نحو تنشئة تكاملية ـ د.محمد الصفاح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

oeuvre-d-art-zdz402التربية ، هي تنشئة الأفراد تنشئة اجتماعية ، قيمية ، أخلاقية ، تجعلهم قادرين على الحياة وفق مبادئ سلوكية و قيم متوافق عليها اجتماعيا .لذلك انبرت المؤسسات الموكول لها السهر على التربية ، لاسيما الأسرة ، مجندة ،لجعل أبنائها أشخاصا او أفرادا متوازنين سلوكيا.و حقيقة التوازن في مقام التربية بمفهومها المتداول ، لا تتعدى المقام الأخلاقي ، أي أنها تقتصر فقط على التربية الخلقية و السلوكية .فاعتمدت بذلك طرائق :
1- التوجيه و الإرشاد .
2- التتبع و المواكبة .
3- المراقبة .
باعتبارها أساليب يرجى من ورائها تزويد الفرد بما يحتاجه من القيم الحميدة و الصفات النبيلة التي تجعله قادرا على تحقيق :
I- النجاح أو التفوق السلوكي المتمثل حصرا ،في الأفعال الخيرة الموافقة للذوق الاجتماعي المرضي عنها من لدن الأسرة والأخر .


II- النجاح الاجتماعي و المتمثل فيما ينسجه الفرد من علاقات اجتماعية تقوم على قاعدة التقدير و الاحترام ، وتؤمن بالحوار ،والتعاون ،والانفتاح ،ونبذ العنف، و التعصب .والواضح إن هذا المنحى التربوي هو قاعدة الارتكاز في فلسفة التربية الجاري بها العمل في الأوساط التربوية .إلا انه بهذه الصيغة ، يظل منتوجا تربويا أعرج ، يفتقر إلى التوازن.وذلك ،مادام هذا الفرد يفتقر تربويا إلى شق تربوي، يعد هاما في مجال التنشئة ، وان غيابه يؤثر و بقوة على النسق التربوي ، فيصاب بالخلل البادية ملامحه جلية على الشخصية المستجيبة قهرا وكرها وجبرا لهذا الخلل، تفكيرا وسلوكا .انه خلل نابع من فراغ يسكن المعمار التربوي ويشوش بقوة على حركته ونظامه، ويتجلى ذالكم الخلل في غياب التربية النفسية  .  الشق الأخر، الذي لا يقل أهمية عن الأول . انه النسق الغائب ،المنسي وجوبا ،المستبعد عنوة من دائرة التربية. ويعزى السبب إلى علتين أساسيتين :
1- ابتعاد الوعي التربوي عن الثقافة النفسانية .
2- الانفتاح على استحياء على الثقافة النفسانية من قبل منظومة التدبير التربوي.

و هما علتان جوهريتان، تسفران او تتحكمان وبقوة في صناعة تربية شائهة ،ناقصة،عرجاء،عوجاء، لا يمكن ان يستقيم حالها ،و يصحح عوجها ،وعرجها ،إلا بحضور التنشئة النفسية كجانب ضروري وواجب الحضور الى جانب التنشئة الاجتماعية الأخلاقية .وهو سلوك أو إجراء يسمح بالانفتاح على المجال النفسي الذي يظل إلا فيما ندر ، موصدا ،بهدف اكتشافه ،و استنطاقه،وقراءته بما يناسب من الآليات الإجرائية الكفيلة بتحقيق الغرض .وذلك لان الوقت قد حان للاهتمام بالتربية  النفسية.  مادام الواقع التربوي المعتمد على التنشئة الاجتماعية الأخلاقية (تربية الواجهة) ، قد أبان وبوضوح عن اختلالات بينت إلى حد كبير عجز أو عدم قدرة التنشئة الاجتماعية (تربية الظاهر) الاشتغال بمعزل عن التنشئة النفسية (تربية الباطن) مما يعني ان الانجاز التربوي ذو القطب الواحد البعيد عن ثقافة الشراكة قد صنع نموذجا تربويا بشريا يفتقر إلى التوازن النفسي الذي يحفظ للشخصية كيانها.هذا ولن يتحقق هذا التوازن المرغوب فيه إلا بالعمل على ترسيخ القيم النفسية القادرة على تحقيق الهدف المتمثل في صناعة أو بناء نماذج بشرية متحررة من الأمراض النفسية الفتاكة التي عصفت ولازالت تعصف وبقوة بما حصل من قيم عبر سنين عديدة من التلقين التربوي . والملاحظ أن تراكم هذه الأمراض قد نسج ثقافة العنف التي غدت من المشاهد المرضية المألوفة داخل كيان المجتمع و تتمظهر بهويات وحلل مختلفة،من قبيل العنف المدرسي ، العنف الأسري ،العنف الإداري ، العنف الاجتماعي .العنف الفكري... و غير ذلك من الظواهر المرضية التي يزخر بها المجتمع ، فيعتقد أنها ذات طبيعة اجتماعية إلا أن مرجعياتها نفسانية محض . و للعلم، و بما انها وضعيات خلل، لم تفلح التدخلات ذات المواقع والزوايا المتباينة (التربوية ،القانونية،الاجتماعية ...)من معالجتها وتصحيحها.ويعزى السبب إلى غياب الرؤية النفسانية التي تمتلك خريطة طريق تقود نحو العلة الأصل ،المتحكمة في إنتاج الوضعيات الخلل،بل العلة المغذية لجذور الخلل وأصوله .الشيء الذي يحتم تصحيح الوضعية التربوية ذات القطب الواحد ، عبر إدراج الثقافة النفسانية كقناعة ،وكوعي ،داخل النسق التربوي، لتحقيق تكامل تربوي يحقق التكافل بين القطبين الاثنين
*-القطب النفساني " أللجوس التكويني"

*القطب الاجتماعي الأخلاقي .
على اعتبار اتهما قطبين متلازمان ، شريكان في البناء .(البناء النفسي ، البناء الاجتماعي ) ولا سبيل لاشتغال احدهما بمعزل عن الأخر.
هذا ولو قدر للوعي التربوي أن يستوعب بعمق ووعي الثقافة النفسانية، ويجعلها شريكا فاعلا في مجال التنشئة لتكون ذات وجهين :
-نفسانية.
-اجتماعية.
لتغير وجه التربية ولتحسن أداؤها ، كما هو الشأن لدى الأمم المتقدمة ، التي عرفت الثقافة النفسانية الطريق مبكرا وبقوة وعمق ، نحو مجالها التربوي ،واستقرت كثابت وشريك فاعل داخل النسق التربوي تنظيرا وممارسة.

ونظرا لما حققته الثقافة النفسانية من فوائد على مستوى الأداء و النتائج ، فقد تعمق الوعي بها أكثر وازداد الاهتمام بها ،من خلال تطوير خبرتها من لدن الساهرين على الشأن التربوي ، و يرتبط نجاح وازدهار الثقافة النفسانية لدى هؤلاء بحقيقة جوهرية مفادها أن هؤلاء أدركوا قيمة و أهمية :
1- النفس كقوة .
2- الرعاية النفسية .
3- المواكبة النفسية .
و الاقتناع بعدم نجاعة و فاعلية أي تدخل تصحيحي يستبعد هذه الحقائق الجوهرية الثلاث .و هو أمر أفاد علم التربية الذي بات يجتهد لتطوير الخبرات النفسية من اجل السير بالتربية نحو الأفضل ،وهو طموح سيظل دوما يراود حكماء التربية الراغبين في وضع دستور تربوي قوي يمتلك من الأدوات والآليات والإجراءات،يتم عبرها استبطان أغوار النفس البشرية وقراءة تضاريسها الجغرافية الوعرة ،وإضاءة المناطق المعتمة المعلولة ،قصد تشخيص علاتها الكامنة وراء إنتاج الوضعيات المختلة تفكيرا وسلوكا.بهدف بناء شخصية متوازنة تؤمن بالبناء وتكفر بالهدم،انه طموح نبيل تحقق النزر اليسير منه ولازال العزم قائما ،يدفعه ،البحث الدؤوب ،المؤمن بفلسفة التشارك و التدامج ،القائمة وبعمق بين الظاهر والباطن ،المقتنعة بكلي التربيتين ،الاجتماعية الأخلاقية، و النفسانية ، و إن صح التعبير بين تربية الظاهر المعلوم و تربية الباطن المجهول.

    الدكتور محمد الصفاح