النجاح والفشل الدراسي : العوامل المؤثّرة ـ د. شهاب اليحياوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

le-mat-2 1 ـ الحاصل الدراسي ووظيفيّة المدرسة

         لقد ظلّ الجدل القائم حول المدرسة يتراوح بين خطّي المحافظة والتجديد في ما يتّصل بصلتها بالمجتمع . ينطوي كلّ قطب جدلي على تباين اتجاه التأثير بين المدرسة والمجتمع . فبينما ينتصر دوركايم للوظيفة المحافظة للمدرسة على اعتبار أنّها أداة المجتمع إعادة إنتاج وتثبيت نظامه الإجتماعي عبر التنشئة : أي تكييف التلميذ مع البيئة الإجتماعية . فهو بذلك << ينشىء صلة بين الأخلاق مأخوذة في قوّة دمج إجتماعي والتربية ليبرهن على الوظيفة الإجتماعية المنوطة بالمربي>>[1]. الذي يتمتّع بسلطة أخلاقية تفوقه شخصيا . إنّه << وسيلتها دون أن يكون صانعها>> [2] . تتّجه التيارات الماركسية إلى توصيف الفعل التربوي انطلاقا من خارج المدرسة دون الخروج عن كونها أداة للمجتمع.

       يرى { ألتوسار althusser  } أنّ النظام المدرسي هو أحد الأجهزة الإيديولوجية للدولة الذي يؤمّن  استنساخ  روابط الإنتاج عبر خلق نموذج تقسيم مستويات التكوين مطابق لنموذج تقسيم العمل السائد في مجتمع معيّن , ضمن حقبة تاريخية محدّدة , على أنّ وسيلة المدرسة في صياغة هذا التماهي هي الإكراه الثقافي الذي لا يعنى العنف مثلما الظاهر, بل إخضاع كلّ مكونات وعناصر العملية التعليمية إلى الإيديولوجيا السائدة بعبارة { ألتوسير } أو المحافظة على النفوذ الثقافي للمهيمن ماديّا أو طبقيا بعبارة { باسرون وبورديو} . يصبح معه الفعل التربوي الذي أداته اللغة وعونه الدرّس" ممثّل الثقافة المؤسسية أو هو عامل الاصطفاء الثقافي"[3] علم لفرض الثقافة الشرعية أو تكريسها .

      

تشكّل هذه الثقافة الشرعية أو ما يمكن تسميتها بالأنموذج الثقافي ,  في توجّه { بورديو } , غاية المجهود التربوي . فالعلاقة التربوية هي فعل رسم للعلاقة الإجتماعية : معنى ذلك أنّ اللا مساواة في التحصيل الدراسي بين التلاميذ ليست نتاج نهائي لفعل المساواة في الظروف والوضعيات , الذي يشكّل مضمون الفعل التربوي, بفعل الفروق الطبيعية في الذكاء والاستعدادات , كما في المقاربة البسيكوـ تربوية . فاللا مساواة لا تولّدها المدرسة " بسبب تحيّز حتّى ولو كان لاشعوريا "[4]  , لدى سنيدرز . فهي أداة لإعادة إنتاج اللا مساواة الإجتماعية .

             تتّخذ تباينات التحصيل الدراسي بالنظر الى قطبي النجاح والإخفاق معنى الانتقائية التي هي إوالية المدرسة أو الفعل التربوي لدى بورديو وباسرون , إذا كان التطابق هو صفة العلاقة بين المدرسة والمجتمع الطبقي لديهما . لكن ريمون بودون يحيل ذلك , ضمن نقده لغائية تفكير بورديو , الى تباينات مستوى العائلة الإجتماعي ـ الثقافي , في صلة جدلية بمستواها الإجتماعي ـ الاقتصادي[5] (2) . فالوضعية السوسيو ـ ثقافية للأسرة يفرز آليات عدم تكافؤ فرص التعليم للطفل . إنّ التحليل العاملي الذي يبحث عبر تمشّي نظري عام عن العمل المؤثّر واكتشاف آليات الاستقطاب ضمن العلاقة بين المجتمع والمدرسة والذي تصبح معه متعدّد الظواهر المعطاة للتحليل تمظهرات لها ولاتجاهها التحديدي .

        فالمقاربة التي تبدو اليوم أكثر من ملحّة  للفشل المدرسي وأسبابه أو صلة التحصيل المدرسي بتمثّل التلاميذ  لصورتهم المستقبلية ضمن المجتمع, تستدعي تجاوز الماكرو ـ تحليلية الى التناول الميكرو ـ تحليلي لمثل هذه الظواهر , لقياس مردودية النظام التربوي أو مدى تأثيريته أو تأثّره بما هو خارج عنه . فمثل هذه التناولات المبحثية تمتلك القدرة على خلق إجابات علمية لمشكلات الهوّة الحاصلة بين الأنموذج الثقافي الذي يتضمّنه ويروّج له النظام التربوي بمتعدّد تمظهراته المعرفية والسلوكية والوجدانية والعقائدية , والأنموذج المغاير أو الموازي كما ينكشف عبر دراسة تمثّلات وتصوّرات وأهداف التلاميذ وصورتهم حول ذواتهم وآفاقه المحدّدة في أهدافهم المعلنة .  

     نحتاج دائما , حين نتطلّع إلى الفهم الدقيق والعلمي , أن لا نقرأ بل نستقرأ الظاهرة . واستقراء الظواهر يقتضي أوّلا أن نتخلّص من بديهياتنا العامة التي نشترك فيها معا غير الباحث وأن ننقطع عن إخضاعها إلى نمط فكري جاهز .   يحاول البحث هذا تعقّل الظواهر المشار لها في علاقة بمتغيرات الجنس والمستوى الثقافي والاجتماعي للعائلة ولكن أيضا عبر تمثّلا ت التلاميذ للمدرسة ولذواتهم ولصورتهم ومواقعهم المستقبلية ضمن المجتمع , عبر مؤشّر أسميناه بالتطلّع السياسي أو فعل المشاركة السياسي مستقبلا : أي درجة المواطنة المستقرأ من إجاباتهم . بما أنّ التربية , مهما كان التموقع النظري للبحث , تؤخذ كأداة تكيّف الفرد مع حياة الجماعة , عبر دفع المتعلّمين إلى استبطان  معايير وقيم ونماذج المشروع التربوي الذي تشتغل عبره وله المؤسسة المدرسية . معنى ذلك أنّ المدرسة هي حقل تشكّل الذات في قطيعة مع المجتمع في الاتجاه المعاكس للعلاقة . وهو ما لا نؤمن  به  ضمن  منطلقاتنا  البراديقمية , فما يسميه هاملين " بالضرر الثابت "  [6] للمؤسّسة المدرسية لعجزها , على حدّ قوله , عن تحصيل غاياتها المبرمجة لها , هو نتاج تضافر عاملي متعدّد الصلات بما هو عام يحيل الى المجتمع بأكمله وبما هو خاص يتّصل بالمؤسّسة المدرسية في حدّ ذاتها .

         ذلك أنّ التناول أحادي اتجاه التأثير ضمن العلاقة بين المدرسة والمجتمع , لدى { بورديو وباسرون }  مثلما المقاربة المؤسسية للنظام التربوي يستبعد ما نسميه بتبادلية التأثير والتأثّر بين المدرسة والمحيط المجتمعي الذي ينفذ اليها عبر لا المتعلّم فحسب بل أيضا المعلّم مهما كانت مدى عونيته التي يستمدّها من انضباطه للتحديدات الرسمية أو تعليمات المشرفين على سير وإنجاح أهداف المشروع التربوي. 

         فإذا كانت المدرسة تدفع بما لها من آليات نحو إنجاز المشروع المجتمعي أو بمعنى ابسط هي حقل إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع . فهي المجال أيضا الذي يمارس ضمنه الغير محظوظين  اجتماعيا مقاومتهم من أجل التغيير الغائي والنفعي .  فالمدرسة وفق هذه الرؤيا هي حقل الفعل في النموذج أيضا , لكونها تتأثّر بأشكال الرفض والمقاومة التي تبديها الأطراف الغير مهيمنة خارجها , إذا أردنا أن نعارض التوجّه الأداتي في تعقّل وفهم طبيعة وظيفة المدرسة . هذا التوجّه لا يجب أن نأخذه في شكله الثابت والنهائي . قد يستمرّ الدور أو تتواصل الصلة بين المدرسة والمجتمع في إ تّجاه  تحديدي ما . لكنّ  التغيّر وإن كان غير بنيوي فإنّه حاصل في هذا الدور .

         نحتاج إلى أن نختبر ونقيس مستويات وأبعاد التبدّلات الجزئية الحاصلة في صلة المدرّس بذاته ونظرته لمكانته ودوره ونظرة المتعلّم والمجتمع والمشروع النموذجي له , مثلما تتأكّد اليوم الضرورة الملحّة لتبيّن التغيّرات الحاصلة في مستوى تأثيرية المشروع التربوي في تشكّل أنموذج الإنسان الذي تروّج له وتوظّف تبعا لذلك متعدّد الوسائط المادية والاجتماعية والعقائدية والرمزية لترسيخه . تتّخذ هذه التغيّرات تمظهرات عديدة على أصعدة مختلفة .  من الضروري تمثّلها عبر مثل هذه البحوث السوسيوـ تربوية التي قد تحمل إجابات عن عديد الظواهر التي تكبح سيرورة تحقّق المشروع التربوي ومن خلفه المجتمعي , كظواهر اللا مساواة أو التفاوت في التحصيل الدراسي وعوامله ومسألة الإخفاق الدراسي وأسبابه .

        تتضافر عوامل عديدة لتصنع التفاوت الذي يأتي كنتاج غير مبرمج أو غير مطابق لديموقراطية التعليم .  لماذا تخلّف المساواة المتأسّسة على واحدية المقاييس والمعايير و البرامج على الأصعدة الفردية والجماعية وأيضا الجغرافية , هذه اللا مساواة . لقد ظلّ هذا الإشكال الإجرائي مصدر كلّ التعديلات والمشاريع الإصلاحية المتعاقبة . سعت وتسعى هذه التعديلات إلى خلق آليات امتصاص سعة التفاوت في التحصيل , معتبرة أن تعديل اتجاه الفعل التعليمي نحو القدرات المتوسّطة أو دونها وبالتالي مراجعة المعايير ومقاييس التقييم الجزائي  , كفيل بتقليص هوّة التفاوت . تلتقي مثل هذه الحلول مع المقاربة المؤسسية للمدرسة التي تتعقّل النظام التربوي أو الفعل التربوي في قطيعة مع المحيط أي المجتمع. إنّ تساوي الظروف لا يعني أبدا تعادل الحاصل . وبالتالي فإنّ الحلّ لا يستقيم أبدا مع النظرة الجزئية والضيّقة للمدرسة . فالتغيّر في المدرسة هو تمظهر للتغيّر المجتمعي . من هنا يستدعي المشروع التربوي الرؤية السوسيوـ تربوية للعلاقة القائمة بين المدرسة والمحيط المجتمعي الذي تتداخل معه , لوضع الآليات العلمية للتحكّم في المعادة المذكورة آنفا .

         يحصل  تمثّل مستويات وأبعاد هذه العلاقة عبر مؤشّرات عديدة , لعلّ أبرزها وضع الصلة بين التحصيل الدراسي وتصورات المتعلّم للمدرسة وتمثّلاته المستقبلية لذاته المجتمعية ومواقفه , موضع اختبار  سوسيو ـ تربوي لفهم وتعقّل طبيعة العلاقة التي يقيمها المتعلّم الذي هو محور وغاية العملية التربوية , بين التحصيل الدراسي وذاتيته التي لا يجوز تصوّر خضوعها التام إلى تحديدات الفعل التربوي . تشكّل نتائج البحث هنا مرحلة منهجية توظّف لخلق مقارنة بين أنموذج الإنسان الذي يهدف له المشروع التربوي والأنموذج المبني استنتاجا من تصورات ومفاهيم وتمثّلات المتعلّمين . تسمح هذه المقارنة بقياس مردودية النظام التربوي ومدى صحّة أو خطأ التمشّيات التربوية والبيداغوجية المعتمدة . لذلك نعتقد بقوّة في جدوى هذا البحث ومنطلقا ته النظرية والبراديقمية .

  2 ـ الوضعية الإجتماعية ـ الاقتصادية للعائلة والتحصيل الدراسي

          هل للمستوى اقتصادي ـ الإجتماعي للعائلة تأثير في النتائج الدراسية والطموح الدراسي لأبنائها ؟ لم يعد يشكّل هذا السؤال طرحا إشكاليا يستدعي فرضيات معطاة للاختبار , بل أضحى معطى  تحليليا يقتضيه أيّ تناول مبحثي سوسيوـ تربوي لواقع دراسي ما . غير أنّ آلية الربط بين التحصيل الدراسي في بعديه : النجاح والفشل لنظر الى تصنيفات مادية للأسرة مثلما آلية الربط التبديهي بين الغنى والنجاح والفشل والاحتياج  أو عدم الكفاية المادية وبالتالي الدونية الإجتماعية , هي إضعاف للدقّة والحذر العلمي للبحث .   ثمّ إنّ الباحث مدعوّ لا إلى اختبار وجود الصلة  , بل تبيّن مدى ومستويات تأثيرها في حضور عوامل أخرى تلعب دور حقول إعادة تدقيق فهم الصلة وأبعادها .  فأن نستند الى التسليم  بعاملية مؤثّر ما ضمن أي مقاربة للنجاح والفشل المدرسي , يصنّف البحث في خانة الدراسات التبريرية لا السوسيولوجية.

          يموضع { ريمون بودون }  تأثيرية الوضعية الاقتصادية ـ الإجتماعية للعائلة في التحصيل الدراسي ضمن سياق أشمل يتطلّع لإيجاد تفسيرات للا مساواة في النتائج الدراسية . فإذا كان الإخفاق المدرسي الذي ليس هو نتاج إخفاق مؤسّسي ( سوء سير المؤسّسة ) بل على العكس ضروري لسير عملها العادي لدى { بودلو BAUDELOT  وإيستابليه  R ,ESTABLET } [7] , هو تمظهر لآليات الإقصاء  والانتقاء التي تمارسها المدرسة في سياق استنساخها  للنظام التربوي القائم في منظور  بورديو وباسرون [8] .  فهي لا تنتج أو هي لا تعبّر عن تحيّز المدرسة لدى { سبندرز G/SNYDERS } .  فالمصاعب التي تعاني منها الطبقات المحرومة هي تمظهر للمصاعب التي تواجهها ضمن النظام الإجتماعي لديه [9] .

         إنّ ما يدعو إلى الاستناد إلى تمشّي ريمون بودون  واستدعائه ضمن هذا المبحث بالذّات , هو أنّه يضعنا خارج الجدل الماكروـ سوسيولوجي حول صلة المدرسة بالمجتمع . ذلك أنّ مقاربة عاملية التباين الاقتصادي ـ الإجتماعي للأسرة في التباينات الدراسية لأبنائهم , متغيّرا رئيسيا , غير أنّه لا ينبغي لدينا أن يقارب أحاديا أي بمعزل عن علاقته بمتغيّرات عديدة . ذلك لأنّنا إانتهينا في بحثنا إلى تغاير مستوى تأثيرية هذا العامل في حضور متغيرات الجنس والمستوى الثقافي للأب أو الأم ودرجة التماسك الأسري على النتائج الدراسية للأبناء.

        يلتقي { ميرتون مع بودون }  في إرجاع تباين مستوى الطموح الدراسي لتباين أوضاع الأسر . فالأفراد< يحدّدون طموحاتهم بالرجوع الى المجموعات الإجتماعية التي ينتمون لها " [10] ذلك أنّ التباين الدراسي يقابله تغاير لا في الوضعية الاقتصادية ـ الإجتماعية  للعائلة فحسب بل في دلا لة  المركز الإجتماعي الذي يتطلّع له التلميذ المتوافق مع مستوى دراسي معيّن والتي تتطابق مع وضعية إقتصادية ـ إجتماعية معيّنة للأسرة [11] لدى { بودون }  الذي يطرح الفرضية التالية < إذا بلغ أحد الأفراد مستوى دراسيا يسمح له بتوقّع وضع إجتماعي أعلى من وضع والده فإنّ الفائدة التي يجنيها من سنة دراسية إضافية هي أقلّ أهمية من تلك التي يوليها شخص يحتلّ والده وضعا إجتماعيّا أعلى , فبالنسبة لهذا الأخير قد لا تكون سنة دراسية إضافية كافية لتؤمّن له وضعا إجتماعيّا يتساوى مع وضع والده " [12] ,يقتضي ذلك إختبار الترابط بين التحصيل الدراسي وتباين وضعيات الأسرة الإقتصادية ـ الإجتماعية .

3 ـ تصوّرات المادّة التعليمية والنتائج الدراسية :

         إنّ إثارة موضوع تصوّرات المتعلّمين للمواد التعليمية التي تتمظهر عبر المواقف منها ، هو مبحث نفسي إجتماعي يتّجه إلى استدعاء  السلوكات الفردية والجماعية لفهم الآليات الإجتماعية المؤثّرة في العملية التربوية.

      يتّصل السلوك بالتصوّر الذي يتشكّل استنادا لإطار إجتماعي معيّن . فسلوك الأفراد لا يتحدّد بالخصائص الموضوعية للموقف بل بتصوّر ذلك الموقف لدى { أربيكarbic  } [13] . ولا ينفصل التصوّر الذي يتمظهر في الموقف الفردي عن إطاره الجماعي بإعتبار عنصر الاشتراك الجماعي لديه . يمرّ تصوّر الشخص للآخر عبر تصوّره لذاته . معنى ذلك أنّ تعلّم التلميذ لمادّة من المواد التعليمية وموقفه منها يتأثّر بتصوّره لذاته عبر تلك المادة . ذلك لأنّ الدافعية التي هي محرّك الفعل ، يتموقع أصلها لدى { بوستيك postic } في انعكاس صورة الذات التي مصدرها الآخرين عبر تلك المادة . تمارس مواقف المتعلّمين من المواد الدراسية والتمثّل التفاضلي لها تأثيرا على التحصيل الدراسي لهم ، على خلاف اعتبار {ferry } اللا مساواة في التحصيل نتاج التفاوت العمري ووضع المدرّس في الحياة المدرسية كصاحب سلطة تقييم من وجهة نظر خاصة [14] .

          ويستند أيّ حكم قيمي تفاضلي أو تمثّل تراتبي للمواد الدراسية لدى المتعلّمين إلى أصل إجتماعي . ذلك أنّ هذا التصوّر يكشف عن سلّم قيم مرجعية موضوع اتّفاق جمعي . فالمتعلّم يتمثّل هذا التقييم أو التوزيع التراتبي للمواد الدراسية كمنطق واقع أو واقع منطقي أي غير قابل للتبرير أو التغيّر وإن تبيّن خطئه أو حتّى وإن أفضى إلى تحصيل دراسي غير مرغوب فيه أو غير متوقّع، وهو ما يضعنا أمام مفهوم القوالب الجاهزة  stereotypes  ذات الأصل الجماعي في خلفية تكوّن تصوّر المتعلّم ومنه موقفه من المواد الدراسية . يحمل المتعلّمين هذه القوالب الفكرية الجاهزة عبر التنشئة الإجتماعية . وهو ما يستدعي  تأثير الأسرة في تشكّل تصورات المتعلّمين للمواد التعليمية وصياغة مواقفهم  منها .

         يحمل المتعلّمين هذه القوالب الفكرية الجاهزة عبر التنشئة الإجتماعية .  وهو ما يستدعي تأثير الأسرة في تشكّل تصورات المتعلّمين للمواد التعليمية وصياغة مواقفهم منها .  وقد استطاع { chambon } تبيان دور القوالب الفكرية المنقولة أسريا للأبناء عبر تبيّن ارتباطها بمعطى الجنس [15] . حيث أنّه وقف على وجود تقسيم جنسي للمواد يقابله تباين في ميولات الجنسين للمواد . ذلك أنّ تصوّر المادة ومدى توافقها مع الانتماء أو التقسيم الجنسي للمواد ذو المرجعية المجتمعية ، لا ينفصل عن مستوى أداء المتعلّمين . فالنجاح أو الفشل الدراسي في مواد دون أخرى يختلف مدلوله من بيئة اجتماعية إلى أخرى ويتغاير بالنظر لذات المرجعية الإجتماعية ، مدلول النجاح الجملي بالنظر للمدلول المعطى للنجاح أو الفشل في مادة أو أخرى من المواد التعليمية.

4 ـ المكانة الإجتماعية للعائلة وموقف الأبناء من المواد التعليمية :

             تؤثّر المكانة الإجتماعية  للأسرة  في التحصيل الدراسي عبر واسطة اللغة حسب { برنشتاين } ،[16] الذي بيّن التبعية المتوازية بين المدوّنة اللغوية والوسط الإجتماعي . وقد صيغت فرضيات عديدة ضمن مختلف البحوث السوسيو ـ تربوية المقاربة لهذا المبحث البسيكوـ إجتماعي  ضمن إشكالية اللامساواة  في النتائج الدراسية ، من هذه الفرضيات التي تثير مؤثّر اللغة ، أنّ الصعوبات الدراسية لأبناء الأسر الأقلّ مكانة اجتماعية ، ناتجة عن كون ضعف مدوّنتهم اللغوية تعيق أو هي تعطّل نموهم المعرفي ومنه نجاحهم الدراسي بإعتبار اعتماد المدرسة المدوّنة المتفوّقة .    

           وإن كانت هذه الفرضية تثير موضوعات عدّة أهمّها  عاملية النظام التربوي وتوجّهاته في حدّ ذاته في التمايز الدراسي بين متعدد الأمكنة الإجتماعية التي ينحدر منها المتعلّمين بإعتبارها تنحاز إلى الأكثر حظّا اجتماعيا الذي يملك بفعل موقعه في النظام الإجتماعي آليات التفوّق الدراسي ، مثلما دور المدرّس في تكريس التمايز الدراسي ، فإنّ أهميتها لدينا تتمظهر في طرحها الإشكالي للعلاقة بين المكانة الإجتماعية ومواقف المتعلّمين الدراسية التي منها في هذا المجال المبحثي لدراستنا ن الموقف من المواد الدراسية التي تستدعي مفهوم الذات المحتّمة le soi obligé  بعبارة Higgins .

            تطرح العلاقة بين الوسط الإجتماعي للمتعلّمين ونتائجهم الدراسية على أصعدة مختلفة . فبرنشتاين مثلا يستدعي الإمكانات التي تحدّد مدى قدرة المتعلّم على التكيّف مع الفعل التعليمي داخل المؤسسة ، والتي هي مكتسبة من الوسط الإجتماعي ، عبر المدوّنة اللغوية المتّصلة بالمكانة الإجتماعية لأسرة المتعلّم ودورها في تحديد درجة النجاح أو الفشل الدراسي . أمّا وحدة البحث الأساسية ضمن هذه الإشكالية السوسيوـ تربوية لدى { جاك لوتراي } [17] فتتمثّل في العلاقة بين الممارسة التربوية في العائلة ونمو البنى المعرفية للطفل ونتائجه الدراسية ، انطلاقا من ثلاثة أنماط ممكنة من هذه العلاقة التربوية ضمن الأسر : نمط حادّ ونمط ليّن وآخر لا منتظم .

          يلتقي الصعيد المحور لمقاربة تأثيرية الوسط الإجتماعي في تباين مستويات التحصيل الدراسي للمتعلّمين مع أطروحة { بايار وجيلي } [18] اللذين يتّجهان في تعقّل العلاقة عبر تصوّرات ومواقف المتعلّمين المدرسية المنقولة عن الجماعة المرجع ( الأسرة ضمن موقعها داخل النظام الإجتماعي ).

         تمارس هذه التصوّرات التي هي مخطّطات للذات schemas du soi لدى {بايار وجيلي }  دور المخطّط التوجيهي schema Directeur حسب { Marcus } وتأثيرا نفسيا ـ اجتماعيا على النتائج الدراسية للأبناء بإعتبار أنّها تبدو كمحدّدات فردية تؤثّر في تفاعل الأبناء المتعلّمين مع وسطهم المدرسي كحقل تفاعل مثلما المجموعات الشكلية التي تنشأ على أساس الإكراه المؤسسي في مقابل عفوية تشكّل المجموعات غير الشكلية ( العائلات ) التي ينتمون لها خارج المدرسة[19]. ومن بين مؤشّرات فعل تأثير هذه التصوّرات والمواقف ، درجة التفاعل والتكيّف مع أنماط المواد المختلفة الذي يفضي إلى أنماط تمثّل وتعقّل للمواد تتباين اجتماعيا . وهو ما يدفع الى ردّ هذه المحدّدات الفردية إلى أصلها الإجتماعي المستبطن عبر التنشئة الإجتماعية، التي هي " عملية تعلّم وتعليم وتربية " [20]تشكّل أساس مرجعي ضمن أي عملية تفكير حول العمليات الإجتماعية [21] ،  من قبل الأبناء المتعلّمين الذين يتأثّرون بمعاييرها واتجاهاتها ويشاركون أعضائها ذات الميول والدوافع [22] التي تعبّر عن نمط عيش مجموعة اجتماعية معيّنة [23]  يحصل دفع الفرد الى استبطانه كمدوّنة سلوك تحصر السلوك الممكن في السلوك المقبول في فئة اجتماعية معيّنة  [24].                                                                       

          فعلى خلاف {nimier } الذي طرح في دراسته حول أنماط الصلات بالرياضيات [25] ، فرضية" أنّ تصوّر مادّة ما ليس اجتماعيا صرفا بل يندرج  في  الدينامية النفسية للشخص الذي يتصوّر " ، فإنّ عديد البحوث( مثل desplats) انتهت إلى إثبات الصلة الإجتماعية لتصوّر المواد الدراسية وبالتالي الموقف منها ، المتباين بين الجنسين وعلاقته بالأداء أو مستوى التحصيل الدراسي .

 
الهوامش :

[1] العلاقة التربوية : مارسيل بوستيك , ترجمة , محمد بشير النحاس , تونس , المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ـ 1   1986 ,ص , 22

[2] -  Durkheim (E) : L’éducation Morale ; paris puf ; 1963 ;p 131 .

[3] - العلاقة التربوية : مرجع سابق ؛ ط 23 .   

[4] - Synders (G) : Est – ce le Maitre d’école qui a perdu la bataille contre les inégalités scolaires ? enfance :1 ; jan 1970 ;p 1-22 .

[5] - Boudon ® : l’inégalité des chances , la mobilité sociale dans les sociétés industrielles ; paris colin ; 1973 239 p .

[6] - Hameline (D) : de l’invariance et de l’autonomie du  pédagogique ; in bulletin de la société . Alfred binet et Théodore Simon ; N°  537, 2, 1974 ;p 51-73 . 

[7] العلاقة التربوية : مارسيل بوستيك , ترجمة , محمد بشير النحاس , تونس , المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم , 1986 ,ص , 22 .

[8] Bourdieu ( P )et Passeron ( J.C ) : Langage et rapport au langage dans la situation pédagogique ; les temps modernes ; 1965 ;pp 435- 466 .

[9] Georges (synders ) : Ecole , classe et lutte des classes ; paris puf ;1976 ; p 98 .

[10] العلاقة التربوية : مرجع سابق ، ص 43

[11] Boudon ® : Mieux comprendre la relation éducation -égalité en France ; in l’éducation , les inégalités de chances dans la vie ;vol 1 ; 1975 ;paris OCDE ;p 293-305 .

[12] IBID : P ; 293 – 305 .

[13] Abric ( J.C ) : l’étude expérimentale des représentations sociales ; in ;Jodelet ; les représentations sociales ; 3é éd ;paris puf ; 1993 ;pp 187- 203 .

[14] Ferry (J ) : Cahiers pédagogique ; n°81 ; 1969 ; p 11 .          

[15] Chambon ( M ) : la représentation des disciplines scolaires par les parents d’élèves : enjeux sociaux ; revue française de pédagogie n°92 ; pp 31 – 40 .

[16] Basil (Bernstein) : Langage et classes sociales : codes sociolinguistiques et contrôle social : Paris ; éd ; Minuit ; 1975 .

[17] Lautray ( J ) : classe sociale , milieu familial, intelligence ; Paris PUF ; 1980 .

[18] Paillard ( M ) et Gilly ( M ) : Représentations des finalités de l’école primaire par les pères de famille ; cahiers de psychologie ; N°15 ; 1972 ;pp 227-238 .

[19] Filloux ( J.CL ) : psychologie des groupes et étude de la classe ; dans : traité des sciences pédagogiques ; sous la direction de Maurice debesse et Gaston mialaret ; T.6 ; Paris PUF ; 1974 ;p 41 .

[20]          عطوف ( محمود ياسين ) : مدخل في علم النفس الإجتماعي , بيروت , دار النهار للنشر , 1981 م , ص:   119 ,         

[21] جليل ( وديع شكور ) : أبحاث في علم النفس الإجتماعي ودينامية الجماعة , ط1 , طرابلس لبنان, دار الشمال للطباعة والنشر والتوزيع , 1989 م , ص: 81 .

[22] Gustave ( N.F ) : les domaines de la psychologie sociale,2 :les processus du social ; paris dunod ; 1991 ; pp 6-7 .

[23] Marcel ( Mauss ) : Essais de sociologie ; éd de minuit ; col Points ; 1969 ; p 69 .

[24] Dasen ( J ) : La socialisation du développement cognitif ; dans socialisations et cultures ; press de l’université de Toulouse ; 1989 ; cité par G.N. Fisher ; op cit ;p 69 .

[25] Nimier ( J ) : Les modes de relations aux mathématiques ; attitudes et représentations ; paris méridiens klinck sieck ; 1988 .