مدخل للمنطق المحمولي: الاستدلال المباشر في المنطق التقليدي ( الجزء 1) ـ أ. مصطفى قشوح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse08042نهدف من خلال هذا المقال إلى الوقوف عند مفهوم الاستدلال المباشر عند أرسطو والمنطق التقليدي، ثم نبين مدى حضور هذا النمط من الاستدلال في البناء البرهاني للعقلانية الأرسطية، على المستوى المنهجي سننتهج منهجا أكسيوميا في البناء والتحليل حيث سننطلق في البداية  من تعريفات ثم نمر للبديهيات ونخلص للعمليات استدلالية  خاضعة لقواعد استنتاجية محددة . أما مسألة  بناء  المبرهنات سنؤجلها للحديث عن  الجزء الثاني الذي سنتطرق فيه لبرهانية نظرية القياس.
1)     تعريفات
-     الاستدلال
نسمي استدلالا كل عملية عقلية تنطلق من مقدمات(على الأقل واحدة) لتصل إلى نتائج، وقد عرفه أرسطو بأنه سير العقل من المعلوم إلى المجهول قصد الكشف عن المجهول وتبيانه . ويهدف الاستدلال  عند أرسطو إلى بناء المعارف على قاعدة منطقية كلية. ويرى أرسطو أن الطريق الذي يسمح بتحقيق هذا الهدف يتمثل أساسا في نوعين من  الاستدلالات وهما: الاستدلال المباشر والاستدلال غير المباشر .
-    الاستدلال المباشر
نسمي استدلال مباشر كل استدلال يسمح باستنتاج قضية من أخرى دون اللجوء إلى واسطة، ففي الاستدلال المباشر نكون في غنى عن قضية ثالثة تتوسط المقدمة الأولى بالنتيجة ، لأننا نستنتج بطريقة مباشرة  نتيجة القضية من مقدماتها أو نحكم على صدق أو كذب النتيجة من خلال مقدمة وحيدة فقط إذا  كانت معلومة لدينا .

-    الاستدلال غير المباشر
 نسمي الاستدلال غير المباشر كل استدلال عقلاني ننطلق فيه  مقدمات (على الأقل مقدمتين) لنصل  إلى نتيجة تلزم عن المقدمات بالضرورة ، ويتخذ هذا الاستدلال 3 أشكال وهي: 1) الاستدلال الاستنباطي ( القياس) وهو الاستدلال الذي ننتقل فيه من مقدمتين كبرى وصغرى بينهما حد مشترك لنصل إلى نتيجة تلزم عن المقدمتين،  ويشترط -على الأقل-  أن تكون  الكبرى كلية وان تكون النتيجة إما كلية أو جزئية، ويتحكم المنطق الصوري وقوانين الفكر أو ما سنسميه بديهيات النسق العقلاني التقليدي في هذا الاستدلال، 2) الاستدلال الاستقرائي وهو استدلال ننطلق فيه على الأقل من مقدمتين، ويشترط أن تكون فيه المقدمة الكبرى جزئية والنتيجة كلية ، حيث تتحكم فيه مبادئ العلوم التجربية " مثل علوم الحياة والفيزياء" 3) الاستدلال التمثيلي، هو استدلال  الذي ننتقل فيه من مقدمات جزئية إلى  نتيجة جزئية، وهو أضعف أنواع الاستدلالات من الناحية المنطقية ولا يعتبره أرسطو  كاستدلال حقيقي بل يقول عنه بأنه استدلال مزيف، لأنه لا يهدف إلى تأسيس على معرفة كلية بل يظل في  حدود الجزئيات ولا يرقى إلى مستوى المعرفة الكلية . وغالبا  ما يستعمل هذا الاستدلال في  الخطابة والبلاغة. 
تعليق على التعريفات
قبل الوقوف عند بديهيات الاستدلال المباشر والتي ستشكل الحجر الأساس في الاستدلالات المباشرة، يجب أن نشير إلى أن الاستدلالين سواء المباشر وغير المباشر مرتبطين أشد الارتباط في ذهن أرسطو ولا يمكن الفصل بينهما، ويرجع سبب الفصل بينهما في المنطق التقليدي لضرورة بيداغوجية ومنهجية بالدرجة الأولى. ولقد انتبه لهذا الأمر كل من راموس ولا يبنيز ولا شولييه حيث  لاحظ هؤلاء أن  الشكلان الاستدلاليان مرتبطان في ذهن أرسطو حيث يمكن إرجاع عمليات الاستدلال المباشر إلى الأشكال القياسية( 1،2،3) ونحن نرى أن أرسطو أيضا  قد  قام بهذا الأمر في كتاب التحليلات الأولى حيث  وظف عمليات الاستدلال المباشر  في رد الأقيسة الضعيفة  إلى الشكل الأول.
2)    بديهيات الاستدلال المباشر  
يرى علي سامي النشار أن الاستدلال المنطقي عند أرسطو سواء كان مباشرا أم غير مباشر، فإنه  يخضع  لمبدأ أساسي: مبدأ المقول على الكل وعلى اللاواحد وهذا المبدأ  مشتق أساسا من قوانين الفكر  الأولى وهي الهوية وعدم التناقض والثالث المرفوع . وهو ما يعني أن هذه القوانين الثلاث تشكل بديهيات الاستدلال المباشر إضافة إلى القضايا الأولية الأربع التي  تعتبر بمثابة الحجر المقدس في الاستدلال  المنطقي التقليدي .


-    البديهيات الأولية :
نقصد بالبديهيات الأولية القضايا الأربع التي تشكل أركان الاستدلال العقلاني الأرسطي سواء في  صورته المباشرة  أو غير المباشرة:
1)    الكلية الموجبة: عبر عنها المنطق التقليدي بالحرف اللاتيني ( A)، ويمكن التعبير عنها في اللغة العربية بالرمز (كم).
2)     الكلية السالبة: عبر عنها المنطق التقليدي بالحرف اللاتيني ( E)، ويمكن التعبير عنها في اللغة العربية بالرمز (كس)
3)    الجزئية الموجبة: عبر عنها المنطق التقليدي بالحرف اللاتيني ( I)، ويمكن التعبير عنها في اللغة العربية بالرمز (جم)
4)     الجزئيى السالبة : عبر عنها المنطق التقليدي بالحرف اللاتيني( O)، ويمكن التعبير عنها في اللغة العربية بالرمز (جس)

-    بديهية الهوية:
 تنص هذه البديهية على أن الشيء يظل هوهو [ أي نفسه] لا يتغير مع مرور الزمن، ويمكن التعبير عنها بالصيغة الجبرية التي اقترحها لايبنيز أ هو أ أو ( أ=أ)  . و قد عبر عنها سيجورت بالقول ما صدق مرة يصدق  دائما، فإذا صدقت "أ" في هذه اللحظة فهذا يعني أنها ستصدق دائما ما دمت مثبتة كحقيقة جوهرية من طرف العقل . حيث تعمل البديهية السابقة على منع  تحول القضية إلى نقيضها، لأن الموضوع إما يتصف بالصفة أو بنقيضها. هذه العبارة ستقودنا إلى البديهية اللاحقة عدم التناقض .




-    بديهية  عدم التناقض
تعد هذه البديهية امتداد لبديهية الهوية وقد عبر عنها  أرسطو "من المحال حمل صفة وعدم حمله بالمعنى نفسه"  بمعنى من المستحيل ان نحكم على  شيء  بأنه موجود  وغير موجود في الوقت نفسه  ويمكن التعبير عن هذه البديهية  بالصيغة الرمزية : أ ≠¬أ.
-    بديهية الثالث المرفوع
تعد بديهية الثالث المرفوع أقصى تجليات بديهية عدم التناقض وتنص هذه  البديهية التي تطرق لها أرسطو في كتاب الميتافيزيقا  في مقالة الجاما (ج) أن القضية إما تكون صادقة أو كاذبة، فإذا كانت القضية أ صادقة، فإن نفيها (¬أ) ستكون كاذبة بالضرورة. ولا وجود لحد أوسط بين طرفي القضية الواحدة، فلا يمكن أن تكون القضية صادقة ونفيها صادق أيضا. ويمكن استعمال اللغة المنطقية المعاصرة للتعبير عن البديهية الأرسطية:
أ : ص V ك
إذا تأملنا جيدا في هذه البديهية، نجد أنها عبارة عن صيغة شرطية تضبط بديهيتي الهوية وعدم التناقض   وتتضمنهما أيضا. حيث ترفض هذه البديهية وجود حد أوسط بين قيمتين الصدق والكذب في قضية واحدة، فالقضية / الحكم إما صادقة أو كاذبة، ولا توجد منطقة وسطى بين الصدق والكذب، ومن هذا المنطلق سيلغي أرسطو كل القضايا التي تخرق هذا البديهية وعلى رأسها المفارقات أي تلك القضايا الصادقة والكاذبة في الوقت نفسه كونها تناقض مبادئ العقل و قوانين الفكر الإنساني.
عمليات الاستدلال المباشر
عرفنا فيما مضى الاستدلال المباشر بأنه استنتاج قضية من أخرى. ولكي يكون هذا الاستنتاج صحيحا يجب أن يخضع لقواعد محددة وعمليات دقيقة، ويمكن تلخيص هذه القواعد الاستدلالية في نوعين الاستدلال بقواعد التقابل والاستدلال بعمليات النقض والعكس.
-    الاستدلال بالتقابل
بنى أرسطو هذا الاستدلال بناء على العلاقات التي تربط القضايا الأولية كما وكيفا، حيث نقول عن قضيتين بأنهما متقابلتين إذا كان لهما نفس المحمول ومختلفتين كما وكيفا، لذلك نستطيع القول أن  الاستدلال التقابلي  يبحث في  إمكانية استنتاج قضية من أخرى  يكون  لهما نفس الموضوع و المحمول.
 تنقسم عمليات التقابل  بانقسام القضايا  الأولية الأربع [ التي  اصطلحنا عليها بالبديهيات الأولية]  A , E ,I,O      حيث يمكننا  تقسيم عمليات التقابل  إلى أربع عمليات أساسية   :
1.     التناقض : و يكون بين قضيتين مختلفتين  كما وكيفا  ( كم(A)  وجس(O) أو بين  كس(E)، وجم(I)(
2.    التضاد :  يكون  بين قضيتين مختلفين كما ومتفقتين كيفا ( كم(A) وكس(E))
3.    الدخول تحت التضاد يكون بين قضيتين مختلفتين كما ومتفقتين كيفا ( جم وجس(O))
4.    التداخل  :  يكون بين قضيتين مختلفتين كما  ومتفقتين كيفا ( مثل كم(A) وجم(I)، وكس(E) وجس(O)) 
•    قوانين التقابل :
1)     قانون التناقض : إذا كانت  إحدى القضيتين المتناقضتين صادقة تكون الأخرى كاذبة بالضرورة و العكس صحيح ، مثلا إذا كانت كم صادقة  فإن  جس كاذبة وبالضرورة و إذا كانت جم كاذبة فإن كس  صادقة بالضرورة.
2)     قوانين التداخل :
•    إذا كانت A  أو  E  صادقة كانت I  أو  O صادقة 
•    إذا كانت A  أو  E  كاذبة كانت I  أو  O مجهولة .
•    إذا كانت I  أو  O صادقة كانت A  أو  E مجهولة
•    إذا كانت I  أو  O كاذبة  كانت A  أو  E كاذبة
3)    قوانين  التضاد
•    إذا كانت A صادقة، كانت E كاذبة
•    إذا كانت E صادقة ، كانت  A  كاذبة
•    إذا  كانت A كاذبة،  كانت E مجهولة
•    إذا كانت  E كاذبة  كانت A مجهولة
4)     الدخول تحت التضاد
•    إذا  كانت  I صادقة  كانت ،  فإن Oمجهولة
•    إذا كانت  O صادقة ،   فإن I   مجهولة
•    إذا كانت I  كاذبة ،  فإن  O صادقة
•    إذا كانت O  كاذبة ، فإن I صادقة.
•    ملاحظات
-    القضيتان الكليتان لا تصدقان معا ولا تكذبان معا في حالة كان الموضوع أخص من المحمول. ويكذبان معا إذا كان الموضوع  أعم من المحمول  في حالة التضاد .
-    تكون القضية الكلية موجبة صادقة والجزئية المتداخلة معها صادقة بالضرورة [ يكون الموضوع  اخص من المحمول]؟

•    استنتاجات
-    نستنتج من خلال ما سبق أن الهدف الأساسي من الاستدلال بالتقابل أن نقيم علاقة منطقية بين قضيتين متفقتين في الموضوع و المحمول تكون احدهما مقدمة والأخرى كنتيجة  من خلال قوانين التقابل.

-    الاستدلال المباشر بالعكس والنقض
إذا كان الاستدلال بالتقابل يتعلق باستنتاج قضية من قضية أخرى متحدة معها في الموضوع والمحمول، فإن الاستدلال المباشر  بالعكس يسمح باستنتاج قضية من أخرى مختلفة معه في  المحمول أو الموضوع  أو هما معا  .
يميز المنطق التقليدي بين 6 صور للاستدلال بالعكس والنقض وهي 1) العكس المستوي 2) نقض المحمول 3) نقض العكس المستوي 4) عكس النقيض المخالف 5) عكس النقيض الموافق  6)  النقيض العام (يطلق إما على نقض الموضوع أو النقض التام). ويمكن إرجاع هذه العمليات إلى عمليتين أساسيتين وهما العكس المستوى ونقض المحمول، حيث يمكن استنباط باقي العمليات الأخرى منهما. ولبيان هذا الأمر سنقف عند هذه العمليتين وسنبين كيفية استنباط باقي العمليات من العكس والنقض.

1)    العكس  المستوي
العكس المستوى عملية استدلالية مباشرة تستند على تغيير مواضع حدود القضية المستنتجة دون تغيير في كيف القضية، حيث يصبح المحمول في القضية الأصلية موضوعا في القضية المستنتجة والعكس صحيح. ويـتأسس العكس على قاعدتين أساسيتين هما: 1) قاعدة الاستغراق  2) قاعدة الكيف  :
تنص القاعدة الأولى على مايلي: لا يستغرق حد في العكس ما لم يكن مستغرق في القضية الأصلية  ومعنى هذه القاعدة أن القضية المعكوسة لا تثبت شيء أكثر مما تثبتها القضية الأصلية ( فصدق العبارة يظل نفسه)"  أي أن القضية  المعكوسة تعتبر هذه القاعدة  نتيجة مباشرة لبديهية الهوية التي وضعنها في بداية هذا المقال، ويعني أن النتيجة لا يجب أن تقول أشياء تتجاوز ما تم التصريح به في المقدمات ويعني أن النتيجة إما تأتي مساوية للمقدمة أو أقل  منها.
 وتنص القاعدة الثانية: أثناء عملية عكس حدود القضية (إبدال المحمول موضوع و الموضوع محمول في القضية المعكوسة) يجب أن تتفق القضية المعكوسة مع القضية الأصلية وهو ما يعني ضرورة الحفاظ على القيمة الصدقية للقضية.
  ولتوضيح العكس المستوى سنطبق القاعدتين السابقتين على القضايا الأربع
1)    عكس الكلية الموجبة.
يسمى هذا العكس في المنطق التقليدي  بالعكس المستوى الناقص ( ويسمى ايضا العكس الجزئي أو العكس بالعرض ويرمز له المنطق التقليدي ب الحرف P)  لأننا لا نحافظ علي كمية القضية المعكوسة  حيث  نعكس حدود القضية ونعكس معها  كمية القضية الأصلية وذلك.
مثلا  
كل المغاربة أفارقة ----- تعكس ------> بعض الأفارقة  مغاربة.
2)    عكس الكلية السالبة:
تعكس الكلية السالبة عكسا مستويا كامل لأن عملية العكس لا تتجاوز القاعدة العامة للعكس فإذا كانت كمية القضية الأصلية كلية كانت المعكوسة كلية وإذا كانت جزئية ظلت جزئية .
مثلا :
لا واحد من الإنسان حجر--- تعكس ---->  لا واحد من الحجر  بإنسان.
3)    عكس الجزئية الموجبة
تعكس الجزئية الموجبة عكسا مستويا لأن عملية العكس لا  تتجاوز القاعدة العامة المستنبطة من  مبدأ الاستغراق لأننا في الجزئية الموجبة نلاحظ حسب قاعدة الاستغراق أن الموضوع غير مستغرق في المحمول والمحمول غير مستغرق في الموضوع. وبالتالي فإن  تغير  الحدود  لن يؤدي إلى الخروج عن قاعدة الاستغراق.
 مثلا :
  بعض الحيوان مفكر  ---- تعكس ----->   بعض المفكر حيوان
4)    عكس الجزئية السالبة.
لا تعكس الجزئية السالبة لأنه محمولها  يكون  كلي  في القضية الأصلية ، و يصبح جزئي  في القضية  المعكوسة ، والموضوع  الجزئي يصير في العكس محمولا كليا . وإذا قمنا بالعكس فإننا سنخترق  احد أهم المبادئ الاستدلالية وهو مبدأ الاستغراق  لذلك رأى المنطق  الأرسطي ومعه المنطق التقليدي أن القضايا الجزئية السالبة لا تعكس .
2)     نقض المحمول
يقصد بنقض المحمول استنتاج قضية من أخرى على أن تتساوى القضية الثانية في الصدق والموضوع، على أن يكون محمول القضية الأصلية هو نقيض محمول القضية المستنتجة. والقاعدة الأساسية التي تتحكم في نقيض المحمول هي تغيير في كيف القضية.
A:  كل  إنسان حيوان--- تنقض ---> لا واحد من الإنسان  غير حيوان.
E : لا واحد من الإنسان  بجماد--- تنقض --->  كل إنسان غير  جماد
I  : بعض المعدن ذهب----- تنقض ---> ليس  بعض المعدن غير  ذهب
O : ليست بعض  الكتب  مفيدة --- تنقض ----> بعض  الكتب  غير مفيدة.

تشكل هاتين العمليتين الأساس العام لاستدلال بالعكس والنقض حيث يمكن استنباط باقي  العمليات الاستدلالية بناء عليها.
3)     نقض العكس المستوي
تتألف هذه العملية من خطوتين الأولى وهي القيان بالعكس المستوي والثانية نقض المحمول، يمكننا اختصار العملية في المعادلة التالية:
 نقض العكس المستوي= العكس المستوي+ نقض المحمول
 ويمكن تقديم أمثلة على هذه العملية.
........ لقراءة كامل المقال يرجى تحميله من الرابط أسفله

تحميل كامل المقال