اللغة العربية في منظومة التربية والتكوين : تدريس المؤلفات ـ محمد شودان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse22134الرهانات والإشكالات
مدخل
اليوم و قد تجاوزنا عتبات القرن الحادي والعشرين، مع ما شهده من تحولات على مختلف المستويات ،قد دخلنا كأمة و كحضارة معتركا جديدا في الحياة العامة تتطلب من الإنسان أفرادا و جماعات التسلح بمناعة قوية و امتلاك الوسائل والآليات التي تجعله قادرا على الصمود و الفعل والتفاعل مع محيطه القريب والبعيد ،والحق أنه لم يعد شيء بعيد، مع ما استجد في عالم الاتصال والتواصل. ومعلوم أن المدرسة بكل أسلاكها هي الوسيلة التي اصطنعها المجتمع لنقل الحضارة ونشر الثقافة وتوجيه الأبناء الوجهة الاجتماعية الصحيحة كي يكتسبوا من العادات الفكرية والعاطفية والاجتماعية ما يؤهلهم للاندماج الإيجابي في المجتمع وإذن فلنا أن نتساءل اليوم: هل منظومتنا التربوية قادرة على تخريج هذا المواطن وتكوينه بالمواصفات المطلوبة على المستويات الوطنية والقومية والكونية في شموليتها؟ هل حققت التجديدات التي عرفها النظام التربوي المغربي على المستويات البيداغوجية و الديداكتيكية غاياتها؟ ما هي مخرجات المدرسة؟ وهل تمكننا من تكوين المواطن المرغوب فيه؟
لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة سنحاول استقراء مجموعة من مدخلات و مخرجات العملية التربوية التعليمية و هنا سأقتصر في هذه الورقة /الوريقة على مكون هام من مكونات مادة اللغة العربية ألا وهو مكون المؤلفات .و سأبدأ من أهداف وخلفيات إقرار هذا المكون لننتهي إن شاء الله بعد محاولة تشخيص الإشكالات المطروحة و التحديات التي تواجهنا (المعلمين والمتعلمين) إلى اقتراح وصفة نراها شافية إن وجدت الدوافع و تكاملت الرغبات مع الطموحات الكبرى للمنظومة بحول الله مع قوته.


رهانات تدريس المؤلفات
السؤال المنطلق واضح هنا: لم ندرس المؤلفات؟ و ما هي طبيعة المؤلفات المعتمدة؟
هنا لا بد من الوقوف على ما يسطره المنهاج التربوي خاصة في المواصفات المفترضة في خريجي المدرسة المغربية في سلكها الثانوي التأهيلي وهي في عمومها لا تخرج من مجالين اثنين وساقتصر هنا على ما له علاقة قريبة أو بعيدة بمكون المؤلفات: الأول مرتبط بالقيم والثاني بالكفايات والقدرات التي ستمكن المتعلم من مواجهة الواقع والتفاعل معه و نحن نقرأ سطور الميثاق الوطني للتربية والتكوين نجد فيه إصرارا وإلحاحا على الاعتناء باللغة العربية وتعزيزها واستعمالها في مختلف مجالات الحياة و هذا ما تعتبره الدعامة التاسعة في البند العاشر بعد المائة طموحا وطنيا لا محيد عنه.

وهنا نلمح إلى اتفاق علماء النفس اللغوي وعلماء التربية على كون القراءة والقراءة وحدها هي التي تصقل القدرات اللغوية معجما وتركيبا، طبعا يأتي بعدها إنتاج الخطاب كمرحلة ثانية و ملازمة للقراءة
و هنا لا أجد غضاضة في جرد أهم المواصفات التي يفترضها المنهاج في خريجي السلك التأهيلي في أقطاب الأدب والعلوم الإنسانية والأصيل بأسلاكه و هي كالتالي:

من الكتاب الأبيض
1. الانفتاح على قيم الحضارة المعاصرة في كل أبعادها لاسيما الثقافية والإنسانية منها
2. اكتساب حصانة ومناعة ضد كل أنواع الاستيلاب الفكري
3. امتلاك رصيد معرفي وخاصة أدوات التعامل مع أنواع الخطاب الشرعي الأدبي ..
4. معرفة متكاملة بأنماط الكتابة (إبداعا ونقدا) قديمها وحديثها وتعرف اتجاهات وأنماط الخطاب المؤطرة لها
5. التمكن من نسق لغوي عربي صوتا وصرفا و نحوا...
6. التمكن من منهجية التحليل والقدرة على توظيف مختلف المقاربات المنهجية لوصف الظواهر الأدبية
7. اكتساب حس نقدي يمكن المتعلم من التفكير في آليات اشتغال اللغة بهدف الإنتاج والإبداع باستعمالها(اللغة) طبقا لمبدإ التفاعل بين الثقافات والحضارات الإنسانية.
8. القدرة على تحليل الأفكار والقضايا الإنسانية ونقدها وإنتاج خطابات خاصة حولها.
وباستقراء سريع لهذه المؤهلات والكفايات يتضح جليا الدور المركزي والمحوري لدرس المؤلفات لأنه يتوزع عبر مراحل ومستويات منهجية تماشيا و الغايات المسطرة وإليكم كيف:
القراءة الحرفية للمؤلف المقترح للدراسة، وهي العملية القبلية المفترضة من التلميذ و التي تعطيه قدرة على تطوير الأداء اللغوي و توسيع المعجم وتطعيمه واكتساب القدرات التوليدية والتركيبية،كما تمكنه من النسق الفصيح، و من جهة أخرى تمكنه ـ و هذا أساسي ـ من الانفتاح على المؤلف قيد الدراسة باعتباره نتاجا ثقافيا،
وهنا تأتي أهمية اقتراح درس المؤلفات كاستمرار للنصوص المطولة والمسترسلة التي تعامل معها المتعلم في السلكين الابتدائي والإعدادي.
القراءة النقدية : حيث يواجه المتعلم المؤلف و يقلبه على كل الجهات والمنظورات من خلال مراحل القراءة المنهجية كجرد الموضوعات واستنباط القضايا النقدية والمناهج المتبعة وكذا اللغة والأسلوب على مستورى المؤلف النقدي و المنظورات الست بالنسبة للسردي والحواري و هذه المرحلة تواكب وتخدم المتعلم وتمكنه من المواصفات المرصودة في المنهاج لأنها تقدم له الأدوات والمنهجيات التي تساعده في تحليل الخطاب ومناقشته و معرفة أسسه وبالتالي فهي تمنحه لقاحا إن جاز التعبير ضد الاستيلاب و قدرة على قراءة الإنتاج الثقافي قراءة ناقدة فاحصة 
وهذا كله يصب في نهر الكفاية الكبرى ألا وهي الإنتاج، وأسلم سبيل لها هي القراءة المنتجة، إنها كفاية الكفايات، إذ باتباع هذا المسار سيجد المتعلم في رصيده نصا جديدا هو تاويل للنص المدروس وإعادة إنتاج له، وبالإضافة إلى ذلك يكون قد اكتسب قدرة على النقد والإبداع فهو بتعرف أدوات البناء سيتمكن من إنتاج نص أو مؤلف نقدي أو غيره وهنا سنتحدث عن المؤسسة التي نادى بها بوزفور إنها المؤسسة المكونة للمبدعين والمحتضنة لهم،
إلى جانب هذا وذاك لا بد من التأكيد على الدور التكويني والإعدادي الذي يخدمه تدريس المؤلفات، إذ إن من أهم مخارج النظام التربوي في سلكه التأهيلي إعداد التلاميذ لولوج الجامعات ومعلوم أن الدراسة الجامعية تعتمد أكثر على القدرات والمهارات التعلمية لا التعليمية، إذ هناك يجد الطالب نفسه مضطرا لاستنباط العلم من بطون الكتب وهذا يتطلب مهارات وكفايات ويبتغي منه أدوات التحليل والتأويل وغيرها من منهجيات البحث الجامعي، وهنا نوجه التلاميذ إلى أهمية القراءة التوجيهية لأن بها يتمكن من تعرف المتن المطلوب بين ركام الكتب المعروضة...
أما نوعية المؤلفات المقترحة والمعتمدة من قبل المنظومة التربوية فإن لمحة سريعة تظهر أنها تغطي بعض الأجناس وتقصي أخرى فهي موزعة كما يلي: الرواية والمسرح للجذوع الأدبية النقد الحديث والسيرة للسنة الأولى أدب و النقد المتصدي للشعر والرواية بالنسبة للثانية باكلوريا في حين تم إقصاء الشعر والنقد القديم وغيره وسيأتي الحديث عن هذا.
في خلاصة مختصرة نؤكد على الدور الهام الملقى على عاتق مكون المؤلفات، من خلال مساهمته طبعا إلى جانب المكونات الأخرى و بتكامل مع المواد الدراسية الأخرى في تكوين الإنسان المتكامل في كل الجوانب خاصة امتلاك اللغة ، والمتمكن من قدرات التواصل والتفاعل الإيجابي المسلح بأدوات التحليل والنقد القادر على الإنتاج والتأثير.

العراقيل والإشكالات
ما دفعنا إلى البحث في العراقيل التي تحول دون تحقق المراد والمأمول إنما هو الواقع، فكما لا يخفى على أحد ولم يعد مجديا أن نستر الشمس بالغربال لا يتجسد على أرض الواقع إلا النقيض المباشر لما هو مرغوب فيه، فها هو خريج الثانوي ـ في الغالب ـ يلحن اللغة وها هو الكتاب صار مهجورا إلا ما رحم ربك، والمواطن كالمصاب بفقدان المناعة الثقافية كل ريح تلقحه فتسلبه وكل خطاب يؤثر فيه وما يدعو للرثاء أكثر ـ وإن لم يكن هذا موضعه ـ هو انضمام الشباب المفترض أنه حصل على التعليم الأساسي إلى بؤر الإرهاب و التطرف وخلاياه، و ما كان ليحدث هذا لو كان للتلميذ أدوات القراءة والتحليل والنقد، فما الذي يحول دون قيام هذا المكون بمهماته؟ أو ما الذي يصد التلميذ عن دراسة مكون المؤلفات لما لها من دور وقيمة؟ إلى من/ما يمكن توجيه التهمة؟
الحق أنه بعد التحري وبعد تفريغ مجموعة من الاستمارات والمقابلات التي أجريتها مع التلاميذ والأساتذة على السواء اتضح لي أن المشكل بنيوي الطبع وأننا نتحمل المسؤولية على السواء (أسر وتلاميذ ومنهاج...) وبعد التمحيص حاولت ـ إن وفقت ـ تصنيف المشاكل والعراقيل حسب طبيعتها فوجدت أن منها ما يعود إلى طبيعة المتعلم واستعداداته ومنها ما يتعلق بالأستاذ و منهجيات تنشيطه وأخرى مرتبطة بالمؤلفات المقترحة والمعتمدة.
ما يرتبط بالمتعلم
لا يخفى على أحد أن المتعلم المقصود هنا هو هذا الفرد المار من المرحلة الثانية للمراهقة مع ما يصاحبها من توتر واضطراب وعدم استقرار نفسي وعاطفي وجسدي أيضا... وهو غير مستعد بيولوجيا أن يجالس كتابا في لحظات سكون طويلة، كما أن هذه المرحلة تتسم بتوتر علاقته بالمحيط العام اجتماعيا بالأساس وهنا تتحمل الأسر مسؤولية مرافقة أبنائهم والأخذ بأيديهم، ولأن للعامل النفسي دورا كبيرا في خلق الدافعية لدى المتعلم نحو بناء تعلماته أو قتلها، هكذا يتفاعل المتعلم إيجابا وسلبا مع المؤلف بل بدروسه كلها تبعا لوضعياتهم النفسية.
هذا بشكل عام ويبقى للجهة خصوصية أخرى منفردة بها، فالمتعلم في توفير كتبه يعتمد كليا على ما يستأجره من مكتبة المؤسسة، ومعلوم أن المؤلفات المقترحة منعدمة تماما من الخزانة، وهذا عائق يزيد الطين بلة.
وأكثر من ذلك، هل التلميذ مستعد لمصالحة مؤلفاته المقررة؟ هل سيترك وسائل الاتصال المتاحة والمواقع الاجتماعية وعالم الصورة والقصص القصيرة جدا ليتذوق لذة معانقة الكتاب؟ أظن أن التلميذ قد استلب ويحتاج لتخليصه من هذا السحر. وهذا مبحث لعلم النفس التربوي.

الأستاذ و طرق تنشيطه لدرس المؤلفات
الحق أن الأستاذ ينال حظا من أصابع اتهام التلاميذ المحللة استماراتهم فإن أغلبها تتضمن شكوى المتعلمين من أسلوب قديم لا يوافق تلميذ اليوم: إنه التلقين والإملاء، و هو للأسف رغم أن كل الأساتذة والمشتغلين في الحقل التربوي يقرون بسلبيته إلا أنه لا يزال هو محجن بعض الأساتذة إن لم نقل معظمهم، وهذا قاتل للعملية التربوية من عدة أوجه: فالتلميذ لما ترهقه الكتابة والتدوين يعف المكون ويرسم حوله صورة سلبية وهذا لا يساهم في تعلم التلاميذ أبدا، وهنا تحضرني قولة لكونفوشيوس تحمل ما معناه: قل لي وسأنسى، أرني فربما أتذكر، وأشركني فسأتعلم. هذا بالإضافة إلى الاعتماد على الكتب الموازية التي تقتل الإبداع، وليس أقل منها عدم التجديد بالنسبة للذين أعدوا قراءات شخصية للمؤلفات،

المؤلفات المعتمدة
هنا سنتحدث عن المؤلفات المقترحة من قبل الوزارة، والمعتمدة من قبل السلطات التربوية للمنطقة وهي الحي اللاتيني والمباءة واللص والكلاب وعين الفرس وفي الطفولة وأديب وابن الرومي في مدن الصفيح وأهل الكهف وظاهرة الشعر الحديث والأدب والغرابة وقراءة ثانية لشعرنا القديم، وهي في عمومها تنتمي إلى أجناس الرواية والمسرح والسيرة والنقد. وفي هذا حيف على الأجناس الأخرى التي سيواجهها المتعلم في حياته المستقبلية فأين الأدب والنقد القديمين، بل والشعر الحديث... وما المانع من اقتراح أعمال أجنبية على سبيل المثاقفة
هذا من جهة ومن جهة أخرى تبقى المضامين أمثل بالعصى في العجلة فبعض المؤلفات السردية لا توافق أخلاقيا قيم المنطقة وأنماط عيشها ومن الأعمال النقدية ما يستشكل على المتعلم المبتدئ التعامل معها كالمنهج البنيوي الذي يؤطر مؤلف كليطو على سبيل المثال... هذا بالإضافة إلى الثمن الباهظ والمكلف لجيوب أبناء الفقراء وهم قاعدة سكان المنطقة فمنها ما يناهز الستين درهما، ما يوحي أن العملية تجارية لا تعليمية.

على سبيل الختام
عموما إن تدريس المؤلفات مسألة شائكة حقا، فمن جهة هو مكون هام وأساسي ومن جهة أخرى تواجه تدريسيته من المشاكل والمعوقات ما يتطلب البحث عن حلول حقيقية و ناجعة : و ما أراه من جهتي ولا أظن رأيي سيكون محط خلاف شديد، هو أنه إن كان المشكل يجمعنا أساتذة وتلاميذ و منهجا فإننا مطالبون للعمل سواء بسواء ابتداء من اختيار المؤلفات المقترحة على أساس يستهدف المتعلم في محوريته و ما يبتغيه منه المنهاج من مواصفات، ولا نستثني الدور الهام للأستاذ الذي يجب عليه التجديد الدائم لأساليبه حيث إن التكرار يولد الرتابة والملل ولأنه (أي التجديد ) الوسيلة الوحيدة للارتقاء بمستقبلنا الحضاري الذين سيكونون أهم أعمدته .
.بقلم: محمد شودان