أزمة أساطير الحداثة وما بعد الحداثة، قراءة في كتاب" هل نسير إلى الهاوية؟" لإدغار موران ـ فروجة سعيداني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse02043استطاع الفيلسوف الفرنسي  إدغار موران  Edgar Morin ( 1928) اختزال التساؤلات التي تشغل بال كل مفكر و فيلسوف معاصر، ويصوغها في تساؤل واحد و الذي هو عنوان المؤلف (هل نسير إلى الهاوية؟).
كثرت في القرن الواحد والعشرون مؤلفات تحدثت عن النظرة المتشائمة أو التي تتجه في سياق شبه يقيني في اتجاه واحد، من هذه المؤلفات "نهاية التاريخ وخاتم البشر" لفرانسيس فوكوياما، "صدام الحضارات" لصامويل هنتنغتون…وغيرها من المؤلفات التي عرضت الوضع الراهن للحضارة الإنسانية.
غير أن هذا الكتاب يختلف عما سبقه، إذ أنّه يتميز بنوع من الشمولية و التوسع في معالجة التساؤلات المختلفة، فهو لم يتناول أزمة الحضارة الإنسانية من الجانب الأخلاقي والاقتصادي فقط كما فعل فوكوياما، ولا من الجانب الإيديولوجي الديني كما فعل هنتنغتون، ولكنه بطريقة تفكيكية  ذكية إستطاع تحليل الأفكار ومعالجتها ثمّ بطريقة بنائية يعيد وصل وربط الأفكار ومحاولة إيجاد العلاقة السببية و بالتالي اقتراح الاليات المناسبة لحل أو تجاوز  مختلف المشاكل، في صورة جزئية والوضع الرّاهن في صورة عامة.  بحيث أعاد ترتيب الأفكار عبر العصر التاريخ بطريقة دقيقة لإيجاد خط التسلسل الذي أخذته الحضارة الإنسانية، وصولا إلى الوضع الكارثي الذي يهدد وجود البشر، يجعل كل عقل يتساءل هل نحن نسير إلى الهاوية؟.  

يبدأ الكاتب بتحليل الوضع الذي آلت إليه الحضارة البشرية، و ذلك بسبب التطوّر العلمي الكبير و التسابق المحموم نحو التسلح، ثم يشرح الحداثة كظاهرة إنسانية، فيذهب الى استقراء تاريخي لها، من خلال المفهوم و التحليل، ويعرض المشكلات التي وقعت فيها الحضارة المعاصرة،  والتي نتجت عن الحداثة.  من هنا يقترح طريقة التغذية الإسترجاعية الإيجابية كوسيلة لتقويض بنيات قديمة بالية لتكون سببا في ظهور قوى للتحول والتجدد، وذلك لتلافي التفكك والإنفجار المهدد للبشرية. ثم يحلل مفهوم الحداثة ، ويرى أنها تتجلى في أساطير ، يمكن إرجاع كل ما تعاني منه الحضارة الانسانية المعاصرة من مشكلات ومهدّدات بقائها، و قد حاولت تلخيص أفكار  الكتاب من خلال إعادة صبها في هذا التقسيم الثلاثي:
1.    أزمة أسطورة التحكم في الكون ديكارت:
 كانت الغاية من المعرفة في الحضارات الشرقية القديمة تمجيد الله وظواهر وقوى الطبيعة، و عند اليونان بلوغ الحكمة و سبر خفايا قوانين الطبيعة. كان العلم يُمَارَسُ من أجل التأمل و تمجيد القوة التي أوجدت هذا العالم من اجل إتباع النظام الطبيعي،غير أن النظرة إلى العلم تغيرت منذ  العصر الحديث خاصة مع فرانسيس بيكون فصارت غاية العلم هي السيطرة على الطبيعة و التحكم فيها، ولقد إنحاز العقل الإنساني عن هذا المسار مع بداية الثورة التكنولوجية، فاستخدم التكنولوجيا من  أجل أهداف مضادة للطبيعة و البيئة، والإنسان بشكل عميق.
     دعا فرانسيس بيكون في الأرغانون الجديد إلى تصور جديد للعلم من حيث غايته ومنهجه ،  فتحولت معه غاية العلم من التصور السائد في العصر اليوناني و اللاهوتي ؛ الفلسفة هي حب الحكمة و غاية العلم هي فهم النص الديني ،إلى تصور جديد غايته السيطرة على الطبيعة، و منهجه الإستقراء الناقص بدل الاستقراء التام الذي كان أساس القياس الأرسطي. ظهرت في  العصر الحديث  الدعوة إلى الابتعاد عن العلوم النظرية، بالإكتشافات الجغرافية و الاختراعات فأحسّ الإنسان بالقوة و بدأ البحث عن السيطرة، من خلال معرفة أسرارها وقوانينها، من أجل اكتشاف المستقبل، ومن استطاع ذلك ملك السلطة.
    يرى ديكارت  في كتابه descours de  la méthode أن هدف العلم اختراع عدد غير محدد من الآلات التي تخدم الإنسان في رفاهيته ،فالغاية من معرفة الطبيعة  ليست إرضاء حب المعرفة بل جعل الإنسان يصبح سيدا و مالكا لهذه الطبيعة، التي تخدم أغراضه. فالطبيعة آلة و معرفتها تمكن الإنسان من استخدامها لمنفعته ، فيرى ديكارت أن كل الفلسفات التأملية لا تنتج أي مفعول،  إن دراسة أي ظاهرة طبيعية دراسة علمية عن طريق الملاحظة لمعرفة مبادئها تنفع أكثر من الجلوس وراء المكتب و الاستسلام لتأمل بعيد عن الواقع .إن  الموقف العلمي من الطبيعة يمكّننا من معرفة قوانينها مما يسمح لنا أن نصبح مالكين فعليين، لها نتحكم فيها كما نشاء من أجل خدمتنا ،و هذا يتيح للعلم أن يتقدم باستمرار دون نهاية، فالموقف التأملي هو  عقيم بمعنى انه لا يسمح لنا بالهيمنة على الطبيعة عن طريق التكنيك .فكما يرى  فرانسيس بيكون أن المعرفة التي لا تنتج عملا تكون ميتة جامدة ليست خليقة بالإنسان ؛فنحن لا نبذل المجهود في تحصيل المعرفة لا لتكون غاية في  ذاتها و لكن لنتمكن بمعرفة قوانين الأشياء من تشكيلها  و توجيهها كما نحب .فندرس الرياضيات مثلا لتكون وسيلة لحساب الكميات التي تقتضي الحياة حسابها و لنستعين بها في بناء الدور و الجسور و يقول: " انه كلما استطاع العلم أن يكشف لنا عن صور الأشياء كلما أصبحت لدينا في قبضة أيدينا نصوغها كما نشاء" ⁽2⁾ ومع التقدم العلمي استطاع الإنسان أن يحقق سلطته في  ميادين عدة كانت مصدر قلق دائم عبر حضارات مضت .
     فالثورة البيولوجية مثلا أعطت الأطباء بعد ألاف من السنوات من العجز سلطة شفاء الأمراض المستعصية ؛كالسّل، الأمراض الزهرية ، أمراض الالتهابات، الغدد،  و حوالي نصف أمراض السرطان ،و فوضى كيمياء الطبائع" و هذه الاكتشافات أعطت الإنسان سيطرة على التكاثر، السيطرة على الوراثة ،  سيطرة على الجهاز العصبي كما أن الثورة الجينية منحت السيطرة على أنواع  من الأمراض. وتواصلت الأبحاث  في سبيل فك الشيفرة الوراثية، و القضاء على جميع المشاكل الصحية للإنسانية،  غير أن هذه التقنية العالية و التكنولوجية أصبحت إيديولوجيا و أصبحت موضع قلق على و جود النوع الإنساني.ففي المجال الحياوي أصبح العلم قادر على خلق تلاعبات جينية، يمكن تسخيرها لأجل تحقيق الأحسن و لأجل تحقيق الأسوء على حدّ السواء⁽3⁾.
 إذا كان من الثّابت أن العلم ينير الظّلمات، فإنّه في الوقت ذاته يعمي الأبصار،  فالتقدم العلمي مكّن من إنتاج الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية، وتسبب التقدم التقني و الصناعي في مسلسل من التدهور في المحيط الحي⁽4⁾ ، و خلقت عولمة السوق مناطق فائقة الثراء وبؤرا متنامية الفقر، كما خلقت العولمة عدد من أزمات تسير في اتساع ، ورغم التطورات التي حصلت في كل الاتجاهات الا أنه هناك الكثير من التراجع ، يتبدى في صورة كأنه ارتداد الى الهمجية. انتشرت الحروب العرقية و الدينية، وانتشر قانون الإنتقام كبديل عن قانون العدالة، حيث اتحدت الهمجية الحقودة من أغوار التاريخ همجية الثقافة والدين مع الهمجية الباردة مثل الصقيع ، الهمجيّة التّقنيّة الخاصة بحضارتنا،  تلك الهمجيّة التّجريديّة القائمة على الحساب والتي تجهل انسانية الإنسان،  تجهل بحياته و مشاعره وميوله وصدق معاناته⁽5⁾، وإنّ في تحالف الهمجيتين لما يتهدد كوكب الأرض.
2.    ازمة أسطورة التقدم كضرورة تاريخية :
 يستهل الكاتب طرحه بأسطورة السعادة لــ: سان جوست، قال ان السعادة جديدة على أروبا، و نشرت وسائل الإعلام فكرة ان السعادة باتت في متناول الأفراد في حضارتنا المعاصرة .
يتواصل ظهور زيف أساطير الحداثة، فانهارت أسطورة ديكارت القائمة على التحكم في العالم، فأصبحنا  ندرك انه كلما زاد التحكم في القوى  المدنية كلما زاد انحطاط المجال الحيوي، كما وقعت أسطورة السعادة في أزمة، حيث فشلت المنتجات الايجابية للسعادة في اعطاء السعادة المطلقة⁽6⁾، وذلك بسبب التعب والافراط في استعمال المحركات و العقاقير النفسية والمخدرات، وانتشار التعاسة بسبب النزعة الفردانية التي قوّضت التكافلات التقليدية.
كما خلقت الحضارة المادية فراغا روحيا و طلاقا بين الجسد والروح،  ما أدى الى أزمة الفكر والروح التي أطلقت حملة للبحث عن علاجات لها، فاستجاب الشرق بالدعوة الى اليوغية و البوذية.
إن  دعاة التقدم يجهلون بالقيم الانسانية:الحياة والمعاناة  والحب والفرح، ولا يرضون إلا عن نمو الإنتاج والانتاجية والدخل النقدي، تشغلهم الكمية دون الكيفيات كالتضامن ، جودة الحياة، والثروات الإنسانية غير القابلة للعد ولا للقياس أو للبيع، جاهلون بالقيم الشرف والشهامة والضمير. يزيل التقدم عن طريقه الكنوز الثقافية  ومعارف الحضارات العتيدة، فيدمر مفهوم التخلف فنون العيش وحكَم الثقافات القديمة.فخلق النمو الإقتصادي تخلفا أخلاقيا ونفسيا، وعملت التربية التخصصية على توليد معرفة تخصصية تعجز عن إدراك المشكلات المتعددة الأبعاد
3.    أزمة اسطورة الحداثة المنطلقة:
 تتمثل في التطور الهائل للعلم والتقنية والصناعة و الرأسمالية، و تشكل مجتمعة المحركات الأربعة للمركبة الفضائية الأرض، وهو تطور أطلق طاقة خارقة على الخلق و الابتكار وطاقة جبارة على السيطرة و التدمير، وهنا بدأت ازمة الحداثة بالظهور، فأصبح العلم يُطرح بشقين أساسيين .انتاج معارف تُكسبنا قدرات هائلة لتنمية الحياة البشرية من جهة، و تطوير قدرات هائلة للموت من جهة أخرى، وذلك لما يشهده العالم من انتشار القوى النووية وأسلحة الدمار الشامل، و المشكلات الإيكولوجية  وتدهور المحيط الحيوي الناجم عن التنمية.
فلسفة مابعد الأنوار وتجنّب الهاوية:
يقدم ادغار موران حلولا لتفادي الهلاك عبر فلسفة مابعد الأنوار، يقول فيها بضرورة تفحص العقل وتجاوز العقلانية المجردة والاولوية في ذلك لعلميّ الحساب والمنطق المجرد، كما يدعو الى العودة الى النظرة الكلية للعلم و التخلص من  العقل التجزيئي ⁽7⁾ العاجز عن وصل الأجزاء الى الكل ووصل العنصر الواحد بسياقه، ويعجز عن تصور العصر الكوكبي وإدراك المشكلة البيئية التي بدأت تظهر علاماتها ، تمثل أول كارثة كوكبية يسببها النقص العميق الذي يشكو منه أسلوبنا في المعرفة والجهل الذي ينطوي عليه نمط المعرفة التجزيئية، كما يدعو تجاوز العقل الآدوي الذي يسخر لأسوء مشاريع القتل، والتخلص من فكرة العقل الخالص والعقلانية المحضة، فلا وجود لعقلانية بدون شعور وبدون وجدان، لذلك يجب مد جسور الحوار بين العقلانية والوجدان، لتحقيق العقلانية المنفتحة، التي تواجه التناقضات واللايقين، من غير إغراقها أو تفتيتهما.
يواصل موران تحليله بالحديث عن العولمة، التي يرى أنها عهد كوكبي استُهل بغزو الأمريكيتين، والحركة الإستعمارية و ظهور الأفكار التحررية، و الشكل الأخير للعولمة هي التي ظهرت في سنوات التسعينات، والتي تمارس عولمة تقنية واقتصادية. يمكن اعتبار العولمة التقنية الطور النهائي من سيرورة التكوكب،  التي ستسفر عن بنية تحتية لنوع جديد من المجتمع.  إذا كان من عوامل وجود مجتمع التوفر على المجال الارضي و نظام التواصل،  فالمجتمع العالمي، مجاله الترابي هو الكوكب ويشتمل على نظام تواصل( إنترنيت،  طائرة، الهاتف، الفاكس) لم يسبق ان توفرت لأي مجتمع على مر التاريخ. و يتوفر في المجتمع العالمي إقتصاد لا تنقصه إكراهات المجتمع المنظم من قوانين واشكال المراقبة التي تسنها المؤسسات العالمية الحالية. والمجتمع لا يمكن فصله عن الحضارة، وتوجد حضارة عالمية منحدرة من الحضارة الغربية تتطور بتفاعل العلم والتقنية والصناعة والرأسمال، وتشمل على عدد من القيم المعيارية. 
لما كان المجتمع يشمل في ذاته على ثقافات متعددة و يُحدث من خلالها ثقافة خاصة به. ظهرت في اطار العولمة تيارات عبر ثقافية  تشكل ثقافة كوكبية ثقافة الروك، البامبو، الراي …  أين تثري ثقافات العالم يثري بعضها بعضا دون ان تعي تفقه انها لأبناء من كوكب واحد.
غير ان هذه العولمة التي أضفت سمة حضارية وثقافية على الكوكب، تزيد في الوقت ذاته من تقسيم وتجزئة هذا الكوكب، بالسيادة المطلقة للأمم التي تقوم عائقا دون ظهور مجتمع عالمي. تحول دون انشاء اتحادات تستجيب إلى الإحتياجات الحيوية للقارات وتحول دون ميلاد اتحاد كوكبي، فالعولمة وضعت البنية التحتية لمجتمع عالمي تعجز عن بنائه .
أسس قيام المجتمع العالمي:
عرض موران في هذا الكتاب مبادئ لتمهيد السبيل لإقامة  مجتمع عالمي، على اساس فكرة الإتحاد الحضاري، و الإناسة السياسية، أو سياسة الإنسان التي ستكون مهمتها الإستعجالية هي تحقيق التضامن على كوكب الأرض، و السياسة الحضارية.  هاجم فيها فكرة التنمية بكل وجوهها مستدامة،  مدعومة، أو إنسانية، رافضا الفكرة الغربية القائلة أن الحالة الرّاهنة التي توجد عليها المجتمعات الغربية تمثل الهدف و الغاية للتاريخ الإنساني. التنمية التي تمثل مفهومل عموميا يشكل أسطورة نموذجية للمركزية الثقافية الغربية، ومحّكا للتّغريب  المجنون وأداة لاستعمار المتخلفين، وانتقد على لسان سيرج لاتوش القيم الغربية باعتبارها سببا لمشكلات العالم المعاصر .
  حلل موران المهمة الإستعجالية لــ: سياسة الإنسان، قدم فيها حلولا للقضاء على الفقر و الإعتناء بالإنسانية المحرومة و المريضة و البائسة، بتحديد أدوار جديدة لوكالة الأمم المتحدة.
  أما مهمة السياسة الحضارية، فستكون مهمتها تطوير أفضل مافي الحضارة الغربية و إبعاد أسوأ مافيها، و تقوم بإحداث تكامل بين الحضارات. هذا ما سيخلص الغرب من معاناة هيمنة الكم على الكيف، وانحطاط جودة الحياة في المدن العملاقة، ويبنغي على سياسة الإنسان والضارة مراقبة محركات الكوكب  من علم وتقنية و صناعة و رأسمالية، و حدّد سلطة المراقبة في الأخلاق، والتي لا يمكن مراقبتها إلا بالسياسة، أما الإقتصاد يكون جمعيا يتسع للتعاضديات و التعاونيات..، وعرض حكامة أممية لتسسير السياسات، عبر هيئة كوكبيّة تتمتع بقدرة على حلّ المشكلات الحيوية ودفع التهديدات الكبرى(السلاح النووي،البيولوجي، الإرهاب البيئة ، الإقتصاد،  الثقافة).
  في النهاية يعرض عوائق قيام الحضارة الإنسانية المتمثلة في هيمنة القوى الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية) التي تتجه إلى إقامة إمبراطورية عالمية، ويرى أن الاتحاد الكوكبي لن يقوم إلا إذا أمكن كفّ أو تنظيم الجوانب الأشد إنحرافا وهمجيّة و غريزية في الكائن البشري، إن سبل الإصلاح :اصلاح سبيل الأرواح والأفكار والأخلاق، وسبيل المؤسسات والهياكل الإجتماعية أدّت الى فشل كبير.
حلل موران في الأخير ظاهرة الإرهاب حاول بطريقة ذكية التمييز بين المصطلحات المختلفة إسلام، اسلاموية، الجهاد..، وحذر من المغالطات المولدة لظاهرة الإسلاموفوبيا، ولإظهار التناقضات. دعا إلى تحليل المصطلحات التالية (الولايات المتحدة، إسرائيل، العولمة) أظهر التناقضات التي يحتوي عليها كل مصطلح.
ثم يذهب في الصفحات الاخيرة إلى إعادة ذكر مشكلات العصر، والسيناريوهات المحتملة، من اندلاع حرب نووية، حروب الماء… ويتواصل تضافر أزمة الحضارات مع أزمة الحضارة الغربية، غير ان هذه الاخيرة ستبقى النموذج المُحتذى به في التّنمية، غير أن تنمية التنمية هي ما يقود إلى الهاوية.
ختم موران كتابه بـ سؤال هل نحن نسير إلى الهاوية؟  ختم بنظرية التغذية الإسترجاعية، حيث أن بوادر التحول كثيرة توجد في جانب العلوم والتقنيات و جانب علم الحياة والتواصل والتبادلات الحضارية، تخلق بوادر للتكافل و الإختلاط، تبعث الآمال في إقامة حضارة وحياة مختلفة، ودعا إلى طلاق الحلم بعالم يكون للإنسان التحكم فيه، وستظل السيرورة تحمل على الدوام مجازفات ومخاطر، كما يمكن أن تنطوي على قدرات إبداعية وتطورٍ لفهم ووعي إنساني جديد.
يريد المؤلف من خلال هذا الكتاب تقويض الأفكار القائلة ببحتمية الصيرورة التاريخية،  وأن مايحكمها هو اللاحتمية، فالصيرورة تحمل على الدّوام المجازفات والتّقلّبات، و المستقبل أصبح شيئا مجهولا، كما بيّن زيف أسطورة التحكم في العالم، لأن الواقع يبيّن أنه كلما زاد تحكّمنا في القوى الماديّة في العالم، .زدنا انحطاطا في المجال الحيوي.  يتوقع أن تُسفر الأزمة الحالية عن تحوّل لا يمكن التكهن به، غير أنه يندرج ضمن الإحتمالات التي تعزز بها الحياة نفسها من جهة،  فالإصلاح و الثّورة اليوم غير كافيتين و ربّما صار الأفق الوحيد للخلاص هو التحوّل، فمصيرنا إما الهاوية، وإما التحول إلى مجتمع عالمي، هذا او ذاك، و ربما من هذا إلى ذاك؟ . 

 
المصادر والمراجع :  
(1) زكي نجيب محمود،قضية الفلسفة الحديثة ، لجنة التاليف الترجمة و النشر ،ب ط،  1936  ،  ص،.
(2):منى فياض، العلم في نقد العلم دراسات  في فلسفة العلوم،ط 1 ، دار المنتخب العربي ،1995 ،ص،4.
(3): إدغار موران،  هل نسير إلى الهاوية ؟، تر، عبد الرحيم حزل، إفريقيا الشرق، المغرب، 2012، ص، 42.
(4): نفس المصدر، ص 11.
(5): نفس المصدر ، ص43
(6): نفس المصدر، ص  28.
(7): نفس المصدر، ص60