التحقيب التاريخي باعتباره مفهمة ـ مولاي عبد الحكيم الزاوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

Anfasse02133قراءة في كتاب:" التحقيب التاريخي: إسهام في التأصيل الإبستمولوجي والمنهجي"[1] محمد صهود.
مدخل:
    يثير موضوع التحقيب التاريخي جلبة قوية داخل أروقة اشتغال المؤرخين، ورفقائهم في شتى مباحث العلوم الانسانية والاجتماعية. نقاشات صاخبة، تسطع وتخبو، هنا وهنالك، تبعا لنضج عملية التفكير التاريخي في قضايا الماضي، والانهجاس بإشكالية الذات. مراجعات وقراءات جديدة تنصب أساسا حول الاشكالية التحقيبية، توقيت الأحداث، وضع الكرونولوجيا، التأويل والمنتج التحقيبي، من أجل إخصاب المعرفة التاريخية، وبناء تاريخ مفاهيمي[2] وإشكالي.[3]، يدفع نحو انتاج نموذج بيداغوجي يُمكّن من نقل الهواجس العالمة إلى تعلمات ديداكتيكية عبر مصوغة تعلمية منسجمة مع مدخل التدريس بالكفايات.

   يتغدى هذا الانهجاس من كون التحقيب التاريخي بمنطق المراجعات الابستمولوجية والديداكتيكية التي أنتجها التفكير التاريخي اليوم، لم يعد عملية ميكانيكية صرفة تقدم الماضي في شكل حقب جاهزة وقوالب زمنية قارة، بقدر ما أصبح مفهمة ،تأويل وبناء يتجاوز السرد الرتيب[4]، يعتمد على بناء الحقب، عبر رصد سيرورة التحول كميكانيزم محوري في المعرفة التاريخية، وتتبع الاستمرارية والانقطاع، الاتصال والانفصال، من منطلق بناء الاشكالية العابرة للزمن التي تمكن الباحث من استقراء التاريخ  بمختلف ايقاعاته الزمنية، وتجعله يرصد وثائر التحولات العميقة التي تشهد عنها أنساق التفكير البشري في الحاضر. فهل تفصح الأعمال الاستوغرافية المغربية عن هموم تحقيبية لدى المؤرخين؟ وهل ثمة اقتناع كاف من طرف مختصي الزمن بضرورة مراجعة المفاهيم التحقيبية؟ وهل أضحى التحقيب التاريخي المعمول به بالمدرسة المغربية عائقا ابستمولوجيا يحول دون تقريب الدرس التاريخي من المتعلمين، ويحيد عن مكتسبات ابستمولوجية ناضل من أجلها رواد ابستمولوجيا المعرفة التاريخية؟ وكيف السبيل إلى ردم الهوة المنهجية في التحقيب بين الخطاب الابستمولوجي والاسطوغرافي من جهة والواقع الديداكتيكي من جهة اخرى بشكل يسهم في تنمية الجانب الفكري والمنهجي للمتعلم في الممارسة الديداكتيكية[5]؟


هندسة الكتاب:
    صدر للباحث المغربي في حقل ديداكتيك التاريخ بكلية علوم التربية بالرباط محمد صهود سنة 2016م، مؤلف بعنوان "التحقيب التاريخي: إسهام في التأصيل الابستمولوجي والمنهجي"، عن منشورات جمعية البحث العلمي والتوثيق، في حوالي 272ص، مذيل بببليوغرافيا توثيقية، وفهرس للمحتويات، والكتاب في الأصل عبارة عن أطروحة جامعية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه بكلية علوم التربية، سنة 2011م،  تحت إشراف قيدوم الديداكتيكين بالمغرب  مصطفى حسني ادريسي.

   يندرج هذا العمل المنهجي ضمن حلقات التراكم المعرفي الذي بدأه الباحث محمد صهود في هذا الموضوع، من خلال اهتمامه بموضوعات منهجية وديداكتيكية خصبة، ابتدأت أولا بموضوع "عملية الفهم للنص التاريخي" و"مسألة التحقيب التاريخي" من خلال تشخيص واقع تدريس التحقيب في المرحلة الثانوية التأهيلية بالمغرب، في رسالته الجامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة سنة 2002، كما تغتني اسهاماته في انخراطه ضمن اللجنة التنظيمية لإعداد ندوة دولية نظمتها الجمعية الدولية لديداكتيك التاريخ بمشاركة جامعة محمد الخامس بالرباط ما بين 22 و 25 شتنبر 2004 بالرباط في موضوع: " "لقاء التاريخ ولقاء الآخر: تدريس التاريخ باعتباره حوارا بيثقافيا":
"Rencontre de l’histoire et rencontre de l’autre: l’enseignement de l’histoire comme dialogue interculturel".
   إضافة إلى مساهمته في نشر عديد المقالات ذات الصلة بالجوانب المنهجية، وإلقاء مداخلات في مؤسسات جامعية تتمحور حول ممارسة التفكير التاريخي وتعلم التاريخ، فضلا عن سنوات عديدة من العمل الميداني في مجال التفتيش التربوي والتأطير البيداغوجي لأساتذة مادة الاجتماعيات بالتعليم الثانوي، ومساهمته في تأليف العديد من الكتب المدرسية للمادة، سواء تعلق الأمر بالتعليم الابتدائي أم بالثانوي الاعدادي والثانوي التأهيلي، زيادة على  مشاركته في إعداد الدليل المنهجي لتأطير المشاركة التربوية للمؤسسات التعليمية في الاحتفال بالذكرى 1200 لتأسيس الدولة المغربية، الذي أعدته وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي للاحتفال سنة 2008.

مضامين الكتاب:
  تنتظم هذه القراءة وفق ثلاثة محاور تتصل بمضامين الكتاب وقضاياه الكبرى، وبتتبع الخلفية الابستمولوجية/ المنهجية والاجرائية لمقاربة اشكالية التحقيب التاريخي، وبملاحظات عامة حول القضايا الكبرى التي يثيرها الكتاب من زاوية التراكم الاستوغرافي الحاصل في الموضوع.

   يحاول الكتاب أن ينسج حوارا ثلاثيا بين ثلاث مكونات متدخلة في بناء المعرفة التاريخية عموما وموضوعة "التحقيب التاريخي" على وجه الخصوص: المؤرخ كمنتج المادة التاريخية، والديداكتيكي كمستهلك، والابستمولوجي كمفكك لهذه المادة. وعبر هذا الحوار الثلاثي، يجد القارئ من داخل الكتاب، مساءلة عميقة لطريقة اشتغال مختصي الزمن، ورصدا لمجمل العمليات الفكرية التي تسم عملية التفكير والكتابة التاريخية، واستقراءا عميقا لاستوغرافية المؤرخين ومناهج البحث التاريخي، من خلفية محاولة نقل هذا العملية التاريخية من جانب نظري منهجي وابستمولوجي داخلي نحو جانب تربوي ديداكتيكي[6]، يتوج ببناء نموذج نظري واجرائي عبر "مصوغة تعلمية"، وفقا لتصميم منهجي من ثلاثة فصول:

     فصل أول منهجي يستعرض اشكالية البحث وأدواته المنهجية.

    فصل ثان خاص بالتأصيل النظري للنموذج الديداكتيكي.

    فصل ثالث خاص بتجريب النموذج الديداكتيكي عبر المصوغة التعلمية ونتائج التجريب.

   يحاول محمد صهود في الفصل الأول تتبع السياقات المعرفية والاجتماعية والتربوية التي جعلته يهتم بموضوع التحقيب التاريخي، محددا الأدوات المنهجية التي ستمكنه من تمحيص فرضياته.
  يعنى الفصل الثاني بالتأطير النظري للنموذج الديداكتيكي وعملية النقل الابستمولوجي للتحقيب التاريخي من مستواه الاكاديمي الى مستوى الممارسة التربوية من خلال استقراء الكتب المنهجية والابستمولوجية من خلال ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: التحقيب التاريخي كمفهمة  Conceptualisation

المبحث الثاني: منهجية التحقيب، من خلال التمييز بين التحقيب كسيرورة منهجية وبين التحقيب باعتباره منتجا، من خلال التوصل إلى الفرضيات التالية:

1- التحقيب كبناء ذهني للماضي على ضوء اشكالات الحاضر، إذ لا حضور للماضي إلا في مخيلة الحاضر.
2- التحقيب كأشكلة تأخذ بعين الاعتبار تعدد المقاييس والأبعاد.
3- التحقيب كبناء افتراضي يمس ثلاث جوانب: المفهوم/ المنعطف/ طبيعة التحول.
4- التحقيب كاشتغال على الزمن وبالزمن بتعدد مستوياته.
5- التحقيب كتقويم يعبر عن وعي تاريخي.

 يهتم المبحث الثالث ببناء خلفية ديداكتيكية تستند إلى ثلاث أبعاد أساسية: البعد المنهجي/ البعد البيداغوجي( المقاربة بالكفايات) والبعد الوثائقي( دور الوثائق والدعامات في عملة التحقيب).

    في ما يعنى الفصل الثالث من الدراسة بأجرأة النموذج الديداكتيكي من خلال تجريبه على تاريخ المغرب في القرن التاسع عشر متوجا بإعداد مصوغة تعليمية تتضمن دليل الاستاذ وكراسة للتلميذ ،حيث تهدف هذه المصوغة إلى ربط تدريس التاريخ بالمنهج، والانتقال من التاريخ كمعطى إلى التاريخ كمنتج يساهم في تفكيك أسئلة الماضي من خلال الحاضر، من أجل جعل المتعلمين يكتسبون مهارات منهجية في ممارسة التحقيب التاريخي، ويستند هذا الفصل إلى ثلاثة مرتكزات: مرتكز ابستمولوجي ومرتكز منهجي واسطوغرافي، ومرتكز بيداغوجي.

     تنبني الخلفية النظرية لهذا الكتاب على دراسة مرجعية للديداكتيكي هنري مونيو حول "ديداكتيك التاريخ"[7] لمعرفة تمثلات الأساتذة والمتعلمين حول اشكالية التحقيب التاريخي، وهو أمر يسترعي الانتباه في قراءة المنجز الديداكتيكي الحاصل اليوم برحاب الجامعة المغربية حول إشكالية التحقيب، الذي  يظهر نقصا في هذا الجانب، فالمؤرخ المغربي يتفادى الغوص في الجوانب الابستمولوجية والديداكتيكية المصاحبة لفعل التفكير التاريخي، في مقابل، تشهد بيوغرافيات بعض  الأجانب على المزاوجة بين البحث التاريخي وديداكتيك التاريخ، كما يبرز من خلال أعمال الفيلسوف الفرنسي بول فين الذي كتب كتابا بعنوان "كيف نكتب التاريخ"[8] وهنري مارو حول   " المعرفة التاريخية"[9] وعبد الله العروي في مفهوم التاريخ[10].

  يطرح إذن كتاب التحقيب التاريخي عدة قضايا كبرى للنقاش:

1- التحقيب وسؤال التقادم:

   يشن الكتاب هجوما على ما يسمى "بالتحقيب الرباعي" ويؤكد على تقادمه في مواكبة انشغالات المعرفة التاريخية في الحاضر، فهذا التحقيب يعود إلى أكثر من أربعة قرون، أي حوالي القرن السابع عشر، ولم تعد له فعالية مفاهيمية ونظرية، بل وأضحى يشكل عائقا ابستمولوجيا أمام تطور المعرفة التاريخية،  إلى درجة جعلت  مرجعا يحظى بميزات أساسية:

أ- فعالية مؤسسية من حيث تدبير البنيات الجامعية.

ب- إطار للبحث الجامعي وتحديد التخصصات داخل التاريخ.

ج- منطلق لبناء المنهاج الدراسي.

د- مرجعية للمباريات الرسمية للمتدربين والمكونين.

ذ- أساس لترتيب الأرشيفات الوطنية والدولية.

  والواضح، ترافق هذا التحقيب الرباعي جملة إشكاليات كبرى، من قبيل هل يطابق مثلا تاريخ الشعوب غير الأوربية؟ وهل يتلاءم مع تخصصات أخرى مجاورة للتاريخ في سياق تبني خلفية التناهج؟ وهل تتماشى مفاهيمه مع مستجدات المعرفة التاريخية؟

وعموما، يطرح التحقيب التاريخي عدة اشكاليات بين الفلاسفة والمؤرخين:

أولا - التحقيب التاريخي يشترط وحدة التاريخ الانساني، وتعد هذه النقطة جوهر خلاف عميق بين الفلاسفة والمؤرخين، فمثلا الفيلسوف أوزوالد شبنغلر صاحب كتاب " أفول الغرب" لا يعترف بوحدة التاريخ الانساني، ويدفع بالقول أن هناك ثقافات متعددة  لها خصوصيات تميزها .

ثانيا - البنيوية: كاتجاه فلسفي وجهت نقدا لاذعا إلى المعرفة التاريخية، من خلال التركيز على مفهوم الثبات، عكس التاريخ الذي يركز على مفهوم التحول، ويظهر لقارئ كتاب فرناند بروديل " كتابات حول التاريخ"  الذي هو عبارة عن معارك مع العلوم المجاورة لإثبات هوية التاريخ في لحظة فقدان الهوية بعد الانصهار في دائرة العلوم الاجتماعية خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فالحقبة تكتسي عند البنيويين مفهوم البنية، بينما عند "مؤرخ المتوسط" ترتبط بالزمن المتعدد:

 المدة الطويلة: الجوانب الحضارية والثقافية/ المدة المتوسطة: الجوانب الاقتصادية والاجتماعية/ المدة القصيرة: الجوانب السياسية والديبلوماسية، ويظهر ذلك مع الانتربولوجي البنيوي كلود ليفي ستراوس أعاد النظر في مركزية الغرب الاثنوغرافية، ودافع عن "المجتمعات الباردة"

2- المفاهيم التحقيبية:

    يناقش الكتاب سيرورة تشكل المفاهيم التحقيبية لدى المؤرخين، التي تعبر عن بناء داخلي، وتتسم بمراجعة دائمة حسب مستجدات الانتاج الاستوغرافي، مقدما مثالا ل" مفهوم الوسيط" الذي يبتدأ في عرف التحقيب المعياري مع الغزوات الجرمانية وسقوط الامبراطورية الرومانية وينتهي باكتشاف العالم الجديد في آواخر القرن الخامس عشر(476-1492، هذا المفهوم من حيت تأصيله التاريخي بدأ مع مؤرخي الحركة الانسية خلال القرن الخامس عشر، ثم انتشرت الكلمة في القرن 17م مع المؤرخ الألماني سيلاريوس على المستوى المدرسي، وأصبح الوسيط مع مفكري عصر الأنوار خلال القرن 18م يحمل نعتا قدحيا في سياق كراهية الأنواريين للكنيسة وتمجيد عصر النهضة، ليحصل شبه إجماع خلال القرن التاسع عشر على أن الوسيط يمثل عصر الظلام. وفي سياق تجدد المعرفة التاريخية وقع تخفيف لهذه النظرة السلبية للوسيط مع كل من جاك لوغوف بفرنسا وعبد المجيد قدوري بالمغرب. بل هناك من اعتبر الوسيط يمتد إلى حدود الثورة الفرنسية، وهناك من عثر على بقايا وسيطية في القرن العشرين، كإمانويل لوروا لادوري في مونوغرافيته حول "مونتايو"، وجورج دوبي حول تاريخ أروبا في العصر الوسيط.[11]

3- واقع العالم العربي والاسلامي في علاقته بالتحقيب:

    يتتبع الكتاب  تفاعل الاستوغرافيا العربية الاسلامية مع اشكالية التحقيب التاريخي، ويرصد بعض الاسهامات الجادة التي تناولت التاريخ العربي الاسلامي كتلك التي أنتجها هودسون حول " الاسلام في التاريخ العالمي"[12]، التي تفصح عن تبنيه مسافة من التحقيب الرباعي في تحقيبه لتاريخ الإسلام، معيدا النظر في مسألة أن العالم الاسلامي دخل مرحلة انحطاط بعد معركة بلاط الشهداء سنة 732م، ومؤكدا على قوة العالم الاسلامي إلى حدود القرن السادس عشر، مقدما دليلا على ذلك بوجود ثلاث امبراطوريات قوية في قلب العالم الاسلامي تشهد على امتداده المجالي: الامبراطورية المغولية في الهند، الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الصفوية، وبهذا يكون هودسون قد أعاد النظر في مسألة الانحطاط التي وسمت الانتاج التاريخي قياسا بالامتداد الجغرافي.  

  وضمن هذا السياق، ينتقد محمد صهود ما يسميه ب"التحقيب المعكوس" الذي يأخذ التحقيب الأوروبي، ويحاول إفراغه من محتوياته المعرفية، من خلال نموذج عمر فروخ الذي جعل فترة التاريخ الوسيط مثلا تبدأ في التاريخ الاسلامي مع هجرة الرسول الى غاية 1453 سنة فتح القسطنطينية، إنه تحقيب يبحث عن إعطاء خاصية للعالم الاسلامي لكنه يعكسه[13].

4: التحقيب كسيرورة منهجية:

   يسائل محمد صهود من خلال مبحث التحقيب التاريخي كسيرورة منهجية تلك العمليات الفكرية التي يعبئها المؤرخ لإنتاج تحقيب معين، فعادة ما يتم اعتبار التحقيب عبارة عن تقطيع كرنرولوجي للزمن، ويتم نسيان الخلفية النظرية التي تكون وراء هذا التحقيب، التي تنبني على التعريف التاريخي كأرضية نظرية للتحقيب، فالتحقيب التاريخي هو مفهمة ترمي إلى إبراز التحولات المجتمعية في الزمن وليس الماضي بتعبير المؤرخ مارك بلوك" التحول في الزمن"[14]، هو تحول في الزمن ووثائره ومنعطفاته، حيث  تتم هذه المفهمة عبر سيرورة منهجية تتأسس على صياغة إشكالية تحقيبية تستهدف بناء الحقب، وإنتاج مفاهيم تحقيبية، من منطلق كرنولوجي، ثم تأويلها. فالتحقيب ليس عملية بسيطة فهي عملية ننتج بها المعرفة التاريخية.

 وتتفرع عن التحقيب باعتباره سيرورة منهجية عدة قضايا:  الإشكالية التحقيبية/ التوقيت/ الكرونولوجيا/  التأويل.

أ- الإشكالية التحقيبية:

   يستحضر الديداكتيكي محمد صهود تجربة أندري سيغال ديداكتيكي كندي  أثناء اشتغاله مع التلاميذ في الثانوي، انطلق من إشكالية معاصرة حول مفهوم الغرب المعاصر، تناول اشكالية "أصول الغرب المعاصر"، منطلقا من فرضية أولية: أن الغرب ظهر حوالي 1000 م بين نهر السين والراين عن طريق التأقلم ما بين ثقافة متوسطية وثقافة أطلسية، هذا التناول الذي تبناه أندري سيغال سيمكن من تجاوز التحقيب الرباعي، أو "العصابات الأربعة"، ويكون بذلك أنتج تحقيبا يرصد مظاهر التحول ووثائره في الزمن، ويتتبع محطاتها.

La datationب- التوقيت: 

  عملية تقنية تهدف الى وضع الاحداث داخل سلم زماني اخترعه الناس هو التقويم، ويطلق التقويم على العملية والنتيجة في ان واحد، وهو ما تدل عليه كلمة الروزنامة، ويتمثل في توطين الأحداث والوقائع[15]، وهو عملية أساسية في منهج المؤرخ، قد يكون عاما بالسنوات، وقد يكون بالشهور، وقد يكون بالدقائق والثواني في الحالات الديبلوماسية. فالتوقيت ليس سهلا ويتضمن صعوبات كثيرة، فمثلا توقيت القوانين هل نعتمد تاريخ المصادقة في البرلمان؟ أم تاريخ دخوله حيز التنفيذ؟ أم تاريخ صدوره في الجريدة الرسمية؟ وبالتالي يكون المؤرخ مرهون بالزمن، سواء كان قصيرا أو طويلا.

 Chronologieج- الكرنولوجيا:  

تقسيم حسب التسلسل الزمني وتقطيع زمني لتطور الاحداث التاريخية، ويعتبها البعض العلم الذي يمكن من موضعة الاحداث في صيرورة التاريخ البشري[16]، يجب أن نميزها عن مفهوم الحوليات، فالحوليات هي ممارسة تاريخية تقليدية قديمة تقتضي ترتيب الأحداث، بينما الكرونولوجيا علم مساعد يقوم على أساس موضعة الأحداث في التاريخ سواء كان تاريخا وطنيا، أو محليا أو عالميا. وبهذا تطرح الكرنولوجيا عدة صعوبات لموضعة الأحداث في الزمن، فمثلا تاريخ إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما، هل نعتمد على 6 غشت 1945 بالتوقيت المحلي؟ أم 5 غشت 1945 بتوقيت واشنطن؟ ونفس الشيء يقاس في ما يتعلق في إلتقاء التقاويم القمري والشمسي مثلا.

د - التأويل:  L’interprétation

   ماذا نؤول؟ نؤول: وحدة الحقب وتنوعها، نؤول التحول، نؤول المنعطفات.  

   المنعطف مكون أساسي للإنتاج التحقيبي، فهو ليس قطيعة زمنية تفصل بين حقبتين، فمثلا لا يمكن أن نعتبر سنة  476م حقبة فاصلة بين التاريخ القديم والوسيط، وبالتالي فالمنعطف هو قطيعة واستمرارية في آن، ويتضح ذلك من خلال كتاب "تاريخ المغرب تركيب وتحيين" الذي أنجزه المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب تحت إشراف محمد القبلي، الذي سمى القرن الخامس عشر ب"المنعطف"، فالمنعطف قد يكون سنة مركزية 1415م. وقد يكون قرنا حسب طبيعة التحولات، وبالتالي المنعطف ليس هو السنة القطعية الفاصلة لكنه قد يتضمن الاستمرارية.

تأويل وحدة الحقب وتنوعها:
  مثلا "مرحلة الحماية" تدخل ما بين منعطفين، لكنها داخلها وحدات وحقب فرعية، مثل فترة الحركة الوطنية، وداخل فترة الحركة الوطنية قد نجزؤها إلى حقب فرعية تدخل في إطار حقبة كبرى عامة.

- تأويل التحول:
 بماذا نؤول؟ قد نعثر على وثيقة؟ قد نؤول بعنصر تفسيري؟ قد نؤول بالمقارنة.

خلاصات:

     المؤرخ حينما يحقب لا يشتغل بمنطق آلي، فهو يصدر عن إشكالية وهو يمارس التوقيت واشكالياته إنطلاقا من قراءة الوثائق، كما يمارس ترتيب هذه الأحداث عبر التزامن والتعاقب، ثم يقوم بتأويلها.

    المنهج التحقيبي يمكن تشريحه إلى عمليات فكرية.
   المؤرخ لا يقوم بالتحقيب بشكل خطي يبدأ بالإشكالية وينتهي بالتأويل، وإنما يقوم بعملية دورانية أو لولبية.

4: المنتج التحقيبي:
   يتساءل محمد صهود في سياق المنتج عن ماذا ينتج المؤرخ؟ ليقدم جوابه من ذلك من خلال ثلاث منتوجات أساسية:
أ- المنتوج الأول: الحقبة:

الحقبة هي فترة من الزمن تنحصر بين منعطفين زمنيين وتتسم بخصائص تميزها عن الحقبة السابقة، وتنتظم في مفهوم مركزي عام، وتبرز تحولا ما، وتستخلص معالم الحقبة من خلال من الاحداث والوقائع المهيمنة[17]،فمثلا  مفاهيم مثل النهضة، الأنوار، السلفية وغيرها هي مفاهيم ليست معطاة في الوثائق التاريخية، وقد تكون معطاة، لكن المؤرخ يقدمها في صيغة علمية ممنهجة.

ب- المنتوج الثاني: المنعطف:

 المنعطفات هي الحدود الزمنية التي تفصل بين الحقب، لكن مفهومها لا يشير إلى القطيعة بين الحقب فحسب، بل يدل أيضا على وجود استمرارية تفيد معنى التراكم، ويشير المنعطف إلى وجود تحولات لا تشمل فقط مجالا واحدا بل مجموعة من المجالات والقطاعات بشكل متزامن ومتواز، وقد يكون المنعطف عبارة عن تاريخ محدد في سنة مثلا، او عبارة عن مدار زمني من سنوات عدة تتمحور حول سنة مركزية[18].

 تبنى كتاب "تاريخ المغرب تركيب وتحيين"[19] فرضية  القرن التاسع عشر الممتد 1792-1912 التي تعبر عن تحول المغرب من لحظة إلى أخرى. فالمنعطف يبقى تحت السلطة المعرفية للمؤرخ، التي تمتح من الاعتماد على معطيات وثائقية أو معطيات تأويلية.

د- المنتوج الثالث: التحول:

 لا نركز على القطيعة بل حتى الاستمرارية، فالحماية تتضمن قطيعة مع مغرب ما قبل 1912، ولا ننكر الاستمرارية التي هي موجودة فيها "الثابت والمتحول". وبالتالي، يكتسي مفهوم التحول عدة دلالات: فهو من تطبعه الشمولية (اقتصادية، سياسية، اجتماعية، فكرية، تقنية...)، ومن جهة أخرى التعددية في المقاييس المكانية (محلية، وطنية، اقليمية، جهوية...) ومن جهة ثالثة التفاعلية بين ما هو خارجي وما هو داخلي بين المركز والهامش من حيث ميزان القوة (الهيمنة ورد الفعل تجاه الهيمنة، تكتلات وتكتلات مضادة).

ج- المنتوج الرابع: الإنتاج
   يتم من خلال بناء الحقبة، وعدم السقوط في اسقاط المحتوى المعرفي على الحقب الزمنية.

5- البعد البيداغوجي للتحقيب:

  تشير التوجيهات التربوية الى كون التحقيب مجرد "قدرة ضمن كفاية ترسيخ اكتساب المهارات المنهجية" وبالتالي فهو لا ينسجم مع منطق الكتاب من حيث أن التحقيب مفهمة وسيرورة منهجية، فالتحقيب حسب الكتاب عبارة عن " عملية منهجية كبرى بمثابة كفاية من بين الكفايات التي ينبغي ان يسعى تدريس التاريخ لتنميتها في المتعلم[20]، وعلى هذا الأساس، اختار الباحث تاريخ المغرب في القرن التاسع عشر من أجل تطبيق المنهجية التحقيبية المقترحة، بهدف أجرأة تعلم المنهجية التحقيبية من خلال اقتراح بطاقات تعليمية تتضمن أنشطة ديداكتيكية تنميها بدورها عمليات فكرية معينة. ولضمان إنجاز المصوغة اقترح الباحث مجموعة من التدابير الديداكتيكية التوجيهية، كما قدم أجوبة للمصوغة التعلمية، بهدف تأسيس تعلم التحقيب التاريخي على أسس منهجية ابستمولوجية من شأنها أن تسهم في تنمية الممارسة المنهجية التحقيبية عند متعلم المرحلة الثانوية التأهيلية[21].

  ولإنجاز هذه المصوغة ثم الارتكاز في بنائها على أسس منهجية وابستمولوجية بحيث ثم توضيح أبرز مكونات هذه الأسس، والمتمثلة في المقولات المنهجية التحقيبية ( أشكلة، التوقيت، الكرنولوجيا، التأويل ثم البناء)، كما ثم تأطيرها بيداغوجيا بمدخل مقاربة الكفايات، وهكذا ثم الانطلاق من الكفايات، وهي عملية التحقيب عموما من أجل تفريعها إلى قدرات بدورها يتم تفريعها إلى أهداف تعلمية، وأخيرا عمليات فكرية تختتم بإنجازات إجرائية[22].

    ولأن موضوع التحقيب التاريخي يحتاج إلى تأسيس منهجي وابستمولوجي يساهم فيه المدرس، فقد استندت المصوغة التعلمية إلى إعداد دليل الأستاذ يتضمن كل المعطيات المعرفية والمنهجية والتنظيمية التي تجعله دليلا توجيهيا، وذلك بهدف توحيد الرؤى والتصورات بين الأساتذة المجربين، ويرتكز هذا الدليل على انشطة ديداكتيكية متمفصلة حول اشكالية تحقيبية، بهدف اقامة نقل ديداكتيكي للمعرفة العالمة إلى أنشطة تعلمية[23]. 

  ويختتم الفصل الثالث بمبحث تجريبي لعينتين إحداها تجريبية وأخرى ضابطة في ثلاث مديريات اقليمية          (بنسليمان/ القنيطرة/ مولاي رشيد) حول اشكالية مركزية :

كيف يمكن ردم الهوة المنهجية في التحقيب بين الخطاب الابستمولوجي والاسطوغرافي من جهة والواقع الديداكتيكي من جهة اخرى بشكل يسهم في تنمية الجانب الفكري والمنهجي للمتعلم في الممارية الديداكتييكة.[24]

  وبعد تمحيص الفرضيات توصل الباحث محمد صهود الى ما يلي:

  1- المصوغة التعلمية المهيأة على أسس ابستمولوجية ومنهجية قابلة للأجرأة على مستوى الممارسة الديداكتيكية في الفصول الدراسية بالتعليم الثانوي التأهيلي، وهي بذلك تعدو منسجمة مع أطروحة مصطفى حسني ادريسي حول التفكير التاريخي وتعلم التاريخ[25]، وأطروحة البشير تامر مفهوم الزمن التاريخي[26].
 2- تطوير ديداكتيكية التحقيب التاريخي رهين بالتنقيب في الأصول الاسطوغرافية المنهجية والابستمولوجية من أجل الوقوف على المفاهيم المهيكلة للتحقيب التاريخي.
3- تعلم منهجية التحقيب التاريخي بناء على أسس ابستمولوجية ومنهجية ضمن المصوغة التعلمية يؤدي إلى تحصيل أكبر على المستوى المنهجي للمتعلمين.
4- تمكن المتعلمين من تعلم المفهمة المرتبطة بالتحقيب التاريخي في مختلف خطواتها المنهجية.

 
مناقشة الكتاب:

   يثير كتاب التحقيب التاريخي جملة من الملاحظات:
أولا: استوغرافيا التحقيب بالمغرب:

   استأثر موضوع التحقيب التاريخي باهتمامات عدة باحثين بالمغرب وخارجه، وهو تناول قديم في ثوب جديد، تكشف عنه عدة مساهمات لكل من عبد الله العروي في كتابه " مفهوم التاريخ" الذي لا زال لم يحظ بالمتابعة النقدية اللازمة، وكتاب محمد عابد الجابري "تكوين العقل العربي" مقالة لأحمد التوفيق بعنوان " تاريخ المغرب في القرن التاسع عشر، أفكار في التحقيب، ناهيك عن سلسة من الندوات التاريخية[27].

    وتفصح هذه الاسهامات الاستوغرافية عن هموم تحقيبية تعتري عملية كتابة التاريخ، ومحاولة هدم كرنوزوفية التحقيب الرباعي الذي يخفي زوايا ظل كثيرة معتمة في التاريخ المغربي، والواقع، تنهجس كل هذه الاسهامات التحقيبية بالبعد المركزي للإسلام كتحول مفصلي في تاريخ المغرب، إذ يلاحظ أن جل المؤرخين المغاربة، باختلاف مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية، لم يستطيعوا الانفلات من الحضور القوي للإسلام  كمعطى جديد وحاسم في تاريخ المغرب، لذلك أصبح من الضروري اعتباره في أي اقتراح لتحقيب مغربي.

ثانيا: التحقيب ونمط الانتاج بمغرب ما قبل الاستعمار: 

   يثير هذا الموضوع نقاشات صاخبة بين المهتمين بحقل الاقتصاد والسوسيولوجيا والمؤرخين من أجل فهم عمق البنيات الاقتصادية والاجتماعية بمغرب قبل الحماية، وفي هذا الصدد يقف المتتبع لهذا المتن المتعدد، على تنوع الفرضيات الاقتصادية التي حاولت تفسير نمط الانتاج ما قبل الكولونيالي، فهل يتعلق الأمر بنمط انتاجي عتيق كما أفادت بذلك المؤرخة الفرنسية لوسيت فالنسي؟ أم يتعلق الأمر بنمط معاشي بتحديد نيكولا مشيل؟ أم بنمط قيدوي/ قائدي بعبارة بول باسكون؟ أم بنمط انتاجي مبني على الكفاف بتحديد أحمد التوفيق؟ أم  بنمط انتاجي آسيوي كما تفيد أدبيات التحقيب الماركسي؟

ثالثا:  التحقيب والوعي التاريخي:

   هذا التجديد المنهجي يدمج التحقيب في صلب العملية التاريخية التي تحدث عنها مشيل دوسرتو في مقالته ضمن الكتاب الضخم الذي أشرف عليه جاك لوغوف " صناعة التاريخ"، حيث يصبح التحقيب التاريخي عملية بناء واعادة بناء، كتابة واعادة كتابة، قراءة وإعادة قراءة، استعادة لمقولات ومفاهيم، واعادة صياغة مقولات ومفاهيم، تعليق على تعليق، تأويل داخل تأويل، تتأتى عملية تجديد المعرفة التاريخية، وبهذا التجديد يتمكن الباحث من أن يضفي نوعا من المعقولية في الاستدلال التاريخي، ويعيد النظر في التحقيب المعياري الموروث عن التجربة الأوربية (قديم/ وسيط/ حديث / معاصر) لنفاذية صلاحيته المعرفية والمفاهيمية من جهة، ولعدم قدرته على الاستجابة لتطورات ابستمولوجيا المعرفة التاريخية.

رابعا: التحقيب وأسئلة الأجرأة البيداغوجية:

  يطرح نقل المصوغة التعلمية من واقع نظري ابستمولوجي ومنهجي إلى عملية التجريب والتطبيق عدة اكراهات، سواء بالنسبة للمدرسين وحتى المتعلمين، ومن جملة هذه الصعوبات ما قد يرتبط ببنيات الاشتغال داخل المؤسسات الثانوية، ومنها ما قد يرتبط بغياب المتابعة النقدية لأغلبية الاسهامات الديداكتيكية في حقل التاريخ من طرف المدرسين، ومنها أيضا ما قد يرتبط بأزمة العلوم الانسانية وببؤس التاريخ، وعدم قدرته على تقديم إجابات مقنعة لأسئلة المتعلمين الماتحة من عمق الحاضر وانهجاساته، في زمن أضحى فيه التاريخ كخطاب منهجي ينتج المؤرخون مصادرا من طرف عدة حوامل جديدة تنازعه الشرعية، وأصبح التاريخ بعبارة بيير نورا "ينتج كثيرا لكنه لا يقنع إلا قليلا"، ويزداد الأمر صعوبة كلما انتقلنا بالمصوغة التعلمية نحو مستوى تعليمي آخر، تختلف معه الفروق السيكولوجية والبيداغوجية للمتعلمين، وكلما انتقلنا في الحقب، فهل يمكن مثلا تجريبها في تاريخ الزمن الراهن، من حيث هو زمن فائر، وقريب من الذاكرة أكثر منه إلى التاريخ، وهل التحقيب يحتاج بدوره إلى مسافة زمنية بين الذات والموضوع، وفقا لقواعد الوضعانيين؟ أم أنه  يمكننا تحقيب وقائع مستجدة؟

5- التحقيب التاريخي وجاذبية القرن التاسع عشر:

   حينما نقرأ المنجز الاستوغرافي برحاب الجامعة المغربية[28]، تقودنا الحصيلة إلى تسجيل ملاحظة أساسية: فمن الاستعمار إلى جذور الاستعمار ومن الحركة الوطنية الى أصول الوعي الوطني[29] ، فهل تعكس هذه الرؤية الاسترجاعية للزمن عن همّ تحقبيي لدى مختصي الزمن؟

   لقد مارس القرن التاسع عشر هيمنته وجاذبيته على عموم الباحثين، وهو ما تعكسه الأبحاث المونوغرافية التي تناسلت من رحم أطروحة أحمد التوفيق "اينولتان" والتي قدمت مسحا شاملا لجغرافية المجال المغربي بكل مكوناته الأساسية، فهل يعني انهجاس محمد صهود بتحقيب القرن التاسع نابع من توفر مادة أرشيفية كافية لتتبع الموضوع؟، وهل يمكن مثلا تحقيب فترة تاريخ الحماية التي لاتزال لم يحظ باهتمام كاف من طرف الباحثين المغاربة في ظل هيمنة الدراسات الأجنبية لكل من دانييل ريفي ووليام هوينسطن وبيير فيرمورين؟ وماذا عن تاريخ الزمن الراهن الذي بدأ يفرض نفسه في سياق جدل التاريخ والذاكرة في الاستوغرافيا المغربية؟ 

 

      وختاما، يسدي هذا الكتاب خدمات جليلة لكل المهتمين بحقل المعرفة التاريخية، سواء كان مؤرخا احترافيا، أو مدرسا ديداكتيكيا، بل ويمكّن من إعادة التفكير في موضوع التحقيب التاريخي على ضوء المراجعات الابستمولوجية والمنهجية التي شهدها التاريخ من لحظة التاريخ الوضعاني مع شارل سينوبوس وفيكتور لانغلوا  إلى مرحلة الحوليات مع مارك بلوك ولوسيان فيفر وفرناند بروديل إلى لحظة ظهور مدرسة التاريخ الجديد مع جاك لوغوف وجورج دوبي وآخرين، كما يتناغم في السياق التربوي المغربي مع بيداغوجية الكفايات المعتمدة في منهاج التدريس بالمغرب، بل ويفتح نافدة مهمة على مجال الممارسة البيداغوجية لتدريس التاريخ في السلك الثانوي التأهيلي من خلال إعداد مصوغة تعلمية توجيهية تنقل التحقيب من منجز ميكانيكي نحو مفهمة وبناء على ضوء الاشكالية التحقيبية، مما يجعلنا نقر بأن هذا الكتاب يحدث فعفعة في مجال التحقيب التاريخي، وينقلب على كل الأصنام التحقيبية المعتادة.

المراجع المعتمدة:

بالعربية:  
1- محمد صهود، التحقيب التاريخي، اسهام في التأصيل الابستمولوجي والمنهجي، منشورات جمعية البحث العلمي والتوثيق، مطابع الرباط نت،2016.
  2-  البشير تامر، مساهمة في ديداكتيكية  الفكر التاريخي: اقتراح نموذج ديداكتيكي لتعلم مفهوم الزمن التاريخي في السنة الثالثة ثانوي إعدادي، اطروحة لنيل دكتوراه الدولة  علوم التربية، تحت اشراف امحمد الزعيمي، كلية علوم التربية، الرباط، السنة الجامعية: 2004/ 2005.
3- عبد الله العروي، مفهوم التاريخ، المركز الثقافي العربي، الطبعة الرابعة، 2005.
4-محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، 1989.
5- محمد حواش، ملاحظات واجتهادات حول مسألة التحقيب في التاريخ العربي، ضمن ندوة "التحقيب، التقليد، القطيعة والسيرورة"، تنسيق محمد مفتاح وأحمد بوحسن، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1997.
6-  محمد فتحة، "تدريس تاريخ العصر الوسيط ومسألة التحقيب"، ضمن ندوة " التحقيب في الكتابة التاريخية المغاربية، مراكش 26/29 ماي 2005، تونس 21/23 نوفمبر 2005.
7- أحمد التوفيق في مقال له يحمل عنوان : "تاريخ المغرب في القرن التاسع عشر ، أفكار في التحقيب " مجلة المشروع ،الرباط ،العدد 9 ،السنة 1988.
10- محمد حبيدة، بؤس التاريخ، مراجعات ومقاربات، دار الأمان، الطبعة الاولى، 2015، ص،36.
11- عبد الأحد السبتي، التاريخ والذاكرة، أوراش في تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى،2012، ص 111
12- جماعة من المؤلفين "تاريخ المغرب: تحيين وتركيب" إشراف وتقديم محمد القبلي، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011.
 13- ندوة " إشكال التحقيب " ، 1996.
14- ندوة حول "التحقيب: التقليد ، القطيعة ، السيرورة "،1997.
15 - جماعة من المؤلفين "تاريخ المغرب: تحيين وتركيب" إشراف وتقديم محمد القبلي، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011.

بالفرنسية:
16 - Henri Moniot, Didactique de l’histoire, Nathan, 1993 ; et" l’imaginaire  peridiasateur"in Science technique et imaginaire: De la fiction a l’invention, de l’invention a la fiction. Acte de 12 eme journée internationales sur la communication, l’éducation et la culture scientifique et industrielles centre jean franco Chamonix, 1990.
17- Paul Veyne, Comment on écrit l’histoire, Paris, Seuil, 1979.
18- Henri -Irénée Marrou, De la connaissance historique, Paris, Edition du seuil, 1975.
19- George Duby, l’économie rural et la vie des compagnes dans l’occident  médiéval, 2 vol, paris, 1962.
20- G. Hodgson et S. Marschal, l’islam dans l’histoire mondiale, Texte réunis, Traduit de l’américain, et préface par Abdeslam Cheddadi, Sindibab, Actes du sud pour la traduction française, 1998.
21-M. Bloch, Apologie pour l’histoire ou métier de l’historiens, paris, Armand Colin, 1964.
22-Michelle de Certeau, l’écriture de l’histoire, paris, 1975.
23-M. Hassani Idrisi, La pensée historienne et l’apprentissage de l’histoire, Paris, le Harmattan, 2005.

[1]  - أصل هذا النص مداخلة  قدمت في قراءة لكتاب "التحقيب التاريخي: اسهام في التأصيل المنهجي والابستمولوجي، للباحث المغربي  محمد صهود، بمؤسسة العراقي الخاصة بمراكش  بتاريخ السبت 29 اكتوبر 2016، من تنظيم المنسقية الجهوية لمادة الاجتماعيات لجهة مراكش اسفي بشراكة مع جمعية مراكش الذاكرة والتاريخ.
[2]  -  يرى بول فين في كتابه " كيف نكتب التاريخ" على أن تجديد المعرفة التاريخية لا يرتبط بوجود الوثائق بل بالاحتكاك المباشر مع أسئلة العلوم الانسانية، لأن هذا التقارب هو الذي يولد مفاهيم جديدة، وهذه المفاهيم هي التي تميز التاريخ عن الوثيقة، وتجعل المؤرخ يتحدث بلغة مغايرة عن لغة الإخباري.
[3] - يرسم مشيل دوسرتو في كتابه" كتابة التاريخ" خطاطة نظرية من أجل كتابة التاريخ  يسميها ب"العملية التاريخية" l’opération historique   التي تتألف من ثلاث مراحل منهجية متداخلة: مرحلة الأرشيف/ مرحلة التفسير والتحليل/ مرحلة الكتابة، أنظر كتاب
Michelle de Certeau, l’écriture de l’histoire, paris, 1975.
[4]- يدافع الفيلسوف الفرنسي بول ريكور في كتابه "الزمن والسرد" عن مركزية السرد في العملية التاريخية، ويتجه إلى اعتبار التاريخ هو فن السرد بامتياز، لارتباطه بثلاث مستويات: أولا بالقارئ وما يفرضه من اقناع، وثانيا بالوثيقة وما تتضمنه من نقائص، وثالثا بالسرد وما يتطلبه من بناء درامي، ومن ثم يصبح التاريخ حسب بول ريكور وهايدن وايت عبارة عن مادة أدبية محضة، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلا بخصوص ذلك، هل يتعلق الامر بأزمة ابستمولوجية جديدة؟ أم بعودة التاريخ إلى انتمائه الأصلي؟
[5]  - محمد صهود، التحقيب التاريخي، اسهام في التأصيل الابستمولوجي والمنهجي، منشورات جمعية البحث العلمي والتوثيق، مطابع الرباط نت، 2016، ص221.
[6] - أصبحت الاستوغرافيات الحديثة تنقل اهتمام المؤرخين من البحث في التاريخ كمتن معرفي إلى البحث حول خطاب البحث، وتشهد على ذلك بيوغرافيات عدة مؤرخين الذين انتقلوا من البحث في مواضيع تاريخية الى البحث في ديداكتيك التاريخ من أمثال هنري مارو وبول فين.
[7] - Henri Moniot, Didactique de l’histoire, Nathan, 1993 ; et» l’imaginaire  peridiasateur » in Science technique et imaginaire: De la fiction a l’invention, de l’invention a la fiction. Acte de 12 eme journée internationales sur la communication, l’éducation et la culture scientifique et industrielles centre jean franco Chamonix, 1990.
[8] - Paul Veyne, Comment on écrit l’histoire, Paris, Seuil, 1979.
[9]- Henri -Irénée Marrou, De la connaissance historique, Paris, Edition du seuil, 1975.
[10] - لا زال كتاب مفهوم التاريخ للمؤرخ عبد الله العروي لم يقرأ بعد بشكل كاف يمكن من استيعاب كل مضامينه المعرفية، والحال يعتبر هذا الكتاب من أهم ما كتب في حقل الابستمولوجيا.
[11] George Duby, l’économie rural et la vie des compagnes dans l’occident  médiéval, 2 vol, paris, 1962.
[12] G. Hodgson et S. Marschal, l’islam dans l’histoire mondiale, Texte réunis, Traduit de l’américain, et préface par Abdeslam Cheddadi, Sindibab, Actes du sud pour la traduction française, 1998.
[13] -  انتقد عبد الله العروي هذا التوجه من التحقيب مؤكدا على أكد أن الإتجاه الفعلي للتأليف التاريخي كان من التجزئة بالحقب إلى التقسيم حسب السنوات ، أي أن الحقبيات (périodes ) سبقت الحوليات (chroniques) ، ويمكن القول أن المؤرخين اختاروا في القرون المتأخرة التأريخ حسب السنين أو حسب العقود ، فطغى التأليف الحولياتي لمدة طويلة، ثم شعر الإخباريون (chroniqueurs  والمؤرخون ((historiens لأسباب تختلف من مكان إلى آخر، بضرورة استعادة مفهوم الحقبة، لكن في سياق جديد، وقد ساهم ذلك في ظهور واستخدام تحقيبات مختلفة.
[14] -M. Bloch, Apologie pour l’histoire ou métier de l’historiens, paris, Armand Colin, 1964. 1974, P 5.
[15] - محمد صهود، التحقيب التاريخي، اسهام في التحقيب الابستمولوجي والمنهجي ، مطابع الرباط نت، 2016،ص158.
[16] - محمد صهود، نفسه، ص159.
[17] - محمد صهود، التحقيب التاريخي، اسهام في التأصيل الابستمولوجي والمنهجي، ص160.
[18] - محمد صهود، نفسه، ص 161.
[19] - جماعة من المؤلفين "تاريخ المغرب: تحيين وتركيب" إشراف وتقديم محمد القبلي، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011.
[20]- محمد صهود، التحقيب التاريخي: اسهام في التأصيل الابستمولوجي والمنهجي ، نفسه، ص 12.
[21] - محمد صهود، نفسه، ص 16.
[22] - محمد صهود 2016، ص 185.
[23] - نفسه، ص 220.
[24] - نفسه، ص 221.
[25] M. Hassani Idrisi, La pensée historienne et l’apprentissage de l’histoire, Paris, le Harmattan, 2005.
- [26]  البشير تامر، مساهمة في ديداكتيكية  الفكر التاريخي: اقتراح نموذج ديداكتيكي لتعلم مفهوم الزمن التاريخي في السنة الثالثة ثانوي اعدادي، اطروحة لنيل دكتوراه الدولة  علوم التربية، تحت اشراف امحمد الزعيمي، كلية علوم التربية، الرباط، السنة الجامعية: 2004/ 2005
[27]- تناولت عدة أقلام موضوع التحقيب التاريخي ويمكن الاستئناس هنا ببعض منها مع  المفكر عبد الله العروي في كتابه : " مفهوم التاريخ " ، ومحمد عابد الجابري في كتابه : "تكوين العقل العربي " ومحمد حواش، ملاحظات واجتهادات حول مسالة التحقيب في التاريخ العربي، ضمن ندوة "التحقيب، التقليد، القطيعة والسيرورة"، تنسيق محمد مفتاح وأحمد بوحسن، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية، الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1997، وأيضا محمد فتحة، "تدريس تاريخ العصر الوسيط ومسألة التحقيب"، ضمن ندوة " التحقيب في الكتابة التاريخية المغاربية، مراكش 26/29 ماي 2005، تونس 21/23 نوفمبر 2005 ، وكذلك أحمد التوفيق في مقال له يحمل عنوان : "تاريخ المغرب في القرن التاسع عشر ، أفكار في التحقيب " مجلة المشروع ، الرباط ، العدد 9 ، السنة 1988 ، زيادة على ذلك كان موضوع التحقيب موضوعا أساسيا لندوتين ، الأولى حول " إشكال التحقيب " ، 1994 والثانية حول "التحقيب: التقليد ، القطيعة ، السيرورة "،1997.
[28] - يمكن رصد ثلاث اتجاهات أساسية تحكمت في الانتاج الاستوغرافي بالجامعة المغربية منذ الاستقلال : أولا تحقيق المتون التاريخية، وثانيا الاهتمام بالتاريخ العلائقي،  وثالثا  دراسة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، وهي تتوزع بالشكل التالي:
192 رسالة وأطروحة تهم التاريخ الاقتصادي والاجتماعي  بنسبة 42,67%.
107 رسالة وأطروحة تهم التاريخ السياسي بنسبة 23,77%.
90 رسالة واطروحة تهم التاريخ الديني والثقافي بنسبة 20%.
61 رسالة واطروحة تهم تحقيق النصوص المخطوطة بنسبة 13,56%.
انظر كتاب محمد حبيدة، بؤس التاريخ، مراجعات ومقاربات، دار الأمان، الطبعة الاولى، 2015، ص،36.
[29] - عبد الأحد السبتي، التاريخ والذاكرة، أوراش في تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى،2012، ص 111