الحذاء ـ ق.ق.ج : محمد نجيب بوجناح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

نطّ الحذاء خارج علبة الكرتون وطار عاريا ثمّ حطّ على أنبوبِ هواء.
توقّفت مكَنة التّعليب ومن بعدِها باقي مكنات خطّ الإنتاج، وتجمّع بعض العمّال يدردشون دهشتهم:
- رأيتُ الحذاء يطير كأنّ له أجنحة
- ماذا فعلتِ للحذاء يا آمنة
وكانتْ آمنة متسمّرة أمام المكنة شاحبةً.
حذاء أحمر، لمّاع، من الجلد الرّفيع، تواترت على نحته عشراتُ الأيادي الرقيقة والمكنات الدّقيقة. ليّنته حرارة البخار وسوّاه الهواء المضغوط وضبطت حواشيه السّوائل المبرّدة، وبعد أسابيع سيعرض في واجهات أرقى المحلاّت الأوروبية بأربع أو خمس مائة يورو.


مئات الأحذية تمرّ أمام آمنة كل يوم، فتتأكّد من سلامتها بعينيها الصّغيرتين، وتضع علامة تثبت ذلك في خانة على العلبة. لكنّ ذلك الحذاء سلب لبّها، فشهقت، وطار الحذاء.
لحِق سي أحمد، رئيس العمّال، بالحشد المتجمّع حول المكنة مزمجرا، فالحاويات تنتظر في باحة المصنع لتأخذ الأحذية إلى الضّفة الأخرى من المتوسّط. وكلّ تأخير تفوت خطاياه الملايين.تسلّق سلّما وحاول المسك بالحذاء، لكن الحذاء الملعون قفز وترنّح على ماسورة بعيدة.
عند ذلك تقدّمت أمنة من سي أحمد وناولته سلسلة ذهبية كانت تزيّن بها صدرها وقالت له متأسّفة: لن ينزل يا سي أحمد...حْلا في عيني.
وضع سي أحمد السّلسلة جانبا وشغّل المكنة، ثمّ مضى يردّد كلمات غير مفهومة.
وعادت آمنة تضع علامات الجودة في الخانات الصْغيرة، يراقبها الحذاء الأحمر من بعيد.