الاستمطار في العرف المغربي ـ هشام فنكاشي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse01057تقديم
يعتبر الماء المورد الطبيعي الأهم الذي يمس جميع مناحي الحضارة البشرية من الأنشطة الإنتاجية إلى القيم والمعتقدات الدينية لكل مجتمع، كما انه مورد نادر يتميز توفره بعدم الانتظام في الزمان والمكان، شكلت نذرته قضية مركزية للإنسان، قادته إلى الاعتماد على أساليب ومعتقدات لجلب وتوفير هذه المادة، وباعتبار الأمطار المصدر الأساسي لمياه الأرض، فقد لعبت الظروف الثقافية ونمط الديانة دورا رئيسا في طريقة وكيفية طلب الأمطار.
فالطقوس القديمة نحت منحا معينا تبعا لنوعية الفكر السائد والسياقات الحضارية التي انتجته، لكن ذلك لم يمنع الإنسان من المضي قدما في البحث وبوسائل علمية عن أساليب عقلية قادته إلى تطوير تقنية الاستمطار الصناعي. الشرع الإسلامي لم يكن بمعزل عن هذه الظاهرة سواء في قالبها العرفي من جهة، أو العلمي من جهة ثانية.
        يعالج هذا العرض موضوع الاستمطار كما تناولته الأعراف المغربية، محاولا تسليط الضوء على العديد من مناطق المغرب و إبراز أوجه الاختلاف بين هاته المناطق. 

المبحث الأول: المناخ والذهنيات بالمغرب
يعتبر مناخ المغرب من المناخات الشبه جافة، حيث يتسم بقلة التساقطات، لذلك فلا غرابة من انتشار العديد من الطقوس والاحتفالات والخرافات بهدف جلب المطر أمام عجز الانسان عن تفسير قوى الطبيعة والتأثير فيها. 
ومن خلال هذا الفصل سنتطرق إلى بعض طقوس الاستمطار في العرف المغربي، محاولين تسليط الضوء على العديد من مناطق المغرب لإبراز أوجه الاختلاف والتشابه بين هذه المناطق، وكذا النبش في ذاكرة تاريخ الاستمطار، لبعض الطقوس التي مارسها السكان قبل التاريخ. معتمدين على عدة مصادر ومراجع وكذا الروايات الشفوية.


1- حالة الندرة
أظهرت المؤثرات المناخية الصعبة حيرة وعجز سكان المغرب عن ايجاد بدائل لمواجهة مضاعفاتها السلبية، مما ساعد على ذيوع ذهنيات خرافية وخروج الثقافة المغربية عن سياقها الديني إلى براثن الخرافة والشعوذة. وكلما اشتدت الظروف المناخية قساوة كلما اتسع نطاق الذهنية الخرافية فهما وتأويلا، بحيث لم تكن تخلو قرية ولا مدينة من كاهن أو منجم أو ساحر يدعي القدرة على استجلاب المطر وتفجير عيون الأنهار. فضلا عن اخبارهم بمبهم الاضطرابات المناخية، منها على سبيل المثال لا الحصر تحديد الأسبوع الثاني من شهر دجنبر مناسبة لسقوط الأمطار. ولهذا تطلع العوام إلى إدراك ما يحدث فيها فكان تأويل المنجمين يقضي أن لياليها السبعة ان كانت مطيرة، فتلك علامة على خصب العام وان كانت صحوة فالسنة قاحطة. وفي هذا الصدد ارتبط العوام ببعض الدجالين الذين استغلوا بساطتهم.

  2- حالة الوفرة 
ارتبطت الرياح والعواصف العاتية والفيضانات في المخيال الديني للعوام، بعلامات الساعة والبعث متخذة صورا شتى لألوان العذاب والعقاب التي استهدفت الأقوام الغابرة. إن تركيز المنجمين على عناصر المناخ في حدوث الاضطرابات والفناء بالطوفان تركيز مقصود، حتى يؤدي دوره وذلك اعتمادا على توظيف المسبقات والتمثلات الدينية سعيا إلى محاكاة المقدس في تطهير الأرض من المدنس

المبحث الثاني: طقوس الاستمطار بالمغرب
     1- طقس غنجة أو تاغنجة
من الطقوس المعروفة في شمال أفريقيا بمختلف أنحائها ومناطقها سواء الناطقة بالأمازيغية أو بالعربية العامية، الطقس المعروف بـ(تاغنجا) أو (تاسليت أونزار) الذي يعد من أقدم الشعائر الاستسقائية، ويهدف إلى استمطار السماء حين تكون الأرض والمحاصيل مهددة بالجفاف وشح المياه. وتتشابه طريقة ممارسة الطقس بعناصرها الرئيسية في مختلف المناطق، ولم يتم تسجيل إلا اختلافات شكلية طفيفة جدا في ما بينها.ونظرا للانتشار الهائل لهذا العرف و قوة حضوره في كل بلدان شمال افريقيا كان لا بد من تسليط الضوء على الأسطورة المرتبطة بطقس تاغنجا قبل التطرق الى طريقة الاحتفال به، ورصد بعض مظاهر الاختلاف حسب المناطق.

أ-الأسطورة المرتبطة بطقوس (تاسليت أونزار) أو تلغنجا
         الأسطورة المرتبطة بطقس تلغنجا كما دونها Genevois فهذا نصه׃
«في قديم الزمان، كان شخص اسمه أنزار،  أراد الزواج من فتاة رائعة الجمال تتألق حسنا على الأرض كالقمر في السماء، وكان وجهها ساطعا وثوبها من الحرير المتلألئ، وكان من عادة هذه الفتاة أن تستحم في نهر فضي البريق، وكان ملك المطر كلما هبط إلى الأرض، يدنو منها فتخاف، ثم تعود إلى السماء، لكنه ذات يوم قال لها׃    
ها أنا أشق عنان السماء
من أجلك يا نجمة بين النجوم
فامنحيني من الكنز الذي وهبته
وإلا حرمتك من الماء
فردت عليه الفتاة ׃
أتوسل إليك يا ملك المياه
يا مرصع جبهته بالمرجان
إني نذرت نفسي لك
  بيد أني أخشى الأقاويل
      وبعد سماع هذه العبارات قام من عليها، فأدار خاتمه، فنضب النهر على الفور، وجفت آثار الماء. فأصدرت

الفتاة صيحة وتفجرت عيناها بالدموع، فالماء هو روحها، فخلعت ثوبها الحريري وظلت عارية، فخاطبت السماء
قائلة: 
   أنزار يا أنزار
يا زهر السهول
أعد للنهر جريانه
 وتعالى خذ بثأرك
في تلك اللحظة بالذات لمحت ملك المطر، وقد عاد بهيئة شرارة برق ضخمة فضم إليه الفتاة، وعاد النهر إلى سابق عهده في الجريان، فاكتست الأرض كلها اخضرارا"
يتقاسم البطولة في هذا الميث شخصان׃ أنزار ذو الأصل السماوي الذي يتم تشخيصه في الميث على أنه ملك أو رب المطر، والذي يتم التوجه إليه بتلك الصفة في الأهازيج المؤداة في موكب (تاسليت أونزار)، الشخص الثاني في الميث هو الفتاة الحسناء التي تتوقف حياتها على الماء الذي يجود به الملك أنزار وتمثل عروس المطر (تاسليت أونزار)، كما ترمز للأرض «الأم» التي يخصبها مطر السماء فاتصال أنزار السماوي والفتاة الأرضية هو المسؤول عن الخصوبة والاخضرار، بما يعني أن هطول المطر إنما ينجم عن زواج كوني بين أنزار، الماء المطري السيد الملك (وضمنيا الإله)، ذي القدرة على الإخصاب وعروسه (الأرض) تاسليت.

ب- طقوس الاحتفال بتاغنجا
تتمثل طقوس (تاسليت أونزار) أو تلغنجا/ تاغنجا في التطواف بمغرفة (أغنجا) مكسوة بزي عروس «تاسليت» في موكب تشارك فيه النساء والأطفال، يرددون الأهازيج والأدعية، ويطوفون عبر الدواوير والقرى والأضرحة، وفي الطريق يتم رش الدمية بالماء من أعالي البيوت من قبل السكان، ويتم تحصيل واستلام العطايا والصدقات من الأهالي، حيث تخصص موادها لتهيئة مأدبة طقوسية تقام قرب مجرى نهر أو على بيدر، أو في مزار، أو على قمة مرتفع حسب المناطق. هذه هي الخطوط العريضة لهذا الطقس، لكن بالطبع هناك اختلافات ضحلة في شكل الدمية والمواد التي تتخذ منها العروس أو كسوتها، أو في لقبها والأهازيج التي يتم ترديدها.

ج-أوجه الاختلافات في طقس "تاغنجا'" حسب بعض مناطق المغرب
في أيت بعمران بجنوب المغرب تحمل الدمية المسماة تلغنجا من قبل فتاة متبوعة بأخريات يرددن بالأمازيغية (البربرية): (أتلغنجا نومن س ربّي والّي إيزكان أد اغ إيغيت) (يا تلغنجا نؤمن بالله القادر على إغاثتنا)، فيرش السكان الدمية والموكب بالماء.
وفي أيت سغروشن بالوسط المغربي تصنع الدمية من قمع فوق قضيب، ويغطى بغطاء الرأس، وقلادة تحملها أثناء التطواف. وفي منطقة الريف بالمغرب الشمالي يتم إلباس مسحاة على شكل عروس تسمى (تاسريت أونزار) ، وبإيبقّوين بنفس المنطقة تحمل الدمية إلى عين ماء، حيث تسقى من قبل أعضاء الموكب مرددين׃ «أربّي ارحم أغ س وامان أونزار» بمعنى "يا ربّي ارحمنا بغيثك"، ويتم في النهاية تجريدها من ثيابها، وغرسها في ركام الأزبال، حيث تظل حتى يبللها المطر .بينما تعمد مناطق أخرى إلى توظيف فتاة حقيقية في شعائر الاستمطار، كما هو الحال في إيساكن بجنوب المغرب ، حيث يتم الاستعاضة عن المغرفة بما تمثله أي صبية يتيمة يتم التجوال بها منسدلة الشعر، ومقيدة اليدين خلف ظهرها إذ تتقدم بها النساء مرددات׃ أمان، أمان أونزار أي الماء، ماء المطر، وتعملن على إبكائها كما بكت العروس في الميث لاستثارة المطر (أنزار) للاستمطار وتجدر الإشارة إلى أن النساء في نواحي أكادير بجنوب المغرب كن يذهبن في الماضي أثناء الجفاف إلى ضفة واد سوس، وهن يرددن الأهازيج، ويتجردن من ثيابهن، ويظللن عاريات، حيث يحاولن استثارة المطر، فهن بذلك يعشن طقسيا الميث، ويكررن فعلا أسطوريا قامت به عروس المطر المستحمة في النهر عارية في الميث، حيث أثارت غريزة الملك أنزار الذي أغدق عليها من سائله، فاخضرت الأرض.
نشير إلى طقس طريف لدى إيكلووّا بجبال الأطلس بالمغرب يتمثل في تجاذب فريق من الرجال وفريق من النساء (أو النساء فقط في إيكدميون بنفس المنطقة) لطرفي حبل، حيث يعمد أحد الأشخاص، ودون سابق إنذار إلى قطع الحبل، بشكل مفاجئ، فتسقط النساء وتظهر عورتهن، وهذا الطقس يعرف باسم "كرّعموش" لدى إيكدميون (إيمي ن تالا) ، فكيفية أداء الطقس تؤكد أن عرض وظهور العضو التناسلي للمرأة يشكل أساسا في الاحتفال، نظرا لدوره في تهييج واستثارة أنزار.
وفي قرية تاسميت أنزار ذاته يحضر في موكب الدمية، ويحمل اسم" أركاز ن تلغنجا "(زوج تلغنجا) تطوف عجوز بدميتين تمثل الأولى (تلغنجا) العروس، وتصنع من مغرفتين متقاطعتين، والثانية زوجها (أركاز ن تلغنجا)، وتصنع من مدق يتم إلباسه خرقا سوداء تشبها بالسماء السوداء الملبدة بالغيوم، وخلال التطواف تردد بعض النساء׃ أتلغنجا ماكّم إيلان ؟( أتلغنجا من تزوجك؟) فيرد البعض الآخر׃ أمان أونزار أكّم إيلان (ماء المطر تزوجك)
لقد أجمع كل الباحثين على الوحدة المثيرة لطقوس الاستسقاء (تلغنجا) بشمال إفريقيا، لأنها ترتبط بنسق رمزي واحد ومتشابه، وتستند إلى خلفية ميثية قديمة، ورؤية كونية أمازيغية واحدة لعلاقة السماء بالأرض، ولموقع الإنسان في هذا العالم، وهي طقوس تتفق كلها على إضفاء مواصفات العروس على الشخصية المركزية فيها سواء أكانت فتاة أم بديلا لها (المغرفة) بتزيينها بالحلي، وتشخيصها برسوم بشرية، وحملها كعروس حقيقية نحو زوجها أنزار، ويتم رشها في الطريق بالماء كما يتم بالنسبة لعروس حقيقية في احتفالات الزفاف الأمازيغية وذلك بهذف اثارة أنزار والـتأثير فيه جنسيا.

2-الاستمطار وعبادة الكبش
ورد في مسالك البكري ق 11 أثناء وصفه للطريق الرابط بين أغمات وسوس أن قبيلا من البربر يوطنه على بعد مرحلة من ايجلي ويسمى بني لماس، يسكنون جبلا وعرا ويصفهم بكونهم مجوسا يعبدون كبشا.
يجب ربط هذه المعلومة ببقايا الديانات المائية القديمة التي انتشرت في افريقيا الشمالية منذ الفترة القديمة إلى دخول الاسلام بل إلى غاية القرن الحادي عشر، ويتفق أغلب المؤرخين على القول إنها كانت منتشرة لدى البربر. وهناك العديد من النقوش الصخرية المتعلقة بعبادة الكبش تؤرخ بالألف قبل الميلاد، وقدد عثر على هذه النقوش في جبل باني بالأطلس الكبير.
لقد رأى سكان شمال افريقيا في الكبش شخصية الاهية واعدة بالمطر باعتباره المزود بالمطر، وهنا نجد دوره في الطقوس يتحدد فقط في المراسيم المقامة من أجل الاستسقاء، وهناك العديد من النقوش والرسوم الصخرية التي تؤكد هذه الفرضية حيت مثلت الكبش في وضعية تبول، وفي رسوم أخرى مثلت شخصيات أمام الكبش في نفس الوضعية، فإما أنهم يدعونه للفعل أو أنهم يشاركونه الفعل.
أضف الى ذلك أن التقاليد المغربية حافظت على بعض مظاهر هذه الطقوس، ففضلا عن النص الصريح للبكري، يمكن أن نذكر بدور الكبش في الاحتفالات الشعبية الخاصة بالاستسقاء حيث يبدو على رأس الطقوس المخصصة لهذا الغرض ،فللتأثير على القوى العلوية، غالبا ما يتم اختيار كبش أسود ،وهو لون يرمز إلى سماء ممطرة ،وفي بعض الحالات يقوم بوضع كبش في مجرى وادي، فإذا تبول فذلك يعني أن السنة ستكون ممطرة وهكذا يبدو أنه منذ عصور ما قبل التاريخ إلى الآن ،مرورا عبر الفترة الوسيطية، بقي الكبش على علاقة وطيدة بالماء في الذهنية الدينية البربرية.

3-الاستسقاء بمنطقة تافيلالت
عندما يشتد القحط و الجفاف بمنطقة تافيلالت يقوم السكان بتنظيم عادة (الطوايف) في احتفال كبيريجمع كل الطرق الصوفية المتواجدة في المنطقة، وتقام الطقوس في مكان شاسع عادة ما يكون فناء أحد القصور، الذين يقومون بالتهام النار وشرب الماء الساخن و أكل الزجاج والضرب على الرأس بالسكين، وبعد صلاة العشاء  يلتئم كل سكان القصو ر المنظمة للحفل في وليمة جماعية و غالبا ما تكون الكسكس وينثر الباقي على الأرض لتأكله الطيور، كما يخرج الناس الصدقات.
لقد آمن الفيلاليون ببركة أهل التصوف والأولياء والشرفاء لاستجداء المطر. وبالنسبة لطقس تاغنجا، هناك طابع محلي له من خلال اختتام هذا الاحتفال بمأدبة يجتمع عليها الناس، وغطس دمية التاغنجا في جرات مملوءة بالماء والناس ينشدون أهازيج طلبا للمطر.

4-الاستسقاء بمنطقة درعة
    فوبيا الجفاف وطقوس الاستسقاء
يتبين من خلال المقيدات المحلية وكتب المناقب أن الماء كان ولايزال يشكل الهاجس الأساس لسكان وادي درعة ،بل إن الخوف من الجفاف وقلة الماء ظل يسيطر على عقلية وسلوك السكان خصوصا بالواحات الجنوبية، فكانوا إذا داهمهم الجفاف وأصبحوا مهددين بالجوع ،يلجئون إلى من يعتقدون صلاحه من أهل التصوف وأصحاب الزوايا من الاشراف والمرابطين، فيقدمون لهم العطايا ويتنازلون لهم عن أجزاء كبيرة من أراضيهم .وكانوا أحيانا يلتزمون لبعض المرابطين بخدمة سواقيهم وأراضيهم مقابل التوجه إلى الله تعالى والتضرع إليه ليرفع عن أهل درعة الجفاف ويكشف عنهم عذاب الجوع. وقد ورد في تقييد محلي  وجد بلكتاوة كما يبين ذلك د أحمد البوزيدي في كتابه  أن قحطا وقع بدرعة خلال ق16 فكان الصالحون مهتمين بذلك متضرعين إلى الله تعالى في كشف مانزل بهم عند قبور الصالحين والأولياء الأحياءمنهم والأموات، ملتمسين رحمته وغيثه إلى أن وصلوا إلى شيخ الطريقة أبي العباس سيدي احمد بن علي الحاجي (توفي 1598م)وهو آنذاك على قيد الحياة ،اذ أمرهم بان يذهبوا بصدقة إلى ضريح الشيخ الحاج علي بن عمرو برباط تفجروت، وحدد لهم الصدقة في “مدي ” من القمح بشرط كيله لاينقص حبة واحدة ، أو جمعه عند الناس قبيلة قبيلة حتى يجمع كاملا على نية الصدقة، وثور يكون لحما .ويؤكد صاحب التقييد أن كل القبائل التزمت بجمع القمح حسب شرط سيدي احمد بن علي وجاءوا به الى رباط تفجروت حيث أقيمت صدقة كبيرة للفقراء والمساكين بحضور الشيخ سيدي احمد بن علي.
أما الشيخ سيدي محمد بن ناصر (توفي سنة 1774م) فقد تنازل له أهل بافل درعة عن مساحات كبيرة من الأرض مقابل إحياء ساقيتهم، فخرج إليها الشيخ في جملة من اصحابه “فحركها وسلمها الله فطلعت.

ـــــ    معروف تسركات على ايقاع الكسكس.
بعد جمع المحصول السنوي من قمح وثمر و فصة ... يتم التفكير في المعروف ، وهو شكل احتفالي جماعي يقام بالدوار ،حيث يحدد يوم الاحتفال عبر" التبراح" في المسجد العتيق من طرف  "البراح" وهو شخص ينحدر عرقيا من المرابطين .وفي يوم الاحتفال الذي  يصادف  يوم الجمعة لقداسته ،تشمر النساء عن سواعدهن بتهييء قصاعي الكسكس ،كما يقمن بتنظيف حواري الدوار، وبعد صلاة العصر يتوجه الرجال والشباب والأطفال من الذكور إلى البيادر التي لاتبعد عن ضريح  الولي الصالح سيدي علي بن يوسف التمازيري، كما يتم ايفاد قلال الماء البارد ، و يحج إلى عين المكان  سكان الدواوير المجاورة والمستدعاة من طرف أهل تسركات. وقبيل غروب الشمس تتقاطر إلى مكان الاحتفال قصاعي الكسكس محمولة على الأكتاف من طرف الشباب، كما تحضر النساء لكن بشكل قليل جدا، وما ان يتبين أن الجميع حضر حتى تعطى الاشارة من طرف أعيان القبيلة من أجل تناول المعروف جماعة. ينتهي الاحتفال بجمع ما تبقى من الكسكس من طرف سكان القبائل المجاورة للتبرك به، ثم يقف الجميع للفاتحة وهو دعاء يركز فيه الداعي، وهومن أصل مرابطي على “طول عمر السلطان وتهدئة الأوطان و اطلاق سراح المسجونين و الدعوة الى تماسك أهل الدوار ويختتم الدعاء بالتوجه الى الله تعالى و سي علي بن يوسف أن يغيثا البلاد والعباد بالغيث النافع.

ـــــ    مطاردة زاوية سيد البغداد لمرابطي تسركات
اذا كانت عملية الاستسقاء سواء في موسم المعروف أو تاغنجا تمر في ظروف هادئة ،فان مطاردة ال سيد البغداد للمرابطين بحواري تسركات لا يخلو من طرافة وأحيانا من عنف،اذ يحدث حينما يشتد القحط أن يدخل تسركات جماعة من سكان زاوية سيد البغداد متنكرين في صورة عابري سبيل ،وما أن يشار بالبنان إلى مرور أحد اتباع سيدي علي بن يوسف  ،حتى يتم اختطافه فيجد نفسه أمام رجال غلاظ شداد حيث يتم تصفيده في رقبته بعمامة بيضاء ،فيتوجهون به إلى مرقد الولي الصالح علي بن يوسف التمازيري، حيث يلجئون إلى الأخذ بخناقه بواسطة تلك العمامة حتى يكاد يغمى عليه ، ولا يطلق صراحه إلا بعد أن يجيب عن سؤال : متى سياتي الواد؟؟؟؟
ما إن يجيبهم يوم كذا…حتى يطلق صراحه، وتنهمر دموعه وهو قد وصل إلى مرحلة التطهير الروحي أو الكتارسيس بمفهومه الارسطي، فيتبركون ببركة الولي الصالح ثم ترفع الأيادي إلى السماء بالدعاء إلى الله تعالى الولي الصالح، أن يسقيا البلاد والعباد، ثم تقدم للمرابط بعض القرابين كالحناء والقمح.

5-الاستمطار بالسراغنة
تحكي الرواية الشفوية بجماعة سور العز دوار بوغوت، الذي يبعد بحوالي 30 كلم عن مدينة العطاوية، أنه عند طلب المطر يطوف رجل على أهل الدوار يشترط أن يكون اسمه محمد فيطرق على أهل الدوار، ويقول"طالب ضيف الله" فيجيب صاحب البيت "مرحبا بضيف الله" فيرد الطارق هل عندكم بقرة سوداء فيتم اعطاؤه بقرة سوداء، فيطوف بها رفقة الأهالي وهم يرددون:
البكرة بول بول         ياربي اعطينا ال
ولا يتوقف الطواف الا عندما تتبول البقرة.           
وفي نفس المنطقة تحكي الأسطورة أن حصانا ضرب بحافره الأرض فخرج الماء ،ولازالت آثار الحصان بادية الى الآن ومكان الأثر يسمى"المحكل" وعند الاستسقاء تتوجه النساء الى موضع" المحكل" وتحفرن فيأخذن تراب مبلل بالماء، ويتم وضعه في كل من "سيدي بوعلام" و "سيدي ادريس" وهما من أولياء المنطقة. وكذلك في أركان المسجد.

6-الاستمطار في منطقة الغرب
في منطقة الغرب وبالضبط بقيادة النويرات دوار لبعابشة الذي يبعد بثلاثة كيلومترات عن مدينة مشرع بلقصيري، تحكي الرواية الشفوية أن يوم الاستسقاء يسمى "نهار الغيس". ويتم خلاله الطواف ببقرة حمراء ويشترط أن تكون حمراء اللون، تتبعها النساء تحمل احداهن "علام" وهو عبارة عن قصبة مزينة بالنعناع والورود، وخلف البقرة مباشرة الفتيات العذارى اللواتي لم يسبق لهن الزواج ويردد الموكب الأهازيج التالية:
غيثك غيثك       يا الله
ارحم عبادك     يا الله
هذه فولة عطشانة    ترويها يا مولانا
هذه وردة في العود      اعطينا شتا ورعود
الى أن يصل الموكب الى "لالا عيشة" وهو مكان متعارف عليه عند الساكنة أنه للولية الصالحة" للا عيشة" يوضع "لعلام" في موضع "للا عيشة". وقد يذهب بالعلام إلى الولي الصالح "سيدي الدريويش" المتواجد بقلب مدينة مشرع بلقصيري.

7-الاستمطار بفاس
 لابد أن نشير إلى الاحتفال الغريب الذي اعتاد الناس في فاس أن يحيوه في أوقات
الجفاف؛ ذلك بأنهم يجعلون سبعين ألف حصى في سبعين ألف كيس ويسدونها، ثم
يتلون عليها من آيات القرآن في أحد الأضرحة، ويلقون بها في وادي سبو.

8-الاستسقاء بمنطقة الرحامنة
يتبارى فريقان أحدهما من النساء والآخر من الرجال في لعبة الحبل، فكان كل فريق يمسك بطرف الحبل بملء قواه يتجادباه إلى أن يتقطع فينهال عليهم المتفرجون برش الماء، كما كانوا يشنقون شريفا إلى درجة الاختناق الوشيك، ثم يفرغون عليه الماء قبل فك الحبل حول عنقه.

9-الاستسقاء والأولياء
كان الناس يتبركون بالأولياء قصد الاستسقاء  كما أن طلب الاستسقاء برفقة ولي صالح تكون أقرب إلى تحقيق المراد ،واعتزال الصلحاء الناس، كان يتم بمناطق يتوفر بها الماء .وكرامة الصلحاء تقاس بقدرتهم على الحصول على الماء .

 طقوس الاستجفاف
كما توجد طقوس للاستسقاء فكذلك توجد طقوس بغرض منع الأمطار، يتعاطاها الرحالة والمرافقون للمواكب والقوافل من كل الأصناف؛ إذ تكون حاجتهم في الطقس الصحو، فيأخذون إبريقاً من الفخار يصبون فيه زيتاً ويجعلونه تحت سقف قد اخترقه المطر ولا يزال يرشح منه الماء، أو يضعونه تحت خيمة، في موضع ينفذ منه الماء ويتساقط قطرات على الأرض. فإذا امتلأ الإبريق قاموا بدفنه في التراب فتنقطع الأمطار.. والناس في مراكش خاصة يصنعون محراثاً صغيراً يشدون إليه قطاً ويجعلون يحرثون به حقلاً، فيكون فيه وقف للأمطار. وأما القط فهو حيوان كثير الاستعمال في الاستجفاف. والنساء في قبيلة زمور بالوسط المغربي إذا رغبن بانحباس المطر حين تهدد غزارته المحصول، فإنهن يعمدن إلى ملئ جرن  بالماء، وتغطيته بلويحة، ومواراته في التراب بعمق ضحل جدا،
 ثم يمررن طبقة خفيفة من الأرض فوقها، ويضرمن النار عليها، ويعني هذا أن الأرض مرموز إليها بالوعاء قد
ارتوت حتى غصت بالمياه، وباتت في حاجة إلى الشمس (وبديلها النار في الطقس- الجفاف واليبس) لتجفيفها.
     في ختام هذا الفصل حول طقوس الاستمطار في العرف المغربي عبر التاريخ، أحببت أن أشير إلى العديد من الاستنتاجات يمكن إجمالها في النقاط التالية:
•    التوافق مع طقس الأولياء؛
•    أقوال وأغاني وأهازيج؛
•    التشابه في طقس غنجة (تغنجة) رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة،
•    حضور واستمرار الطقوس القديمة الوثنية؛
•    تأثر العديد من الطقوس القديمة بالاسلام ؛
•    تقديم الأضاحي والوجبات الجماعية؛
•    حضور المقدس واستمراره؛
•    أعمال استعطافية،
تعذيب النفس للتكفير عن الخطايا


لائحة المصادر و المراجع
المصادر باللغة العربية
- أحمد بن خالد الناصري،الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصا،الجزء2
- أبو عبيد البكري،المغرب في ذكر بلاد افريقية و المغرب،تحقيق دوسلان،باريس،1965
- محمد ابن عسكر ،دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر،(الدوحة) تحقيق محمد حجي،الرباط 1976
المراجع
- عبد الهادي البياض :المناخ و المجتمع بالمغرب و الأندلس خلال العصر الوسيط كتاب المجلة العربية220طبعة 1436 ه
- د أحمد البوزيدي:التاريخ الاجتماعي لدرعة من مطلع ق17 الى مطلع ق 20 دراسة في الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية من خلال الوثائق المحلية الطبعة  سنة 1994 م الناشر آفاق متوسطية
-الفرد بل:بعض طقوس الاستمطار إبان الجفاف لدى المغاربيين مقدمة و ترجمة ذ سمير أيت أومغار تقديم د خالد طحطح سلسلة ضفاف العدد20 طبعة شتنبر 2016

المراجع باللغة الفرنسية
 
- Archives Berbères 1915-1916, Ed Alkalam-Rabat-1987
- Emile laoust Mots et choses berbères  paris 1920