مفهوم "الإهتمام بالنفس" وأسئلة الحاضر :رهان فوكو على الفلسفة الهلنيستية ـ ادريس شرود

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

"هجين موقفنا من أنفسنا"
نيتشه
"علاجنا صعب أكثر، لأننا لا نعرف إن كنا مرضى"
سنيكا
مقدمة
    حين سئل فوكو عن الأعمال التي ستلي المؤلفات التي كتبها حول "تاريح الجنسانية"(1)، أجاب: "سأهتم بنفسي".
تلقيت "صيحة" ميشيل، هذه، فوق أعالي جبال الأطلس الكبير، ولازلت أسمع صداها يخترقني كما اخترق الشعاب المحيطة بتلك المدينة الصغيرة المزينة باشجار اللوز×. إن جواب ميشيل فوكو أضحى بالنسبة لي ول"الآخرين"××، "لازمة"، نكررها صباح مساء للدلالة على ضرورة العودة إلى الموطن والمأوى الخاص. فموضوعة "الإهتمام بالنفس" ستصير رهانا وجوديا مهما لفئة من الباحثين عن المعرفة، فئة لا تعرف نفسها وتجهلها. وثمة سبب وجيه، فنحن لم نبحث عن أنفسنا بعد، ذلك أننا نبقى بقدرة قادر غريبين عن أنفسنا، لا نفهم من أمر ذواتنا شيئا(2). تطلبت منا هذه العودة، التزام الصمت والعمل في هدوء، مع إقامة طويلة قرب "المنابع". مع مرور الأيام، اتضح لنا أن لازمة "الإهتمام بالنفس"، تطرح إشكالات فلسفية وتاريخية وإيتيقية ووجودية، إذ لا يكفي تكرار اللازمة حتى تتحقق مفعولاتها، بل كان من المستعجل القيام بعمل ما، والشروع فعلا في البناء. ستتحول "صيحة" فوكو إلى رغبة قوية للبحث في مفهوم "الإهتمام بالنفس"، وسيصير هذا الفيلسوف مرشدا لنا أثناء إنجاز هذا العمل. لكن بعد عشرين سنة، لازال مفهوم "الإهتمام بالنفس" يثير الاسئلة المحرقة والإشكالات الصعبة، مع غياب الدلالة الذي نعطيها للعبارات المرادفة لهذا المفهوم(3). نرغب في هذه المقالة، الإقامة وسط دروس فوكو الحاملة لعنوان:"تأويل الذات"(4)، للوقوف على مفهوم "الإهتمام بالنفس"، وإزالة الغموض عن بعض الإشكالات التي يطرحها هذا المفهوم، مع الزج به في النقاشات الدائرة حاليا حول أزمة الذاتية المعاصرة.

1-الحياة والتفكير والذات: الرهانات السياسية للسلطة الحديثة
    كشف ميشيل فوكو عن الوظيفتين الخالصتين للدولة الحديثة والمتمثلتين في "التشريح السياسي" و"السياسة الحيوية"، والمرتكزتين على مادتين مجردتين هما الجسد والسكان:
-فمن جهة الجسد، ركزت سلطة الدولة منذ القرن السابع عشر على ترويضه، وزيادة قدرته، وانتزاع قواه، والنمو المتوازي لفائدته وطواعيته، ودمجه في أنظمة مراقبة فعالة واقتصادية، كل ذلك أمنته إجراءات سلطوية تميز الانظمة أو قواعد الإنضباط: إنها سياسة تشريحية للجسم البشري(5).
-أما من جهة السكان، فقد اهتمت السلطة بالجسد-الجنس البشري حول الجسد المخترق بآلية الكائن الحي والقائم مقام الركيزة للسياقات البيولوجية: التكاثر، الولادات والوفيات، المستوى الصحي، معدل أجل الحياة والتعمير، مع كل الشروط التي يمكن أن تغير هذه الظاهرات، ويتم الإهتمام بها بواسطة مجموعة كبيرة من التدخلات والمراقبات الضابطة: إنها سياسة حيوية للسكان(6). يؤكد فوكو على أن أنظمة الجسد وضوابط السكان تشكل المحورين اللذين انتشر حولهما تنظيم السلطة على الحياة واستثمارها. هكذا اتخذت السلطة الحديثة من الحياة هدفا لها وأصبحت لها الكلمة الأولى في تأسيس الحقيقة؛ حقيقة من نحن، وكيف يجب علينا أن نحيا ونفكر.
في بحثه حول تايخ الجنسانية، اكتشف فوكو المأزق الذي تضعنا فيه السلطة، واقترح مخارج وممكنات لمقاومتها والإنفلات من شباكها. تمثل ذلك في الدعوة إلى الصراع من أجل ذاتية جديدة، وذلك عبر مقاومة شكلين حاليين للخضوع؛ يقوم أولهما على قولبة الافراد تبعا لمقتضيات السلطة، أما الثاني فيقوم على دمج كل فرد في هوية معلومة ومعروفة ومحددة التحديد الكلي والنهائي: وعليه فإن الصراع من أجل الذاتية، صراع من أجل الحق في الإختلاف ودفاع عن الحق في التنوع والتغير(7). فرضت مقاربة فوكو للمعرفة والسلطة، وللتطورات السياسية والفكرية -خاصة أحداث فترة الستينات والسبعينات من القرن العشرين- البحث عن أسلحة جديدة لمقاومة آليات الإخضاع والتأديب والمراقبة الحديثة، وذلك بالعودة إلى العصور القديمة، وخاصة إلى الحقبة التي شهدت ظهور تصور "الإهتمام بالنفس"؛ أي الفترة الممتدة من القرن الرابع قبل الميلاد، حتى القرن الر ابع أو الخامس من تاريخ المسيحية. لكن هذه العودة، طرحت أمام فوكو مشاكل متعددة، متعلقة بطبيعة النصوص التي وصلتنا من تلك الحقبة التاريخية، ومدى أصالتها، ونوعية الترجمة التي خضعت لها، ومنهجية القراءة التي تتطلبها. يعزل فوكو تصور "الإهتمام بالنفس" الذي تطور داخل الفلسفة اليونانية والهلنيستية والرومانية وكذلك الروحانية المسيحية، ليؤكد على توسع هذا التصور وتعدد معانيه ودلالاته، وأشكال تحولاته. خاصة وأن الأمر يتعلق بكيفية تصور الأشياء والسلوك، أو التعامل في العالم، والقيام بأعمال، وإجراء علاقات مع الآخر. فالإهتمام بالنفس هو موقف أو توجه: تجاه النفس، وتجاه الآخرين، وتجاه العالم(8)، ومدونة تحدد كيفية الوجود أو طريقة الوجود، وتعين توجها وموقفا، وشكلا من التفكير، ومن الممارسات التي شكلت نوعا من الظاهرة المهمة جدا، ليس فقط في تاريخ التصورات والنظريات، ولكن أيضا في تاريخ الذاتية أو ممارسة الذاتية(9).
2-الإهتمام بالنفس: النموذج السقراطي-الأفلاطوني
    يرى ميشيل فوكو، أن مسألة الذات (مسالة معرفة الذات، مسألة معرفة الذات لنفسها) طرحت أصلا ضمن تصور مغاير؛ إنه ذلك التصور الذي نحت على مدخل معبد دلفي القائل "اعرف نفسك" (10). لكن دلائل تاريخ الفلسفة تربط بين هذا التصور
وتأسيس مسالة العلاقة بين الذات والحقيقة. ستبرز عبارة "اعرف نفسك" على المسرح الفلسفي مع سقراط، ويبين كزينوفانس وأفلاطون قران ومواءمة النصيحة الدلفية مع مبدإ "اهتم بنفسك". لكن فوكو يعتقد أن مسألة الإهتمام بالنفس(11)، يجب إخراجها من فتنة وسحر "اعرف نفسك"، التي قلل من أهميتها، ليؤكد مع نص ألقيبيادس لأفلاطون، على أن الإهتمام بالنفس يشكل فعلا الإطار والأرضية والاساس الذي منه تجد صيغة "اعرف نفسك" مسوغها(12). ويستخلص فوكو أن سقراط هو شخص الإهتمام بالذات وسيبقى كذلك، كما الأمر عند الرواقيين والكلبيين وعند إبقتاتوس. هكذا صار لمفهوم الإهتمام بالنفس أهمية كبرى عند أفلاطون؛ ففي نصه محاكمة سقراط، تم تقديم سقراط كصاحب وظيفة ومهمة ألا وهي تنبيه ودفع وإثارة الآخرين على أن يهتموا بأنفسهم، وأن يعتنوا بانفسهم، وأن لا يهملوها(13). يرتكز مفهوم الإهتمام بالنفس عند سقراط على العلاقة بالآلهة وبالآخرين، وبالنفس كيقظة أولى. ويظهر من خلال هذه العلاقة، ارتباط الإهتمام بالنفس بالبعد السياسي والرغبة في التفوق، وبالوضعية المميزة للكائن الإنهمامي وجهله لنفسه. فداخل هذا الشكل من الإهتمام، ترتبط عملية حكم الآخرين بحكم الذات والعناية ب"النفس أو بذات النفس". ويرتبط مفهوم الإهتمام بالنفس في النموذج السقراطي-الأفلاطوني بمسألة التربية أو البيداغوجيا، حيث نجد في المحاورات السقراطية نقدا موجها للتربية ولممارسة التربية في آثينا، مع تعظيم لحكمة الفرس ولدور المعلمين في تعليم الفضائل الأربعة. كما يرتبط بمجموعة من الممارسات التي تحول وتغير نمط كينونة النفس؛ ك"طقوس التطهر" و"الصبر" و"تقنيات تركيز الروح" و"تقنية الإبتعاد والتقاعد"، التي ستصبح كلمة غنية في كل الروحانية الغربية؛ إنها العزلة والتوحد والزهد(14). ولمفهوم الإهتمام بالنفس في النموذج السقراطي-الافلاطوني علاقة قوية بالعناية بالروح أساسا، وبالجسد، والتأكيد على مكانة نظام الحمية كنظام عام لوجود الجسد والروح. ويتخذ هذا الإهتمام شكله واكتماله في معرفة النفس، حيث ستكون هذه المعرفة بالنفس تعبيرا غالبا على الإهتمام بالنفس في بلوغ الحقيقة على العموم(15). كما يتخذ  في مجال التطبيق، الروح والمدينة؛ ففي مجال الروح، يتعلق الأمر بالإهتمام بالنفس والمراتب الداخلية للروح، وبالنظام والاولوية التي يجب أن تسود بين أجزاء الروح، أما في مجال المدينة، فالأمر يتعلق بالحفاظ على القوانين والدستور ووزن العلاقات بين المواطنين بشكل عادل. فهناك ارتباط مؤكد بين الإهتمام بالنفس والإهتمام بالآخرين والعناية بالعدالة.
3-الإهتمام بالنفس: انتصار النموذج المسيحي
    ظهر مفهوم الإهتمام بالنفس بشكل واضح منذ شخص سقراط، وقطع كل تاريخ الفلسفة القديمة حتى بداية المسيحية. وقد شكلت فلسفة فيلون الاسكندراني وأفلوطين، وتأملات غريغوريوس النيصصي حول الزواج والإهتمام بالنفس بداية للتنسك والرهبنة المسيحية، إضافة إلى كتابات أخرى. لكن يجب التنبيه إلى الإعداد الذي شكله النموذج الأفلاطوني-السقراطي الخاص ب"الإهتمام بالنفس" والقدرة على "الحكم" و"التحكم"، حتى تأسيس السلطة الرعوية الكبرى للكنيسة المسيحية في القرنين الثالث والرابع(16). تأسس مفهوم الإهتمام بالنفس في النموذج المسيحي بناء على علاقة خاصة بالحقيقة؛ بمعرفة تطهرية للقلب وبحقيقة النص والوحي. هذه الحركة الدائرية هي التي تشكل -يؤكد فوكو- أحد النقاط الأساسية في علاقات الإهتمام بالنفس ومعرفة النفس في المسيحية. هذا وتمارس معرفة النفس في المسيحية من خلال تقنيات لها وظيفة أساسية، ألا وهي تبديد وإزالة الأوهام الداخلية، والإعتراف بالوساوس والإغواء الذي يتكون في النفس والقلب، كما أنه يتعلق بإبطال الغواية التي يمكن أن تكون النفس ضحيتها. وكل هذا يتم بواسطة طريقة في الكشف والتحليل للعمليات والحركات السرية التي تحدث وتتم في القلب، حيث يجب تعيين وتحديد أصلها وهدفها وشكلها، أي ضرورة تفسيرها للنفس. وهنا تكمن النقطة الثانية في هذا النموذج المسيحي لعلاقة معرفة النفس والإهتمام بالنفس. ثالثا وأخيرا، إن معرفة النفس ليس لها في المسيحية هذه الوظيفة التي تقتضي الرجوع والعودة إلى النفس من خلال فعل التذكر وإيجاد الحقيقة التي تتأملها والكائن الذي تكون عليه: إذا كنا نعود إلى أنفسنا(...)، فذلك من أجل التخلي والتخلص وإنكار النفس بشكل أساسي وجوهري(17). تطور هذا النموذج المسيحي من خلال الإستيلاء المنهجي على تعاليم وقواعد الجماعات الأبيقورية وخاصة فيما يتعلق بتقنية "الصراحة الأبيقورية"، ومن خلال عملية استيعادية للنموذج الأفلاطوني وبإيعاز من تلك "الحركات العرفانية" التي تطورت على مشارف وتخوم المسيحية والكنيسة المسيحية. وركز هذا النموذج بالاساس على وظيفة تفسيرية تكشف عن طبيعة وأصل الحركات الداخلية التي تحدث في الروح(...). هكذا تقوى هذا النموذج ونشط ابتداء من القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وتطور في العرفان على تخوم المسيحية وحدودها(18).  من المهم جدا التوقف عند انتصار النموذج المسيحي، واستمراره بطرق مختلفة في الطقوس والتقاليد والعادات والعلاقات الإجتماعية، بل امتداده ليلعب أدوار طلائعية في الفكر والأخلاق والسياسة. تم ذلك من خلال عدد من الاشخاص(كهنة، رهبان، بابوات، قساوسة، مدراء، معلمين)، الذين لعبوا دور الإرشاد والتعليم والتوجيه، والمؤسسات الكهنوتية(مدارس، أبرشيات، أديرة، كنائس، كاتدرائيات) التي تسهر على تأدية مجموعة من الواجبات والإلزامات. أضف إلى العمل الجريء التي أقبلت عليه هذه الشخصيات والمؤسسات، بحيث تبنت عددا من الممارسات القديمة من أجل إعطائها مضمونا وهدفا جديدين، تمثل في:
-أولا: السيطرة على نظام كامل من الأفعال واللذات والرغبات التي تميزت بالإعتدال والتقشف والتزهد، والتي كانت ترتبط بفن عيش وجمالية للوجود خلال العصر اليوناني والهلينستي والروماني، وإعداد مقابل ذلك تقنيات تحليل للذات ومراقبتها ونزوع قوي نحو إنكارها. هكذا جرى تحويل تقنيات التزهد الكلاسيكية، التي كانت تستهدف منذ عهد الرواقيين السيطرة على النفس، إلى تقنيات مخصصة لتأمين تطهير الشهوات وإلغاء اللذة حتى يصبح التزهد هدفا بذاته(19).
-ثانيا : ابتكار نمط خاص من العلاقة بالنفس، عبر تأسيس ما سماه فوكو ب"الداخلية المسيحية"، التي تنطوي على أشكال معينة من التيقظ والريبة، والكشف، وتحرير المحاضر، والإعتراف، والإتهام الذاتي، والتخلي، والصراع الروحي، إلخ(20).
ثالثا: العمل على تحجيم النظر العقلي اللاهوتي؛ ذلك أن البابوات(هم في الغالب رجال سياسة وقانون) منذ أن أمسكوا، مع غريغوريوس الكبير(ولد حوالي 540م)، بمقاليد السلطة، وحتى القرن الثاني عشر، كان شاغلهم توكيد الحقوق التي يبغون استخلاصها من سلطانهم الروحي على النفوس وترسيخ ركائزها(21).
4-النموذج الهلنيستي: فن الإهتمام بالنفس
    أصبح للإهتمام بالنفس أهمية مؤكدة في المرحلة الهلنيستية والرومانية، بحيث صار فنا مستقلا وغاية في حد ذاتها(22)؛ متمركزا حول تكوين النفس باعتبارها هدفا يجب بلوغه وتحقيقه. هكذا ارتبط فن الإهتمام بالنفس بفن العيش والحياة، بحيث تم إدماج وربط ممارسة الإهتمام بالنفس بتلك الصيغة العامة لفن الوجود. فصار السؤال:"كيف العمل من أجل أن نحيا كما يجب؟"، متطابق ومتماهي أكثر فأكثر مع السؤال:"كيف العمل من أجل أن تصبح النفس ما يجب أن تكون عليه؟"(23). يعرض ميشيل فوكو إلى نماذج من الفلاسفة والمدارس الفلسفية التي تناولت تصور "الإهتمام بالنفس"؛ فأبيقور مثلا، كان يدعو الإنسان إلى الإهتمام بروحه الخاص، واستعمل للدلالة على هذا الإهتمام فعل "عالج"؛ أي علاج الروح. وكانت لهذه الوصفة أهمية قصوى عند الأبيقوريين والكلبيين. لقد ارتكز مفهوم الإهتمام بالنفس في النموذج الهلنيستي والروماني ليس على تكوين الفرد كي يصبح حاكما جيدا أو خيرا للمدينة، بل يتعلق الأمر بتكوين من أجل أن يتمكن من تحمل العوارض المقبلة، وكل المصائب الممكنة، وكل النكبات والأخطاء التي يمكن أن يقع فيها(24).
يتمثل مفهوم الإهتمام بالنفس في الإعتناء الذي يوليه المرء لروحه كما لجسده. هكذا أصبحت ممارسة الإهتمام بالنفس مدركة فلسفيا باعتبارها عملية طبية، هدفها علاج الروح وكذا الجسد عن طريق علاج الجراح، وإيقاف الإنفعالات وتهدئة الأعصاب. ونجد هذا الإهتمام واضح عند الأبيقوريين والرواقيين الذين يربطون بين مشكلات الروح وصحة الجسد، وبين معرفة الطبيعة والفيزيولوجي، لخدمة السلوك والتصرف وتحقيق الإستقلال والحرية والطمأنينة والتحول إلى الذات ومعرفتها وتغييرها. فهناك تأكيد على أفضلية المعارف والتقنيات والحكم التي تتعلق بالحياة الإنسانية عند الكلبيين والابيقوريين والرواقيين، وأن كل المعرفة التي نحتاجها هي معرفة موجهة نحو فن الحياة(25)، وضرورة تنظيمها وفقا لفنون العيش. وحتى الإهتمام بأمور الطبيعة، فالأمر يتعلق عند الهلينيين والرومان بالرغبة في أن تفتح أعماق الطبيعة نفسها، والإقامة فوق الأشياء وفي قمة هذا العالم، وإدراك حقيقة النفس وصغر حجمها، ومقدار وجودنا. إن الغاية المثيرة حقا، هي تحقيق القدرة على رؤية العالم الذي ننتمي إليه، وبالنتيجة نستطيع أن نرى أنفسنا في هذا العالم. ويهدف الإهتمام بالنفس في النموذج الهلنيستي إلى تكوين روح فاضلة في تواصل مع الكون، منتبهة ويقظة، وفي حالة تأمل لكل ما يشكل الأحداث والأفعال والعمليات(26).
يؤكد فوكو على أن الحقبة الهلنيستية تمثل قمة في تطور الإهتمام بالنفس، والذي أصبح مبدأ موجها للجميع(27). لكن واقعيا، هناك بعض الناس فقط هم الذين استطاعوا أن يقوموا بهذه الممارسة، إما في شكل جماعة دينية، أو التميز بواسطة الثقافة. ومع ذلك، يقول فوكو بأننا نجد في هذا التطور لمفهوم الإهتمام بالنفس، تشكلا واضحا لما سيسمى ب "ثقافة النفس" و"ممارسة النفس" التي أصبحت لها أبعادا معتبرة، وأشكالا غنية ومكثفة. كما يعتقد أن ظاهرة الإهتمام بالنفس قد توسعت كثيرا على مدى تاريخ الفكر الهلنيستي والروماني، بحيث شكلت حدثا فكريا وأصبحت ظاهرة ثقافية جامعة.
5-دور النموذج الأفلاطوني والمسيحي-اللاهوتي ولحظة ديكارت في حجب النموذج الهلنيستي
    أكد ميشيل فوكو على أن مفهوم الإهتمام بالذات قد أهمل من طرف المؤرخين(28)، وترك على الهامش وتم نسيانه ومحو مكانته التي احتلها خلال ألف سنة في الثقافة القديمة. يربط فوكو سبب ذلك:
 أولا: بالدور الذي لعبه النموذج الافلاطوني والنموذج المسيحي في حجب النموذج الهلنيستي. فقد كان ل"النموذج الافلاطوني" و"النموذج المسيحي" حظوة رهيبة ونفوذ وشهرة تاريخية واسعة غطت على النموذج الأخير(النموذج الهلينستي)(29). إن "النموذج الأفلاطوني" هو الوسط الذي تطورت فيه عملية تخليق "الوثنية" وولادة المسيحية، يقول محمد الشيخ:"والحق أن المنعطف نحو المسيحية كان قد حدث حتى قبل ظهور هذه الأدلوجات. ويمكن أن نعود إلى أفلاطون الذي سمم الأخلاق الوثنية. وما عملت المسيحية إلا على تعميم هذا التسميم ونشر العدوى. فكانت بذلك " أفلاطونية سوقية معممة". إذ يلزم ألا يغرب عن ذهننا أن أفلاطون هو "داعية التعصب الاخلاقي" الذي دمر الوثنية، وذلك بعامل من تغيير دلالة قيمها وتسميم براءتها. فما المسيحية، بحسب هذا الإعتبار، إلا أفلاطونية اعتبرت الوثنية "هرطقة" فقامت بقمعها وقمع كل مفهوم عن "الوثنية" أو "أخلاق السادة" أو "الفضيلة" بمعناها القديم"(30).
ثانيا: بما يسميه فوكو ب"اللحظة الديكارتية" التي تم خلالها إعادة تقييم وتمجيد مبدإ "اعرف نفسك" فلسفيا، والبخس والحط من قيمة الإهتمام بالنفس(...)، وأبعدته وأقصته من حقل التفكير الفلسفي الحديث(31). وأكدت على الشروط التي يمكن بها للذات أن تبلغ الحقيقة، هي المعرفة، والمعرفة فقط(32). وهنا تجد "اللحظة الديكارتية" مكانتها ومعناها، مع مختلف الشروط الداخلية لفعل المعرفة والقواعد الصورية للمنهج وبنية موضوع المعرفة. تبدو لحظة ديكارت سببا قويا في إقصاء مفهوم الإهتمام بالنفس، لكن فوكو يرجع ذلك إلى فترات قديمة، إلى اللاهوت. إن اللاهوت (هذا اللاهوت الذي تأسس على تعاليم أرسطو وظهر مع القديس توما الأكويني والحركة المدرسية "السكولاستيكية"...، واحتل مكانة معروفة في التفكير الغربي) الذي يعتبر تفكيرا عقليا قد أسس، انطلاقا من المسيحية بطبيعة الحال، إيمانا له توجه "كوني"، وفي الوقت نفسه، تأسس مبدأ النفس العارفة العامة التي تجد في الله نموذجها وكمالها المطلق، ودرجة كفاءتها العالية، وفي الوقت نفسه خالقها ونموذجها(33).
ثالثا: الصراع الطويل بين الروحانية واللاهوت الذي عمّر إثني عشر قرنا(من القرن الرابع إلى القرن السادس عشر الميلادي)، والذي كثرت خلاله الممارسات المتعلقة بالمعرفة الروحانية(المعارف السرية أو الخفية أو الباطنية). ثم هناك لحظة سبينوزا وكانط، وفيما بعد هيغل، شلينغ، شوبنهاور، نيتشه، هوسرل، وهيدغر كذلك، فنجد عندهم الموقف من المعرفة الروحانية، وإذا ما كان قد تم بخسها والتقليل من قيمتها ونقدها، أم بالعكس قد تمت الإشادة بها مثلما هو الأمر عند هيغل، وعلى كل حال فإن المعرفة -فعل المعرفة- بقي مرتبطا بشروط الروحانية. وفي الماركسية كما في التحليل النفسي، فإن مسألة كينونة الذات (ما يجب أن تكون عليه الذات لتبلغ الحقيقة)، والمسألة المتعلقة بما يمكن أن يتغير في الذات بفعل بلوغها الحقيقة(34). في كل هذه الفلسفات، فإن هنالك نوعا من الروحانية تحاول أن تربط بين المعرفة وفعل المعرفة وشروط الفعل وآثاره في تحول كينونة الذات(35).
يرى فوكو أن العلاقة بين الذات والمعرفة والحقيقة لن تعرف تغييرا ملحوظا إلا في القرن القرن التاسع عشر، هذا القرن الذي شهد فيه تاريخ الفلسفة نوعا من الضغط الذي بواسطته تم إعادة النظر في البنيات الروحانية من داخل الفلسفة. كما تم طرح، ولو بشكل ضمني على الأقل، السؤال القديم جدا للروحانية(36)، الخاص بالإهتمام بالنفس.
6-فوكو ومفارقات الرهان على النموذج الهلنيستي
    يجب التأكيد مسبقا أن كلامي عن المفارقة لا علاقة له بموقف سلبي من الإنتاج الفلسفي لميشيل فوكو، على شاكلة "انسوا فوكو"(37)، أو دعوات فتحي المسكيني، ومحمد المزوغي بعدم أهمية هذا الإنتاج وخطورته(38). بل غايتي هي الوقوف عند دور البحث الفلسفي والتاريخي في إضاءة الطريق عبر طرح مشاكل ومساءلتها، واقتراح بدائل لكيفيات وجودنا وأنماط حياتنا.
تطرح أعمال ميشيل فوكو  حول "تاريخ الجنسانية" و"دروس الكوليج دو فرانس" التي تلتها، أسئلة حول دوافع فوكو من العودة أزمنة موغلة في القدم؛ إلى اليونان والرومان، وبالاخص إلى الفترة الهلنيستية؟
يقول ميشيل فوكو ردا على سؤال بول رابينو وهوبيرت درايفوس حول أهمية الخيار الذي يقدمه اليونان كخيار مغري ومعقول:"أنا لا أبحث عن حل بديل؛ لا يمكن أن نجد حلا لمشكلة ما في حل مشكلة أخرى مطروحة في زمن آخر من قبل أناس مختلفين". ويضيف:"أعتقد أنه لا توجد قيمة نموذجية في حقبة ليست حقبتنا...، فليس المقصود العودة إلى حالة سابقة. لكننا أمام تجربة أخلاقية تنطوي على تشديد قوي على اللذة واستعمالها"(39). يشيد فوكو هنا بالتجربة الاخلاقية لليونان، وابتكاراتها الثقافية المتمثلة في الإجراءات والتقنيات والأفكار والميكانيات التي تساعد على تكوين وجهة نظر معينة، قد تكون مفيدة جدا لتحليل وتحويل ما يحدث اليوم حولنا(40).
لا يمكن فهم هذه العودة دون الأخذ بعين الإعتبار استبعاد فوكو لقضية المسيحية التي بقيت تختزل عموما في أبسط عباراتها من قبيل عبارة "مراقبة الافراد" الطاغية لديه، والتي قوامها الأركان الثلاثة للسلطة الرعوية: الذاتية والجنسانية والحقيقة(41). وبروزها أخيرا في اهتمامه بكتابات القساوسة المسيحيين الذين عاشوا ما بين القرنين الثاني والخامس الميلاديين(هرماس، ترتيليانوس، كاسين...إلخ)، واستنتاجه للدور الذي لعبته المسيحية في ابتكار ممارسات وتمارين ومعارف كان لها دور مركزي في حجب الإرث الفلسفي اليوناني، وكذا الهلنيستي والروماني، وفي توجيه الحياة العامة طيلة القرون الوسطى، وتأجيج الحملات الصليبية، والتأثير القوي على أحداث القرن السادس عشر أثناء حركات الإصلاح الديني والإصلاح المضاد، والتشجيع على انطلاق الإستكشافات الجغرافية والحملات الإستعمارية. أضف إلى الدور المتزايد الذي أصبحت تلعبه الشخصيات والمؤسسات المسيحية في توجيه الحياة المعاصرة أخلاقيا واقتصاديا وسياسيا. تشكل بعضا من هذه "المواقف" بالنسبة لفوكو، حافزا مشروعا لإعادة قراءة تاريخ الإغريق والرومان وإنتاجهم الفكري والفلسفي والأخلاقي والسياسي، ومحاولة مفهمة مختلف هذه الحقول خارج كل الظواهر المسيحية، والبحث بين ثنايا فكرهم عن "اللحظة المقررة"، والإستعانة ب"فكرهم الأصيل" لمواجهة رهانات وتحديات العصر. يتراوح موقف فوكو من اليونان والرومان بين الإعجاب والتقليل من قيمة عصرهم الذي لم يكن عصرا ذهبيا، على خلاف موقف "الهلينيين" الألمان؛ فلاسفة وشعراء(42). لكن ميشيل فوكو كان مأخوذا أكثر بأخلاق اليونان، بتصرفاتهم الأخلاقية، بأدبياتهم، بعلاقاتهم مع الذات والآخرين(43)، وهنا يؤكد على أن ما كان يشغلهم، ومشكلتهم الكبرى، كان تكوين نوع من الأخلاق يكون جمالية الوجود(44). فمثلا، لم يكن عندهم التفكير في السلوك الجنسي، كميدان أخلاقي، طريقة لاستبطان المحظورات العامة المفروضة على الجميع وتسويغها أو تبريرها مبدئيا؛ كان بالأحرى طريقة لإعداد الفن الرزين لحرية مفهومة كنشاط سلطوي، وذلك من أجل القسم الاصغر من السكان المكون من الراشدين الذكور والاحرار(45).
تطرح العودة إلى اليونان وطموح فوكو لإحياء نظامهم الأخلاقي، مشاكل متعددة في حالة تبنيها في الحاضر:
-أولا: طبيعة أخلاق اليونان نفسها والتي كانت أخلاق مجتمع ذكوري(ذكور أحرار)، حيث كانت النساء "مضطهدات"(46). فقد كانت الأخلاق الجنسية، (...)، ترتكز على نظام قاس من التفاوتات والقيود (خصوصا بشأن النساء والعبيد)(47).
-ثانيا: المشكل الذي يطرحه حب الغلمان،  ك"أمر طبيعي"(48)، وكرغبة في الجسد(الدور الانثوي الذي يساق إليه الغلام) أو الروح(اختبار تجربة القلب)، والذي فرض الإحترام الواجب لرجولة المراهق ولوضعه المستقبلي كرجل حر(49). وازدواجية التعامل مع الغلمان حسب الموقع الإجتماعي، (...). كان أرباب العائلات يريدون فرض احترام السلطة التي يمارسونها على أبنائهم؛ وقانون سكانتينيا(Scantini) الشهير، الذي لم يكن يمنع اللواط - كما أثبت ذلك بوزويل Boswell)) – كان يحمي المراهق حر النسب مع التعسف والعنف. من جهة أخرى، وبناء عليه طبعا، كان حب الغلمان يمارس بخاصة مع العبيد الصغار، الذي لا مجال للقلق بشأن وضعهم. ويقول فاين ( Paul Veyne) بهذا الصدد:"في روما، كان يستبدل الفتى حر النسب بالعبد"(50).
-ثالثا: الوضعية الإجتماعية للعبيد والاجانب، والتي تطرح إحراجات حقيقية، في عالم يسعى فيه البعض إلى "حماية كرامة البشر".
خاتمة
    يحيل مفهوم الإهتمام بالنفس إلى مختلف الأنشطة والممارسات والتقنيات، التي ترتكز على التحول إلى الذات والإنتباه إليها، بهدف إعدادها وتجهيزها وتسليحها، وتكوينها كذات إيتيقية تتمتع بكامل حريتها واستقلالها. كما يحيل إلى المجهود الذي يتوجب على الفرد القيام به من أجل تغيير ما سماه ميشيل فوكو ب"صيغة الخضوع"؛ أي الطريقة التي يسلم بها الافراد بالواجبات الاخلاقية المفروضة عليهم كقواعد وقوانين، والتي من الواجب -هنا والآن- الشروع في طرحها وإبرازها عبر إخضاعها للتحليل والتفسير والنقد. وهنا يدعونا فوكو إلى وجوب الإهتمام بالنفس والإيمان بإمكانية تكرار هذا المبدإ وطرحه في كل مكان وعند الجميع.
أما العودة إلى التجارب والنماذج القديمة في الفكر والفلسفة والاخلاق والحياة، فالهدف منه هو البحث عن طريقة تفكير مغايرة لمواجهة الحاضر، ودفع الفكر إلى أن يسترجع من الأصل الطريقة التي يطرح الناس مشكلة سلوكهم وتصرفاتهم ومعنى وجودهم، والأخطار التي تهدد حياتهم. والأخذ بنصيحة الإهتمام بالنفس الذي تأسست على نوع من الفن وعلى تقنيات الحياة(فن العيش وفن الحياة). فليس عمل الفكر -يقول فوكو- هو أن يدين الشر الذي قد يسكن في كل ما هو موجود، بل أن يستشعر الخطر الذي يكمن في كل ما هو مألوف، وأن يجعل كل ما هو راسخ موضع إشكال.
فهل هناك إمكانية لاشتغال نصائح إيتيقا العصر اليوناني والهلينستي والروماني بين طيات قيمنا وأخلاقنا المعاصرة؟
وهل نحن مستعدون للقاء إبداعات الآخر، والإستفادة منها في تكويننا وإعدادنا للزمن القادم، علنا نكون في مستوى الأحداث المتسارعة التي تتجه صوبنا؟
الهوامش:
1-ألف ميشيل فوكو ثلاثة كتب حول تاريخ الجنسانية إلى حدود وفاته، هي: إرادة المعرفة، استعمال اللذات، الإنهمام بالذات. ولم ينه الجزء الرابع الذي حمل عنوان: اعترافات الجسد أو الشهوة، حسب الترجمة، "Les Aveux de la chair" .
× إشارة إلى مدينة أزيلال.
×× إشارة إلى ثلة من الأصدقاء، جمعتهم محبة الحكمة وهواية قطف الايام، بعيدا عن واجبات "الدرس الفلسفي"، والتزامات "اليومي"، وأخص بالذكر الصديق حسن أوزال.
2-فريديريك نيتشه: أصل الأخلاق وفصلها، ترجمة حسن قبيسي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، ص9.
- يقول نيتشه: "ما أشد سعادتنا نحن معشر الباحثين عن المعرفة، شرط أن نحسن التزام الصمت وقتا طويلا كافيا... !"، ص11، نفس المرجع أعلاه.
-ملاحظة:
أتذكر -وأنا أزور الآن مدينة أزيلال لفترة تمتد بين أواخر شهر يوليوز وبداية شهر غشت 2017- الأثر العميق الذي تركته هذه الكلمات/الإشراقات أعلاه، حين قرأت، أواسط التسعينات، أول كتاب لفريديريك نيتشه: "أصل الأخلاق وفصلها"(جينيالوجيا الاخلاق)، وجدته بين مجموعة كتب، حملت أسماء "بنعبد العالي" و"سبيلا" و"يفوت" وأفلاطون و"ماكيافيلي" و"شارل إيف زاركا"...، كانت مطروحة فوق طاولة بمنزل الأستاذ الحسن اللحية، بالدوار الجديد/أزيلال.
3-يقول ميشيل فوكو:"عندما نرى غياب الدلالة والمعنى والفكر الموجود في كل واحدة من هذه العبارات المستعملة اليوم (العودة إلى النفس، التحرر، كن نفسك، كن أصيلا...إلخ)، أعتقد أنه لا يجب أن نفخر كثيرا بالجهود التي نقوم بها من أجل إعادة بناء أخلاق الذات"، كتاب: تأويل الذات، دروس ألقيت في "الكوليج دوفرانس" لسنة 1981-1986، ترجمة وتقديم وتعليق د. الزواوي بغوره، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2011، ص238.
4-ميشيل فوكو: تأويل الذات، نفس المرجع أعلاه.
5- ميشيل فوكو: إرادة المعرفة، ص141.
6- ميشيل فوكو: إرادة المعرفة، ص142.
7- دولوز: المعرفة والسلطة، ص114و115.
8- ميشيل فوكو: تاويل الذات، ص19و20.
9- ميشبل فوكو: تاويل الذات، ص20.
10-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص11.
11- ميشيل فوكو: يقول فوكو:"تفيد عبارة "الإهتمام بالنفس" الممارسة أو النشاط والتأمل في نفس الوقت.... إن الإهتمام بالنفس يعني كذلك مجموعة من الأفعال الدائمة، أفعال نقوم بها أو نمارسها أو تقوم بها النفس على نفسها، أفعال من خلالها نعتني بأنفسنا، وبها نتحول أو نتغير، وبها نغير وجهنا أو نتجمل"، ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص20.
12- ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص16.
13- ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص13.
14- ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص52.
15- ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص80.
61-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص50.
17- ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص242.
18- ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص243.
19- أوبير دريفوس وبول رابينوف: ميشيل فوكو:مسيرة فلسفية، ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت-لبنان، ص220.
20-ميشيل فوكو: استعمال اللذات، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي، لبنان، 1991، ص46.
21-إميل برهييه: تاريخ الفلسفة، الجزء الثالث، العصر الوسيط والنهضة، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، 1988، ص12.
22-أطلق ميشيل فوكو على هذا الإهتمام الواسع، ب"انفجار الإهتمام بالنفس"، الذي تحول إلى ممارسة مستقلة، وإلى تقنية في الحياة سماها فوكو ب"فن الحياة" أو "فن الوجود"، تشمل حياة الفرد وحياة جميع الأفراد، كائنا من كانوا"، تأويل الذات، ص88.
23-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص172.
24-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص96.
25-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص 245. يؤكد ميشيل فوكو على أن فكرة وجوب الإنهمام بالنفس والإعتناء بها heaut) epimeleisthai) هي في الواقع موضوعة قديمة جدا في الثقافة اليونانية؛ عند الفلاسفة (زينوفون، سقراط، أفلاطون، ألبينوس، إبوليه...، وفي المذاهب والمدارس الفلسفية(الفيثاغورية، السينيكية، الأبيقورية، الرواقية)، انظر الفصل الثاني  المعنون ب"العناية بالذات"، من كتاب ميشيل فوكو: الإنهمام بالذات، الجزء الثالث من تاريخ الجنسانية، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي، 1992.
26-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص264.
27- يقول فوكو:"إن ممارسة الإهتمام بالنفس، بدلا من أن تكون قاعدة ووصية تفرض على المراهق في اللحظة التي ينتقل فيها إلى الحياة البالغة والناضجة والراشدة والسياسية، فإنها أصبحت أمرا وشأنا يخص مسيرة الوجود الإنساني كلها. فقد التحمت وامتزجت بفن الحياة. إن فن الحياة أو فن العيش وفن الإهتمام بالنفس أصبحا متماهين، أو يميلان على الأقل لأن يكونا كذلك"، ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص198.
28- يطرح فوكو الأسئلة التالية: "ما الذي حدث وأدى إلى تجاهل هذا التصور الخاص بالإهتمام بالنفس عند محاولة إعادة كتابة الفلسفة الغربية؟ كيف حدث وإن تم تفضيل كبير وإعطاء قيمة وانتباه أكبر لتصور "اعرف نفسك" وترك جانبا، وفي الظل على الأقل، هذا التصور الخاص بالإهتمام بالنفس، الذي إذا ما نظرنا إليه من الناحية التاريخية، وعندما نطالع الوثائق والنصوص نجده أولا يؤطر مبدأ "اعرف نفسك"، وكان بمثابة العماد والسند لمجموعة من التصورات والممارسات وأساليب الوجود الغنية والمكثفة؟ لماذا هذا التفضيل ل"اعرف نفسك" على حساب "اهتم بنفسك"؟، ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص21.
29-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص242.
30- محمد الشيخ: نقد الحداثة في فكر نيتشه، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2008، بيروت، ص430 و431.
31-مشيل فوكو: تأويل الذات، ص23.
32-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص26.
33-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص34.
34-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص37.
35-ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص35و36.
36- يقول فوكو في تعريفه للروحانية:"نستطيع إطلاق الروحانية على البحث والممارسة والتجربة التي من خلالها تقوم الذات بعملية حول نفسها وبالتحولات الضرورية التي تجريها، من أجل بلوغ الحقيقة. نسمي إذن ب"الروحانية" مجموع هذه البحوث والممارسات والتجارب التي يمكنها أن تكون تطهرا وتزكية وتقشفا وتنسكا وتحولا في الفطرة وتغييرا في الوجود، ليس بالنسبة للمعرفة، وإنما بالنسبة للمعرفة، وإنما بالنسبة للذات وبالنسبة لكينونة الذات نفسها، الثمن الذي يجب أن تدفعه الذات لكي تقترب من الحقيقة"، ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص24.
37- من العناوين المستفزة، حقا:                                                                                               
-David Halperin : Oublier Foucault mode d’emploi, Traduction :Isabelle Chatelet, Edition Broché, Janvier 2004.                                                   
-Jean Baudrillard : Oublier Foucault, Edition Broché, Nouvembre 2004.
يقول الزواوي بغوره:"يتلخص نقد بودريار...،  في أن فوكو قد ساوى بين السلطة والمجتمع، وأنه لم تعد هنالك أية إمكانية للتغيير، وأن الفيلسوف قد أعدم كل شيء عندما اعتقد أن كل شيء سلطة، وخاصة عندما استبعد مفهوم القمع، جاعلا من خطاب فوكو ذاته خطاب سلطة ومرآة للسلطة التي يكتبها أو يحللها"، ميشيل فوكو: يجب الدفاع عن المجتمع، ترجمة وتقديم وتعليق د الزواوي بغورة، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2003، ص24.
38- بالنسبة لفتحي المسكيني: انظر مقالي: مواقف من الترجمة، موقع أنفاس من أجل الثقافة والإنسان، 15 أبريل 2017. أما بالنسبة لمحمد المزوغي: يمكن الرجوع إلى كتابيه: "نيتشه، هايدغر، فوكو، تفكيك ونقد" و"في نقد ما بعد الحداثة: فوكو والجنون الغربي".
39-أوبير درايفوس وبوا رابينوف: فوكو: مسيرة فلسفية، مقابلة مع هيوبرت ل. دريفوس وبول رابينوف، حول نسابية الأخلاق: لمحة عن العمل الجاري، ص206.
40-يقول فوكو:"ليس لنا أن نختار بين عالمنا والعالم اليوناني. لكن، بما أنه يمكننا أن نلاحظ أن بعض أهم مبادئنا الأخلاقية قد ربطت في وقت معين بنظرة جمالية إلى الحياة، فإنني أعتقد أن مثل هذا التحليل التاريخي قد يكون مفيدا"، أوبير درايفوس وبوا رابينوف: فوكو: مسيرة فلسفية، ميشيل فوكو: مقابلة مع هيوبرت ل. دريفوس وبول رابينوف، ص207.
41- فيليب شوفاليي: ميشيل فوكو ومفهوم "الذات" المسيحي، ترجمة حسن أوزال، موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 10ديسمبر2014.
42- بالنسبة للموقف من العصر القديم:
- موقف ميشيل فوكو: رغم تقليل فوكو من قيمة العصر القديم، وتأكيده على أن"تفاؤل الفكر..هو أن يعرف أنه لا وجود لعصر ذهبي"، فهو يرى أن القرنين الأولين للميلاد يشكلان عصرا ذهبيا بالنسبة لثقافة الإهتمام بالنفس"، انظر، ميشيل فوكو: تأويل الذات، ص38.   ويعتبر القرنين الأولين من العهد الإمبراطوري، وكأنهما قمة المنحنى: نوع من العصر الذهبي في العناية بالذات، انظر ميشيل فوكو: الإنهمام بالذات، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي، 1992، ص32.
- موقف الألمان:  يشير جورج أبي صالح، مترجم كتاب أوبير درايفوس وبول رابينوف: "فوكو: مسيرة فلسفية" إلى "تيار المفكرين الألمان الذين يرون في الثقافة اليونانية عصرا ذهبيا للحرية والحب والقوة وخاصة نيتشه وفكرة تقسيمه لهذه الثقافة إلى الإتجاه الأبولوني والديونزيوسي" هامش، ص206. يقول نيتشه مشيدا بطريقة الوجود الإغريقية:"إننا عندما نقوم بقياس طريقة وجودنا الحديث بمقاييس الإغريق القدماء، وبما هي مقدرة لا ضعف، فإنها تبدو بمثابة شيء هجين وزنديق: إذ أن الاشياء المناقضة لتلك التي نبجلها اليوم، هي بالضبط الاشياء التي كان الوجدان بجانبها والله حارسها أمدا طويلا"، فريديريك نيتشه: في أصل الأخلاق وفصلها، ترجمة حسن قبيسي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، ص110. ويقول:"ولنحي الآن، كما ينبغي، عظمة إغريق الإستثناء هؤلاء الذين ابتكروا العلم. فأن نروي تاريخهم يعني أن نروي التاريخ الاكثر بطولية في حياة العقل الإنساني"، الشذرة 221:"إغريق الإستثناء"، كتاب: إنسان مفرط في إنسانيته، كتاب العقول الحرة، الجزء الثاني، ترجمة محمد الناجي، إفريقيا الشرق، 2001، ص73.
- موقف هايدغر: يبدو واضحا في الكتابات التي تلت "الكينونة والزمان"، حيث اعتبر أعمال فلاسفة اليونان الأوائل أساس حدوث الحقيقة في الغرب، وهو ما عرف عنده ب"البدء الأول". الشيء الذي دفعه إلى قراءة إنتاجهم الفكري والفلسفي وتأويله.
-موقف فردريش هولدرلين: ولى هذا الشاعر الالماني ظهره للتيارات الأدبية والفكرية والفلسفية الألمانية، وراح يدرس الإرث الفني الإغريقي، ويمجد في قصائد "أناشيد توبينغن" المثل والروح الإنسانية الإغريقية، ويترجم قصائد الشاعر الإغريقي بيندار، ومسرحيات الشاعر الإغريقي سوفوكليس إلى الألمانية كمسرحية "أنتيغون" و"أوديب".
43- أوبير درايفوس وبوا رابينوف: فوكو: مسيرة فلسفية، ميشيل فوكو: مقابلة مع هيوبرت ل. دريفوس وبول رابينوف، ص203.
44- يقول فوكو:"أتساءل: أوليس مشكلتنا اليوم هي ذاتها إلى حد ما، بما أن معظمنا لا يعتقد بأنه يمكن بناء أخلاق على الدين، ولا يرغب في نظام أخلاقي يتدخل في حياتنا الأخلاقية والشخصية والداخلية. وتعاني حركات التحرر الحديثة من عدم إيجاد مبدإ يبنى عليه إعداد أخلاق جديدة. فهي بحاجة إلى أخلاق معينة، لكنها لا توفق إلى إيجاد أخلاق أخرى غير تلك المبنية على معرفة علمية مزعومة لماهية الأنا، والرغبة، واللاشعور، إلخ"، أوبير درايفوس وبول رابينوف: فوكو: مسيرة فلسفية، مقابلة مع هيوبرت ل. دريفوس وبول رابينو، ص204.
45- ميشيل فوكو: استعمال اللذات، ص179.
46- أوبير درايفوس وبوا رابينوف: فوكو: مسيرة فلسفية، ميشيل فوكو: مقابلة مع هيوبرت ل. دريفوس وبول رابينو، ص204.
47- ميشيل فوكو: استعمال اللذات، ص179.
48- ميشيل فوكو: الإنهمام بالذات، الجزء الثالث من تاريخ الجنسانية، ترجمة جورج أبي صالح، مراجعة مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي، 1992، ص130.
49- ميشيل فوكو: استعمال اللذات، ص179.
50- ميشيل فوكو: الإنهمام بالذات، ص130.