أغَانِي قِرْغِيزيَا ـ شعر : عبد الرحيم دوْدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

كانتْ تمشي أمامي
بهدوءٍ مارقٍ
بتراقصٍ متمايعٍ،
 يهيجُ سُعار الكلماتِ الراقدة
تشدو بأغنيةٍ قِرْغِيزيَّة مدبّجةٍ:
" ارحل يا رحيلُ
يا مرتحلُ، ارحلْ
واتركْ أجراس شهوتنا
 تغرقُ في صمتها الأبدي،
هذه جبالي، بيضاء
كيدِ ملاكٍ بعيدٍ...

هذه بحاري، حمراءٌ
كعيونِ شيطانٍ عربيدٍ...
هذه بحار أجدادي،
فارحل يا غريبُ،
 واترك ألواحنا خالية
من سمقِ الرهبانِ،
 عارية من نواحِ
الغربان..."
ثم انسابت بين المروجِ الظليلةِ
قطرةَ مطرٍ بلوريّةٍ في قصيدة رعويّةٍ
وحياً مثخناً بجراح المعنى.
كانت تمشي ورائي
ظلاً بلا ظلٍّ؛
غبارَ طلعٍ،
وجهاً متناثر الحروفِ،
مندلق الطيوفِ،
 تفقدتُ روائحها
تعطلتْ ذاكرتِي
فانفجرت قلائدي،
تهاوت بلادي البعيدة
صوراً من تهاويم هلاميّة،
كنتُ طائرَ دوريٍّ ثقب سهمٌ
فضيٌّ قلبهُ المغدور،
وأطلَّ من صدرهِ مغتبطاً...
صرختُ بصوتٍ أجش
نخرهُ دود المقابرِ المهجورة.
صرختُ حائراً،
بدمعٍ سخينٍ، حارٍ، فياضٍ:
أيّها الغيابُ، خذني إليكَ،
 خذني معكَ
خذني إلى منفايَ القصيِّ،
إلى وحشتي، معصيتي، جنوني
خذني إلى ابتهالاتي
وحيداً بلا ظلٍ يطاردني،
 بلا قافيةٍ
تقيد حليبَ النثر في جسدي،
خذني إليكَ،
كما أنا، كما أنا
 وحيداً،
 بعيداً،
 بريداً
بلا عنوانٍ
كما أنا، كما كنت؛
 سعيداً،
عريبداً،
 شريداً، 
كضبيٍّ تائهٍ
 نسيَ بَرَارِيهِ
 نسيَ رقصةَ الحلم الهزيلِ،
نسيَ حلمةَ بحرهِ الأولِ،
كسنجاب ينقي جوزةً سماويّة
من قشور الأوهامِ،
من بقايا الأنغامِ في حمأة الاندغام...
خذني إلى سوادِ الليل المنتحب
الشاهقِ،
المرهقِ بحمل مسوحِ الظلالِ،
الناعقِ،
المختفقِ بالزهر الدامعِ السيّال،
خُذْنِي إلى وردةٍ
في نهارٍ مسروقٍ
في نورٍ مهروقٍ
 يتكفنُ في نفسهِ
خذني إليّ
عمّدني في آنايَّةٍ نُحَاسِيّةٍ
قُرْبَ كنائس حكاياتِ
 الغجرياتِ الجميلات،
لا تتركهنّ يسترقن النظر إليّ
كنْ جداراً
 كاملَ الانتصاب، متماسكاً
كجبلٍ ينطح سحبَ الأريافِ،
قويّاً كالفولاذ...
كن إعصاراً
 هائجاً في عصور التوحُّشِ العِارِي..
أبديةً مظلمةً
 تخطو بتثاقلٍ موجعٍ،
آزليةً غافيةً
على سنمةِ جملٍ طعينٍ،
زمنيَّةً متناسجةَ الأقدارِ،
كنْ هكذا،
كنْ هكذا،
كنْ هكذا.
واحْمِنِي من نبضةِ عشقٍ
قد يشتعلُ في غاباتِي العذراء،
 في صَحَارَى روحِي العطْشى،
قد يحرقُ أوراقي المتقصفةَ
احملني إليكَ خفيفاً
كهديلِ يمامةٍ،
كهروب غمامة،
في مَدَاراتِ اللازورد
كصراط قيامةٍ
حين تهزهُ تراتيلُ التجرُّد
وتذروه الرياحُ البليلةُ
بماءِ التلاشي
بماءِ التلاشي
بماء التلاشي...

تعليقات (1)

This comment was minimized by the moderator on the site

جميل جدا

ضحى قنفوح
لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟