قراءة في كتاب ''المغرب وأوروبا (مسألة التجاوز)'' لمؤلفه الأستاذ عبد المجيد القدوري ـ عاهد ازحيمي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

18079425تقديم عام: 
يعتبر كتاب المغرب وأوروبا مابين القرنين الخامس عشر والثامن عشر (مسألة التجاوز) لصاحبه عبد المجيد القدوري من أهم الكتابات المعاصرة عن المرحلة الحديثة لكونه ينطلق من أسئلة أخذت باهتمام المهتمين بدراسة تقدم الغرب بالمقارنة مع العالم الإسلام، وانصبت معظم هذه التساؤلات في اتجاه الإسلام والمشروع المجتمعي، حيث شكلت مسالة التباين بين الحضارات موضوع نقاش بين مختلف المفكرين العرب والأجانب، فاختلفت التحليلات والتأويلات، التي بحثت عن أجوبة شافية ومستفيضة حول تساؤل مركزي، فحواه لماذا، نهض الغرب وتراجع العرب، ما هي ميكانيزمات التي تحكمت في هذا التطور؟  
 ويتناول هذا الكتاب الفترة التي تمتد من المد الأيبيري كتدشين لمرحلة التوسع الأوروبي واستغلال العوالم الأخرى، وتنتهي مع تجربة محمد بن عبد الله التجديدية، معتمدا في تحليله على المدى الطويل، بهدف تتبع المراحل التي تمت فيها محولات التجديد بالمغرب، لإبراز خصوصيات كل مرحلة وإدراك ما إذا كان التجديد مستمرا أم أن كل تجربة كانت تموت بموت صاحبها.
وهكذا كان عبد المجيد القدوري سباقا للقيام بدراسة من هذا النوع حيث توقف على العديد من المفاهيم والمظاهر من تاريخ المغرب، وقدم قراءة جديدة للمصادر، بهدف الإجابة عن العوامل والأسباب التي حالت دون تقدم المغرب، ومواكبته للتطور الذي عرفته أوربا خلال العصر الحديث، إذن فكيف عالج عبد المجيد القدوري مسألة التجاوز بين المغرب وأوربا؟ وما هي أهم القضايا التي توقف عندها؟ 
1

.    مقدمة الكتاب:
حاول عبد المجيد في مقدمة هذا الكتاب أن يبرز بأن أوربا حاولت الإنفراد بالمبادرة وعملت على فرض إيقاعها على الآخرين، ولما تحقق لها ذلك صارت تتلذذ وتفتخر بملكاتها العقلية لتنظر من فوق العوالم الأخرى، غير أن ما يثير الانتباه هو أن دعاة هذا الموقف نسوا أو تناسوا بأن قوة أوربا وتقدها جاء نتيجة استغلالها لمقومات وخيرات حضارية أخرى، حيث دخل الأوروبيون بسبب الاكتشافات الجغرافية في مرحلة استنزافية فرضوها على الآخرين، وذكر بأن أوربا لم تكتفي باستغلال الثقافات والحضارات الأخرى بل عملت على طمس هويات هذه الشعوب. وبين بأن الاتجاه الاقتصادي تناول مسألة التجاوز من زاوية اقتصادية، فحاول البعض أن يحمل الجمود في البلدان النامية إلى الحركة الاستعمارية التي أجهضت كل محاولات الهادفة إلى التنمية، بينما سعى آخرون إلى معالجة موضوع التقدم والتأخر من زاوية أروبية وحاولت أن تربط الظاهرة بأسباب كامنة في عدم قدرة البلدان المعنية على استيعاب التحولات الاقتصادية العالمية، وانتقد سمير أمين هذا التيار واعتبره غير تاريخي لأنه لم يراعي خصوصيات تطور إفريقيا، أما فيما يخص الكتابات السياسية فلقد رأت في نشأة الدولة الحديثة أساس التجاوز لأنها كانت تساير التحولات والمنعطفات الجديدة في أوربا، في حين تشبث المسلمين بماضيهم المجيد مما جعلهم لا يولون أهمية كبرى في دراستهم التاريخية للأزمات والنكبات، وكانت الكاتبة التاريخية التي اهتمت بالعالم الإسلامي في علاقته بالغرب كتابة تمجيدية للحضارة الاسلامية، وإلى جانب هذا الموقف ظهر اتجاه أخر ربط كل ويلات العالم العربي بأوربا، وهنا تساءل عن العوامل التي حالة دون تقدم الغرب؟ ثم انتقل للتقسيم الذي أعطاه لهذا الكتاب.
2.    القسم الأول من الكتاب:
يعالج عبد المجيد القدوري في هذا القسم التجاوز ومسألة الذهنية، وذلك من خلل أربعة فصول، يحمل أولها عنوان عن العقل في التاريخ، والذي استهله بالحديث عن مكانة العقل عند الأوربيين، حيث أشار بأن أوربا تلجأ إلى تمجيد العقل والعقلانية لتميز نفسها عن غيرها، وكما تطرق في هذا الفصل كذلك بأن الذهنية الأوربية ارتكزت منذ عصر النهضة على العقل واعتبرته أساس تكوين الإنسان الكامل، ثم تساءل عن مفهوم العقل والعقلانية في كل من أوربا والعالم والإسلامي؟ وينقسم هذا الفصل إلى ثلاث محاور: يحمل أولها عنوان مفهوم العقل عند المسلمين والذي تطرق فيه لمفهوم العقل في المعاجم العربية التي حصرت مدلول الكلمة في اتجاهين أولها معرفي يحيل على الفهم والعلم والإدراك، والرأي، وثانيها خلقي ويعني الكف عن الهوى، والكف عن الإساءة وأن لإنسان العاقل هو الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها، ثم ذكر بأن فقهاء الإسلام انطلقوا في تحديدهم للعقل من الإستعملات القرآنية، فحسب الإمام الغزالي في كتابه شرف العقل وماهية، فأن العقل هو منبع العلم وأساسه، وهو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة، أما الفقيه اليوسي فذكر بأن العقل ألة خصه الله بها الإنسان، ثم انتقل للحديث عن مفهوم العقل عند ابن خلدون الذي اعتبره قوة يشترك في امتلاكها كل البشر غير أنه لا يبقى على حاله وإنما ينمو ويزداد نباهة بحسب الظروف، وأن العقل تاريخ مركب لأنه لا يمكن فهم عقل مجتمع ما أو ثقافة إلا بالانتباه إلى تداخل الثقافات، ثم انتقل القدوري للحديث عن مفهوم العقل عند علماء الإسلام في عصرنا الحاضر، فوقف عند مفهوم العقل عند محمد عابد الجابري الذي حث على الإهتمام بالعقل المكون داخل بيئته العربية الإسلامية على شرط أن يكون عقلا متجاوزا للخرافات والأساطير وذلك من أجل التحرر مما هو ميت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي، هذا في حين عالج عبد الله العروي العقل من زاوية تاريخية، فاعتبر أن أساس التأخر في المجتمعات العربية راجع لغياب الوعي التاريخي عندها، ولهذا ركز العروي على أهمية التاريخ في تأسيس وتقويته وتحصينه بالتقدم، وأن التاريخانية الأساس والإستراتجية التي يجب تبنيها من أجل الالتحاق بأوربا ومسايرة العصر، وخلص القدوري في نهاية هذا المحور إلى أن اختلاف مفهوم العقل في الثقافي العربية، يختلف باختلاف المنطلقات. لينتقل للحديث في المحور الثاني من هذا الفصل عن مفهوم العقل عند الأوربيين الذين اعتبره قوة متحركة ومتجددة لأنها تخضع لتبدل الأحول والظروف، وأن العقل عملية مستمرة التكوين شارك في بلورته ثقافات وحضارات بشرية مختلفة، مشيرا إلى أن أوربا عرفت نهضتها خلال القرن الثاني عشر نتيجة احتكاكها بالحضارة الإسلامية، وهو ما عبره جاك لوكوف إذ قال ''الاندفاع الصليبي كان بمثابة انفجار لذهنية المسيحي التي كانت تحلم على الدوام بخيرات الشرق''، وبذلك تحول العقل الأوربي إلى الاهتمام بالتجربة من أجل السيطرة على الطبيعة بما في ذلك من منفعة، وأشار القدوري كذلك إلى أن الفلاسفة الأوربيين خلال القرن الثامن عشر ربطوا العقل بالحرية مستدلا على ذلك بقولة إمنويل كانط الذي قال ''أما بالنسبة للتنوير فلاشيء مطلوب غير الحرية بمعناها الأكثر براءة أي تلك التي تقبل على استخدام علني للعقل في كل الميادين''، وذكر بأن تقدم أوربا غير منفصل عن عقلها التاريخي، ثم انتقل للحديث عن العقل الأوربي بعد انهيار حائط برلين، الذي أنهى قناعات وزعزع ذهنيات وأصبح النقاش حول مصير أوربا فظهر اتجاه يقول بنهاية التاريخ وأن الهيمنة صارت في يد الغرب، في حين كان الاتجاه الثاني يرى بأن العالم بعد 1889 دخل في منعطف جديد، وظهور المواجهة الثقافية. وفي نهاية هذا المحور خلص القدوري إلى العقل الأوربي عقل تاريخي نفعي متغير وتراكمي يعتمد التجديد ليساير الظروف ويطابق كل الممارسات. أما المحور الثالث والأخير من هذا الفصل فيحمل عنوان العقل في تاريخ المغرب، أشار فيه إلى أن العقل السياسي المغربي لم يكن يساير التحولات، وذكر بأن السلاطين المغاربة احتفظوا في مراسلاتهم بشكل بل وحتى مضمون المراسلات التي كانت متبعة على عهد الرسول (ص) والخلفاء، وأشار إلى أن الأسلوب الذي اختاره الذي اختاره هؤلاء السلاطين لا يلاءم ولا يخدم العمل الدبلوماسي المغربي، مقارنة مع الدبلوماسية الأوربية التي وصفها القدوري بالاتزان لكونها تحرص على المصلحة العامة، وخلص في النهاية إلى أن العقل السياسي المغربي كان امتدادا للعقل الإسلامي الذي تميز بالانكسار ولإقصاء التراكم.
وأما الفصل الثاني من هذا القسم فيحمل عنوان الحداثة في الذهنية المغربية، والذي ينقسم إلى ثلاثة محاور، يعنون أولها بالحداثة في الثقافة العربية الإسلامية، تطرق فيه إلى لمفهوم الحداثة التي هي نقيض القديم، ثم تساءل عن مدى أمكانية الحديث عن الحداثة في العالم الإسلامي؟ فأجاب بأن الدعوة الإسلامية شكلت أهم حدث في تاريخ المسلمين لكونها شكلت قطيعة مع الماضي، وبذلك تكون الحداثة في العالم الإسلامي مرتبطة بمشروع التغير الذي يرتكز على مبادئ الإيمان واجتهادات عقل الإنسان المسلم، كما يتطلب التغير من المسلم أن يكون مسلحا بالاجتهاد الذي هو حداثة المسلمين، كما يجب أن يكون مبنيا على الحرية وتجاوز التقليد الذي يدفع إلى استئناس الراحة والخمول وفي هذا السياق يرى القدوري مستندا على الكوكبي، بأنه من أجل تجاوز الخرافات، يجب على المسلمين استخدام العقل المتنور، لأن التقاعس الذي يعيشه المسليين ناتج عن تقصير علمائهم في إدراك العلم النافع وتشبثهم بالتكرار والتقليد وتشددهم في الدين، وفي نهاية هذا المحور أشار القدوري إلى أن الاجتهاد هو مفتاح الحداثة في المجتمعات الإسلامية لكنه لن يتحقق ما دامت شروطه التاريخية غائبة. أما في المحور الثاني من هذا الفصل فيحمل عنوان حداثة أوربا، والذي تطرق فيه إلى أن كلمة الحداثة تدل على كل ما هو معاصر، وتتعارض مع ما هو قديم، وأشار إلى أن الكلمة ظهرت في نهاية القرن الخامس الميلادي، غير أن الانطلاق الفعلي للكلمة بدأ حتى عصر النهضة، حيث صارت النهضة رمز التغير والتجاوز، وتهدف إلى خلق ثقافة وقيم منفصلة عن تلك التي كانت تسود أوربا خلال العصر الوسيط، غير أن جاك لوكوف انتقد دعاة هذا الموقف، وطلب برد الاعتبار لهذه الحقبة، إذ قال '' لا توجد في التاريخ نهضة، بل توجد فيه مراحل انتقالية''، ويرجع تجذر الحداثة في أوربا إلى ارتباطها بالطبقة البرجوازية ، لأنها حسب كار ماركس ''سر نمو وتقدم الرأسمالية في أوربا، لأنها عرفت كيف تجعل من حركتها حركة ثورية مناهضة ومفتتة للمجتمع الفيودالي المنهار''، كما أنها لم تكتف بالهيمنة على الاقتصاد، بل وطدت مكانتها في المجال الفكري، فكانت كتابات رجال الإصلاح لعادات العصر الوسيط، كالصاعقة على مكتسبات الكنيسة، وعملت الطبقة البرجوازية على فسح المجال أمام كل عمل خلاق. ومن هنا فالحداثة حسب الطبقة البرجوازية استحضار للذاكرة الجماعية وعمل على استخدامها من أجل فرض مركزية الإنسان الأوربي، وإقصاء الآخر. وفي نهاية هذا المحور خلص إلى أن العصرنة في أوربا فكر وديناميكية جاءت نتيجة تحولات تاريخية أثرت في المجتمعات الأوربية وقادتها طبقة نشيطة جعلت مشروعها ينخرط فيه الجميع، لكونه ينطلق من الحاضر ويراهن على الإنسان الأوربي والحضارة الأوربية، على عكس العالم الإسلامي الذي ظل فيه الاجتهاد أسلوبا ومنهجا دفاعيا يعتمد بالأساس على الجدل ويتميز بالعقم، نظرا لعدم وجود تقاطع بين الفكر والواقع.
ثم انتقل للحديث في المحور الثالث من هذا الفصل عن أسس التغيير في تاريخ المغرب، فذكر أن الوازع الديني كان أساس التحولات في المغرب، وأن جل الانقلابات العسكرية التي عرفها تاريخ المغرب، كانت تنطلق من فكرة دينية وتستمد مشروعيتها من المرجعية الإسلامية،وأنه بالرغم من كون المغرب ظل مرتبطا بالمشرق فإنه ظل يحمل هويته الخاصة. وأشار كذلك إلى أن الشرف كان رمزا أساسيا لمن أراد الوصول إلى السلطة، وأن الأشراف عملوا على مسايرة عصرهم عن طريق خلق جيش نظامي، فكانت هذه الظاهرة أهم ميزة من مميزات الدولة الحديثة، هذا علاوة على اهتمام السلاطين المغاربة بالتجارة نظرا لما لها من فوائد على الخزينة، لكن رغم ذلك فإن هذا القطاع لم يقم بدور المحرك في اقتصاد المغرب، كما هو الشأن في أوربا، نظرا لاحتكار المخزن لهذا القطاع. 
أما الفصل الثالث من هذا القسم فيحمل عنوان مغرب المغاربة الذين قبلوا الغزو الإيبيري ومسألة التجاوز، والذي تعرض فيه إلى أن العصر الحديث تميز بالمغامرة الأوربية، وكانت الاكتشافات الجغرافية لحظة تحول هائلة في ذهنية الإنسان الأوربي، حيث انطلقت أساطيل البرتغال الاستكشافية من السواحل المغربية لتقوم بدورتها حول إفريقيا، وتجاوز الوساطة المغربية، وينقسم هذا الفصل إلى أربعة محاور يحمل أولها عنوان الغزو الإيبيري في الكتابة المغربية، والذي تطرق فيه أن جل المصادر المغربية عالجت الغزو البرتغالي في أبعاده الدينية، وفي نفس السياق أشار إلى وجود ثلاثة تيارات تعاملت مع هذا الغزو بطرق مختلفة، فالتيار الأول، والذي يشمل معظم الفقهاء والعلماء، ظل يعمل وينتج وكأن شيئا لم يحصل، في حين حاول أصحاب التيار الثاني إبراز العوامل التي أدت بالمسلمين إلى هذه الوضعية المتأزمة، والتي أرجعوها إلى التشتت والبعد عن الإسلام، وكان من أبرز دعاة هذا الاتجاه أبو عبد الله محمد الهبطي، الذي ألف كتاب ''تنبيه العامة والخاصة على ما أوقعوا من التغيير في الملة الإسلامية''، فكان بمثابة لوحة قيد فيها الهبطي كل الممارسات التي كان يتجاوز بها سكان الريف الحدود الشرعية. وأشار إلى نموذج أخر وهو حسن الوزان الذي تناول في كتابه وصف إفريقيا، تأزم المغرب، وأعطى فكرة واضحة عن ذهنية مغاربة مطلع القرن السادس عشر، التي غلب عليها التمزق والتصدع والدمار الذي شمل كل مرافق الحياة في المغرب.  ثم انتقل للحديث عن التيار الثالث الذي اهتم بالغزو البرتغالي، والذي يسمى بالاتجاه الشعبي ويتعلق الأمر بأدب المناقب، الذي ظهر نتيجة للصدمة التي خلخلت المجتمع المغربي، أثناء الغزو الإيبيري للسواحل المغربية، وأخذ كتاب محمد بن عساكر ''دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر'' نموذجا لذلك لكونه فيه سخط الأولياء على الأوضاع وحكام الوطاسيين الذين تخلوا عن واجبتهم الإسلامية، وركنوا إلى المهادنة مع العدو المسيحي، وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن المحن التي عرفها المغرب بسبب الأزمات الداخلية والتحرشات الإيبرية سببا في إنتاج كتابة معبرة عن التمزق والتشتت الذي كان ينخر في المجتمع المغربي، والتي كانت سببا مباشرا في عجز المغرب عن مسايرة التحولات التي عرفتها مجتمعات الضفة الشمالية للمتوسط. أما المحور الثاني من هذا الفصل فيحمل عنوان الكتابة البرتغالية وغزو المغرب، والذي أكد من خلاله على أن الكتابة البرتغالية غلب عليها كذلك الطابع الديني، لكونها صورت انتصارات الغزاة كإرادة ربانية، وأشار كذلك في هذا المحور إلى أن فرنسا ساهمت بدور كبير في التعريف بهذا الغزو، لكون التجربة البرتغالية كانت حاضرة في العملية الاستعمارية الفرنسية، خلص في نهاية هذا المحور  إلى أن الغزو الإيبيري أدى إلى خنق ديناميكية المغرب وعرقلتها، نظرا لتراكم التجارب الاستعمارية. وفي المحور الثالث من هذا الفصل الذي يحمل عنوان السياق التاريخي العام، حاول عبد المجيد القدوري أن يبين كيف استطاع البرتغال أن يكون أول إمبراطورية استعمارية رغم صغر مساحتها، وقلة عدد سكانها، وأنهم قاموا بتحويل الخط التجاري الذي كان يربط إفريقيا بأوروبا، إلى المحيط الأطلسي، متجاوزين بذلك الوساطة المغربية، وخنق الفضاء الصحراوي، وأشار إلى أن الغزو البرتغالي للمغرب جاء كرد فعل على الهجومات التركية على أوربا الوسطى، فكان لذلك دورا أساسيا في الحيوية التي أصبحت تحرك أوربا خلال العصر الحديث، كما كان لاحتلال الثغور المغربية حافزا أساسيا لتأسيس الدولة البرتغالية لأسطولها البحري الذي سيجوب العالم الحديث، وذكر في هذا المحور كذلك بأنه لا يجب ربط ويلات البلاد بالعوامل الخارجية فقط، وإنما يجب التركيز كذلك على العوامل الداخلية الكامنة وراء الخراب والفتن بين المسلمين، دون الالتفاف إلى جهاد العدو، فكانت حسب محمد القبلي المؤشرات الأولى للتفاوت التاريخي بين الشمال والجنوب، وبقدر ما كان المغرب يتراجع وينحط، كان الغزاة الإيبيريون يكشفون عن نواياهم الاستعمارية، وخلص في النهاية إلى أن الغزو فتت اللبنة الاجتماعية ومزقها وظهرت اتجاهات متناقضة: اتجاه رفض الاحتلال وحاربه، في حين قبل اتجاه آخر بالاحتلال ورأى في الغزاة خلاص المغرب. أما المحور الأخير من هذا الفصل والذي يحمل عنوان مغرب مغاربة الاستسلام، فذكر فيه بأن بعض الفئات، حاولت الاستفادة من الوجود الأجنبي على السواحل، فصارت تطمع في الجاه والسلطة وذلك عن طريق تعاملها ومساندتها للغزاة، وأشار إلى أن هذه الظاهرة ليست غريبة على المجتمع المغربي، وإنما هي عادة مرتبطة بالأزمات والفتن والصراعات، وقدم مجموعة من الأمثلة على ذلك من تاريخ المغرب، ومن بينها استنجاد محمد المتوكل بالبرتغال، ضد عميه، عبد الملك وأحمد المنصور. الأمر الذي زاد من ضعف المغرب، وتصدع بنياته، ذلك أن الاستسلام وقبول الاحتلال وتفرقة المغاربة، أدى إلى حرمان المغرب من مواكبة التحولات التي كان العالم يعرفها، وبالتالي فجل الاتفاقيات التي عقدها البرتغال مع السكان كانت غير متكافئة، وأشار إلى أن المراسلات التي وجهها المغاربة المحميون أو الراغبون في الدخول تحت حماية العرش البرتغالي، تبين ولاء أهل المدن والبوادي له، مقابل أن يضمن لهم الأمن والحماية، وكذلك دعم بعض الطموحات الفردية التي كانت غايتها الوصول إلى الزعامة، وذكر القدوري نماذج كثيرة من المغاربة الذين دعموا الأجانب وتعاملوا معهم لضرب مؤهلات البلاد وتكسيرها، وساهموا في تعميق الفتور والتراجع والانحطاط، مما أصاب الذهنية المغربية وجعلها تتجه إلى الله بحثا عن الفرج الرباني، فبرزت حركة الأشراف السعديين التي اتخذت الجهاد ضد المسيحيين، فاستطاعت بذلك أن تحقق مشروعها في الانفراد بالحكم وتوحيد المغرب، بدعم من الزوايا.
وفي الفصل الرابع من هذا القسم المعنون بمغرب مغاربة الصمود والمقاومة: الزوايا والتجاوز، تطرق فيه إلى أن المغاربة الذين قبلوا الحماية الأجنبية كانوا يعتقدون في ذلك خلاصهم من الفتن والهرج الذي كان يزعزع المغرب، وأن مستقبل البلاد أصبح رهينا لتبني التجارب الأوربية، غير أن أغلب المغاربة لم يقتنعوا بهذا الطرح بل عارضوه وحاربوه بكل قواهم، ثم انتقل للحديث عن الاتجاه الثاني الذي عارض التعامل مع الأجنبي، وتبنى الصمود والمقاومة والدفاع عن المغرب والمغاربة، فانخرطت فيه جل الشرائح الاجتماعية، فنجح هذا التيار في ملء الفراغ السياسي الناتج عن الضعف الذي وصل إليه ملوك الوطاسيين، وفي هذا الصدد يقول مارمول كربخال ''كان في المغرب في هذه الفترة من الزمان عدة أمراء، يتقاسمون السيادة ذلك ما جعل الكثير من الحواضر تنفرد باستقلالها ولم يكن حينئذ لملوك بنو وطاس ما يلزم من السلطة لبسط نفوذهم على مجموع تراب موريطانيا الطنجية''. وأشار القدوري إلى أن هذا الانحطاط أدى إلى بروز الزوايا كقوى سياسية اقتصادية واجتماعية، انتشرت في جميع أنحاء المغرب. وينقسم هذا الفصل إلى خمسة محاور، يأخذ أولها عنوان مصطلحات ومفاهيم، والذي حاول من خلاله أن يشير إلى ارتباط ظهور الزوايا بواقع وحالة التوتر والحروب التي سادت علاقات الإسلام بالمسيحية، وأن مسألة الصلاح والولاية تصرف إنساني وجد في كل الديانات، كما ذكر بأن طرد المسلمين من الأندلس وملاحقة المسيحيين لهم في المغرب من الأسباب المباشرة التي أدت إلى ظهور الزوايا في المغرب، فأطرت المغاربة ودافعت عن البلاد وأنقذت المغرب من فقدان هويته. ثم انتقل للحديث عن المصطلحات المرتبطة بالزوايا، كالرباط، الولاية والكرامة، وذكر بأن هذه المصطلحات تحيل على العبادة والتعبد، وأنها تنطلق من الفرد لتنتهي في الجماعة، فيصبح الوالي الذي كان بحث عن الخلاص لنفسه عن طريق الانزواء، قبلة للزوار قصد التبرك من صلاحه، كما ذكر في هذا المحور كذلك بأن دور الزوايا لا ينحصر فقط في العبادة، وإنما يتعداه لتصبح مركزا للمرابطة والجهاد قبل أن تصبح مؤسسة اجتماعية وسياسية، فتصبح بذلك منشغلة بمشاكل المجتمع كله ومتاعبه، وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن شدة الجفاف وكثرة الأزمات، وانتشار الأوبئة والمجاعات في جميع أنحاء المغرب،  سببا في تكاثر عدد الزوايا وازدياد عدد المريدين، وصار الشيوخ يطمحون إلى أداء أدوار سياسية حاسمة. وفي ما يخص المحور الثاني من هذا الفصل فيأخذ عنوان الزوايا وتجذرها الاجتماعي، والذي تطرق فيه إلى أن الزوايا، بدأت كمؤسسة دينية واجتماعية قبل أن تظهر طموحاتها السياسية، وأنها انتشرت في جميع أنحاء المغرب، واضطلعت بوظائف متنوعة، واختلف الأولياء في سلوكهم، فهناك من الأولياء من لا يشتغلون بمكسب وليس لهم حرفة غير عبادة الله، وهناك من كانوا يشتغلون كباقي الناس، ويأكلون من كدهم، في حين سخر آخرون الزوايا لاكتساب الجاه والشهرة. ثم انتقل للحديث في المحور الثالث من هذا الفصل عن طموحات الزوايا السياسية، حيث وضح بأن الاحتلال الإيبيري للسواحل المغربية، وعجز السلطات الحاكمة عن مواجهة هذا الاحتلال، كانا عاملين أساسيين ساهما في تزايد نفوذ الزوايا، نظرا لمشاركة الأولياء في الجهاد ضد الإيبرين، الأمر الذي زاد من تقوية مكانتهم السياسية، وبداية منافستهم للوطاسيين، وكانت تجربة الإمام الجزولي أحسن مثال على هذه المنافسة، حيث فاقت شهرته الأفاق وانتشرت طريقته عبر أتباعه في المغرب وخارجه، وكان الجازولين الأنصار الطبعين للأشراف السعديين، اللذين انطلقت حركتهم من منطقة سوس، التي كانت صلة وصل أساسية في مبادلات المغرب التجارية مع السودان، ووصلت إلى مستوى اقتصادي متميز حيث أصبحت تنتج مواد فلاحية أساسية كالنيلة وقصب السكر، غير أنها كانت في حاجة إلى الأمن والاستقرار، وبالتالي كانت المنطقة مؤهلة ماديا لتنطلق منها حركة الأشراف، الذين فرضوا أنفسهم بحيويتهم العسكرية، خاصة وأن التحديات التي كان يواجهها المغرب اقتضت وجود سلطة مركزية قوية، وفي نهاية هذا المحور خلص إلى أن قيام الدولة السعدية فرضته ظرفية وسياق تاريخي وحتمية حيوية، لأن المجتمع أصبح في حاجة إلى سلطة مركزية قادرة على رفع التحديات.
وقد عنون المحور الرابع من هذا الفصل بنكبة الونشريسي والزقاق ودلالاتها، والذي بين فيه نكبة هؤلاء العلماء التي تعتبر استمرارا لصراع تميز بتزكية هؤلاء العلماء لبني وطاس ومساندة الأولياء للأشراف، وذكر بأن الونشريسي نشأ بتلمسان ورحل إلى فاس وانسجم فيها وتقلد رياسة الخطط الثلاث: القضاء، الفتوى والتدريس، وعرف بالرزانة وحسن التدبير، ولهذا تم اختياره لتحرير الصلح بين السعديين والوطاسيين، وحاول محمد الشيخ استمالة هذا العالم لقضيته، لكنه أبى لأن بيعة الوطسيين في عنقه، الشيء الذي دفع بالشريف إلى اغتياله، مثلما قام به في حق أبي محمد بن عبد الوهاب الزقاق الذي اشتهر بالعلم، وبمواقفه المعادية للسعديين، لذلك أمر محمد الشيخ بقتله، وعلى عكس ذلك كانت مواقف الأولياء مدعمة للسعديين. أما في المحور الأخير من هذا الفصل والذي يحمل الزوايا ومسألة التجاوز فلقد تطرق إلى أن الزوايا قامت بأدوار اجتماعية واقتصادية وسياسية في مغرب القرنيين السادس عشر والسابع عشر، وذكر بأن الزوايا شكلت في المغرب قوة حيوية أطرت المغاربة وملأت الفراغ السياسي، وقادت الجهاد ودعمت وصول الأشراف إلى الحكم، غير أن مراقبة شيوخ الزوايا ومزاحمتهم للسعديين في تسيير أمور المغرب، أدى إلى ظهور بعض مؤشرات التوتر بين الطرفين، واحتد الصراع في عهد محمد الشيخ الذي عرف بصرامته في التسير، والذي كان يرى في الزوايا العنصر المعرقل لتطبيق سياسته، وذكر المؤلف كذلك بأن أهم عوامل اصطدام الزوايا بجهاز السعدين، هو لجوء محمد الشيخ إلى إحداث ضريبة النائبة ومحاولته فرضها على جميع المغاربة بما فيهم شيوخ الزوايا الذين رفضوها، وفي هذا الصدد يقول الناصري '' ولم ينزه عنها شريفا مشرفا حتى أرباب الزوايا المنتسبين''. لكن عندما لجأ محمد المتوكل إلى الأجانب، عاد الالتحام من جديد بين الطرفين، وعندما صارت الدولة في عهد المنصور تطمح إلى تأدية أدوار سياسية ذات أبعاد عالمية، فتر التوتر نظرا لعدم معارضة الزوايا لسياسة المنصور الذهبي، لكن بمجرد موت هذا الأخير عمت الفتنة، وساد التمزق واسترجعت الزوايا مكانتها وهكذا كانت الزوايا التي أوصلت السعديين إلى الحكم، سببا في انهيار حركتهم، فرغم محاولة السلاطين التخلص من وصاية الشيوخ فإنهم لم يستطيعوا، نظرا لتجذر نفوذ الزوايا في البلاد كلها، وتحكمهم في الذهنية المغربية، وبذلك صارت الزوايا تعيق كل محاولات التغيير في المغرب، حيث تغير مفهوم الولاية، من الوالي الصالح التقي المتفاني في عبادة الله إلى ذلك الوالي الذي أنتجته الأحداث التاريخية، وأصبح المغرب يعيش تحت تأثير شعوذة الأولياء في وقت كانت في أوربا تعيش قفزة نوعية وتعمل على خلق إنسان النهضة المتكامل القادر على مواجهة  التحديات، وهكذا ساهمت الزوايا في إبعاد المغرب عن مسايرة أوربا، وبقيت وحدها تتخذ المبادرة.
3.    القسم الثاني من الكتاب:
  أما بخصوص القسم الثاني من هذا الكتاب فيأخذ عنوان الحديث كممارسة سلطانية نماذج وأفاق، والذي ينقسم إلى ثلاثة فصول يحمل أولها عنوان التحديث بين الفقيه والسياسي، والذي ينقسم بدوره إلى ثلاثة محاور  يعنون أولها بملاحظات عامة، تعرض في بدايته إلى أن فكرة التقدم لا تنشأ عن طريق الصدفة، إنما يجب أن تكون متجذرة في المحيط المادي الذي يكون مسؤولا عن ترجمها إلى الواقع، ثم ذكر بأن أوروبا عاشت فكرة التقدم والنمو واستوعب علماؤها بالتدريج مغزى التحولات والابتكار، فاستطاعت أوربا بذلك تجاوز غيرها لأنها ربطت الفكر بالتطبيق وخلص هذا المحور بطرح مجموعة من الأسئلة، حول الأبعاد الفكرية التي تبناها بعض السلاطين الذين حاولوا تحديث المغرب؟ وعلاقة السياسي بالفكري؟ والمواقف التي اتخذها العلماء من محاولات أحمد المنصور أو عن محاولات محمد بن عبد الله؟ ثم انتقل للحديث في المحور الثاني عن المواقف النظرية من مسألة التحديث، حيث أبرز أن التجديد يقتضي أن يكون المجتمع مؤهلا ومستعدا لقبوله، وأن تكون طبقة العلماء مؤهلة أكثر من غيرها لذلك لأنها مسؤولة عن تمرير كل جديد في المجتمع، الذي يضع الثقة الكاملة فيهم، ثم تساءل عن كيف ترجمت هذه المعطيات على أرض الواقع؟ وعن العلاقات التي كانت تربط العلماء بالسلطة السياسية في مغرب العصر الحديث؟ وأجاب على ذلك بأن العالم هو الذي يعلم بالشيء وهو القائم بأحكام الله، والذي يستمد سلطته من القران والسنة، وتتلخص وظائفه في مراقبة السلاطين وحثهم على الالتزام بتطبيق الشرع والمحافظة على حقوق الله، وقدم على ذلك مثال اليوسي الذي كان يخاطب المولى اسماعيل اعتمادا على مبدأ الدين النصيحة أو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وأنه كان ينطلق من كونه كان عالما مسؤولا أمام خالقه وأمام الأمة بحراسة الحدود الشرعية. وبالتالي فمنطق اليوسي كان منطقا إسلاميا، ولم يكن يهتم بالمنطق السياسي الذي اعتمده مولاي سليمان من أجل تدبير أمور الناس وتنظيمها انطلاقا مما كانت تفرضه الظروف، وشأن اليوسي شأن باقي العلماء الذين كانوا خارج الجهاز المخزني، وكانت مواقفهم مختلفة عن باقي العلماء الذي دخلوا في خدمة السلاطين، أمثال عبد العزيز الفشتالي -وزير القلم عند أحمد المنصور- الذي كان له خطابا تبريريا ومتفهما لقرارات السلاطين وممارساتهم، ويرجع هذا التباين بين السياسي والفقيه، إلى الفهم الذي يعطيه كل منهما للدولة، ففي الوقت الذي يرى فيه الفقيه بأن الدولة وضعت من أجل حماية الحدود التي أقامها الله لعباده، يرى السياسي في قوة الدولة وأبهتها قوة السلطان وعظمته. أما المحور الثالث من هذا الفصل فيحمل عنوان الفقيه والسياسي على أرض الواقع، فذكر فيه بأن غزو السودان شكل حدثا بارزا، بل من أهم انجازات المنصور الذهبي، حيث شكل الأساس الذي طبع في العمق العلاقات مع البلدان الواقعة جنوب الصحراء، وأشار  إلى أن الكتابة الأوربية، ضخمت من هذا الحدث وربطت كل الويلات السودان الغربي بهذه الحملة، ثم تساءل عن موقف الفقهاء المغاربة من هذه الحملة؟ فأجاب بأن الفشتالي استعمل كل مهارته الأدبية ليقدم القرار السلطاني مدعما بحجج دينية حتى يجعل القرار السياسي موافقا للشرع، في حين كان المؤرخ المجهول صريح الموقف واعتبر غزو هذه الأصقاع الإسلامية عارا، أما ابن أبي محلى فاعتبر حملة السودان علامة من علامات نهاية الكون. ومن هنا فمواقف الفقهاء المعارضة تنطلق من الشرع وتعيب على المنصور غزوه لبلد مسلم وإعراضه عن الأندلس وإهماله للثغور المغربية، عكس مواقف الفقهاء المحافظين، فقد تبنى أحمد المنصور غزو السودان من منطق سياسي وفق منطلقات إستراتيجية، لأنه كان واعيا بالأوضاع الدولية. وفي نهاية هذا الفصل خلص بطرح السؤال التالي: ما هي المحاولات التحديثية التي عرفها المغرب خلال العصر الحديث ومن دعاتها؟ وهو ما حاول الإجابة عنه في الفصل الثاني من هذا القسم الذي يحمل عنوان الحداثة عند الأشراف السعديين عبد الملك المعتصم وأحمد المنصور، والذي ينقسم إلى ثلاثة محاور يحمل أولها عنوان، المحولات التحديثية والمناخ المتوسطي، والذي أشار فيه إلا أنه بعد وفاة محمد الشيخ سنة 1557، فر كل من عبد الملك وأحمد إلى تلمسان من أخيهما عبد الله الذي تولى أمور الدولة، وشاركا في بعض أحداث البحر المتوسط كمعركة ليبنتو التي وقعت في 7 أكتوبر 1571، والتي على إثرها أعلنت القوة التركية بداية التراجع، وذكر بأن أهمية هذه المعركة بالنسبة للمغرب تكمن في الأدوار التي أدها فيها عبد الملك وأحمد المنصور، اللذان شاركا إلى جانب الأسطول العثماني، فساهمت هذه المعركة في تكوين شخصيتهما وجعلتهما يطلعان على المؤسسات العسكرية سواء عند الأتراك أو الأوربيين، وبعد ذلك عاد إلى الجزائر لكي يقوم بالتخطيط والتحضير لمشروع العودة إلى بلاده، رغم أن الأتراك لم يكونوا متحمسين في بداية الأمر لمشروع عبد الملك، غير أن هذا الأخير عمل كل ما في وسعه لتحقيق مبتغاه، إلى جانب أخيه أحمد المنصور، ثم انتقل للحديث عن معركة واد المخازن وأبعادها الدولة، إذ أشار إلى أن هذه المعركة كانت أساسا لبناء القومية المغربية، وكانت القاعد الصلبة التي بنى عليها أحمد المنصور جميع تحركاته، كما وظف الفشتالي كل مهارته، لجعل عبد الملك المعتصم ذو دور ثانوي في هذه الملحمة مقارنة مع الدور الذي أعطاه للمنصور، رغم كون عبد الملك كان له الفضل في تهيئ المناخ الداخلي والخارجي الذي أهل المغرب للخروج من هذه المعركة منتصرا ، وبفضله استطاع المغرب أن يندمج في السياسة المتوسطية، وأن يصبح خلال هذه المرحلة عنصرا فاعلا في أحداثها. أما المحور الثاني من هذا الفصل فيأخذ عنوان خطة عبد الملك التحديثية، والذي ذكر فيه بأن هذا الأخير كان رجل دولة ذو أبعاد متعددة عاش وساهم في صنع أحداث متوسطية كثيرة وعاد إلى المغرب، لينفرد بالسلطة فيه، وكانت له إرادة في انفتاح المغرب على محيطه، وجعله يندمج وينصهر في أحداث عصره، فكان مشاركا إلى جانب الفاعلين الأساسين للسياسة الكونية في النصف الثاني من القرن السادس عشر إل جانب العثمانيين والاسبانيين والانجليز، كما حاول إخراج المغاربة من المؤلوف ودفعهم إلى التأسيس والتجديد، إلا أنه لم يعيش طويلا حتى يطبق خطته، فشيد بذلك معالم الدولة التي وطدها المنصور. وفي المحور الأخير من هذا الفصل الذي يحمل عنوان أحمد المنصور الذهبي ومركزية الدولة، تطرق القدوري إلى أن أحمد المنصور عاش في ظل أخيه عبد الملك واستفاد كثيرا من تجاربه ومهارته، واستغل الأساس التي شيدها هذا الأخير لينفرد بالسلطة في المغرب، فاستطاع أن يبني دولة مغربية مركزية على غرار ما عاينه عند العثمانيين والأوربيين، كما حاول المنصور أن يحصن المخزن السعدي، وعمل على جعل الدولة الشريفة ذات حرمة وهيبة داخل المغرب وخارجه، كما عمل على تقوية الدولة المركزية وتحصينها عن طريق خلق جيش نظامي على أساس أن يكون أداة مرتبطة بشخص السلطان يستعملها كلما دعت الضرورة إلى ذلك من أجل فرض سلطته المطلقة، وجهز هذا الجيش بأحدث الأسلحة النارية التي كانت في وقته أساس الحروب، وسعى هذا السلطان إلى تشجيع صناعة الأسلحة في المغرب، فاشتهرت دار العدة بمراكش، كما تمكن المنصور عن طريق دبلوماسية نفعية أن يحقق مشروعه في غزو السودان، هذا علاوة على اهتمام المنصور بالجانب الاقتصادي وجعله مندمجا في الاقتصاد العالمي، نظرا لما أوله من اهتمام كبير بزراعة قصب السكر والنيلة بسبب ما كانت تدره عليه من أرباح، كما أشار القدوري في هذا المحور إلى أن صدى التجهيزات التي عمت مناطق عديدة من أوربا خلال القرن السادس عشر، وصلت إلى المغرب، حيث تذكر بعض الدراسات أن أحمد المنصور اهتم بالأمن في الطرق وتشيد القناطر، وفي الباب يقول الفشتالي ''ومنها بناء القناطر المتعددة كقنطرة تانسيفت، وكذا قنطرة وادي أم الربيع السفلي... والقنطرة العظيمة التي على واد سبو''، وتحدث المقري في كتابه روض الأس، عن اهتمام المنصور بتشييد السدود، هذا علاوة على اهتمامه بالمعمار، وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن المنصور أعطى أهمية كبيرة للترجمة والمترجمين، بهدف معرفة الأخر (أروبا) وتتبع خطواته.
والفصل الثالث والأخر من هذا القسم فيحمل عنوان محمد بن عبد الله أو الإرادة السلطانية لخلق المغرب الحديث (1757-1790)، والذي ينقسم إلى أربعة محاول يحمل أولها عنوان الإجماع الإيجابي، وتطرق فيه إلى أن جل المصادر المغربية أجمعت على اعتبار محمد بن عبد الله منقذ الدولة الشريفة بعدما تلاشت هياكلها منذ وفاة المولى إسماعيل، إذ قال عنه الضعيف، ''السلطان الأسعد، وشمس الزمان وروح عالم الإسلام وظل الله على العباد''، وأشار القدري إلى أن الكتابة المعاصرة استمرت كذلك في هذا الاتجاه. الأمر الذي دفعه للتساؤل عن الدوافع التي كانت وراء هذا الإجماع، هل لأن محمد بن عبد الله كانت له أرادة حقيقة في تحديث المغرب أم أن الأمر لا يزيد عن وصوله إلى السلطة في ظروف كان فيها الغاربة في حاجة إلى الاستقرار؟ ثم استطرد في الحديث عن أوضاع أوروبا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فتحدث عن انهيار النظام القديم، الذي تجسد سياسيا في الثورة السياسية، واقتصاديا في الثورة الصناعية، حيث ناهضت البرجوازية كل القيم التي كانت تعاكس مصالحها، وقاومت احتكار الدولة للاقتصاد، وشجعت مبدأ المبادرة الفردية، وناهضت الاعتقادات الغيبية عن طريق دعمها للعقل واعتبرته معيار كل التحركات، وعاصر محمد بن عبد الله كل هذه التحولات التي عرفتها أوربا، فسعى هذا السلطان إلى التعامل مع أوربا على أسس جديد يتحكم فيه، غير أن هذه الإرادة يقول القدوري لم تكن لتضع حدا للموروث في هذه العلاقات التي تحمل في طياتها السلم والمواجهة، وإلى جانب المواجهة في الثغور، طغت على المغرب بأوربا على عهد محمد بن عبد الله مسألة القرصنة، التي جعلها مؤسسة تابعة للدولة وحاول تسخيرها وتوظيفها في علاقات المغرب بأوربا. أما المحور الثاني من هذا الفصل فيأخذ عنوان محمد بن عبد الله: النشأة والتكوين، والذي أشار فيه إلى أن محمد بن عبد الله نشأ وتربى في جو من الفتن والشدائد التي عمت أرجاء المغرب، حينما استبد العبيد بالأمور وهدموا أركان الدولة، فصارت البلاد في حاجة إلى منقذ، ولعلى هذا ما يفسر السهولة التي تمت بها بيعت السلطان محمد بن عبد الله، وذكر في هذا المحور كذلك بأن جل المصادر تجمع على أن ميلاد هذا الأمير هو 4 رابيع النبوي1134، بمدينة مكناس، وتربى تربية كانت مبنية على اللغة العربية، وعلى المبادئ الأولى في الحساب، وكان يتدرب على ركوب الخيل واستعمال الأسلحة، وأنه كان يستعين بالعلوج أو ببعض المهندسين الأوربيين في توسيع معرفته، كما علمته أيام الشدة والفتن مكامن ضعف المخزن، فتعمقت في نفسه فكرة القيام بالإصلاح في المغرب حتى يتجاوز ما تسبب فيه العبيد من جور واستبداد، ويعد للمغرب الأمن وينشر العدل، ولهذا قام بإعادة إحياء هياكل الدولة على أسس جديدة، تمكن من تحديد معالمها الأساسية  عندما كان ينوب عن والده في مراكش. أما المحور الثالث من هذا الفصل فيحمل عنوان تجارب السلطان وأثرها في بلورة مشروعه التحديثي، والذي تطرق فيه إلى محمد بن عبد الله كان يتميز ببعد النظر في تسيره لأمور الدولة، منذ أن كان نائبا عن أبيه مراكش وسوس، وأنه كان يرفض أن يخرج عن والده رغم محاولة العبيد إلى استمالته، وأنه كان يعرف كيف يستعمل الأحداث لصالحه، فكان يلجأ إلى المرونة واللين عندما يعرف أن ميزان القوى ليس لصالحه، ومن خلال هذه التجارب عرف محمد بن عبد الله واقع المغرب وحدود موازن القوى فيه، وكانت تجربته بأسفي هامة جدا لأنها مكنته من معرفة الرواج التجاري فتكاملت له الرؤية واتضحت معالم مشروعه التجديدي الهادف إلى تجاوز الضغوط الداخلية.
أما المحور الرابع من هذا الفصل فيأخذ عنوان تجديد هياكل المخزن، بين فيه بأن المصادر المغربية تزخر بالألفاظ التي تحيل على عملية التجديد، ونفس الشيء بالنسبة للسفراء والرحالة الأجانب، الذي اشروا في كابتهم إلى هذه الحركة الإصلاحية التي قادها محمد بن عبد الله، وهنا تساءل عبد المجيد القدوري عن مدى وعي محمد بن عبد الله بما نسب إليه؟ فأشار إلى استعمال محمد بن عبد الله كلمة إصلاح في إحدى رسائله التي بعثها إلى شرفاء تافيلات، وأنه استعملها بالموازاة مع توفر الشروط المادية الضرورية لإنجاح هذا الإصلاح، فعلى مستوى القضاء ذكر القدوري بأن محمد بن عبد الله أعطاه أهمية خاصة، فكان يحاور القضاة والمفتين ويناقشهم، كما كان لا يتردد في توجيه انتقادات قاسية لأولئك الذين يحكمون أو يفتون اعتمادا على كتب المتأخرين وفتاويهم، وأوصى القضاة بعدم التسرع في الأحكام. أما فيما يخص إصلاح التعليم، فقد تبنى هذا السلطان مشروعه بتعميم تعليم الصبيان، لأنه كان مقتنعا بأن إخراج المغرب من الفتن لن يتم إلا إذا قام بعمل في العمق عن طريق تربية العامة تربية إسلامية، حيث قام بتأليه لكتاب في الحث على تربية الأطفال تربية صالحة ودفع الجهل عنهم وسماه ''مواهب المنان مما يتأكد على المعلمين تعليمه للصبيان''، واعتبر التعليم مسؤولية يتقاسمها المعلم والأب، وما كان يهم محمد بن عبد الله من هذا البرنامج هو تأطير الصبيان تأطيرا دينيا، ومنع تدريس علم الكلام والمنطق والفلسفة، ورأى في تدريسها مضيعة للوقت. ثم انتقل للحديث عن عدم اهتمام المغاربة بالبحر، نظرا لنشاط التجارة مع الشرق والجنوب، فأهمل البحر واعتبر أحينا مصدرا للويلات للمغرب، لكن بعد وصول العلويين إلى الحكم وتغير الأوضاع العالمية، أصبح المحيط الأطلسي المركز الحيوي في الاقتصاد العالمي وصارت الطرق البحرية أساس المواصلات، ولهذا أول السلاطين العلويين أهمية كبرى لتعامل المغرب مع أوربا، وانطلاقا من السواحل المتوسطية ربط المولى إسماعيل علاقاته مع هده القارة في حين وجه محمد بن عبد الله كل اهتماماته بالتجارة الخارجية، نظرا لتجربته بأسفي، فسعى إلى الاستفادة من الجو التنافسي الذي كان يميز العلاقات الأوربية ليقتني الأسلحة من انجلترا وهولندا وهذا ما دفع للرحالة شخونينخ للقول إن ''التجارة الخارجية كانت تضمن لهذا الإمبراطور مداخيل بيت المال الأساسية التي كان يؤديها التجار في شكل رسوم جمروكية''، وبفضل دلك حاول خلق أسطول بحري وطني قادر على رفع التحديات والمشاركة في النشاط الاقتصادي العالمي، كما قام بتجهيز الموانئ وجعلها ملائمة للملاحة، من خلق فضاء المغرب الأطلنتيكي وإشراك المغرب في التجارة العالمية ويشكل تشيد مناء الصويرة التجسيد الكامل لهذا المشروع، فشكل هذا الميناء رمزا للانفتاح المغرب على العالم الخارجي.
4.    القسم الثالث من الكتاب:
وفي القسم الثالث والأخير من هذا الكتاب والذي يحمل عنوان جذور العرقلة وأسباب التجاوز، وينقسم إلى خمسة فصول يحمل أولها عنوان الأزمات السياسية في مغرب العصر الحديث أو حتمية العودة المستمرة إلى البداية، والذي ينقسم بدوره إلى ثلاثة محاور يحمل أولها عنوان ملاحظات عامة والذي افتتحه بقولة ابن خلدون ''الدولة كائن حي تنشأ وتزدهر ثم تنحط وتنتهي، وبنهايتها تأتي دولة جديدة''، وأشار بأنه رغم نظرية ابن خلدون لا تنطبق على الدولة السعدية لأنها لم تقوم على العصبية، فإن شدة الأزمات وتكرارها حالت إلى العودة إلى البداية لأن الثورات السياسية والكوارث الطبيعة كانت تهدم ما بنها المغرب وتعرقل كل المحولات التحديثية، وفي نهاية هذا المحور خلص إلى مجموعة من التساؤلات أهمها أسباب التي حالت دون نمو المغرب وتقدمه؟ وما هي الدوافع التي كانت وراء فشل محاولات التحديثية؟ وفي المحور الثاني من هذا الفصل والذي يحمل عنوان من ثوابت الأزمات في تاريخ المغرب، تطرق لمجموعة من النقط التي كانت تقود المغرب دائما إلى الأزمة أولها الكوارث الطبيعية حيث أشار إلى أن المناخ المغربي يتميز بعد انتظام التساقطات، لأنها تتهاطل كثيرا في وقت وجيز أو لا تتساقط، فيبقى الجفاف بذلك هو المحدد الأساسي في نمط العيش، مما يجعل حياة المغاربة مهددة باستمرار بالكوارث الطبيعية وتوالي القحط، ومما كان يزيد من وطأة هذه الكوارث كونها كانت تتسبب في اندلاع المجاعات والأوبئة في جميع أنحاء المغرب، فأنهكت هذه الكوارث هياكل المغرب وتسببت في تعطيل طاقاته الحيوية وحالت دون طموحاته التحديثية، كما أنها رسخت في الذهنية المغربية الغيبية فأصبح الناس يرون فيما يصيبهم من ويلات عقابا من الله، كما تسبب انتشار المجاعات والأوبئة في نزيف ديمغرافي، مما أدى إلى تقلص اليد العاملة لصالح النشاط الرعوي ثم انتقل للحديث عن النقطة الثانية التي كانت لها دور في هذه الأزمة وهي مسألة المشروعية في الحكم حيث ذكر القدوري بأن البيعة كانت من بين المشاكل الثابتة والمسئولة عن اندلاع الأزمات السياسية في التاريخ المغرب، وبسبب الطبيعة الشرعية لعقد البيعة فإن هذه الأخيرة كانت موضوع خلاف وتأويل بين العلماء والأمراء، مستدلا على ذلك بحالة الأمير المتوكل الذي لجأ إلى النصارى ضد عمه المعتصم، وحمل علماء فاس مسئولية ذلك لأنهم تخلوا عن بيعته ومناصرته، فردوا عليه وبينوا له أنهم تخلوا عنه لأنه لم يلتزم بما هو واجب عليه وأنه فر وترك المدينة عرضة للنهب، وأوضحوا له أن الاستغاثة بالنصارى ردة تحتم خلعه وسقوط بيعته، علاوة على اعتمادهم على حجج سياسة، وهي أن عبد الملك أحق بالحكم، انطلاقا مما سنه مؤسس الدولة السعدية، الذي أمر أن تكون البيعة للأكبر، وطرحت مشكلة مشروعية في الحكم عدة مرات في تاريخ المغرب، وأعطى العديد من النماذج على ذلك، واعتبر أن البيعة أزمة القصر قبل أن تكون أزمة المجتمع. ثم أشار إلى أنه من بين الأمور التي سهلت الفتن، هو لجوء السلاطين في حياتهم إلى تقسيم إدارة المغرب بين أبنائهم، وبمجرد وفاة السلطان تحدث صراعات طاحنة بين أبنائه تنتهي دائما بماسي وحروب تهز المجتمع وتتسبب في عرقلة مسيرته، ونظرا للحزازات الناتجة عن ولاية العهد، وتعدد الزوجات وانتهمائهم إلى قبائل مختلفة فلا يخلوا عهد من عهود السلاطين الأشراف من اغتيال سياسي، مما شتت الجهود وصرف السلاطين عن تشييد المغرب المتين القادر على مسايرة التحديات والمشارك في صنع أحداث عصره، وجعلهم يهتمون أساسا بالجيش بصفة أداة ضرورية لردع الأمراء قبل القبائل، الأمر الذي أدى إلى انكسار شوكة المخزن ودفع المغرب إلى حروب أهلية عنيفة ومدمرة في مطلع القرن السادس عشر والسابع عشر وبعد وفاة المولى إسماعيل.
وفي المحور الثالث من هذا الفصل تطرق إلى الفتن والحروب أو الدمار المتكرر إذ يقول '' فيظهر تاريخ المغرب وكأنه صراع دائم بين الجهاز المخزني بصفته مركزا والقوى المحلية بصفتها هوامش معارضة'' وأشار إلى أن أزمة نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر ساهمت في عرقلة إقلاع المغرب ومسايرته لمحيطه وعصره لأنها نخزت مؤهلاته وقدراته وطاقاته وجعلته عاجزا عن مواكبة سير الفاعلين الدوليين، نظرا لتراجع السلطة المركزية وانعدام مشروعية الوطاسيين، وإثقال هؤلاء كاهل المغاربة بالإتاوات، وظهرت كيانات سياسية وعسكرية جهوية مستقلة أو متصارعة، وتزامن هذا التوقف في المغرب مع تجاوز أوربا لحدودها المغلقة لتكتسح العوالم الأخرى، وكانت سنة 1492 سنة الحسم والمنعطف، حيث استرجعت اسبانيا أخر إمارة إسلامية في الأندلس، ووصلت سفن كريستوف كلومب إلى العالم الجديد، في حين ضل المغرب يعيش أزمة خانقة فرضت عليه الانكماش والانعزال والانزواء، ثم انتقل للحديث عن الحروب الأهلية في مطلع القرن السابع عشر ودمار المغرب حيث أشار إلى أن المغرب عرف خلال الفترة أزمة خانقة ازدادت حدتها بعد وفاة المنصور، فاجتاحت الحروب جميع أطراف المغرب، فوقعت التجاوزات وأهينت الكرامات وعم الهرج وكثرت الفتن وانتشر الخوف بين الناس، لقد عاش المغرب منذ وفاة أحمد المنصور إلى وصول المولى رشيد إلى الحكم فوضى عارمة ليبدأ العلويين يعملون لإعادة الوحدة للبلاد، حيث قضى المولى اسماعيل معظم وقته متنقلا لجمع الشتات، ما أن هدأت الأمور نسبيا في أيامه حتى عادت بعد وفاته الأزمة اهتز لها المغرب، وهي الأزمة التي تعرف بأزمة عبيد البخاري (1727-1757) التي أدت إلى فقدان الدولة لأهم أطرافها، وزرعت الفتن والكراهية بين الناس وأصبح النهب والسبي والدمار والقتل من الأمور المعتادة.
أما الفصل الثاني من القسم فيحمل عنوان احتكار المخزن للتجارة الخارجية ودعمه للتجار الأجانب، وينقسم إلى أربعة محاور، أولها يحمل عنوان الإسلام والتجارة، والذي تطرق فيه استنادا على مجموعة من الكتابات الأجنبية والمحلية على أن الإسلام لم يحرم الملكية الفردية بل دعمها وأكد عدم التساوي في الرزق بين الناس، وأن القرآن لا يمنع التجارة ما دامت في خدمة الجميع ووفق الحدود الشرعية ولا تشغل المسلمين عن واجباتهم الدينية، في يحرم التجارة المبنية على الغش أو المرتبطة بالمواد المحرمة، واشترط ابن خلدون في التاجر أن يكون جريئا مقداما، وفصل هذا المفكر الكلام عن التجارة ولم يجد فيها ما لم يتعارض مع الإسلام، وأوضح ابن خلدون المساوئ التي تلحق الرعايا بسبب مزاولة السلطان للتجارة، لأن اهتمام ولي الأمر بالتجارة يؤدي به إلى الاحتكار لأن ماله أعظم من مال التجار، واعتبر هذه الممارسات السلطانية إساءة للبلاد، وخرابا للعمران، واختلال للدولة، ثم انتقل للحديث في المحور الثاني من هذا الفصل عن احتكار المخزن للتجارة الخارجية ومسألة التجاوز، إذ قال ''عرفت أوربا خلال  العصر الحديث ازدهارا متفاوت الأهمية جغرافيا: ...ظهرت في اسبانيا خلال القرن السادس عشر فئة تجارية فيها التاجر البنكي، والتاجر المشارك والتاجر في الدكان... وطاف ملاحو انجلترا العالم، وشجعت السلطة تأسيس الشركات التجارية ( شركة الهند الشرقية 1600/ والشركة البربرية 1585)، وتبنت هولندا بعد استقلالها موقف انجلترا، واعتمدت سياسة خلق الشركات، ثم تساءل عن الحالة التجارية في المغرب؟ وعن نتائج سياسة الاحتكار التي نهجها الأشراف في قطاع التجارة الخارجية؟ فحسب القبلي فإن احتكار المخزن للتجارة الخارجية كان نتيجة تحريم الفقهاء التجارة في الدار الحرب، فتحملت الدولة دور الوسيط بين أوربا وبلاد السودان، أما عبد الله العروي فلقد حمل مسؤولية ذلك للأندلسيين الذي أتوا إلى المغرب واكتفوا بمنافسة التجار والصناع المحلين، دون الاهتمام بالتجارة الخارجية وخلق طبقة تجارية. وحاول في المحور الثالث من هذا الفصل والذي يحمل عنوان التجار الأجانب أهل الذمة والمخزن، أن يبرز بأن المخزن المغربي لم يكن يتردد في استخدام الأجانب لتسهيل المعاملات والصفقات، وأنه اهتم باستيراد الأسلحة التي ازداد حجمها حتى أصبحت تشكل خلال العصر الحديث أسس استيراد الدولة، بينما كان الأشراف يسوقون قصب السكر وملح البارود في عهد السعديين، والجلد والصوف فيما يخص العلويين، وكان هذا الاحتكار مبنيا على خدمة التجار الأجانب، مما زاد من تقويت نفوذهم داخل المغرب، كما اعتمد السلاطين أيضا على أهل الذمة كوسطاء بينهم وبين التجار الأجانب، حيث اشتهرت عائلات يهودية كثيرة بهده الأدوار كما هو الشأن بالنسبة لعائلة بلاش التي ارتبطت بالمخزن السعدي لمدة طويلة حتى صارت مطلعة على أسراره، وأصبحوا يتصرفون بكل حرية في أمور المغرب ويتخذون القرارات ويعرقلون مصالح البلاد. أما في المحور الرابع والأخير من هذا الفصل فيحمل عنوان الضجة حول الإسلاميين وأبعادها، والذي أشار فيه إلى أن السلاطين  أقصوا التجار المغاربة من المساهمة والمشاركة في المبدلات مع العالم الخارجي، ومن ثم حرمهم من اكتساب الخبرة والانفتاح، ودفعوهم إلى عدم الاهتمام بمحولاتهم الإصلاحية، عكس أوربا التي تركت المبادرة في يد الأشخاص والشركات وكانت الدولة مجرد حام وحارس لمصالح الفئات وتطلعاتها، في حين ظلت التجارة في المغرب جامدة وإذا ازدهرت فإنها حققت ذلك بفضل ارتباطها بالأجانب الذين سعوا دائما إلى حماية مصالحهم التي كانت لا تنفصل عن مصالح بلدانهم، مما جعل المغرب عرضة للتهديد، وكلما أردوا المقاومة لجاءوا إلى إلى ذلك سياسيا أو عسكرا في حين لم يهتموا بالمقاومة العسكرية، مما جعل السلاطين عرضة لهذا الضغوط التي كانت تحد من تحركاتهم، لأنهم عملوا على تغييب القاعدة الاجتماعية التي لم تكتسب الخبرة وبالتالي لم تكن مؤهلة لإدراك الواقع الذي كانت تعيش فيه.
وفي الفصل الثالث من هذا القسم الذي اتخذ عنوان الدبلوماسية المغربية خلال العصر الحديث، أداة نمو أم مؤشر تجاوز، ذكر بأن حيوية أوربا ارتبطت بميلاد الدولة الحديثة المتخذة للمبادرة والمستعينة في تنفيذها للمشاريع بأدوات ومؤسسات هادفة، فشكلت الدبلوماسية العنصر الأساسي والفعال في محاولات أوربا اكتساح العالم، ثم تساءل هل كان للمغرب آلة دبلوماسية فعالة استخدمها السلاطين في علاقتهم بأوربا؟ وهو ما حاول الإجابة عنه في هذا الفصل الذي ينقسم إلى خمسة محاور يحمل أولها عنوان قراءة في المصطلحات، والذي أشار فيه إلى المراسلات الرسمية للسلاطين تزخر بالمصطلحات التي تحيل على السفارة، مثل السفير والتي تعني في الرسول المصلح بين القوم، والسفراء نوعان: سفراء فوق العادة وهم الذين يكلفون بمهمة محدودة في الزمن، ثم هناك سفراء عاديون وهم الذين تكون إقامتهم في البلدان التي يعينون فيها لمدة طويلة. واستعمل السلاطين أيضا كلمة قونصو عند كلامهم عن ممثلي البلدان الأجنبية بالمغرب، وعرفه ابن زيدان بأنه موظف تعينه إحدى الدول في البلاد الأجنبية ولاسيما في الثغور.كما أشار إلى أن السلاطين تعودوا على كلمة مبعوث السلطان، لأنهم اعتادوا على تعين خدامهم وتكليفهم للقيام بمهام محدودة لدى الملوك الأجانب، كما أقحم السلاطين في مراسلاتهم الكثير من المصطلحات الدخيلة كالبشادور والقونصو. وعالج في المحور الثاني من هذا الفصل العلاقات السياسية في الإسلام، إذ قال ''ينبثق المبدأ المنظم للعلاقات الدولية في الإسلام من منطق وتفكير القانون الإسلامي المرتبط بالقرآن والسنة،... وانطلاقا من هذا بني المسلمين علاقاتهم مع الأخر لا على معطيات اجتماعية أو اقتصادية، وإنما على مواقف الفرد والجماعة وسلوكياتهم اتجاه الله''، وأشار إلى أن الدبلوماسية الإسلامية لجأت إلى تقسم العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب، وفي المحور الثالث من هذا الفصل فيحمل عنوان الدبلوماسية أداة نمو في أوربا، تطرق إلى أن الدبلوماسية في أوربا لا تنفصل عن تزايد الاهتمام بالقانون الدولي العالم خلال القرن السادس العشر، حيث اعتمدت أوربا على الآلة الدبلوماسية للتوغل داخل العلوم الأخرى، كان البشادور أداة إدراك ذهنية النخبة الحاكمة في هذه العوالم بحكم احتكاكهم بها وخدمتهم لها، وصارت أوربا لا تستطيع الاستغناء عن خدمات دبلوماسيها لأن مصالحها التجارية قد تتوقف، ولكي يوضح أكثر أهمية الفاعلين الدبلوماسيين قدم نموذجين، أولهما وهو السفير المقيم بالمغرب ويبستير بلونط الهولندي الأصل ويعتبر من أهم الدبلوماسيين الذي تعامل معهم المغرب، حيث مثل بلده وبلدان أخرى فيما بين 1773و 1810، أدى خلالها أدوارا أساسية في توطيد علاقات الأقاليم المتحدة في المغرب، وفي مقابل الخدمات التي كان يقدها للسلاطين استطاع أن يكسب حظوة فصار يتاجر في الثغور المغربية بكل حرية بل وبحماية من المخزن، كما حقق هذا القونصو انجازات كثيرة لصالح التجار الأوربيين، كما نجح في في تقريب المغرب من هولندا وهو ما تؤكده معاهدة الصلح بين البلدين في سنة 1777. ثم انتقل إلى النموذج الثاني وهو السفير المفاوض كنسبرجن الذي جاء على رأس وفد هولندي من أجل تجديد معاهدة الصلح التي وقعها المغرب مع الأقاليم المتحدة في سنة 1752، وأظهر هذا المفوض مهارته الدبلوماسية عندما وصل للمغرب وبدأ يهيئ الجو للمفاوضات. أما المحور الرابع من هذا الفصل فيأخذ عنوان الدبلوماسية المغربية وخصائصها الأساسية، تطرق فيه إلى أن الكتابات المغربية قلما اهتمت بالدبلوماسية، باستثناء محاولات عبد الرحمن بن زيدان الذي أولى أهمية للموضوع وخصص له قسطا وفيرا من مؤلفاته، هدف من خلالها الرد على الذين شككوا في وجود الدولة المغربية، وقد رأى في تهافت الدول الأجنبية على المغرب مؤشرا ورمزا لمجد وعزة المغرب. لكن المولى عبد الحفيظ ذهب عكس ذلك في كتابه داء العطب قديم، لكونه تناول أسباب اضمحلال المغرب من زاوية علاقاته بالعالم الخارجي، وبين مولاي عبد الحفيظ أن السلاطين كانوا هم المنشطين الأساسيين للدبلوماسية، وأنهم كانوا يستعينون في تحريكها بخدام لهم يبعثونهم إلى البلدان التي يريدون الاتصال بها، وهنا تساءل عبد المجيد القدوري عما إذ كان لهؤلاء المبعوثين تكوين يؤهلهم للقيام بمهام السفارة؟  فخلص إلى أن المغرب لم تكن له آلة دبلوماسية هادفة  إلى تحقيق مصالح متداخلة اقتصاديا وسياسيا ومعتمدة على فاعلين سياسيين لهم تكوين خاص وإطار معين يتحركون فيه من أجل الدفاع عن مصالح المغرب ومنافعه، بل كانت دبلوماسية مندرجة في منطق السخرة المخزنية، وعلى عكس من هذا كانت اهتمت بلدان أوربا باستعمال الإطار القانوني لمحاصرة العناصر التي تعارض مصالحها، ولذلك لجأت إلى فرض أسلوب المعاهدات والمهادنة مع العوالم الأخرى، بما في ذلك المغرب خلال العصر الحديث.
وفي المحور الخامس والأخير من هذا الفصل تحدث عن المهادنة والمعاهدة أو الإطار القانوني للتجاوز الأوربي، حيث ذكر بأن المغرب عقد عدد كبير من المعاهدات مع العالم الأوربي خلال العصر الحديث، وأشار إلى أن المغاربة لم يكونوا يولون أهمية لمضمون بنود المعاهدة، وكانوا يوقعونها من أجل الحصول على هدايا وفوائد مادية، كما اهتم السلاطين بالمعاهدات من أجل الحصول على العدة الأسلحة التي كانت تستخدم أساسا في الداخل ضد تمردات القبائل، كما أن السلاطين لم يهتموا بتعلم اللغات عكس الدول الأوربية التي اهتمت بتدريس اللغة العربية لأنها كانت لغة التجارة، فتعود الأوربيون تحرير المعاهدات بلغتهم على أساس أن يترجموا بنودها إلى العربية، فكان هذا المؤشر من المؤشرات التي تبين تجاوز أوربا للمغرب خلال العصر الحديث، وأعطى مجموعة من النماذج لهذه المعاهدات الغير المتكافئة التي عقدها المغرب مع الدول الأوربية، فخلص إلى أن معظم الشروط المتفق عليها في هذه الأوفاق تنص على ضمان حماية مصالح التجار الأجانب، كما توضح هذه المعاهدات مع بلدان أوربا  التفاوت الحاصل بين الطرفين، وبقدر ما اتسعت هوة التجاوز كانت أوربا تحتكر المبادرة لمحاصرة المغرب.
والفصل الرابع من هذا القسم يأخذ عنوان المغاربة والبحر السواحل والمناطق الداخلية: تكملة أم تجاهل وتعارض، وينقسم إلى أربعة محاور يحمل أولها عنوان ملاحظات عامة، والذي بين فيه بأن تاريخ علاقات المغاربة بالبحر لم يحظ باهتمام الباحثين، رغم توفر البلاد على ثلاثة ألف كلم من السواحل، وفي نفس الوقت أشار إلى أن الاقتصاد البحري شكل المحرك الأساسي للنمو في أوربا، وأن الدول الأوربية اهتمت بالقطاع البحري بشقيه البحرية العسكرية والبحرية التجارية، وذكر بأن  الدراسات الأوربية واهتمت في تنولها للبحر بتحالف الملكية مع الطبقة التجارية، ومن جهة أخرى وتحالف الأشرعة مع المدافع، فالحروب تطلبت الفعالية والسرعة في الإنجاز، في حين أولت التجارة أهمية كبرى للموصلات البحرية، وتساءل في نهاية هذا المحور عما إذا كان المغاربة ولوا ظهرهم للبحر؟ وعن الأسباب التي حالت دون اهتمامهم بالبحر؟ وهو ما حاول الإجابة عنه في المحور الثاني من هذا الفصل المعنوان بالمغاربة والبحر: مواقف وذهنيات، والذي بين فيه استغراب الأجانب من عدم اهتمام الأسطوغرافيا المغربية بالبحر، ولهذا اندفعوا لملء هذا الفراغ، وتم انجاز العديد من الدراسات حول الموضوع توصلوا من خلالها إلى أن الإنسان المغربي ربط البحر بالهول والهلاك، واستعملوا كلمة البحر بمعنى المكر واليأس من الحياة، ولعلى هذا ما دفع المقري يقول ''إن من ركب البحر عليه أن يعتبر نفسه ضائعا''، كما شبه بعض المتصوفة البحر بالجيش الفتاك، وهنا خلص عبد المجيد القدوري إلى أن معرفة المغاربة بأمور البحر ظلت محدودة، وأن خوف العلماء من ركوب البحر وتجاربهم فيه هي التي جعلتهم يصدرون في حقه الأوصاف المفزعة، وبالتالي كان خوف الفقهاء خوفا سلبيا، عكس الخوف من البحر في أوربا الذي كان موجودا إلا أنه كان إيجابيا، حيث ركب التاجر والدبلوماسي والمغامر والمبشر البحر، وكان كل واحد منهم يبحث عن ضالته، فكان البحر باب الخلاص ورمز الحرية للفرد والجماعة في أوربا، ثم انتقل للحديث عن الاهتمام الرسمي بالبحرية، والذي ذكر فيه بأن وصول طارق بن زياد إلى الأندلس شكل منعطفا أساسيا في تاريخ البحرية المغربية، وأن المغاربة إلى الأندلس كان يجسد التفوق الإسلامي في البحر المتوسط، رغم سكوت المصادر العربية عن ذلك، وذكر بأن اهتمام المسلمين بالبحر أمر حاصل أيام عظيمتهم، فأشار إلى أن الأسطول المرابطي كان مكونا من حوالي مائة قطعة حربية، وأن الأسطول الموحدي كان مكونا من حوالي أربعة مائة، وكانت مدينة سبة من أقدم مراكز صناعة السفن بالمغرب، غير أنه في العصر الحديث أصبحت الغالبة لصالح الأوربيين، بالرغم من محاولة السعديين إعادة بناء أسطول مغربي، فإن عملهم بقي محدودا، فازدهت القرصنة خلال النصف الأول من القرن السابع عشر بسبب التشتت السياسي الذي كان يعيشه المغرب بعد وفاة المنصور، إلا أنه مع مجيء الدولة العلوية تراجعت هذه القرصنة، إذ حاول المولى اسماعيل توظيف هذا النشاط وتسخيره للضغط على الدول الأوربية حتى تبيع له الأسلحة والعدة، ومن جهة أخرى عمل السلطان على بناء القلاع وتحصينها على طول السواحل المغربية، كما قام بإصلاح الموانئ، لكن رغم ذلك فإن هذه المحاولات ضلت محدودة، عكس ما حصل على عهد حفيده محمد بن عبد الله، الذي تميزت سياسيته بالانفتاح والاعتماد على التجارة الخارجية، ولهذا عمد إلى تقنين القرصنة، واستبدالها بأسطول تجاري. وخلص في نهاية هذا المحور إلى أن الإرادة الرسمية لخلق الأسطول أمر مفروغ منه، خاصة عند سيدي محمد بن عبد الله. وفي المحور الرابع والأخير من هذا الفصل والذي يحمل عنوان السواحل المغربية والمناطق الداخلية: تكامل أم تعارض؟ تعرض إلى أن البلدان التي اكتسبت مهارة في كبيرة في أمور البحر هي بلدان صغير المساحة كالبرتغال وهولندا وانجلترا وإيطاليا، وربطت مصيرها بأمور البحر، واعتبره مجالا حيويا لمعاش سكانها، لأنها كانت مرغمة على مواجهة البحر، فاستطاعت أن تكتسب خبرة ومهارة في أموره، لأن الحياة السكانية اليومية كانت مرتبطة بالبحر، وهنا تساءل عما إن كان للقارية دور في عدم اهتمام المغرب بالبحر؟ فذكر بأن للمغرب سواحل تمتد على مساحة تقدر بثلاثة ألف كلمتر، وله كذلك عمق قاري مهم، وكان المغرب صلة وصل بين السودان وأوربا، حيث هيمن على الطرق الصحراوية، وكانت القافلة هي الوسيلة الأساسية للنقل والتنقل عبر هذه الطرق، فاستطاع المغاربة أن يكسبوا خبرة ومهارات في الأسفار البرية التي كانت مندمجة في التجارة الصحراوية، وأشار إلى أهم التغيرات السياسية التي عرفها المغرب انطلقت بمحاذاة الطرق الصحراوية، في حين أن السواحل المغربية كانت أساس التدخل الأجنبي، مما أدى إلى اختناق اقتصاد المغرب، كما سعت الدول الأوربية إلى ضرب السفن المغربية فصار الأسطول المغربي لا يستطيع مغادرة هذه الموانئ خوفا من الأساطيل الحربية الأوربية. مما إلى ابتعاد المغاربة عن سواحلهم، فركزوا على الأرض وغيبوا البحر من حياتهم اليومية.
وفي الفصل الخامس والأخير من هذا القسم والمعنون بالنظام التعليمي في المغرب خلال العصر الحديث ومسألة التجاوز، والذي ينقسم إلى ثلاث محاور يأخذ أولها عنوان واقع جديد: بناء جديد: مشروع جديد: الإنسان الكامل، والذي تطرق فيه إلى أن أوربا عرفت منذ القرن الثالث عشر قفزة نوعية أثرت في الحياة اليومية، حيث ركزت الحركة الفكرية على إبراز قدرات الإنسان الهائلة، واستبدلت مبادئ التربية المسيحية بمبادئ وقيم تربوية جديدة، وانطلق النظام التربوي الجديد من إيطاليا لتستجب لحاجيات مدن الدويلات، فركزت جنوة على تكوين رجال الأعمال والبحارة، وفي هذا الجو المتفتح برز دعاة التربية الجديدة في أوربا، وأولى رجال النهضة مكانة خاصة لدراسة أسرار الطبيعة، وتم التأكيد على التركيز على الملاحظة واعتماد التجربة ضرورية والعمل في الأوراش والمصانع لأنها تساير التحولات والطموحات التي  كانت تحرك أوربا. وفي المحو الثاني من هذا الفصل والمعنون بعصر الأنوار ومشروع المواطنة في التربية، تطرق إلى أوربا عرفت خلال القرن الثامن عشر ثورة صناعية، جعلت الإنسان الأوربي متعطشا إلى المعرفة المبنية على التجربة والعقل والنقد، فكان القرن الثامن عشر قرن العلوم الطبيعية، وساهم تقدم هذه العلوم في تحسين وسائل العيش مما جعل برويدل يقول ''لقد استطاعت الحياة أن تنتصر على الممات''، وبفضل هذه التحولات عرف المجال التربوي قفزة نوعية، واعتبر كتاب إيمايل لروسو ثورة تربوية، لأن جعل الطفل مركزا لكل عملية تربوية، وأنه بفضل الحرية يستطيع الطفل تجاوز استبداد العادات والتقاليد، وهكذا انتشرت أفكار روسو بسرعة في أوربا وألهمت نظرياته في التربية كل المهتمين بالتعليم في الثورة الفرنسية. وهنا تساءل عما إذا كانت هناك علاقة بين النظريات التعليمة في المغرب وبالظروف التي نشأت فيها؟ ثم انتقل للحديث عن منطق النظام التعليمي في المغرب قبل الحماية، حيث أشار إلى أنه بالرغم من الاهتمام الذي أولاه الفقيه اليوسي للعلم والتعلم، وتأليفه العديد من الكتب في الموضوع كان أهمها كتاب القانون،  الذي خصص بابه الأول للتعريف بالعلم وذكر أصنافه، وتناول في الباب الثاني العالم وكل المعطيات المرتبط به في خصص الباب الأخير من الكتاب إلى المتعلم. فبالرغم من ذلك فإن العملية التربوية عند اليوسي لا تخرج عن إرادة الإحاطة بكل ما يتعلق بالشرع، لأنه قدم العلم من زاوية الموعظة والاتعاظ، ومن ثم يبقى كتاب القانون كتابا نظريا بالأساس مرتبط بالفئة المثقفة شأنه شأن باقي المؤلفات الإسلامية التي اهتمت بالعلم والتعلم، ثم تساءل عن حالة كتاب محمد بن عبد الله التربوية؟ فذكر فإن هذا الأخير ألف كتاب ''المنال بما يتأكد على المعلمين تعليمه للصبيان'' من أجل التقرب إلى الله وجريا من أجل المصالحة، وأشار السلطان كذلك إلى أهمية التعليم لأنه يهذب الاستقامة ويدعمها داخل المجتمع، فكان هذا السلطان قد تناول العملية التربوية داخل المنطق الموروث وأنه لم يحاول أن يدخل عناصر بيداغوجية جديدة، وإنما حارب المواد التي تساعد على الفهم والنقد بالرغم من تبنيه سياسة الانفتاح، وخلص في النهاية إلى أن التعلم العلم العملي كان أساس العمليات البيداغوجية في أوربا عكس المغرب الذي بقي مرتبطا بالذهنية الشرعية، وأنه لم يعرف ظهور مشاريع تربوية عميقة.
5.    خاتمة الكتاب.
 وفي خاتمة هذا الكتاب خلص عبد لمجيد القدور إلى أنه بالرغم من قرب المغرب من أوربا فإن التأثير بقي محدودا مقارنة مع تأثير وضغط التقاليد التي كانت سائدة، واعتبر سنة احتلال سبة بداية الاندفاع والمد الأوربي والانكماش والتراجع المغربي، وكانت المحاولات التحديثية التي عرفها المغرب محاولات انعدمت فيها الاستمرارية والتراكم لأنها كانت رسمية ومرتبطة بأصحابها فما يكاد يغيب صاحب المشروع حتى تضيع الفكرة، هذا علاوة على الأزمات المتكررة التي تلقها المغرب، أدت منع أي تراكم، وإلى تشبث العامة بالذهنية الخرافية والإيمان بالغيب، في الوقت الذي اهتمت فيه المجتمعات الأوربية بالعقل العملي من أجل معرفة الطبيعة والسيطرة عليها، وقامت فيها الأنظمة التعليمية بأدوار هامة لأن العملية التربوية كانت مبنية على دراسة وإدراك الواقع وتؤمن بأهمية التجربة، عكس النظام التعليمي بالمغرب الذي ظل مبنيا على الحفظ والتكرار والاختصار رافضا لكل إبداع خلاق ولكل نقد بناء فبقيت التقاليد راسخة لأن القاعدة الاقتصادية والاجتماعية ظلت جامدة.