الحقيقة والسلطة - عبد السلام دخان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسإن هدف الفلسفة هو التوضيح المنطقي للفكر، واذا كان العمل الفلسفي يتكون أساسا من توضيحات فسيكون من الحتمي علينا وبدون شك أن نتفلسف وهذه المسالة تفترض علينا أن نكون واضحين ويقظين."جاك دريدا
شكلت إشكالية الحقيقة محورا رئيسيا داخل كل الفلسفات إذ عدت حجر الزاوية داخل نظرية المعرفة، يتضح ذلك من خلال تاريخ الفلسفة الذي يشير إلي مجموعة من الفلاسفة بدءا من بارميندس الذي تكلم عن دروب الحقيقة وطريق الظن مرورا بسقراط، أفلاطون، أرسطو وصولا إلي ديكارت مؤسس الفلسفة الحديثة ورائد النظرية العقلانية في المعرفة.ينشا عن هذا الكلام القول أن الحقيقة ظلت ومازالت هدف الفلاسفة، مادامت الفلسفة نفسها هي السعي الدائم وراءها وإذا كانت الحقيقة تعرف بأنها ما يجب وما يمكن للعقل أن يتفق عليه فإننا نجد جميع الأنساق الفلسفية تدعي الوصول إلي الحقيقة لكنها تختلف من نسق لآخر، وبالتالي نصل إلي إشكال مطروح:هل هناك حقيقة واحد ة أم هناك حقائق متعددة؟
لعل التعريف الكلاسيكي للحقيقة-هي مطابقة الفكر لموضوعه- يجعلنا نرجع إلي اجترار كل ما سبق أن عرفناه عن الفلسفة وبالتالي سنجد أنفسنا في طوق من الصعب بما كان الخروج منه.فما هي طبيعة التحولات التي عرفها مفهوم الحقيقة؟وما السلطة؟
وماهي علاقة الحقيقة بالسلطة؟بداية لابد من الإشارة إلي لحظة ديكارت الذي بدأ من الرياضيات وأقام مذهبا مختلفا انتقد فيه الارسطية المتأخرة التي تري أن اصل المعرفة هي الحواس، وقد عمل ديكارت علي مواجهتها بالنقد الصارم والمتمثل في الشك المنهجي.
غالبا ما يتم القول إن المعرفة مستمدة من الحواس، لكن هذه الأخيرة تخدعنا في كثير من الأحيان، وتبعدنا عن قول الحقيقة"ومن عدم الحكمة أن نتق فيمن يخدعنا مرة" ويبرهن ديكارت علي هذا الخداع من خلال الحلم.وهذا يوجب علينا أن نشك في وجود ما يقوم عليه الإدراك الحسي والمتمثل في العالم المحسوس،ومن جهة أخري تواجهنا قضايا الرياضيات اليقينية التي تدفعنا لأول وهلة إلي عدم الشك فيها، لكن هناك ما يدعونا إلي الشك في صدقها من خلال افتراض "شيطان ماكر" من القوة بحيث يستطيع خداعنا وإيهامنا بكذب ما هو صادق أو بصدق ما هو كاذب،هنا يصل الشك الديكارتي إلي حدوده القصوي،فمن رفض وجود عالم وعدم يقينية الرياضيات إلي القول بعدم الشك في وجود الذات التي تشك،وبالتالي فالذات التي تشك وبالتالي فان الذات المفكرة موجودة وهو ما عبر عنه بقوله:<وspan><وstrong>



"ا أنا أفكر إذن أنا موجود".ولقد شكلت هذه الحقيقة التي توصل إليها ديكارت اللبنة الأولي التي سيبرهن من خلالها علي وجود النفس كجوهر ووجود الجسم كامتداد وحينما اكتشف ديكارت الكوجيتو اكتشف معه معيار الصدق واليقين والمتمثل في الوضوح والتميز.معتمدا علي منهج واضح المعالم مكنه من تجنب الخطأ وبالتالي الوصول إلي الحقيقة المتوخاة.ولقد كان ديكارت بصدد الانتقال من الجانب الانطلوجي-وجود العالم، وجود الذات-الي جانب الابستمولوجي والمتمثل في البحث عن معيار الصدق والمنهج الواجب إتباعه، يتضح هذا بجلاء عبر تتبع المسار الفكري الديكارتي فمن تأملات ميتافيزيقية إلي قواعد لتوجيه العقل، وخطاب في المنهج.-لحظة هيجل: مع هيجل نصل إلي ذروة الفلسفة العقلانية، ليس فقط لأنه يشكل حصنا منيعا داخل الفلسفة الغربية، بل لصعوبة أفكاره التي انصهرت فيها العقلانية سواء في وجهها اليوناني أم الديكارتي، تم التصوف واللاهوت المسيحي، أي ميراث الفلسفة المسيحية والمتمثل في طوماكوين واغوسطين.إن هيجل دائم التأكيد علي كون الحقيقة ليست فقط عملة فرغ صكها وصارت علي استعداد للصرف وللقبض عما هي عليه، مثلما يؤكد علي أن الكذب قليل الوجود قلة الشر.مصدر هاته الثقة هو القول بان الحقيقة مرتبطة دوما بالروح المطلق، وهذا المفهوم يشغل حيزا اساسيا في فلسفة هيجل، لكن المطلق يمكن أن يتخذ عدة أشكال:فالحقيقة من الناحية السياسية تتمثل في الدولة البروسية، ومن الناحية الدينية فهي تتجلي في شخصية المسيح، اما في الفلسفة فهي تتجلي في الفلسفة الهيجلية بعينها، ومع ذلك ففلسفة هيجل ليست كليا نية.
إن التجلي الأسمي للحقيقة حسب هيجل يتمثل في الحق والفن والدين، واذاكان البعض يتهكم ويسخر من الفلسفة علي أساس أنها تدعي إمكانية وضع حد للتاريخ، فسيكون من السهل جدا تبيان أن فلسفة هيجل هي فلسفة للحرية تأثرت كثيرا بالثورة الفرنسية كما أنها حاولت الجمع بين المثال الثوري للحرية المدنية مع المثال الديني الشيء الذي يجعل منها فلسفة إنسانية قائمة علي فكرة الحرية الشخصية. - لحظة نيتشه: يعتبر نيتشه مفكرا أخلاقيا قبل أن يكون ناقدا أو فيلسوفا له آراؤه في طبيعة المعرفة أو في طبيعة العالم، وفي ميدان الحقيقة والقيم أتي نيتشه بأكثر آراؤه جرأة واصالة، وفيها تعرض لأقوي الانتقادات والحملات.
ولقد كانت اغلب نصوص فريد يريك نيتشه تتمحور حول الحقيقة والوهم وهي علاقة تحيل بدورها إلي مستويات متعددة أبرزها علاقة الحياة بالحقيقة، والوهم ودور الأخلاق والسلطة في إقامة صنم الحقيقة.
الحقيقة بتعبير نيتشه تسكن قصرا من نسيج العنكبوت رفقة فيلسوف اصفر، خال من الدم كالفكر المجرد. يبحث الإنسان عن الحقيقة ببحثه عن عالم لامتنا لامتناض، لامتغير، وغير خادع، والسبيل المؤدي إليه هو وضع الأخلاق موضع الشك، وبالتالي تحطيم وهدم القيم طالما أن الحقيقة في تصور نيتشه هي مجموعة متحركة من الشعارات والمجازات والتشبيهات.الفلسفة النتشوية بأسلوبها ألشاعري تجعل من الإبداع ديناميتا لتفجير الحصن الميتافيزيقي الذي ظلت الفلسفة الغربية تحتمي داخله.الم يقل نيتشه ان الحقيقة تقتل، بل أنها تقتل نفسها في الوقت الذي تكتشف فيه أن أساسها هو الخطأ.بمعني آخر فهذا الفيلسوف يرفض القول بوجود حقيقة واحدة مطلقة، ويربطها بالوهم والخرافة وفي المقابل فان الإنسان هو الذي يضفي علي الكون ومظاهره حقائق متعددة.فهي تصبح إذن وبشكل آلي مختلفة ومتنوعة باختلاف هذا الشخص او ذاك.-لحظة هيدغر:ان الطرح الهايدغيري يضعنا في صلب إشكالية الحقيقة وذلك بتساؤلنا عن ماهية الحقيقة، لكن السؤال عن الماهية كثيرا ما يرتبط في أذهاننا بذلك الشرح البسيط:الماهية/الاساس/الجوهر.
الماهية كما جاء في كتاب نيتشه هي كيفية النشاة التي تكون بالمعني الذي يقصده نيتشه من الجينالوجيا.
" ان السؤال عن الماهية لا يوجه بصره إلي أمر واحد، وذلك هو ما يميز الحقيقة من حيث هي حقيقة" من كتاب ماهية الحقيقة لمارتن هايدغر.
إن مارتن هايدغر لا يستعمل لفظ الحقيقة، بل يستعمل الكلمة
ويترجمها بالاختفاء.<وspan><وstrong>alethei<وspan><وstrong>
. والوجود بما هو حقيقة وانكشاف/اليتيا/ يخفي أكثر مما يظهر هذا التعبير يثبت أن هناك اختلاف الوجود والموجود أي وجود اختلاف انطولوجي بين الوجود الكينونة والموجود الكائن والحقيقة تجد موقعها دوما مابين الوجود والموجود لأنه لا وجود لموجود إلا بالوجود والعكس صحيح.
أنهما لا ينصهران، بل مختلفان ومتميزان ومن ثمة فان تاريخ الوجود يبدأ بنسيان الوجود،أي أن أعلي قمة في جبل الكينونة هي قمة النسيان.لذلك يمكن القول إن عمل هايدغر كان كبيرا لأنه صنع منجزاً فريدا من نوعه بتصور تاريخ الكينونة كتاريخ ارتقاء الحقيقة.
-لحظة فوكو: إن الفكر الفوكاوي يحيلنا إلي أ أشياءنا اليومية، ويوجه أنظارنا إلي ما لم يوجه النظر إليه بعد. انه فكر الاختلافـ لا بما هو حضور أو درجة أتتنا متأخرة نسبيا، ولكن بما هو وعينا الحاد بالراهن والمحقب وبالجدة والاستراتيجية، وبما يتحمله الأفراد وتنوء به المجتمعات وقد اخترنا أن نتعامل مع أهم كتبه وبالضبط مع مفهومي الحقيقة والسلطة.ويؤكد الوثائقي الجديد أن الحقيقة ليست حرة بالطبيعة وان الخطأ ليس عبدا بالطبيعة أيضا فإنتاج الحقيقة تخترقه علاقات السلطة.
إن قول الحقيقة يتطلب أن نكون في ذات الآن ذاتا عارفة وموضوع معرفة، ولم يصبح الإنسان موضوع معرفة إلا في الابستيمية الحديثة حيث سيوجه اهتمام الإنسان إلي معرفة ذاته علي أن ما يعرف به ذاته لن يكون علوما علي الإطلاق فما سيتشكل تحت اسم الإنسان سيكون مجالا للمعرفة لا موضوعا للعلم، وهو موقف صادر عن إدراك ميشيل فوكو لصعوبات وعوائق ما يسمي علوما إنسانية. الابستيمية حفل يمكننا من مساءلة المعرفة في مختلف أوجهها المعاصرة بالارتكاز علي الخطاب.
واهتمام فوكو بهذا المفهوم ينحصر في إبراز ما يتمفصل عنه من علاقات وممارسات تسمح بإنشاء أو بناء مسارات أخري، ذلك أن الخطاب لدي فوكو يظل أسير"إرادة المعرفة"التي تضفي علي بعض الصيغ الخطابية قيمة الحقيقة، او قول الحقيقة.وعلي صيغ أخري مثل الحمق والجنون طالما أنها لا تستجيب لمكان جدي في شبكة الحقيقة المتفق عليها.
إن إرادة الحقيقة هي وحدها القادرة علي تحديد ما هو حقيقي وماهو ضمن الحقيقي، وانطلاقا من ذلك يحدد ميشيل فوكو أربعة أنماط لقول الحقيقة.
قول الحقيقة النبوية:ان شخصية الذات النبوية لكي تتأسس ينبغي أن تحقق نوعا من القطيعة مع العالم المحسوس، عالم الخطأ، عالم المصلحة والرغبة،مع كل العالم الذي يكون بالنسبة للحقيقة "الخالصة"و"الخالدة" عالم الظلمات والانتقال من عالم الظلمات إلي عالم النور، من عالم الخطأ إلي عالم الصواب،من عالم العبور والفناء إلي عالم الدوام والخلود هذا الانتقال هو الذي يؤسس الذات النبوية كذات قادرة علي قول الحقيقة وعلي رؤيتها.
إن النبي هو إنسان يقول الحقيقة وما يميز الحقيقة النبوية عن باقي أنماط الحقيقة إن النبي إنسان لايمكن تصوره خارج وضعية الوسيط، فالنبي تعريفا لا يتكلم باسمه الخاص،بل انه صوت أخر للكلام الذي يعبر عنه هو كلام الله يخاطب الناس بخطاب الهي، النبي إذن وسيط بين الله والناس،النبي أيضا وسيط بالمعني التالي:انه وسيط بين ألحاضر والمستقبل فهو يكشف ما خبأه الزمان عن الناس، وسيط كذلك باعتباره يكشف ويعري ويوضح ما خفي عن الناس ،لكنه لا يقول الحقيقة في تمام وضوحها لأنه تبقي دائما ضرورة التساؤل حول ما قاله.هل فهمنا كلامه فعلا؟
يكون النبي هنا وسيطا بين الوضوح والكشف،الغموض والسر.
قول الحقيقة الفلسفية:الفيلسوف يختلف جوهريا عن النبي.الفيلسوف لا يتكلم باسم غيره،بل يتكلم باسمه هو، ليعلن ما ينبغي أن يكون، ولكنه يفسر ماهو كائن بالفعل.ان الفلسفة منذ أفلاطون تهتم بتفسير وفهم ماهو موجود، واشكالياتها تتعلق بطريقة فهم ماهو موجود، كما يجب ان يفهم.
قول الحقيقة السياسية: السياسي لا يتكلم باسمه، بل باسم المدينة وهو يختلف عن الفيلسوف لأنه لا يكتفي بتفسير ماهو كائن،ليقول ما ينبغي ان يكون.
قول الحقيقة التعليمية:يظهر الأستاذ كشخص يقول الحقيقة، هذا الشخص قد يكون فيلسوفا محترفا او حرفيا أو صانعا أو موسيقيا أو رياضيا يملك معارف وأفكاراً مرتبطة بممارسات وتمارين أعطته القدرة علي أن يعلمها للآخرين.
الحقيقة وفق هذا المعني تجد دوما قائلها، لكن كيف تتشكل الذات وتصبح قادرة علي قول الحقيقة؟ لم يكن ينبغي انتظار الكنيسة كمؤسسة لكي تظهر الذات بوصفها ذاتا تعترف بالحقيقة للقس، او انتظار مؤسسة التحليل النفسي كي تظهر الذات كذات قائلة للحقيقة عن المعاناة والمشاكل النفسية، او انتظار المؤسسة الطبيعية لقول الحقيقة عن الجسد والصحة والمرض.
قول الحقيقة قد يكون أمام الأستاذ، أمام شخص عادي، أو لصديق قد يكون للأب أو الزوجة، أو قد يكون لشخص، أو امرأة عبر شبكة الانترنيت.او في برنامج تلفازي، لكن هذا القول يتطلب نوعا من الشجاعة والقدرة لما تثيره معرفة الحقيقة من نتائج وخيمة علي القائل قد تؤدي إلي الموت كما حدث لسقراط.
إن قول الحقيقة للمعشوق أو المحبوب قد يؤدي إلي العصف بالعلاقة، وقول الحقيقة للحاكم قد يؤدي إلي السجن أو الإعدام، وقول الحقيقة للطبيب قد يؤدي إلي مالا تحمد عقباه.
والفكر الفوكاوي لم يتعامل مع مفهوم الحقيقة بمعزل عن المفاهيم، بل تحدث عنها من داخل شبكة مفاهيمية يصعب حل إحداها بمعزل عن الأخري.ذلك أن الرغبة في الحقيقة هي مفتاح العلاقات الداخلية القائمة بنظر فوكو بين المعرفة والسلطة.
مـــــــــا الســـــــــــلـطة؟ لقد حصر القدماء السلطة في الحاكم أو القائد أو المؤسسة وتجاهلوا أبعادها العديدة وأشكالها المتنوعة ومستوياتها التي لا تعد ولا تحصي، فالسلطة بمفهومها الحديث ابعد بكثير من رجال السلطة وإرادة الحاكم والعائلة المالكة.
السلطة لا تظهر للعيان لأنها خفية، ولاتحتل موقعا بعينه، ليس لها نقطة ثابتة تتموقع فيها وتعتبر منبعها، إنها لا تتمثل فقط في الأشكال القادرة والظاهرة كالسجن أو الشرطة أو الدولة، بل إنها في كل مكان، في الأسرة، في الحياة النفسية، في الشارع، بل حتي في المعرفة والسلطة والمعرفة يختلفان في الطبيعة لكن بينهما ارتباط وتداخل.
واذا كانت السلطة هي علاقات شبكية تتواجد وتتزامن بين قوة لا حصر لها وأمكنة لأحد لعددها، فان ممارساتها تظل غير قابلة لان تختزل في أية ممارسة معرفية.من هنا قال فوكو بميكروفيزيائية السلطة شريطة أن لا يفهم لفظ ميكرو علي كونه مجرد تصغير لأشكال كبري، ولكنه نمط مختلف من العلاقات، انه بعد تفكير يتعذر اختزاله في المعرفة، والحالة هاته إننا نتجه نحو ضرب جديد من الكتابة، المعرفة الفلسفية.ضرب يعطي أهمية للذات للإرادة الحقيقية والسلطة ليكون خطابا يتحرك وينتج ليحكي لنا عن معمار فسيفسائي لا يسعي إلي ترويض الجسد وإخضاعه، وإنما إلي إعطائه لذة الإحساس بالذات.
إننا إذن بصدد دعوة فوكاوية تقوم علي ضرورة الانتقال من الحالة الابستمولوجية إلي الحالة الاستراتيجية، أي بتأسيس خطاب جديد يقوم علي أنقاض خطاب الحداثة.هذا الخطاب الجديد استقبلته مقولتان-التشاؤم من العلوم الإنسانية وإعلان موت الإنسان، فالتشاؤم من العلوم الإنسانية نابع من كون المعرفة المتشكلة في خطاب العلوم الإنسانية كان هدفها هو إخضاع الأفراد لعلاقات السلطة البرجوازية أي استثمارهم سياسيا واجتماعيا ونفسيا باعتبارهم قوة للإنتاج المادي تساعد علي تنمية وخدمة الطبقة البرجوازية الصاعدة أما الأجساد التي لا تنتج ولا تخضع لعلاقات السلطة كالمجانين والمجرمين مثلا فيجب إقصاءهم ونبذهم من المجتمع وكما قال ميشيل فوكو"الجسد لا يصبح قوة مفيدة إلا إذا كان في نفس الوقت جسدا منتجا وجسدا مستعبدا"أي يجب إخضاعه لهذه القوانين وترويضه عليها وتكييفه مع الأوضاع بحيث يتقبلها بدون أي رد فعل وكأنها حتمية تاريخية أو قدر الهي.ولكي تروض البرجوازية المجتمع وتخضعه لعلاقاتها وجب عليها أن تقيم معرفة بالإنسان في جميع أبعاده ومستوياته.هذه المعرفة هي ما اصطلح عليها فوكو"التكنولوجيا السياسية للجسد"لقد مات الإنسان لأنه لم يستطع أن يحفظ قوة الحياة وقوة الكلام وقوة الشغل/ولانه كذلك فلا داعي للحسرة والبكاء عليه. علينا أن ننتظر الإنسان الجديد، او الإنسان الأعلي حسب التعبير النتشوي الفوكاوي.انه بزوغ شكل جديد يقودنا حتما إلي نظام الاستراتيجيات.