متاهات العودة إلى الماضي : محاولة في تأصيل الوجود مع العالم ـ ادريس شرود

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse22097 "يبدو النبي المقابل الحقيقي لما ينبغي التفكير فيه"
فتحي المسكيني
"نجد الفلسفة عند الفقهاء أكثر من الفلاسفة"   
محمد الشيخ

تقديم
     هناك إجماع شبه مطلق حول قصور الدرس الجامعي والبحث الاكاديمي في مقاربة الدين والأخلاق والقيم و والظواهر المرتبطة بها في مجتمعات جنوب وشرق حوض البحر الأبيض المتوسط. أما في مجتمعات شمال المتوسط وغربه، فقد أتى على مفكري الغرب وفلاسفته المعاصرين حين من الدهر، عدوا فيه الدين من عداد النسي المنسي، واليوم ها هم يعودون الواحد بعد الآخر، من هابرماس إلى فاتيمو، مرورا بدريدا ورورتي وغيرهم كثير، إلى الإهتمام بالدين(1). مع العلم، أن الأمر يجري داخل مجتمعات تنوير، وحداثة وما بعدها، بل وحداثة فائقة. في هذا السياق، نلحظ اهتمام العديد من ممتهني الكتابة جنوب وشرق المتوسط بإعداد مداخل إلى فلسفة الدين، وأخلاقيات الإعتقاد، والبحث في تاريخ الأديان، على اعتبار أن الدين في الوقت الحاضر أصبح في قلب النقاش، خاصة بعد الاحداث الكبرى التي شهدها العالم منذ الربع الأخير من القرن العشرين. لكن ما يثير حقا في هذه العودة، هو حدوثها في سياق المطالبة بحقوق نوعية للكائنات البشرية؛ أعني "الحق في الوجود" و"الإستمرار في الحياة". وهنا، يقول فتحي المسكيني: "إن تفاهة القتل قد أصبحت المشهد الأخلاقي للإنسان الأخير، ونحن نقول للمسلم الاخير"(2)، في حين يعلن محمد الشيخ: "صرنا الأمة الأكثر عنفا في تاريخ البشرية"، وينبه بقوة إلى "انتشار ثقافة الموت"(3). فرضت هذه الوضعية على الاستاذ التونسي البحث في إمكانية عودة الملة إلى "نفسها العميقة" والزج بفكرة "موت الإله" وإعادة قراءتها على ضوء التطورات الراهنة، وطرح مخارج لمواجهة الحاضر وأفق الملة، وتنمية المناعة للإستمرار في الوجود. أما الاستاذ المغربي، فاستنجد بلحظات الإبداع في الفلسفة العربية الإسلامية لمواجهة معضلة التفكير في التراث وحدوده، منتقدا أغلب القراءات التي تناولته شرقا وغربا وشمالا(المستشرقين)(4).

1-تأملات في المشهد السياسي والفكري جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط
    فرضت الأحداث المتسارعة التي شهدتها منطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط أواخر القرن العشرين وبداية الالفية الثالثة، بروز اهتمام حميد لأساتذة وكتاب وباحثين بمختلف مظاهر الحياة للعناصر البشرية التي تسكن البقعة الجغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج من أمازيغ وأفارقة وأقباط وعرب وأكراد...، خاصة مع التدهور الخطير الذي تشهده مناطق شرق المتوسط(سوريا، العراق، ...)، ومناطق جنوب المتوسط(مصر، ليبيا، ...). في ظل هذا الوضع، تتسابق وسائل الإعلام إلى استقطاب الصحفيين، والكتاب الصحفيين، والاساتذة، و"الخبراء"، لإنجاز برامج وعقد مقابلات وحوارات ونقاشات، وكتابة تقارير لتسليط الضوء على ما يحدث. هكذا يتأرجح التحليل الأكاديمي والمنتوج الإعلامي ما بين تحديد النقط المشكلة للوضع، والمبالغة في الإهتمام بالمستقبل والماضي التاريخيين. يشجع على ذلك، التسويق الإعلامي الذكي والموجّه لكلمات ذات رنة مثيرة، مثل "إرهاب" و"تطرف" و"أصولية" و"حركات دينية" و"مذهبية" و"طائفية"، ولمشاهد قتل مرعبة، تثير تساؤلات عن أسبابها وجدواها، والقوى العلنية والخفية التي تحرك خيوطها. لكن، أمام تزاحم الاحداث وتسارعها وغموضها، وتضارب قصاصات الانباء، وتناقض المواقف والآراء، وصعوبة الوصول إلى حلول أو تسويات. كان لابد من الإنصات إلى أصاحب النظر السديد والتفكير الحر، والتحليل المحكم والعميق لقضايا ومشاكل المنطقة والبحث في أصلها وشموليتها. من بين الاقلام التي أصبح لها حضور في المشهد الفكري والفلسفي الراهن، الاستاذ فتحي المسكيني من تونس، والأستاذ محمد الشيخ من المغرب.
يرجع اختياري لهذين الباحثين، إلى إهتمامهما بالتراث العربي، ونقدهما ل"أصحاب مشاريع قراءة التراث"، وتشجيعهما على "التورط الأكاديمي" والبحث في المسائل الأخلاقية والدينية والقيمية واعتبارها موضوعا للتفكير ولمهام الفكر. إضافة إلى اهتمامهما بالتراث الحكمي الشرقي، وبالفكر الأوربي والترجمة وقضايا التعريب، وبمواضيع أخرى. لكن المهم أكثر، هو سعي الاستاذين إلى دعم كل المبادرات التي تسعى إلى الإهتمام بالحوار والتفكير الحر، وبالعقل والعقل وحدوده، والإستعمال العمومي للعقل، وتوفير أمكنة للأمان الكافي حول النفس(حرية، كرامة، مسؤولية، حق في الإختلاف)، وبناء أفق إيتيقي وإطار مناسب للحقيقة وقول الحقيقة، والمشاركة في الكوني بما هو خاص. أضف إلى اهتمامهما باللغة العربية ذات "الأصالة الخاصة" وطموحهما إلى تأهيلها لقول شيء ما للإنسانية، والمساهمة في استئناف الملة للقول الفلسفي وإعادة هيكلة اللحظة الفلسفية العربية وبناء علم كلام معاصر، وتمكين "الحكمة العربية" من المساهمة في العالمية. ويبدو واضحا، أن التطورات التي تلت حرب الخليج وظاهرة التدويل التي تلتها، قد أدخلت المنطقة في أفاق سياسية وفكرية مظلمة ومزعجة، تفترض التفكير بشكل مباشر بمسائل فكرية ونظرية ولا أقول فلسفية -يقول فتحي المسكيني-(5).
ما يثيرني عند الاستاذين المسكيني والشيخ، هو دفاعهما عن العودة إلى الماضي؛ إلى التراث وإلى بعض الشخصيات التي طبعت هذا التراث بسمة خاصة. فهناك ضرورة لاستعادة ماهو منسي ومهمش في الثقافة العربية الإسلامية حسب الأستاذ محمد الشيخ، والتفكير بأسماء مخصوصة أيضا في تاريخ العرب كشخصية "النبي"؛ أي "ذلك المقابل الحقيقي لما ينبغي التفكير فيه"(6)، ما دمنا نفكر ب"شكل إبراهيمي" وليس بشكل إغريقي، حسب الاستاذ فتحي المسكيني.
يفرض الإنتماء إلى التقليد الإبراهيمي التوحيدي، ضرورة الإنخراط في النقاش الدائر حول العلمانية والدين والدنيوة، دون وضع حدود أمام التفكير في إمكانية "العيش المشترك"، و دون الخوف من تهم القصور في المشاركة في "الكونية". فهناك إمكانية مفتوحة لإغناء الحضارة الإنسانية بقيم خصوصية تمتلكها "النفس العميقة" و"التراث العربي الإسلامي".
لذلك يدعو فتحي المسكيني، إلى الإهتمام بالإنتاج الفكري وبالمفكرين العرب دون تمييز بين الكبار والصغار، والتراجع عن اعتبار أعمالهم ليست فلسفة. فربما لم يصبح الأوربيين متمرسين بالطريقة الفلسفية إلا لأنهم انطلقوا من المؤلفين الصغار les auteurs mineurs. موازاة مع هذه الدعوة، نجد عند محمد الشيخ، اهتمام خاص بما يسميه ب"الفلاسفة الصغار" أو"الفلاسفة المغمورين" في الثقافة العربية الإسلامية، إذ يرى في نصوصهم جوانب مضيئة ومشرقة. لكن المسكيني والشيخ، يندهشان للامبالاة الأساتذة والكتاب العرب لنصوص هؤلاء المؤلفين والفلاسفة الصغار، وكذلك لنصوص الكتاب المعاصرين أنفسهم؛ ويقدمان نصوص للكاتب حسن حنفي وتأويلياته كنموذج لهاته اللامبالات. فهناك غياب للنقاش وللدخول في صراع تأويلي ومنهجي واصطلاحي مع هذه النصوص، الشيء الذي يضيع معه جهد جيل بكامله. في هذا السياق، يشير الأستاذين استنادا إلى ملاحظة لمحمد عابد الجابري، إلى "لعنة الصفر" التي أصابت الثقافة العربية الإسلامية، ويؤكدان مقابل ذلك، على ضرورة الإعتراف باجتهادات الكتاب والأساتذة غاية في خلق أسماء ومدارس وتقاليد. كما يطالبان بقوة، بعدم التشكيك والإستخفاف بمذاهب الفلسفة العربية الإسلامية -التي تصل الآن إلى ستة عشر مذهبا حسب محمد الشيخ- وممثليها "الصغار" و"الكبار" و"المتوسطين"، وإعادة قراءة نصوصهم وتاويلها، والوقوف عند حدودها، وتحويل موقف العرب من إنتاجاتهم الفكرية والفلسفية، وتغيير نظرتهم إلى بعضهم البعض. ويحث فتحي المسكيني ومحمد الشيخ على ضرورة التسلح بالفلسفة الغربية ومعرفة ما يقع في نصوصها ومتونها ومباحثها، والإنفتاح على مختلف اللغات وخاصة الألمانية والأنجليزية وتعلمها وإثقانها، وبلورة وسائط حديثة في مخاطبة أنفسنا القديمة، ومن تم العمل على تحرير الإمكانات التي مازالت تدعونا إلى الإنتماء إلى مصادر أنفسنا دونما خجل "حداثي" بها، أو منها. إن النهل من مصادر "النفس العميقة" ومن "الثقافة العربية الإسلامية"، نهلا موجبا وصحيا، وممارسة تمارين اللقاء مع النفس والتراث ومع الآخر(7)، قد يؤهل العرب إلى المقارعة الشرسة للغرب وفك الإرتباط بين فكرة الغرب وفكرة الإنسانية، والمساهمة بقوة في العالمية والمشاركة في الكونية.
2-فتحي المسكيني: العودة إلى النفس العميقة
أ-دعوة فتحي المسكيني إلى "اعتناق أنفسنا العميقة"
    فرضت تداعيات حرب الخليج أواخر القرن الماضي والحرب على "الخليفة الأخير" مع بداية القرن الواحد والعشرين، على فتحي المسكيني، الزج بأطروحة "موت الإله الأوربي" في النقاشات الدائرة حول مصير "الإله الإسلامي" وأفق الملة أو الجماعة، والكشف عن آليات الدفاع عن "الذات العميقة" في ظل سقوط الأفق  الروحي الذي يشد "إنسانية الملة"(8) وتحول الغرب إلى "مقبرة أخلاقية". يرى المسكيني أن أفق الإله الإسلامي هو الملة أو الجماعة، والملة هي نمط الجماعة الروحية التي تتأسس على "الدين"، باعتباره ركنا أخلاقيا حاسما لأنفسهم.  لقد فرض الإنهيار الشامل للملة على رفع صوته عاليا، قائلا:" ما مات لدينا ليس الله بل الملة"؛ إن المسلمين هي الجماعة الروحية الوحيدة التي حافظ فيها الله على صحة أخلاقية جيدة، والتي وهبتنا عالم الحياة إلى حد الآن، يؤكد فتحي المسكيني.
أرى من جهتي، أن هذه "الصحة الأخلاقية" هي التي شجعت الدعوة إلى الرجوع إلى الماضي، وإلى الشخصيات المميزة لهذا الماضي، ومنها شخصية النبي. أضف إلى خصوصية "المعيارية الذاتية"، والتي تعتبر المكسب الوحيد الذي ظفرت به النفس العميقة من غزوة الحداثة. كل هذه التحديات، تطرح إمكانية البحث عن فك الإرتباط الإبستيمولوجي مع الغرب، خاصة مع التطور الذي شهدته الدراسات ما بعد الكولونيالية و"الفكر الديـ-كولونيالي". لهذا يمكن -هنا والآن- البحث عن أدوات أخرى لا تمر بالنقاش الاوربي الرسمي حول الحداثة، نقد الحداثة، معارضة الحداثة، ما بعد الحداثة، فنحن الآن "أقدر بآلامنا" للتفكير في الحياة بشكل مغاير، حسب الأستاذ المسكيني. إذ يمكن تطوير الذات بمعزل عن الغرب وقيمه المسيحية المعلمنة، وتحقيق التحرر العميق انطلاقا من الأصالة التاريخية للملة وتراثها الثقافي الخاص ومنجزات النفس العميقة، مثل ما يقع في أمريكا اللاثينية مع "لاهوت التحرير" وفي الهند مع "دراسة التابع"، وبالتالي الشروع في تجديد العلاقة بالنفس على نحو جذري. كما يمكن الإستئناس بآراء ومواقف مفكرين غربيين يتموقعون خارج سرب "نقد الحداثة" كتشارلز تايلور وبول ريكور ويورغن هابرماس...، لإعادة اكتشاف أنفسنا وذلك بتحريرها قدر الإمكان من وطأة الصيغة الواحدية أو الهووية التي فرضها "عصر التنوير" وحولها إلى الصيغة الوحيدة من تاريخ أنفسنا العميقة(9). يكتشف فتحي المسكيني مع تايلور، ليس كذب الحداثة أو زيفها أو بطلانها أو عدميتها؛ بل فقط أنها منحازة بشطط ما إلى صيغة ما من تاريخ هويتها، وأنها لا تؤرخ لكل "نفوسها" الحديثة على قدم المساواة، وتسيء فهم جانب خطير جدا مما حدث باسم الروح الحديثة، ونعني بالتحديد مصير الدين الذي كان يمثل العنوان الأخلاقي الأكبر للإنسانية "قبل الحديثة" إلى حدود القرن الرابع عشر(10). يرى المسكيني في "إساءة الفهم" فرصة حاسمة للزج ب"النفس العميقة" وتراثها وشخصياتها المؤثرة في تقديم فهم جديد لإنسانية الملة ولدورها الممكن في المساهمة في العالمية، خاصة مع اعتراف الغرب بأننا "نعيش أكثر فأكثر في عالم الحداثات المتعددة" و أن "الأساس في التغير كان لاهوتيا" على حد قول شارل تايلر. هكذا يمنح الفهم الجديد للحداثة، على الصيغة التايلورية، آفاقا رحبة لتراث الملة وشخصياتها للإشتغال في أفق الإنسانية الحالية.
ب-خصوصية التفكير في مستقبل الملة عند فتحي المسكيني
     ينتقد فتحي المسكيني -في ظل الأزمة الروحية الحالية- ما يسميه ب"المتعجلين" الذين يريدون التنوير العنيف لأناس لايهتمون بهم أصلا، لا يهتمون بآلامهم. كما ينتقد "المثقف" صاحب العقل المتحيز، الذي ظل رهين أفق انتظار محدود سلفا. أما "الفيلسوف"، فهو غير قادر على طرح إجابة مناسبة(11). ويعتبر الجامعة هي شرط إمكان ولادة الفيلسوف في أفق الملة، والمترجم هو الفيلسوف الوحيد اليوم(12). فهناك ضرورة لاستعارة طريقة التفلسف في الغرب -باعتبار فلاسفتها الكبار أساتذة- على طريقة كانط(الإستعمال العمومي للعقل) أو هابرماس (إتيقا الحوار). ورغم احتياج القضايا إلى الفلاسفة؛ أي إلى أولئك الذين لا ينضبطون، ولكن هذا لا يعني أنهم ضد النظام المعياري(13). الشيء الذي يضمن لهم اعترافا من طرف الدولة والملة معا. يعارض المسكيني فكرة استيراد التنوير وتطبيقه في بلاد نتصورها بلا ذاكرة طويلة الامد، بلا مصادر لذاتها، بل يتشاءل حول كيفية تخلص العقل الفلسفي الحالي من وطأة النقد الجذري سواء كان أداتيا أكان نقدا أداتيا(من ماركس إلى أدرنو)، أوعدميا (من نيتشه إلى دريدا)(14).. ويرى إمكانية تطوير تحرر ذاتي انطلاقا من الثقافة العربية الإسلامية، مثل ما وقع في أمريكا اللاثينية أو في الهند، كما سبق الذكر. لهذا يشيد بالحضارة العربية الإسلامية الرائعة، تلك التي تنطلق من الشعر الجاهلي إلى الآن دون توقف؛ فهي الحضارة الوحيدة التي تنافس الغرب في الذاكرة الطويلة الامد، والتي تتألف من جملة أدوات العقل الإنساني(فلسفة، منطق، نحو، لسانيات، بلاغة، فقه، تصوف،... إلخ)، ومن قيم رائعة؛ كالتضامن والتعاطف والتراحم والجيرة، تلك التي لم تؤسسها سرديات الحداثة.  وبالتالي لا يمكن أن ننكر عليها إمكانية قول شيء للإنسانية، بل ومنافسة التنوير الأوربي نفسه في فكرة الإنسانية. لقد فرضت التحديات التي تواجهها الملة على الاستاذ فتحي المسكيني، إعادة الإعتبار لما يسميه ب"مهنة التفكير"، الغائبة عن الثقافة العربية الإسلامية، في مقابل حضور نشاط المثقف ولا جدوى أجوبة الفيلسوف، وبالتالي إعادة اختراع علم جديد بأنفسنا، وطريقة جديدة في تعليم أنفسنا.
يستمد التفكير في مستقبل الملة مشروعيته من أربع تحولات يشهدها العالم الآن:
-أولا: اعتراف فلاسفة الغرب بالاديان والتقاليد التاريخية ك"خيرات مؤسسة" في مرحلة مابعد العصر العلماني، ونذكر على الخصوص الفيلسوف الكندي تشارلز تايلر، والفيلسوف الفرنسي بول ريكور، والفيلسوف الالماني يورغن هابرماس. مع إعادة الإعتبار للبقايا الاشد عمقا وديمومة للدين والحياة الروحية التي هي "حصون الإيمان" -حسب تايلر- ولمعتقدات الملة ومصادر نفسها، وهنا يؤاخذ فتحي المسكيني الحداثة بإهمالها لكل "نفوسها" الحديثة.
-ثانيا: تنامي تيارات فكرية مناهضة ل"قصص الحدف" للحداثة الغربية، وهنا يشيد المسكيني باجتهادات تشارلز تايلر -خاصة إذا قرئت قراءة غير هووية- الذي يعترف بالمنابع المشتركة للذاتية الحديثة(15).
ثالثا: الإحساس القوي اليوم ب"آلامنا" وبالإعتراف بأننا "أقدر بآلامنا" فقط، يدفع المسكيني إلى التأكيد على الدور الذي أصبح يلعبه "التفكير المعياري" الخاص بالنفس العميقة الذي يعبر عن شكل الحياة كصلاحية ومعيار وحيد للكونية.
رابعا: الإكتشاف الأخير لما يسميه  فتحي المسكيني ب"إتيقا الشرق"، في ظل وضعية روحية وفكرية متميزة بانغلاق قوس المسيحية منذ نيتشه بواسطة تجربة العدمية، وافتتاح زاوية مسألة "العناية بالنفس" كمسألة شرقية، بعدما ظلت غربية بحكم قيامها على انتماء عنيف للأصل اليوناني كما عند ميشيل فوكو. لهذا يدعو إلى التغذي من الداخل من التراث الشرقي الذي هو تراث إتيقي في جوهره، عن طريق العودة  إلى الكتاب في التراث "الشرقي والعربي الإسلامي" أكانوا من الصنف القديم الذي يجمع بين الفلاسفة (مثل ابن مسكويه والفارابي) والمتصوفة (مثل ابن عربي) والكتاب المفكرين مثل التوحيدي، وصنف حديث هم من يمكن أن نسميهم "أحفاد زرادشت) مثل جبران ونعيمة والمسعدي(16).
ج-فكرة النبي كشكل حياة لازال قابلا للسكن
    يميز الاستاذ فتحي المسكيني في التراث بين الامور الصالحة وغير الصالحة للإستعمال، فهناك دوما جزء من أنفسنا لم يعد صالحا للإستعمال أو بات عاطلا أو خارج الخدمة. ومن الصحي جدا، أن نلقي به في شيخوخة سابقة. لذلك، تحتاج كل حياة قابلة للحياة إلى سلة مهملات أخلاقية من حجمها(17).                                                                                                                                               في المقابل يمنح المسكيني امتيازا مطلقا لشخصية النبي، لأن هذا الإسم يؤدي دورا حاسما في أفق أنفسنا العميقة، أخطر من أي نقاش حول المفاهيم.(18). يقول فتحي: "نحن جميعا أنسباء نبي ما، ولا يتعق الامر بمجرد استعمال سيميوتيقي عابر، بل بوضعية تأويلية عميقة خاصة بنوع ثقافي بعينه. نحن نوع ثقافي يحمل وضعية تأويلية جاهزة سلفا ، سابقة على القلب هي أننا منحدرون من نسب نبوي ما يؤدي فيه النسب دورا حاسما. الإسم في أفق أنفسنا العميقة أخطر من أي نقاش حول المفاهيم. في استفهامنا نحن عن ذواتنا العميقة، نحن لا نفكر بشكل يوناني بل بشكل إبراهيمي. ميتافيزيقا الإسم مختلفة بشكل مخيف عن ميتافيزيقا المفهوم"(19).
فهل استدعاء هذا الإسم خارج براغماتية الرومانسيين والتنويريين والعدميين السياسيين، ورسم نبي المستقبل، يمكن أن يساعدنا على احتمال تجربة العذاب والألم، مع اعتبار فكرة النبي كنموذج للصمود والمقاومة؟(20).
وكيف يمكن خوض معارك المصير خارج أفق الحداثة الغربية وداخل "الفكر الديـ-كولونيالي"؟
سؤالين موجهين إلى الأستاذ فتحي المسكيني، نتوخي من ورائهما استشكال الوجود البشري في هذه البقعة الجغرافية الممتدة جنوب وشرق المتوسط. مع حرصنا الكبير على التأكيد على اختلاف "العواطف والإنفعالات" و"الأحاسيس والتصورات" و"الإدراكات والصور" و"السلوكات والتصرفات" و"طرق التفكير" و"طقوس زيارة الأمكنة" و"كيفيات إدراك الأزمنة"، التي تميز مجتمعات حوض البحر الأبيض المتوسط. في هذا السياق، يعلن المسكيني على أن الوضع الروحي في الديار الإسلامية هو أكثر تعقيدا، نظرا لانتشار تعاليم وعقائد ومذاهب متنوعة ومختلفة، ترجع إلى فترات تاريخية موغلة في القدم. لكن الأستاذ لا يهاب هذا "الإختلاف"، فما يربك عودته إلى النفس العميقة، هو الإلحاد(21)، ونقد الدين(22).
يرى المسكيني، أن النبي ربما لم يبدأ بعد بالشكل المناسب؛ النبي كاستعارة ملهمة، مؤول الكلام الإلهي، والملهم بالإنبائي عن أحداث المستقبل. فالنبي هو الجانب الحدثي الحيوي القابل للتجريب القابل للسكن القابل للعيش vivable من الدين، أي من جملة مصادرنا العميقة. النبي هو جهاز معياري من طراز استثنائي وهو اختراع الإبراهيميين الاخير، بعد اختراعات آدم والله الخالق، والعالم المخلوق، والكتب المقدسة. هناك باقة من الإكتشافات والإختراعات الأخلاقية للإبراهيميين، ربما لا يتبقى منها في أفقنا مثيرا ومزعجا للنقاش حول أنفسنا مثل شخصية النبي(23). يراهن الأستاذ فتحي علي إسم النبي(24)، كشخصية يمكن أن تساعدنا على احتمال العذاب، وعلى الصمود والمقاومة(25). لا يتعلق أمر شخصية النبي بمجرد الدين، بل بجهاز تشريعي واسع النطاق، اخترعته شعوب من الشرق الأوسط القديم وتحولت بفضله إلى جماعات روحية مترحلة أو مفتوحة، وما زالت تصر على أنه ادعاء صلاحية معيارية قابلة للكونية، لأنه شكل الحياة لا يزال قابلا للسكن(26). لهذا لا يستسيغ المسكيني ظاهرة تحول النبي من رسول الله إلى مجرد رمز ديني، من نبي الملة إلى أيقونة عمومية في فضاء الدولة الحديثة، في حين يدافع عن "تصور ديني لرسول الله في أفق الملة".
لكل ذلك، يدعو المسكيني إلى اعتناق أنفسنا العميقة مع حرية الإنتماء إليها، ومراجعة الفكرة العميقة عن "المقدس" وإعادة تربية الإنسان وتعليمه لدينا على هذا الأساس، في أفق تأصيل لما هو كوني بما هو خاص ومساهمة الملة في تحقيق السلام والاخوة الإنسانية والعيش المشترك. علينا أن نثبت براءتنا -يقول فتحي- أي عدم حاجتنا التاريخية إلى القتل، ليس باعتناق كل تقليعات الغرب الجمالية والأخلاقية والقانونية والسياسية...، بل باعتناق أنفسنا العميقة(27).
3-محمد الشيخ: العودة إلى التراث العربي الإسلامي
أ-تقويم منجزات الفكر العربي
    يؤكد محمد الشيخ على شيوع ظاهرة التأليف في اليقين في الثقافة العربية الإسلامية، على حساب التأليف في الحيرة والشك. هذا اليقين الذي تحول إلى قناعة تستلزم زحزحتها، وإلى وسجن يستوجب تفكيك بنيانه وهدمه، ومن بين مظاهر هذا اليقين:
-تشكل تقليد راسخ وشديد، عند الباحثين العرب والمستشرقين، يؤمن بأن الفلاسفة العرب هم على وجه الإجمال: ثلاثة ضد ثلاثة؛ ثلاثة من المشارقة (الكندي، الفرابي،ابن سينا)، وثلاثة من المغاربة(ابن طفيل، ابن باجة، ابن رشد)، ويطلق عليهم محمد الشيخ "أصحاب الصحاح الكبار".
-تأويل مذاهب هؤلاء الفلاسفة و"مشاريعهم"(مشروع رؤية جديدة، مشروع قراءة جديدة، مشروع تجديد التراث...)، وأفكارهم وأنظارهم، وانتقاء أسماء بعينها ورفعها إلى مصاف الأسماء الكبرى في تاريخ الفكر العربي الإسلامي.
-تقوقع "أصحاب المشاريع" على أنفسهم، وإنكار اجتهاد الآخرين، وكأن لسان كل واحد يقول:"إنما المشروع مشروعي، ولا مشروع بعدي، ولا مشروع يضاهي مشروعي أنا"، و"لا فلسفة عربية إلا ما هو عندي". مع معاملة "الفلاسفة الكبار" معاملة أهل الحديث للصحاح الست، وهذا يعني أن أهل الفلسفة تكثر عندهم العنعنات، وقلما يتم العودة إلى قراءة النصوص نفسها، حتى أصبح لهم صحاحهم، التي لا يجب الخروج عنها.
-مشكلة حصر القول الفلسفي، عند أصحاب المشاريع، في نصوص بعينها. يكاد الكل يعود إلى نفس النصوص، يغرف من نفس المعين، يشرب من نفس الماء، ولا يكلف نفسه، إلا فيما نذر…. لا تدفعه روح الإكتشاف  يكاد الكل يعود إلى نفس النصوص، يغرف من نفس المعين، يشرب من نفس الماء...، لا تدفعه روح الإكتشاف إلى البحث عن نصوص أخرى، فربما تعد أكثر أهمية من تلك النصوص التي وقف عليها صاحب المشروع.
-تشكيك محمد الشيخ في صحة قراءة نصوص "الفلاسفة الكبار"، خاصة قراءة ما يسميه ب"نصوصهم الصغرى". ويعطي مثالا لنص ابن سينا المعنون ب"المباحثات"، الذي يتناول موضوع الذات والشعور بالذات وهوية الشخص، والذي يمكن أن يغني عن ذكر فلاسفة الغرب القدامى والمحدثين، مع تجاوزه لثنائية السؤال والجواب، وطرحه الأصيل لقضية الفكر والتفكير، والمشاركة في استشكال القضايا، والعمل معا على بناء معرفة فلسفية مشتركة(28).
ب-من دراسة الفكر الغربي إلى الإنشغال بالتراث
    هناك اهتمام خاص عند محمد الشيخ بالفلسفة الغربية، ويكفي التذكير باهتمامه الدراسي والأكاديمي بالفلسفة الالمانية(29). لكن عودته إلى الثقافة العربية الإسلامية وقراءته للتراث الفقهي والفلسفي، جعله يقع على نصوص مجهولة تغني عن ذكر العديد من نصوص الغرب التي تحتاج إلى ذكر "فلان" من فلاسفة الغرب، ولا تتنبه إلى فيلسوف واحد عربي سبق أن طرح مثل هذه القضية. لذلك دعا بقوة إلى ضرورة تجاوز جلد الذات وتحقيرها وتبخيس إبداعاتها ونكرانها، وبعدم الإستخفاف بالمذاهب الفلسفية العربية، لأن العرب خلفوا كتبا ونصوصا جميلة تظاهي نصوص الغربيين التي يُفتخر بالإستشهاد بها، بل يصير "الفكر ما فكر فيه الغربيون"(30). وهنا ينتقد الأستاذ الشيخ بعض زملائه أولا بسبب حفظ نصوص الفلاسفة الغربيين والإستشهاد بها، وتمجيدهم ثانيا لبعض تجارب الكتابة والتوقيع المشترك في الغرب(جيل دولوز وفيليكس غتاري)، ولظاهرة الملك الفيلسوف(ربما يشير إلى مارقوس  أوريليوس)، ويؤكد على سبق الفلاسفة العرب في هذا المجال. ويورد تجربة الكتابة بيدين مع "ابن مسكويه وأبو حيان التوحيدي"، بل هناك من كتب جماعة ك"إخوان الصفا"، وتجربة الفيلسوف الملك "ابن بابويه" من بلاد فارس. إن بعض مفكري العرب بلغوا من العقلانية مرتبة رفيعة -والعهد عهد قرون وسطى، وسلطة الفقهاء، على أشدها، وعصر الظلمات يلف أغلب أرجاء أوربا(31)، فمن واجبنا أن لا ننسى التراث ما اتصل البعد(33)، ويطالب محمد الشيخ ب:
-عشق الثقافة العربية الإسلامية.
-استنقاد التراث العربي.
-تشويق القارئ العربي لقراءة كتب التراث ومصالحة هذه الكتب التي كادت تصير مهجورة.
-تثمير الجانب الحي من هذا التراث.
في خضم دراسة محمد الشيخ للفكر الغربي وانشغاله بالتراث،  تظهر حماسته للفلسفة ودور الفيلسوف في تاريخ الثقافة العربية. وعند تحريره لكتابه " كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية"، دافع عن "الحكمة العربية" ودور الحكيمات والحكماء العرب. وخلص إلى أن في "فردوس الحكمة العربية" وفي تراث العرب لإمكانات فذة وفرصا بديعة وانفساح آماد شاسعة، لا التراث الذي استهلك وكاد يقتل بحثا، وإنما التراث المنسي والمهمش والمتهم(...). [ويعتبر أن] تراث الحكمة العربية، بستان يُجتنى منه ما يُشتهى(...)، [لكنه ينصح من يدخله بأن] يتعهد ما يصلح منها، ويقلع ما لا يصلح، أو بالأحرى ما لم يعد يصلح(34).
ج-إعادة قراءة الفكر العربي الإسلامي فيما وراء "أصحاب المشاريع" و"أصحاب الصحاح"
    يشيد محمد الشيخ بما يسميه ب "القارئ المتواضع"؛ قارئ بدون خلفيات سياسية، إيديولوجية أو عقدية...، المعتكف والصبور. ويدعو إلى الإنفتاح على قراءة الفلاسفة المتوسطين، النصف مغمورين والنصف مشهورين كالمولى صدر الشيرازي، وأبو الحسن العامري وأبو حيان التوحيدي(الشاعر والفيلسوف أيضا)...، والفلاسفة المغمورين كالشهيد ابن الحسين(35) وأبو النفيس...، كما يشجع على قراءة كتابات الفلاسفة اليهود والنصارى وفلاسفة الصابئة والماجوس، وغيرهم. هنا يشيد الاستاذ محمد بعجائب وغرائب ومظاهر الإبداع في الفلسفة العربية الإسلامية، وينبه إلى ما يتضمنه التراث العربي من آفاق انفتاحية -لا انكفائية- تجعله يحتل بحق مكانة متميزة في التراث العالمي(36). وينصح بضرورة العودة إلى نصوصهم المتوفرة الآن على الشاشة العجيبة للكومبيوتر وشبكة الأنترنيت. كما يطالب بضرورة تفكيك الإعتقاد الراسخ بكبار الفلاسفة وصغار الفلاسفة، ويستشهد بأبي الحسن العامري المعاصر والمجايل للفرابي، والذي كان ينظر إليه ك "حدث" من المتفلسفين، خاصة في موضوع السياسة. ويستخلص الأستاذ الشيخ، أن العقل العربي الكلاسيكي أبدع أمورا عظيمة، ووقف عند تخوم عنيدة، ويقيّم أبحاثه بقوله:"تراني ثمنت المنجز العقلي، ونقدت التوقف الذي اعترى هذا المنجز"(37).
يؤكد الاستاذ محمد الشيخ على الجهل باكثر من تسعين في المائة من أسماء الفلاسفة العرب، الذين كتبوا في مواضيع لن تجد لها نظير حتى في الفلسفة اليونانية. في الوقت ذاته التي ألفوا التأليف المتميز في مواضيع مختلفة، يعتقد العرب أن الغرب فقط كان سباقا إلى طرقها ك: مفهوم الإنسان، الوجود الإجتماعي، النزعة الإنسانية، السياسة، الحقيقة، الهوية، الذات، الآخر، الحزن، الفرح، الرغبة، العشق، الصداقة، الصحبة، النفعية، السعادة،الإعتقاد، اليقين،المعرفة، اليقين، التفكير، المعنى، العبودية، التنوير، الإنتحار، والموت...إلخ(38). كما يتمسك بضرورة استعادة ما كتبه اليهود شرقا وغربا، على اعتبار أن هذا التراث، مضمونه عربي وهو جزء من االثقافة والحضارة العربية. ويحث على الرجوع إلى نصوص الفلاسفة الكبار والمتوسطين والصغار -يشير الأستاذ محمد إلى اهتمامه الكبير بالفلاسفة الصغار أو المغمورين- وإلى نصوص الاصوليين والمتكلمين والفقهاء التي تعتبر أحيانا أهم من نصوص بعض الفلاسفة. إن الإشتغال والعكف على هذه النصوص، والإكثار من قراءتها، هي التي ستساعد على اكتشاف المعاني المدخرة فيها، وفتح آفاق جديدة في اتجاه تجاوز ظاهرة "العنعنات".
يشيد الأستاذ الشيخ بأهمية قراءة التراث القراءات اللامتناهية، لكنه ينبه إلى طغيان الشكلانية وتضخم المنهج، أكثر من الإهتمام بالنصوص، لذلك يثير أهمية التزام الصمت وترك النصوص تتحدث. أضف إلى تعلم أكثر من لغة، والصبر على القراءة؛ إذ يجب أن تطلب المعرفة  بالتقسيط. والإنتباه إلى تقديم قراءات مختلفة تقف عند حدود العقل والفكر، وعند المقام زمانا ومكانا، والإنتباه إلى إمكانية تطبيق النصوص ومراعاة سياقاتها. والعمل على تأسيس تقاليد فلسفية والمساهمة في إبراز أسماء وأعلام والإعتراف بها.
4-الخروج من متاهات العودة إلى الماضي وتأصيل الوجود مع العالم
أ-براءة الصيرورة وأهمية التجريب
    تتأسس الدعوة إلى العودة إلى الماضي عند فتحي المسكيني ومحمد الشيخ على بعد مخالف لتقاليد الدراسات التراثية، تتجلى في اعتزازهما بحياة التراث في الأمة، وبالمعاني الثرية المودعة في تراثها الثقافي والفكري، وفي طرحهما لأسئلة مختلفة عن القيم وعن شكل الحياة ونوع القيمة التي يمكن أن تمنح لها. وبين هذا الإعتزاز وشكل الحياة، يستمر الاستاذين في المبالغة في الإهتمام بالماضي والإستمرار في البحث عن يقين أول ورسم النقطة الاصلية والثابتة ، وبالتالي المساهمة بوعي أو بدون وعي في الوقوع ثانية في القيد القديم؛ أي ذلك التصور للعالم القائم على "ثنائية الخير والشر"، بل مضاعفة صلابة القيد عن طريق نسج ما يسميه نيتشه ب"العودة الإرتكاسية إلى طباع الاسلاف"، فالعودة مخاطرة كما يؤكد محمد الشيخ. يبدو ذلك واضحا، هنا والآن، في سهولة إذكاء روح الحقد والكراهية والعنف بدعوى سوء "فهم الدين" بالشكل الحقيقي، والتخلي عن "الأصل"، رغم مرور قرون عديدة على تلك المحاكمة المسلية للموجود وللوجود. لكن، ماذا لو كان موطن الخلاص ومأواه ، موجود في ما يسميه فتحي المسكيني ب"المكان المجهول"!، أو ما يسميه جيل دولوز ب"المنطقة النائية"، والتي تستوجب رسم خطوط للهروب واختراع أسلحة لمجابهة أخطار الرحلة والترحال. من المهم جدا ربح الوقت وتوفير الجهد لمواجهة ظاهرة الإنحطاط الناتجة عن معارضة الحياة بالفكرة، وتبريرها، وافتداؤها بالفكرة(39)، في ظل تدهور شامل للوجود الإجتماعي والسياسي في منطقتنا، مع هذه الفظاعة المطلقة التي ترتكب يوميا شرق المتوسط وجنوبه. لكن هذا لا يمنعنا من التأكيد مع هيراقليطس، على أن الحياة بريئة وعادلة بصورة جذرية، رغم هذا القدر الفظيع من الالم. هذا الألم الذي يعني الذي يدفع إلى إصدار حكم مسبق:"الحياة غير عادلة"، ، لا بل أنها ظالمة ومذنبة في الجوهر، بحكم التفسير الورع للوجود، واستيلاء غريزة الإنتقام على البشرية. وما دامت الحياة مذنبة بما أنها تتألم، فهذا يعني أنه يجب تبريرها، أو افتداؤها عن ظلمها، أو إنقادها، إنقادها بواسطة هذا الالم بالذات الذي كان يتهمها قبل قليل(40). إن تجاوز ظاهرة الإنحطاط، تفترض أولا؛ التشبث بالبراءة وتجاوز التفسير الورع للوجود والإنتباه إلى خطورة "مرض التأويل"، وتتطلب ثانيا؛ إقحام الجسد في صيرورة العالم، وتجريب ما يستطيعه ويقدر علية. لقد شدد دولوز على التجريب وصياغة برامج وليس على التأويل؛ إنه تجريب مرتبط بالحياة وإبداعها وبإيجاد سلاح، فلا وجود سوى لاكتشافات جديدة وابتكار إمكانات جديدة للحياة .وهنا أؤكد مع دولوز، على أن "الإحساس بالإختناق" لا يتم في الماضي ولا في المستقبل، بل هنا في الحاضر، مع إطلاق صرختنا الاخيرة:"إننا غير مرتاحين"؛ غير مرتاحين أولا من مرض الـتأويل؛ الدلالة والتأويل هما المرضان الإثنان للأرض، زوج المستبد والكاهن(41)، وثانيا من التقويم الإرتكاسي للوجود باعتباره مذنبا(42). إن التاكيد على البراءة، يعني فهم الوجود انطلاقا من غريزة لعب وجعل الصيروة إثباتا، آخذين بعين الإعتبار أن الصيرورة ليست من التاريخ؛ فكل ما يفيده التاريخ اليوم هو مجموع الشروط  فقط، مهما كانت راهنية، تلك الشروط التي ينبغي أن نحيد عنها حتى تتحقق الصيرورة؛ أي حتى يتم إبداع شيء جديد(43).
ب-الإيمان بالعالم وقوة الزمن الراهن
    يشدد جيل دولوز على ضرورة توفر الفيلسوف على جغرافيا قبل أن يتوفر على تاريخ، وأن يرسم أبعادا قبل أن يبني أنساقا(44). يقول دولوز-غتاري:"ليست الجغرافيا طبيعية وبشرية فقط، وإنما هي ذهنية كالمنظر الطبيعي. إنها تقوم بنزع التاريخ من عقيدة الضرورة لصالح لزومية الإمكان. وهي تنتزعه من عقيدة الاصول لتؤكد على قوة "الوسط"(45). وعلى الفيلسوف أن يبرهن فعليا أنه من الأرض وأنه المواطن الأصلي، وأنه لا ينتظر شيئا لا من الماضي ولا من المستقبل؛ فهو شديد الإرتباط بما "يحدث"، وبما سيتحصّل من تجاربه. لنفتح أعيننا على مظاهر الرعب والقسوة، وعلى ضروب البلاهة والفضاعة التي تسود عالمنا اليوم، ولنتساءل: هل نحن محتاجون إلى المزيد من التأويل والبحث عن معاني النفس العميقة؟، أو أن "كل ما يحدث وكل ما يقال يحدث ويقال في السطح"(46)، وأننا "أمام استقلالية للسطح انفصلت عن العلو والعمق لتقوم ضدهما"(47). إن البحث عن المعنى والدلالة بالعودة إلى الماضي؛ إلى "النفس العميقة" وإلى "التراث الثقافي" في زمن الإنحطاط والإرتكاس، لن يساعد على اختراع شعب جديد  وأرض جديدة، ولا على تأسيس "حداثة خاصة" أو "مشاركة في الكونية". فإعادة الإعتبار للأرض والسير فوق السطح هو السبيل الوحيد للإحساس مع كل الذين يسيرون معا، ويتقاسمون معنى الإيمان بهذا العالم، هذا الإيمان الذي يصير هو نفسه مفهوما حقيقيا. إن السير فوق السطح يمنح امتيازا كبيرا لدور الجسد في إنجاز لقاءات واقترانات وترابطات واهتماما خاصا بالحاضر والراهن(48). في هذا السياق، عبر الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو عن إعجابه بإيمانويل كانط،  لكونه طرح الفلسفة ليس في علاقتها بالأبدي ولكن مع الآن، بحيث أراد القول إن موضوع الفلسفة ليس هو التأمل في الابدي، وليس في تفكر التاريخ، ولكن في فحص الصيرورات الراهنة(49)، فما كان يهم فوكو هو الفارق بين الحاضر والراهن. إن الجديد والمهم هو الراهن. فلا يتحدد الراهن بما نحن عليه وإنما بما نصيره ، أو نحن بصدد صيرورته، أي الآخر (  L’Autre )، أي صيرورتنا - آخر. أما الحاضر، فهو على عكس ذلك، ما نحن بصدد تجاوزه(50). إن فهم الزمن بالكيفية التي بسطها فوكو، يمنحنا إمكانية إدراك ذواتنا ليس استنادا إلى وعينا وتمثلاتنا، بل اعتبارا لأفعالنا ولممارساتنا. ليس للمستقبل والماضي أهمية قصوى بعدما أضحى العالم كوكبيا، فما يهم هو الصيرورة-الحاضر؛ أي الجغرافيا وليس التاريخ، الوسط وليس البداية ولا النهاية، العشب الموجود في الوسط والذي ينمو عبر الوسط وليس الاشجار المالكة للقمة والجذور(51).
ج-أولوية الجسد ودور الفكر
    لا يمكن مواجهة تحديات عالمنا المعاصر بالإستغراق في التعالي والبحث المضني في النفس العميقة وفي التراث عن حلول لمشاكل الحاضر، مع غياب مقصود ومزعج لدور الجسد. إن الشرط التاريخي الحالي، يفترض الشروع في تجريب ما نقدر عليه وما نستطيعه. مع التأكيد على الحاجة المستعجلة لانفعالاته وعواطفه، قوته وإرادته، جسمه وفكره؛ أي إلى "فلسفة عملية" ترتكز على:
-منح الإمتياز للجسد ووجوده مع العالم:
لا بد من الإعتراف بذلك القصور الفظيع الذي جعلنا لم نتعرف لحد الأن على الإرادة القادرة على تقويم الارض(وزنها)، ولا على القوة القادرة على تفسير الوجود. لا يعود الامر إلى قصور في العقل، ولا إلى فقر في التراث، بل الأمر يعود إلى ذلك الإزدراء المتواصل للجسد، وعدم معرفة ما يستطيعه ويقدر عليه. إننا نتحدث عن الروح والنفس، وعن الوعي والواقع، لكننا نجهل ما يستطيعه جسد ما. إن القدرة على إعادة الإعتبار للجسد، سيغير كليا صورتنا التقليدية عن الكائن البشري وعلاقته مع العالم ونظرته إليه، بحيث سيصير الإنسان كائنا محايثا يجتمع فيه العضوي إلى الروحي، والمادي إلى الفكري(...)، ويصير الفكر «تموقعا» في الوسط بين الأشياء(52). كما سيغير إدراكنا للزمن والوجود ولماهيتنا الفردية؛ فهي ليست ظرفية، بل أبدية؛ وأبدية الماهية لا تأتي بعديا، بل تكون مبطنة ومتداخلة مع الوجود في إطار الديمومة، لهذا فهذه الماهية الأبدية والفردية هي الجانب الأكثر شدة فينا والذي يعبر عن ذاته في علاقة هي في ذاتها حقيقة أبدية، أما الوجود فهو مجموع الأجزاء الخارجية التي تنتمي إلينا تحت هذا التعالق في الديمومة(53). من اللازم إذن، أن يختبر الكائن انفعالاته الإيجابية غاية في الرفع من قوته على الفعل، وتنظيم لقاءاته حتى تتأثر بأقصى ما يمكن بالإنفعالات المرحة، بل ومراكمة أكبر قدر ممكن منها حتى يتوصل إلى تكوين عواطف فاعلة، واقتحام قوته على التفكير والفهم، والفعل والتجريب. هنا، تمنحنا " الإيتيقا " إمكانية الوصول بأقصى سرعة ممكنة إلى الأنطولوجيا، أي إلى  الوجود وكيفية العيش. كما أنها تمنعنا من النظر إلى الإنسان من خلال الواجب والحق والماهية، بل من خلال ما يقدر عليه ويعبر عنه من سلوكات وعادات وأنماط حياة. فمن وجهة نظر عملية، نرى أن الأنطولوجيا ليست بمعطى مسبق، على اعتبار أن الكائن لا يعرف منذ البداية معنى الوجود ولا طبيعة وجوده في العالم وقيمته. لذلك فهو مطالب بالإنخراط في تجريب إيتيقي لولوج الأنطولوجيا. فالأنطولوجيا هي الشرط اللامشروط للإيتيقا، ولكن الإيتيقا هي الشرط العملي للأنطولوجيا(54). فالإيتيقا تراهن على الجسد، وإمكانية تحويل الإهتمام بمفاهيم الإرادة والوعي، إلى إعادة الإعتبار لقوة الجسد وقدرته. 
-الإيمان بدور الفكر:
يمكن أن نطرح سؤالا بسيطا ومباشرا: كيف يمكننا أن نفكر بأنفسنا ونبني علاقات ونلتحق بصيرورة؟ وكيف نستطيع أن ننمو ونزدهر بين أشياء العالم الحاضرة؟. يقول دولوز-غتاري:"أن نفكر معناه أن نجرب، لكن التجريب يفيد دائما ما هو في طور الإنجاز، أي الجديد والمهم والمثير(55). إن التجريب يتم في الحاضر، ولا يحتمل تلك المبالغة -العزيزة على قلوبنا وأفئدتنا وأرواحنا وأنفسنا- في الجانب التاريخي والإنساني والإهتمام بالمستقبل والماضي. فهذا الإحساس القوي ب"الامور التي ليست على ما يرام" كما هو دارج في "الحياة العادية"، و بالإختناقات التي يعج بها الوسط، ترغم الفكر على التفكير بطريقة مغايرة وعلى زعزة نموذجه(56)، وتستعجل القيام بالتجريب خارج أفق التأويل والمبادئ. إن القيام بالتجريب هو الطريق المعبد لتحقيق تنسيق متكامل من الافكار والعلاقات والظروف. من المهم جدا أن نذكّر هنا:
-بالتنسيق-السبينوزي: نفس وجسد وعلاقات والتقاءات وقدرة التاثر وعواطف تملأ هاته القدرة، حزن وفرح يصفان هذه العواطف(57).
-بالأمر-الدولوزي: أنجزوا تجارب: ستجدون في كل مرة تنسيقا من الأفكار ومن العلاقات والظروف: وستجدون في كل مرة رواية حقيقية(58).
-بالتأكيد الفوكوي على الوجود كاختبار: اختبار بمعنى التجربة، وبمعنى أن العالم هو هذا الذي نقوم فيه بالتجربة على ذات أنفسنا، ومن خلاله نتعرف، ونستكشف، ونلهم ذات أنفسنا. واختبار أن العالم، وهذه الحياة تمرين، وبواسطته نتمكن من التكون والتشكل والتحول"(59).
خاتمة
    من المقلق جدا أن تمر قرون عديدة، والملة لم تتمكن لحد الآن من فهم نفسها العميقة، ولا الإلتفات إلى ذخائر تراثها الثمين، وهنا يمكن التساؤل:
أولا: عن الأهداف والغايات الكبرى التي شغلت عقل الملة طيلة هذه المدة الزمنية، وعن الحواجز والعراقيل التي حالت دون الإستفادة من منابع نفسها العميقة، بل ومنعتها من التنافس حول القضايا الكبرى للعقل البشري، ومن المساهمة في العالمية؟
ثانيا: عن الدورة الذي لعبه التراث الثقافي والحكمة العربية في تاسيس أنظمة حكم تستجيب لمتطلبات العصر، وفي المساهمة في الرفع من مؤشر التنمية الإقتصادية والبشرية ومستوى التطور العلمي والتقني؟
ثالثا: عن هذا الإحساس الفاتر بالكون والطبيعية، ونحن نتابع كائن الشرق وهو يراقب السماء ويترقب، ويعبر حقول وبراري وسهوب ومروج جنوب وشمال المتوسط، دون أن يتغير شيئا من أحاسيسه وإدراكاته. هوسه الاحادي هو ترك الموطن والرغبة في العودة إلى أرض موعودة ، محبوبة، ومقدسة، كمكان وحيد قابل للسكن بامتلاء ودون انزعاج روحي؟
رابعا: عن غياب تأثير حقيقي لإبداعات العصر الحديث الفلسفية والفنية والأدبية والعلمية(غياب تأثير فتوحات الفيزياء والبيولوجيا وعلم الفلك مثلا) والطبية والتقنية، في تربية وتعليم كائن الملة وتأهيله للمشاركة في الكونية؟
خامسا: عن دور "الـتعالي" -ذلك الإختراع الإبراهيمي الخاص بالشعوب السامية- في تجاوز "الإزعاج الحالي"(التصرف تحت إمرة الإسلام السياسي-) وإمكانية تحويله ليوافق سرديات النفس العميقة وسرديات أطفال المستقبل بتعبير الأستاذ المسكيني، أخذا بعين الإعتبار غياب السياق النظري والجو الروحي أو الأخلاقي الذي يمكن أن تؤسس عليه هذه العملية؟
سادسا: عن هذا الوجود الإستثنائي للملة مقارنة مع بقية الإنسانية، بحكم ثروتها الميتافيزيقية النادرة، المتمثلة في مصادر نفسها العميقة التي تمنحها فائضا في المعنى لم تعشه بعد. لكنه وجود متهم على مستوى الكرة الارضية ومهدد حاليا من طرف أعداء داخليين وخارجيين؟
أحتفظ أخيرا بسؤال الأستاذ فتحي المسكيني، "ما هو شكل الحياة الذي لا يزال لدينا قابلا للحياة؟(60):
إن دهشتي قوية من موقفه الخصوصي جدا من القيمة التي تمنحها النفس العميقة لشكل الحياة، وكيفية حل الأزمة الروحية للملة. فهل استنجاده بمصادر النفس العميقة، واستدعاءه المثير ل"شخصية النبي" -على اعتبار أننا "نحن جميعا أنسباء نبي ما" مع تأكيدنا على أن الأمر لا ينطبق على أعضاء الإنسانية جميعا- سيسهل على الملة عيش عصر ذهبي آخر؟
وأوجه له سؤالي/ملاحظتي(61) للمرة الثانية بخصوص الدور الفريد الذي يمكن أن يلعبه "الحب":
هل ممكن ل"الحب" أن ينقدنا بعدما أقصته الميتافيزيقا وهايدغر من فلسفة الوجود(62)؟، ومن تم يمكن أن يصير الحل هو "أن نتعلم كيف نحب" كما قال الشاعر. وفي هذه الحالة، على "النفس العميقة" أن تختار بين تعليم ديوتما(63) أو تعليم رابعة العدوية(64)، يقول محمد الشيخ:
"مثلما علمت ديوتما الحكيم أفلاطون معنى "الحب" الدنيوي، في محاورة المأدبة ...، كذلك علمت رابعة العدوية الجنيد معنى "الحب الإلهي"(65).
الهوامش:
1- محمد الشيخ: حوار حول قضايا الحداثة في الفكر العربي والغربي، أجراه معه حسن الحريري، موقع مؤمنون بلا حدود، 08 يناير 2015.
2- فتحي المسكيني: الخليفة الأخير (الحلقة الأولى)، موقع مؤمنون بلا حدود، 27 يونيو 2017.
3- محمد الشيخ: الفكر العربي الإسلامي وعوائق التنوير، https://www.youtube.com/watch?v=hHNwajbzD0g.
من بين دواعي العودة إلى التراث العربي الإسلامي وقراءته، عند الاستاذ محمد الشيخ، قوله:"صرنا الأمة الاكثر عنفا في تاريخ البشرية"، محمد الشيخ: هل قرأنا حقا التراث الفلسفي العربي؟ -ج1- درس افتتاحي ألقاة يوم 20 مارس 2017، في  كلية الآداب بمكناس. https://www.youtube.com/watch?v=sr8ywivyfXA&t=344s
4- محمد الشيخ: هل قرأنا حقا التراث الفلسفي العربي؟ -ج1- درس افتتاحي ألقاة يوم 20 مارس 2017، في  كلية الآداب بمكناس. https://www.youtube.com/watch?v=sr8ywivyfXA&t=344s.
5-فتحي المسكيني: نقاش الجلسة الثانية لندوة "الإيمان والعقل: الإشكالات الفلسفية-اللاهوتية الراهنة حول الدين"، https://www.youtube.com/watch?v=II8Yi0QqHro&t=3120s.
6-فتحي المسكيني:"فكرة النبي في الفكر العربي المعاصر" ،https://www.youtube.com/watch?v=6InFCKlExjk&t=606s.
7- العلاقة بالنفس والتراث:
-العلاقة بالنفس:
يرى فتحي المسكيني ضرورة العودة إلى اللغة العربية، وإلى المعلقات والقرآن وكتب الفقه...، ويؤكد على أن العرب كانوا سباقين إلى اكتشاف "كونية الحقيقة" مع الكندي، و"إشكالية اللاهوت والسياسة" مع الفرابي، و"القصص الفلسفي" مع ابن طفيل، و"الإستعمال العمومي للعقل" مع ابن رشد، و"الإنسان الفاضل" مع ابن باجة، و"مقولة الشخص" مع الحريري والفقه.... فتحي المسكيني: اكتشافات الفلسفة العربية الإسلامية المغفول عنها، https://www.youtube.com/watch?v=LFAgDbftmm0.
أما محمد الشيخ، فيؤكد على أن العرب كانوا سباقين إلى التنوير وإلى العقلانية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والمالية، وإلى التأويليات في الفلسفة، وأنطولوجيا الوجود، وإبستيمولوجيا الإعتقاد وأخلاقياته، وإلى طرح مسألة الذات وهوية الشخص، ... إلخ. ويعتبر كتابه "كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية"، محاولة في إبراز هذا السبق.
العلاقة مع الآخر:
أشير هنا إلى رفض فتحي المسكيني التفلسف على الطريقة الغربية(التفكير بالمفاهيم)، بخلاف محمد الشيخ، الذي يقول "ما أحوجنا إلى معجم تاريخي للغة العربية يضبط المفاهيم الأساسية التي نتداولها اليوم، والسياقات التي بوفقها صرنا نتداول هذه المفاهيم، ولا بأس أن نستفيد من التراث الغربي وما أبدعه في هذا المجال فيلسوف ومؤرخ كبير مثل كوزيليك. اشتغل لمدة أزيد من ثلاثين سنة لكي يضع معجما تاريخيا للمفاهيم الاساسية في الفكر الالماني. نحن في حاجة إلى مثل هذا الجهد، شريطة أن يكون جهدا جديا"، الدكتور محمد الشيخ: الفكر العربي الإسلامي وعوائق التنوير، https://www.youtube.com/watch?v=hHNwajbzD0g. إضافة إلى تأكيده على ضرورة التحول عن استعمال "أواني الحداثة"، والقبول ب"معاني الحداثة" و"قيم الحداثة"(فردية متوسطة، عقلانية معتدلة، حرية عاقلة)، حسن حريري: حوار مع الدكتور محمد الشيخ حول قضايا الحداثة في الفكر العربي والغربي، موقع مؤمنون بلا حدود، 08 يناير 2015.
8-يقول فتحي المسكيني:"انتهت أوربا إلى موت الإله كأفق معياري منذ القرن التاسع عشر، وأطلقت عليه إسم العدمية. هذا القرار الميتافيزيقي لا يلزمنا في شيء؛ نحن نشعر أننا لدينا مشكلة من نوع آخر. إلهنا من نوع لا يموت لأنه غير تشبيهي ولا يوجد على وضعية العنصر الإنساني بما هو كذلك، والموت يوجد خارج أفقه تماما. يبدو النبي بمثابة المقابل الحقيقي لما ينبغي التفكير فيه. موت المقدس الديني في أفقنا يجري التفاوض حوله في خانة النبي وليس الإله"، فتحي المسكيني: فتحي المسكيني:"فكرة النبي في الفكر العربي النماصر"،https://www.youtube.com/watch?v=6InFCKlExjk&t=606s
لكن المسكيني يخالف موقفه الأخير، بقوله:"عندما ظهرت أطروحة نيتشه حول "موت الإله"، قال جيل كامل بأن الأمر يتعلق بموت "الإله المسيحي"، ولكن إذا كنت تعتقد فعلا أنك توحيدي أو تنتمي إلى التقليد الإبراهيمي، فينبغي أن تكون معالجة أكثر لياقة على مستوى فلسفي، من مجرد التنصل من المدونة التوحيدية أو الإبراهيمية". نقاش الجلسة الثانية لندوة "الإيمان والعقل: الإشكالات الفلسفية-اللاهوتية الراهنة حول الدين"، https://www.youtube.com/watch?v=II8Yi0QqHro&t=3120s.
9- فتحي المسكيني: "الزمن العلماني" عودة الدين: نموذج تشارلز تايلر، موقع حكمة، تايلور 17 أبريل، 2017.
10- فتحي المسكيني: "الزمن العلماني" عودة الدين: نموذج تشارلز تايلور، موقع حكمة، 17 أبريل 2017.
11- فتحي المسكيني: الخليفة الأخير (الحلقة الثانية)، مؤمنون بلا حدود، 03 أغسطس 2017.
نلاحظ ترددا عند فتحي المسكيني، في منح الفيلسوف مكانة متميزة في أفق الملة، يقول:"لقب الفيلسوف ليس سعيد بهذا القدر، فهو مؤلم، لأنه يحرمك من كل أنواع النجاح، وكل أنواع البطولة التي تنتظرها الثقافة التي تكتب في نطاقها"، (فتحي المسكيني فاتحا وراعيا للكينونة، https://www.youtube.com/watch?v=O80K0_odE3M&t=108s.
في حين يعطي دورا رياديا  للأستاذ كبؤرة للتفكير الأصيل، ويعتبر الجامعة كمكان للتشريع الكلي لثقافة ما أي جامعة تفكر.فتحي المسكيني: الهوية والزمان، تأويلات فينومينولوجية لمسألة "النحن"، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، آب (أغسطس) 2001، ص163. ويؤكد على "أن إنتاج  العلم في الجامعة، هو تدرب على الإستعمال الخاص لما هو كوني(...). لا ندخل الجامعة إلا لكي نشارك في هذا الإنتاج العالمي للإستعمال الخاص لما هو كوني"(فتحي المسكيني فاتحا وراعيا للكينونة). وهنا نتساءل عن:
-القيمة المالية المخصصة للبحث من مجموع الدخل القومي لكل بلد من بلدان جنوب وشرق المتوسط؟
-مدى الإستفادة من الابحاث التي تشرف عليها الجامعة، والتي تبقى في معظمها حبيسة رفوف "مكتبة الجامعة"؟
-دور الجامعة في البحث العلمي، وفي الإهتمام بختلف فروع المعرفة الإنسانية؟
-موقع الجامعة في التصنيف العالمي؟
يتأسف فتحي المسكيني أخيرا عن ضياع "الجامع" لمركزه الفكري في تاريخ الملة، على اعتبار أن الجامع: "هو أخطر حدث ثقافي في تاريخ العرب...، وهو المقام الذي دخل العرب من بابه إلى فن الكلي.... فالجامع قد انقلب فجأة وبسرعة عجيبة إلى موضع خطير لاحتراف نمط جديد تماما من المواطنة العالمية"(فتحي المسكيني: الهوية والزمان...، ص158).
12- فتحي المسكيني فاتحا وراعيا للكينونة.
13- فتحي المسكيني:"فكرة النبي في الفكر العربي االمعاصر"، https://www.youtube.com/watch?v=6InFCKlExjk&t=606s-
14- فتحي المسكيني: الهوية والزمان ...، ص161.
15- يذكّر فتحي المسكيني ب:"أصلنا الإبراهيمي المشترك والذي لا يؤخذ في الإعتبار حق قدره إلا عرضا"، هذا الاصل الإبراهيمي الذي يجعلنا، نحن المسلمون، الذين نتملك معجما سرديا مشتركا-أو لأقولها بمصطلح تايلر: منابع مشتركة مع عالم شمال الأطلسي، يمكننا هذا من فهم فلاسفة غربيين -مثل هايدغر- بدرجة أسهل"، إبراهيم الكلثم: في فهم الذات: تشارلز تايلر والتأكيد على الحياة العادية، موقع حكمة، 06 يناير 2017، انظر الهامش رقم 08 من المقالة.
16- فتحي المسكيني: الهوية والزمان، الهوية والزمان، تأويلات فينومينولوجية لمسألة "النحن"، ص152.
17- يقول فتحي المسكيني:"لا يعني ذلك أن علينا أن ننتحر أخلاقيا ونعلن الإفلاس الميتافيزيقي، ونعتنق دينا آخر(كما يفعل المتسولون على عتبة أديان أخرى) أو نلقي بانتمائنا العميق وكأنه عبء هووي علينا التخلص منه. لا يمكن أن نتسول هوية، بل فقط علينا أن نخترع أنفسنا من جديد، ومن الداخل"(فتحي المسكيني: الخليفة الأخير -الحلقة الثانية-، مؤمنون بلا حدود، 03 أغسطس 2017). خاصة وأن دين الملة يمتلك ثراء ودلالات كبيرة حول التجربة الإنسانية بكل آلامها ووجودها وعذاباتها(فتحي المسكيني: نقاش الجلسة الثانية لندوة "الإيمان والعقل: الإشكالات الفلسفية-اللاهوتية الراهنة حول الدين". وهنا يؤكد فتحي المسكيني، على أن "الإنسان عندما يصبح حرا لا يعني أنه سيخرق المجال التداولي للثقافة التي ينتمي إليها" ولكنه "سيطور شكل الإنتماء إليها".
18- نقف في هذا الهامش على كلمتين تتردّد عند فتحي المسكيني؛ وهي النبي(الذي يمنحه أهمية قصوى)، والمفهوم(الذي يتردّد في استعماله):
-النبي: إسم جلل، لم نفكر به بما هو كذلك عادة، لذلك يتساءل المسكيني عن مصير النبي ليس في أفقنا الروحي فقط، بل بخاصة أفقنا القيمي والمعياري بعامة. ويدعو إلى توفير "محمد" قابل للإستعمال التنويري، أو الإستعمال الحديث حسب مطالب أفق انتظار محددة بشدة؛ هي إعادة تربية هذا الإنسان في ضوء الحداثة، فتحي المسكيني: "فكرة النبي في الفكر العربي االمعاصر".
-المفهوم: أي خطاب الآخر/خطاب اليونان، أي "الفلسفة"(التفكير بالمفهوم) التي لا تُعتبر -حسب فتحي المسكيني- الطريقة الوحيدة للتفكير الكلي، خاصة وأن طريقة التفلسف الآن تغيرت، وانتظار الفيلسوف الكلاسيكي غير مجد، لأنه لن يظهر مرة أخرى. فالملة  تعيش حالات فلسفية /ثقافة؛ تعيش محنة، لا تحتاج فيها إلى فلسفة ولا إلى فلاسفة بالمعنى الذي حدده التقليد الغربي- فمن الصدفة أن سمي فيلوصوفيا في اليونان، وتقبله تقليد البحر المتوسط وحوله إلى النمط العالي من استعمال العقل البشريبل تحتاج إلى المترجم. يؤكد فتحي- الذي هو الفيلسوف الوحيد اليوم. ففي انتظار هذا الفيلسوف المستحيل الوجود بيننا، على المتفلسف أن يصبح مترجما، على الاقل سيضمن لنا استعمالا كونيا للعقل، لأنه يدرب لغتنا على أن تقول ما قيل بعد في اللغات المنتجة للأفكار الفلسفية الكونية، وعلى الاستاذ أن يبدل جهدا كبيرا ل"اختراع علم جديد بأنفسنا، وطريقة جديدة في تعليم أنفسنا"، (فتحي المسكيني فاتحا وراعيا للكينونة).
19- فتحي المسكيني:"فكرة النبي في الفكر العربي االمعاصر".
20- هنا نشير إلى الموقفين المتضاربين بخصوص النبي أيوب عند فتحي المسكيني وجيل دولوز:
- يقول فتحي المسكيني: "أصبح النبي أيوب بالنسبة إليه (أنطونيو نيغري في السجن) نموذجا للمقاومة مأخوذة في معناها الذاتي الجذري، مقاومة العذاب كتمرين شخصي جدا، ضد نوع من العالم، حتى تصبح الحياة غير قابلة للحياة(فتحي المسكيني: فكرة النبي في الفكر العربي االمعاصر). وهنا ممكن فتح نقاش بين الاصدقاء حول "صيرورة العبد" في فلسفة نيتشه ودولوز، ونيغري خاصة في كتابه:"أيوب أو قوة العبد".
- يقول جيل دولوز:"لقد عرف باسكال وكييركغارد وشيستوف، بصورة عبقرية، كما يمضون بالنقد إلى أبعد حد مما فعل سابقوهم،. لقد أوقفوا الأخلاق، وأطاحوا العقل. لكن لما كانوا عالقين في شباك الإضطغان، كانوا يستمدون قواهم بعد من المثل الأعلى الزهدي. كانوا شعراء لهذا المثل الاعلى. إن ما يعارضون به هذا الأخلاق، والعقل، لا يزال هذا المثل الأعلى الذي يغوص فيه العقل، هذا الجسم الصوفي الذي يمد جذوره فيه، الداخلية-الرتيلاء. لكي يتفلسفوا يحتاجون لكل الموارد ولخيط الداخلية، القلق، التنهد، الذنب، لكل أشكال الإستياء. هم أنفسهم يضعون تحت برج الإضطغان: إبراهيم وأيوب. ينقصهم حس الإثبات، حس الخارجية، البراءة واللعب.... من باسكال وصولا إلى كييركغارد، يراهنون ويقفزون. لكن ليست هذه تمارين ديونيزوس ولا تمارين زرادشت: فالقفز ليس الرقص، والمراهنة ليست اللعب. سوف نلاحظ كيف يضع زرادشت، من أية فكرة مسبقة  اللعب بمواجهة  الرهان، والرقص بمواجهة القفز(جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص50).
يمكن كذلك ملاحظة الفرق بين تفضيل المسكيني قراءة باسكال وكييركغارد في ظل الأزمة الروحية للملة، وتأكيد دولوز على أنهما عالقين في "شباك الإضطغان".
21- يقول فتحي المسكيني:
-"لا يكفي أن تتبنى إلحادا منهجيا حتى تتحرر من الموروث الديني".
-"إن الملحد يحمل دوما توقيعا دينيا سابق عليه".
-"أليس التحرر من الآلهة مدعاة مرعبة للمرح؟".
-"إن الإلحاد ليس حلا أخلاقيا مناسبا لنا".
-"لا يكفي أن تزيح المتدينين عن واجهة الهوية حتى تبني دولة حديثة".
-النبأ الذي لا نريد أن نسمعه هوأن شيئا مقدسا ومهيبا في تاريخ أنفسنا العميقة، هو "لم يعد حيا". انظر: فتحي المسكيني: الخليفة الأخير (الحلقة الأولى)، مؤمنون بلا حدود، 27 يونيو 2017.
-"لا يجدر بأحد أن يحتفل لأن إلها قد مات".
-"الإلحاد ليس متعة لأحد".
-"لا يزال الإلحاد يعاني من مخزون رهيب من الضغينة". فتحي المسكيني: انظر الخليفة الأخير، (الحلقة الثانية).
-"المسلم يشعر دوما وبشكل صفيق بأنه غير معني بكل سرديات موت الإله وكل مشاكل الضمير التي تقوم عليها".
-تدبير العالم بعد موت الإله لم يؤد إلا إلى حروب دينية ما بعد تاريخية. حروب من دون مؤمنين. بل فقط: برامج قتل عدمي يدعى أنه أفضل وضعية "بيو-سياسية" يمكن توفيرها لظاهرة "السكان" في مجتمعات "المراقبة والعقاب". انظر: فتحي المسكيني: تفاهة القتل.. أو هل ثمة فرق بين الإرهاب الديني والعدمية الأوربية، مؤمنون بلا حدود، 28 يوليو 2017.
-يؤكد فتحي المسكيني على أن الإنتماء  اللانهائي إلى الأفق الروحي التوحيدي أو الإبرهيمي يجعل من الصراع أو الإلحاد تلوينات من تلويناته الروحية والاخلاقية، الشيء الذي كان يدفع الأستاذ إلى الضحك مع طلبته حول الإلحاد. فتحي المسكيني: كانط والإسلام، https://www.youtube.com/watch?v=IvvA4byTqoI
22- يقول فتحي المسكيني:"برنامج نقد الدين كل مرة يتنفس تحت الماء -قال نزار قباني- يأخذ جهاز جديد ويدخل في نقد الدين. أنقدنا بالمادية التاريخية والتحليل النفسي والوجودية، وبالبنيوية و...، حتى وصلنا إلى الجندر"، ويتساءل:"لماذا ننقده كل هذا النقد، وطيلة هذه الأجيال من العقول، إذا لم يكن يخصنا بشكل من الأشكال؟"، فتحي المسكيني:"فكرة النبي في الفكر العربي االمعاصر".
23-فتحي المسكيني:"فكرة النبي في الفكر العربي االمعاصر".
24- من المثير جدا الوقوف عند تشديد فتحي المسكيني على الإسم وميتافيويقا الإسم، واستبعاده ل"المفهوم" -كما تم الإشارة إلى ذلك- يقول:"نحن نوع ثقافي يحمل وضعية تأويلية جاهزة سلفا، سابقة إلى القلب، هي أننا منحدرون من نسب نبوي ما، يؤدي فيه الإسم دورا حاسما. الإسم في أفق أنفسنا العميقة أخطر من أي نقاش حول المفاهيم. في استفهامنا عن ذواتنا العميقة، نحن لا نفكر بشكل يوناني، بل بشكل إبراهيمي. الإسم مختلف بشكل مخيف عن ميتافيزيقا المفهوم"(فتحي المسكيني:"فكرة النبي في الفكر العربي االمعاصر"). ويصل المسكيني إلى قمة هذا الإستبعاد عندما ينوه بتلك "الحاجات الجميلة" عند جان لوك ماريون؛ بقوله:"المفهوم نفسه صنم"، ويشرح الاستاذ فتحي: "نحن ننتج في الأصنام في الحقيقة، ما يسمى ب»خلق المفاهيم« ، نحن ننتج أصناما"، فتحي المسكيني: الصنم والايقونة. في تحرير الله من الوجود. أو جان لوك ماريون والإله المشطوب، https://www.youtube.com/watch?v=KhSERVMcMjA.
إن استبعاد فتحي المسكيني ل"المفهوم"، هو تأكيد على اختلاف في طبيعة التفكير الفلسفي اليوناني(التفكير بالمفهوم)، وطبيعة تفكير الملة أو ما يسميه بالتفكير في "حالات فلسفية". وهو اختلاف موسوم ب"التعالي"  أو "ظاهرة الوحي التوحيدية" من جهة،  وب"المحايثة" أو"مجد اللوغوس اليوناني، المجد الوثني"، فتحي المسكيني: الفلسفة والقرآن، https://www.youtube.com/watch?v=N0a9-B564tM.
25- فتحي المسكيني: "فكرة النبي في الفكر العربي المعاصر".
26- فتحي المسكيني: "فكرة النبي في الفكر العربي المعاصر".
27- فتحي المسكيني: تفاهة القتل.. أو هل ثمة فرق بين الإرهاب الديني والعدمية الأوربية، مؤمنون بلا حدود، 28 يوليو 2017.
28- محمد الشيخ: هل قرأنا حقا التراث الفلسفي العربي؟ -ج1- درس افتتاحي ألقاة يوم 20 مارس 2017، في  كلية الآداب بمكناس. https://www.youtube.com/watch?v=sr8ywivyfXA&t=344s
29- محمد الشيخ: نقد الحداثة في فكر نيتشه -نقد الحداثة في فكر هايدغر-  فلسفة الحداثة في فكر هيغل- فلسفة الحداثة في فكر المثقفين الهيغيليين: ألكسندر كوجيف وإريك فايل.
30-محمد الشيخ: محمد الشيخ: هل قرأنا حقا التراث الفلسفي العربي؟ 2، https://www.youtube.com/watch?v=D5b1hLSXnVY&t=434s.
31- محمد الشيخ: كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية، الشبكة العربية للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، مايو2008، ص32.
32- محمد الشيخ: كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية، ص37.
34- محمد الشيخ: كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية، ص33 و34.
يشير الأستاذ الشيخ إلى ضعف الإهتمام بهذا التراث الفريد والجليل، ويؤكد على إقصائه من ما يكتب اليوم من كتب ذات صيت عالمي، يقول:" خذ ما شئت من مفكري الغرب، واستقص ما يخزن فيه –من مفهوم "الإنسان"، إلى مفهوم "الموت"، مرورا بمفاهيم شأن "الغيرة" و"الغربة" و"الوحدة"، و"الصداقة"، و"العنف" و"التسامح" وو"التيه" و"الحيرة" وغيرها من مواضيع الفكر العالمي المعاصر كثير – لا محالة أنك واجد إياهم يذكرون أسماء أفلاطون وأرسطو وشيشرون والقديس أوغسطين ومونتيني وباسكال ونيتشه وغيرهم، غير أنك لا تجدهم يذكرون إسم التوحيدي ومسكويه والراغب الأصبهاني والجنيد والنفري"(كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية")، ص30. ويقدم مثال الناقدة والأدبية والمحللة النفسية جوليا كريستيفا في كتابها حول "الغربة"، والتي لم ترد فيه رأيا واحدا لمفكر عربي، بمن فيهم أحد أعظم مفكري الغربة في التراث العربي؛ أبي حيان التوحيدي(كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية"، ص31.
35- يقول محمد الشيخ عن هذا الفيلسوف: "كل ما ترك لنا عنه ثلاثة أسطر في ترجمة حياته، وكل ما ورثتنا عنه عشرة أسطر. ولكن، صدقوني، قد يستبدل الإنسان مئات الكتب الفلسفية بعشرة أسطر هاته التي كتبها الشهيد ابن الحسين، وكتب في موضوع غير متروك، لطيف جدا، موضوع "اللذة"، وفاضل بين اللذة العملية واللذة الحسية، واختار أن أنشأ لنفسه معايير للمفاضلة"(محمد الشيخ: هل قرأنا حقا التراث الفلسفي العربي،1).
36- محمد الشيخ: كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية، ص33.
37- حوار مع الدكتور محمد الشيخ حول قضايا الحداثة في الفكرين العربي والغربي، مؤمنون بلا حدود، أجر الحوار حسن الحريري، 8 يناير2015.
38- عمل محمد الشيخ في مؤلفه: "كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية"، على انتقاء ما بمكنته أن يصير تراثا عالميا، وجمع بين دفتيه كتبا حول: الإنسان، الغير، الصداقة، الغربة، الإنفراد، الحرفية، الحيرة، الحواس، القراءة، الكتابة، الترجمة، الشهرة، الموت.
39- جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ترجمة أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان-بيروت، الطبعة الأولى1993، ص20.
40- جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص22.
يرى دولوز:"أن مركز الثقل في علاقة الإغريق بالفلسفة، يرتبط بتأكيدهم على أن الوجود بريء، وليس مذنبا. لقد وجد ديونيزس حقيقته المتعددة: البراءة، براءة التعدد، براءة الصيرورة وكل ما هو كائن"، جيل دولوز: نيتشة والفلسفة ص32.
41- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما الفلسفة؟ ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، 1997، ص63.
42- يقول دولوز:"هذا هو وضعنا بالنسبة للوجود: لم نتعرف حتى على الإرادة القادرة على تقويم الارض("وزن"ـها)، ولا إلى القوة القادرة على تفسير الوجود، ننفي عندئد الوجود بحد-ذاته، ونستبدل التفسير بالحط من القيمة كطريقة للتفسير والتقويم (...). البراءة هي لعبة الوجود، والقوة والإرادة"، جيل دولوز: نيتشه والفلسفة، ص33.
43- جيل دولوز-فليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص109.
44- جيل دولوز: في الصور الثلاث للفيلسوف، ترجمة عبد الحي أزرقان، موقع حكمة، 02 يونيو 2015.
45- جيل دولوز-فليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص108.
46- جيل دولوز: في الصور الثلاث للفيلسوف.
47- جيل دولوز: في الصور الثلاث للفيلسوف.
48- إن المعنى الأصيل ل"الإهتمام" متضمن في جذرها الأصلي؛ تعني كلمة "إنتير-إيسا inter-esse  في اللاثينية "الوجود بين" أو "الوجود مع" إريك فروم: الوجود أوالإمتلاك، الأسس النفسية لمجتمع جديد، ترجمة : حميد لشهب، موقع حكمة، 09 مايو 2017.
49- ، جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما الفلسفة؟ ص124.
50- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما الفلسفة؟ ص124.
51- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما الفلسفة؟ ص34.
52- عادل حدجامي: فلسفة جيل  دولوز في الوجود والإختلاف، دار توبقال، الطبعة الأولى، 2012، ص183.
53- جيل دولوز: سبينوزا: فلسفة عملية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2015، ص53.
54- عادل حدجامي: فلسفة جيل  دولوز في الوجود والإختلاف، ص16.
55- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما الفلسفة، ص123.
56- يقول دولوز-غتاري:"إن المهم هو أيضا الوجه الآخر للفكر: كيف يمكن للفكر أن يزعزع نموذجه، ويعمل على إنماء العشب ولو محليا، ولو في الهوامش، بطريقة مستترة. 1- أفكار لن تصدر عن الطبيعة الحسنة والإرادة الحسنة وإنما ستترتب عن عنف تلقاه الفكر؛ 2- أفكار لن تمارس داخل توافق بين الملكات وإنما ستحمل بالعكس كل ملكة إلى اقصى حدود لاتوافقها مع الملكات الأخرى؛ 3 – أفكار لن تنغلق في التعرف وإنما تنفتح على لقاءات وتتحدد دائما في علاقة بالخارج؛ 4 – افكار لن تضطر إلى الصراع ضد الخطإ وإنما الإنفلات من عدو أكثر حميمية وأكثر قوة من الخطإ: البلاهة؛ 5- أفكار ستحدد في حركة التعلم وليس في نتيجة المعرفة، أفكار لن تترك لأي شخص ولا لأي سلطة إمكانية "طرح" أسئلة أو "تقديم" مشاكل. جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص35.
 
57- جيل دولوز-فيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص81.
58- جيل دولوز-كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان-أحمد العلمي، أفريقيا الشرق، 1999، ص74.
59- ميشيل فوكو: تأويل الذات، دروس ألقيت في "الكوليج دوفرانس" لسنة 1981-1986، ترجمة وتقديم وتعليق د.الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2011، ص453.
60- فتحي المسكيني: الخليفة الأخير (الحلقة الثانية).
61- ادريس شرود: الوجود مع العالم، أو كيف نبني جسدا إيتيقيا؟، موقع أنفاس للثقافة والإنسان، 24 فبراير 2017.
62- فتحي المسكيني: الصنم والايقونة. في تحرير الله من الوجود. أو جان لوك ماريون والإله المشطوب، https://www.youtube.com/watch?v=KhSERVMcMjA.
63- ديوتيما: أو فيلسوفة أجرت حوارا مع سقراط حول الحب العذري، ودوّنه أفلاطون في "محاورة المأدبة"، هي مشهورة بدحضها نظرية سقراط في قضية أحقية الذكورية في القيادة والحكم.
64- رابعة العدوية (717-796م): هي رابعة بنت إسماعيل العدوي، ولدت في مدينة البصرة بالعراق، تكنى ب" أم الخير". هي عابدة مسلمة تارخية وإحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي، وتعتبر مؤسسة أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب "الحب الإلهي"، ويكيبيديا الحرة.
65- محمد الشيخ: كتاب الحكمة العربية، دليل التراث العربي إلى العالمية، ص22.