، والمؤثرات الفارسية الهندية من جهة أخرى وجمعت بينهما ـ لأول مرة في تاريخ الحضارات ـ في مركب حضاري جديد. فمن هذه الناحية كانت الحضارة الاسلامية أيضاً مشروعاً توفيقياً ضخماً ـ بحكم موقعها المتوسط ـ بين العنصرين الحضاريين العظيمين في التاريخ الآسيوي ـ الأوروبي القديم والوسيط، وهما:
1 ـ العنصر الهلنستي (اليوناني ـ الروماني) المنتشر في الشرق الأدنى والممتزج بالتراث السامي والمحلي السوري.
2 ـ العنصر الشرقي الآري الناتج عن مؤثرات الحضارتين الآسيويتين الهندية والفارسية بنزعتيهما الصوفية من ناحية، والعملية من ناحية أخرى.
يسجل المؤرخ المستشرق برنارد لويس هذه الظاهرة باعتبارها أول وأبرز خاصية من خصائص الحضارة الاسلامية: ((الخاصية الأولى التي تبهرنا هي القوة الاستيعابية الفريدة للثقافة العربية، التي غالباً ما أسيء عرضها على إنها قدرة على التقليد والمحاكاة. لقد وحدت الفتوحات العربية لأول مرة في التاريخ، المناطق الشاسعة المترامية من أطراف الهند والصين إلى تخوم اليونان وإيطاليا وفرنسا. وقد وحد العرب في مجتمع واحد ـ بالقوة العسكرية لفترة، ثم باللغة والعقيدة لفترة أطول بكثير، ثقافتين متصارعتين سابقً، هما: التراث المتوسطي المتنوع العريق لكل من اليونان والرومان والعبران والشرق الأدنى القديم، والحضارة الغنية لفارس بأنماطها الخاصة في الحياة والفكر وصلاتها المثمرة بالثقافات الكبرى في الشرق البعيد. وبتعايش كثير من الأقوام والعقائد والثقافات في نطاق المجتمع الاسلامي تولدت حضارة جديدة متنوعة في أصولها وفي أجناس مبدعيها، ولكنها تحمل في جميع مظاهرها الطابع الخصوصي للاسلام العربي.
إن ما يستحق التوقف في هذا النص هو الإشارة إلى أن الحضارتين اللتين تمّ دمجهما كانتا متعارضتين متناقضتين. فالتفويق أساساً هو إزالة المفارقة بين طرفين رئيسيين يتم التقريب بينهما في معادلة تركيبية واحدة متوازنة متسقة. وهذا ما يميزه عن الانتقائية المحض حيث يتمّ الاختيار والانتخاب بين عناصر مبعثرة مختلفة أو متشابهة ولكنها لا تمثل نظامين مستقلين متعارضين. من هنا فالتوفيق مرحلة أعلى وأكثر تطوراً ـ في الفكر والحضارة ـ وأكثر تحدياً وصعوبة من عملية الانتقاء الحر غير المقيد بمعطيات مسبقة وغايات محددة.
والنتيجة الهامة التي نودّ تقريرها هنا هي أن ظاهرة التوفيق في الاسلام تتجاوز التوفيقية الخاصة بعلم الكلام والفلسفة الاسلامية. وإن هذه التوفيقية الخاصة انعكاس لظاهرة توفيقية أعم وأشمل وأرسخ ترتبط جوهرياً بروح الاسلام كله من حيث هو دين ودولة وحضارة وثقافة ومجتمع، وإن هذه الروح استمرار حيّ ممتد من تراث الشرق الأدنى القديم إلى مجتمع الشرق العربي الحديث وهي الظاهرة المتجذرة في كثير من أصول الحركات والأفكار في الاسلام الحديث والتي على أساسها يمكن تفسير الإيديولوجيات (العربية المعاصرة التي تبدو للوهلة الأولى بخلاف الحقيقة، وقد غيرت جلدها ولبست زي العصر نتاجاً حديثاً خالصاً، منبت الصلة بالفكرة ـ الأم الأصيلة: التوفيقية.
يستخلص الدكتور زكي نجيب محمود هذا الجوهر التوفيقي في الثقافة العربية بعد رحلة طويلة له خارجها في عالم الوضعية المنطقية التجريبية الإنجليزية: ((... هذا الجمع بين العقل والوجدان لا يتمثل في تراث ثقافي بمثل الوضوح الذي يتمثل به في الثقافة العربية وتراثها. فلئن غلبت ثقافة الوجدان على تراث الشرق الأقصى من هند وصين، وغلبت ثقافة العقل ـ فلسفة وعلماً ـ على تراث أوروبا من يونانها فنازلاً إلى يومنا، فقد كان في شرقنا العربي هذا الجمع المتزن بين عقل ووجدان.
ويقرر الدكتور محمد يوسف موسى إن ((هذه النزعة/ التوفيقية/ من النزعات الغالبة على مفكري المسلمين بصفة عامة في جميع فروع التفكير)).
هذا التعميم ضروري لرؤية الأبعاد الكاملة للتوفيقية العربية الاسلامية في شمولها ومختلف مجالاتها، في ماضيها وحاضرها. ودراسة التوفيقية الكلامية ـ الفلسفية بمعزل عن ظاهرتها الأم، التوفيقية الحضارية الشاملة، يبعدها عن جذورها وإطارها الأوسع. فإذا كانت التوفيقية الكلامية المحدودة قد تمت بجهد إرادي واع لجماعات معينة في عهود معينة، وتعرضت للإنفصام في ظروف تاريخية عديدة، فإن التوفيقية الحضارية الأم التي أثمرها العقل الجمعي والإرادة العامة والروح العميقة للاسلام العربي عبر قرون، وعبر قارات وأقوام، كانت أشد رسوخاً وأكثر تماسكاً في وجه التمزقات التاريخية التي تعرض لها الشرق العربي قديماً وحديثاً.
وقد تفرعت عن هذه الروح التوفيقية المتأصلة مجموعة من الصفات والخصائص الخلقية والاجتماعية والذهنية التي تعدّ انعكاساً وامتداداً طبيعياً لها في مختلف نواحي الحياة، كصفات التوسط والاعتدال والانفتاح والتسامح. فالتوفيق لا بد أن يتوسط بين المتعارضات ويكون معتدلاً في نظرته إليها ليتمكن من إقامة الموازنة الدقيقة بينها دون أن ينحاز لطرف دون آخر فيخلّ بموقفه المتعادل، كما انه يحتاج إلى قدر من الانفتاح والتسامح ليطلع بصدر رحب وأفق واسع على العناصر المختلفة، ويختار منها ما يشاء، ويدرك الجوانب المتعارضة فيها، ويرى جانبي الصورة، ليعيد توحيدهما في صورة جديدة أرفع وأوسع.
وكما كان (الوعي) بمغزى التوفيقية وأبعادها الحضارية متوافراً لدى القدماء، أو كما قال إخوان الصفاء: ((متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة الاسلامية فقد حصل الكمال، فإن الوعي بالتوسط ـ خلقاً ومسلكاً وحضارة، زماناً ومكاناً ـ يظهر بوضوح في مواقف عديدة من الثقافة العربية المعاصرة، خاصة في تلك المواقف المرتبطة بالبحث عن تجديد العقيدة وإحياء الرسالة التي يمكن للشرق العربي أن يضطلع بها مرة أخرى. ونلاحظ أن استشعار التوسط المعنوي والفكري والجغرافي يستتبع في أغلب الأحوال العودة إلى إحياء رسالة التوفيق والوفاق بين متعارضات العالم المعاصر ونقائضه ومعسكراته المتضادة.
وهذا الوعي بالخاصية الكيانية المنبثقة من روح التوفيق والتوسط تغدو مستنداً ومبرراً للتوفيق الجديد على صعيدي الفكر الديني، والفكر الايديولوجي ـ الاجتماعي السياسي ـ على حدّ سواء: ((... والمكان الذي تنبثق منه الإشتراكية العربية ـ الشرق الأدنى ـ مرشح دائماً على مدى التاريخ لأن ينبثق منه المحل الذي تلتقي فيه عناصر الآراء والمذاهب المغالية والمتطرفة وتختلط وتتفاعل ويتهافت منها ما ليس صالحاً للبقاء، ويمكث في الأرض ما هو صالح للدوام والاستمرار، ويخرج من ذلك كله الرأي المتعادل المتوازن الذي يرضي جميع الأطراف لأن ما فيه أحسن ما عند جميع الأطراف... أجل لقد تحول موقفنا السياسي والفكري بين الشرق والغرب في هذه الأيام إلى إرهاصات رسالة عالمية ينشدها ضمير الإنسانية ويتمنى عمومها رواد السلام والحرية والعدالة في عصر الذرة...
ويمكننا أن نردّ مختلف هذه التملات المعاصرة حول الوسطية والاعتدال والاتزان لى ما قرره محمد عبده منذ مطلع النهضة: ((ظهر الاسلام لا روحياً مجرداً، ولا جسدانياً جامداً، بل إنسانياً وسطاً بين ذلك، آخذاً من كل القبيلين بنصيب... ثم لم يكن من أصوله (ن يدع ما لقيصر لقيصر)، بل كان من شأنه أن يحاسب قيصر على ماله ويأخذه على يده في عمله)).