الثورة الرقمية وحرفة الأدب : الكتابة الرقمية... - محمد معتصم

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاس1-الكتابة الرقمية:
يظل فعل الكتابة ذاته في جوهره وفي غاياته القصوى. أي أن الكتابة تدوين وتخزين للمعلومات، وتسجيل للوقائع الحية، واختبار للمشاعر والأفكار. سواء كتبت على الورق باليد والقلم أو على المطابع، والآلات الكاتبة التقليدية، كما هو الحال في الواقع الورقي. أو كتبت بعد تحويلها كتابة رقمية بواسطة الحاسوب ( TXT,DOC,,,)، أو بواسطة البرامج المعروفة بالتعرف على الخطوط المرقونة ( OCR) أو بواسطة تصويرها بالكاميرات الرقمية ( JPG,BMP,,,)، أو بواسطة الماسحات الضوئية ( PDF).
لكن الفرق بين الكتابة الرقمية والكتابة الورقية يختلف من حيث التأثير على القارئ، وتغيير طرائق استقبال النصوص، وطريقة التدوين، وثبات أو حركية النصوص والخطوط، وتشعبها، وتشجيرها...أو تفاعلها مع نصوص أخرى موازية أو مجانسة بدل الحواشي والهوامش...والتظليل بدل التسطير...
2   - الكتاب الرقمي:
تتمثل هذه المتغيرات الثورية في الكتاب الرقمي الذي بدأ يشهد حضورا فعليا وفاعلا، بعد لحظة قصيرة – في الغرب – من التردد والتشكيك، كما هي حال كل جديد. وكل حال تروم خلخلة الثوابت التي اطمأن إليها الإنسان إلى درجة أنها تصبح مقدسا. وتستقر في الوعي وتتحكم في السلوك العام والخاص على السواء.
لكن الكتاب الرقمي ما يزال تنقصه الدينامية والتفاعلية. صحيح أن الكتاب الرقمي يحتوي على عدد من الكتب (النسخ الورقية المنقولة عبر الوسائل الوارد ذكرها سلفا: الحاسوب، الماسحات الضوئية، الكاميرات الرقمية، الهواتف النقالة...) خفيفة الوزن. يصل عدد صفحاتها 4000 صفحة. يسهل التفاعل معها لأنها تحتوي على معاجم لشرح المفردات وتبسيط عملية البحث والتفاعل من المضمون النصوص. وتسهل على القارئ البحث والتعليق والتظليل، ووضع "الهوامش" والملاحظات الخاصة. ويسهل الانتقال بهذه 4000 صفحة في أي مكان، وبالتالي قراءتها في كل الأوضاع. ويسهل، وهذا مهم، أيضا تحميل الكتب الجديدة عبر الإنترنيت عند الاتصال بمؤسسات مختصة. ثم هناك مسالة الشاشة البلورية المضاءة ( LCD) التي تعرض عليها النصوص، فتكسبها إمكانية القراءة حتى في الأماكن الخافتة أو المظلمة، بدل الاستعانة بالنظارات الأضواء الخارجية.


والتفاعل الذي أقصده مرتبط بتوظيف البرامج التفاعلية مثل "البوير بوانت" الذي يحول النصوص على شرائح، يمكن عرضها على الشاشة بصورة أكثر جمالية، وحركية. تتنقل فيها النصوص بواسطة الشرائح، في حالات مختلفة. تدفع العين إلى التفاعل معها. وكذلك الخطوط التي تتخذ أشكالا متنوعة وحركية.
ومن البرامج الأكثر استعمالا في بناء المواقع الشخصية، برنامج " دريم ويفر" وأيضا "فلاش إم. إكس" من ماكروميديا. وهي تمنح النصوص والخطوط والصور حيوية وتفاعلية.
ومن القضايا المطروحة على الكتاب الرقمي ، في عالمنا العربي، تكلفته المادية. وهنا يتدخل ما يعرف باقتصاد الكتاب: إنتاجه، وتوزيعه، وضمان انتشاره ووصوله إلى القارئ في صورة مقبولة...لكن التكلفة المادية مهمة جدا في العالم العربي، خصوصا في البلدان التي تصل نسبة الفقر فيها درجة محرجة، بل بعض الدول توجد بها طبقات اجتماعية "تحت" مستوى الفقر.
وهذه المعضلة تضاف إلى معضلة المعضلات؛ الأمية، والجهل بالتقنيات الحديثة. التي تحتاج إلى مجهود يتجاوز القدرات الشخصية للأفراد، بل تقوم به المؤسسات الخاصة والحكومية...
3   - المنتديات:
ما دام الكتاب الرقمي نادر الاستعمال في العالم العربي، وعلى النطاق الجماهيري الواسع والمرغوب، فإن المنتديات الإلكترونية خلقت فضاءات للحوار والإبداع وتداول القضايا الشائكة، والبسيطة على حد سواء. ومنحت "المواطن" العربي فرصة التعبير، والإحساس بالحرية. ومنحته هامشا لتأثيث فضاء الثقة بينه وبين ذاته، وعقد المصالحة بين لغته وأفكاره والعودة مجددا إلى تلمس مشاعره التي نسيها تحت ضغط الرقابة الذاتية المتولدة عن الرقابة الخارجية، و "الفوبيا" التي خلفها القمع السياسي وكبت الآراء...
لكن المنتديات كفضاءات مفتوحة على كل أشكال التعبير. وعلى كل مستويات الوعي، والثقافة، والخبرة والتجربة، تجعل التفاعل غير متكافئ. والمنتديات التي تصفحتها وتابعتها قبل كتابة هذا الموضوع أبانت عن هنات منها:
• ضعف المعرفة بفرضيات العمل الرقمي. ومن ثمة أصبحت المنتديات عبارة عن صورة طبق الأصل للسائد في المجلات والصحف بفارق مهم وهو "الوقت". أي السرعة في التفاعل وسرعة النشر، بل تحكم الشخص فيما ينشره خطا وحجما ورسما. ثم الحرية في التعبير والقول.
• التعليق على المواضيع المطروحة يجنح غالبا إلى المديح والتقريظ أو العكس، ولا يلمس الجوهري في القضايا والمسائل المعرفية. وهذا ضعف في التفاعل والتواصل.
• ميل القراء "المتصفحين" إلى التعليق على المواد "الخفيفة" والقصيرة، وتجنبهم الخوض في القضايا الأدبية والفكرية والسياسية...ولعل هذا يرجع إلى التركيبة المتنوعة وغير المتجانسة التي تتكون منها المنتديات.
• بعض التعليقات تخص "الكاتبات" دون الكتاب. وهي مهمة لو أنها تناقش النصوص الشعرية والسردية وتتحاشى التغزل في الصور. ولعل عددا من "الكاتبات" انتبهن إلى هذا فأخذت صورهن المرفقة مع المواضيع المنشورة تخرج عن المألوف. أي الصور الفوتوغرافية "بورتريهات" بطائق التعريف، وجوازات السفر...ولعل انتشار الكاميرات الرقمية وكاميرات المحمول ساعد على ذلك. ولم تعد "الكاتبة" تتورع في إرسال صورة التقطت لها في حفلة خاصة، أو في نزهة على شاطئ البحر، أو في غرفة، أو في شارع عمومي. وأخريات حجبن صورهن حتى لا يعلق القارئ إلا على النصوص المنشورة. وهذا معيق آخر أمام دخول العالم الرقمي.
وتبقى المنتديات الإلكترونية بالغة الأهمية في التعبير الحر لدى فئات واسعة من المثقفين الذين لم تتح لهم ،لأسباب مختلفة، فرص النشر على الورق، وبالتالي تبليغ أصواتهم وآرائهم إلى الناس. كما تضم المنتديات عددا من القضايا الجوهرية والهامة، المصيرية. ويكتب بها كتاب لهم مكانتهم وجهدهم الشخصي، ورؤيتهم الواضحة للعالم الجديد والقديم.
4  المواقع الشخصية:
المواقع الشخصية مهمة جدا لأسباب متعددة.
أولا لأنها شخصية وينشر بها الكاتب إنتاجه الأدبي أو الفكري وآراءه الشخصية في القضايا السياسية الخاصة ببلده والعالم، ويقدم تحليله للوقائع السياسية كذلك تحت مسؤوليته الشخصية.
ثانيا يختار قراء نصوصه، وله الحق في السماح لمن يشاء بالتعليق. لأنه لا ينشره على العموم وبالتالي يقطع الطريق أمام أولئك الذين لم تنضج بعد تجربتهم ووعيهم بالخطورة التي يتضمنها العالم الرقمي. لذلك يترك الكاتب بريده الإلكتروني، أو يضع دفترا خاصا بالزوار. أو يترك موقعه الشخصي خلوا من كل عنوان.
والموقع الشخصي له كل المقومات التي تطمح إليها الكتابة الرقمية، والصحافة الرقمية. أي أنه يتضمن الكتابة بالحروف التقليدية، لكن معها كل المؤثرات السمعية البصرية. وهنا الثورة الحقيقية والجديدة المختلفة بين الكتابة الورقية والكتابة الرقمية. لأن الموقع الشخصي يحتوي على كل المساعدات لإنشاء رواية أو قصة أو قصيدة شعرية تقرأ  وتسمع  وتشاهد  في دينامية وحركية مؤثرة وشائقة.
وأهم شيء دفعني لبناء موقعي الشخصي "التوثيق الشخصي". لقد وجدت كتابات منثورة على عدد من الصحف المجلات المغربية والعربية. وبدا مع الوقت يتراكم عددها، وبعض الصفحات اخذ لونها في التغير وظهور بقع صفراء تلطخ وجه الجريدة، كما أن عددا آخر لم اعد قادرا على الوصول إليه لأن المجلة انتقلت من بلد إلى آخر، أو توقفت. فبادرت بتعلم اللغة الأساس في إنشاء المواقع ( HTML). وقضيت في هذا الشأن حوالي أربع سنوات كانت النتيجة الموقع الشخصي البسيط. لكن الخبرة والتورط في العوالم الرقمية وسحر اللغات الرمزية والعلمية في آن.
لكن المشكلة التي تقف أمام المواقع الشخصية هي: كيف يمكن التعريف بالموقع الشخصي في عالم عنكبوتي متداخل ومتشعب، وتثبت التجربة اليومية أنه في تنامي مستمر، وتجدد لا ينتهي.
5  المدونات:
بعد المواقع الشخصية ظهرت المدونات ( BLOG) وأخذت في الانتشار كالنار في الهشيم؛ كما يقول المثل العربي. لكن فيما تختلف المدونات عن المواقع الشخصية؟
يقول مؤلفا كتاب "المدونات" ( Les Weblogs)، ينس وينتر و يسبير بلسليف. بأن هناك ، عموما، ثلاث نقط رئيسية وبارزة:
• معدل التحيين: فبعض المدونات النشيطة يتم تحيينها عدد من المرات في اليوم الواحد. خلافا للموقع الشخصي، ويسميه المؤلفات، صفحة الانترنيت"العادية"، والذي لا يحيين إلا بين الفترة والأخرى كلما جد عند الكاتب موضوع أو ما يقوله ويعرضه على القارئ الافتراضي. فالوقت والسرعة في التحيين لصالح المدونة هنا.
• العمل الجماعي: فالمدونة يمكنها أن تكون يوميتك الشخصية كما يمكنها أن تكون لغيرك ممن يقرؤون كتاباتك ويعلقون عليها. وهذه النقطة هي التي اعتبرتها شخصيا لصالح الموقع الشخصي. لكن الكاتبين يفترضان أن المشاركين في الكتابة والتعليق خصوصا يملكون الوعي والثقافة الكافيتان لتنمية الفكر وتطوير المنظور الشخصي لصاحب المدونة. ولا يضعان في الاعتبار أولئك الذين ينتمون إلى المنتديات ويعلقون على المدونات بأسماء مستعارة، وأنياب من نحاس يخربون ويتغزلون في الصور – ينظر هنا ما كتبته بولين جبران حول الرسالة الإلكترونية التي وصلتها، منشور بتاريخ 02 10 2005م – ويهملون المضمون. طبعا هذه الظاهرة لا تحجب عنا الجدية في العديد من الكتابات والجرأة أيضا. لعل الوقت كفيل بإصلاح ذلك.
• سهولة إضافة المواضيع، ونشرها. فإذا كان الموقع الشخصي يتطلب من صاحبه معرفة باللغات الأساس في معالجة المواضيع وإرفاق الصور والمقاطع الموسيقية...فإن المدونة لا تلزم الشخص بهذه المعرفة المضنية. بل يجد صاحب المدونة المعدات الكافية التي تنوب عنه في ذلك.
ويقدم الكاتبان في مؤلفهما إمكانيات عديدة للراغبين في امتلاك مدوناتهم الخاصة. ويعرفانها بأنها (المدونة) يوميات منشورة على شبكة الإنترنيت. وبالتالي فهي مفتوحة على كل المضامين وكل اشكال التعبير. والأهم فيها أنها ترتب مواضيعها حسب التواريخ. ومن هنا ربما قورنت باليوميات ( Journal).
5  مدونة الصور:
وتعرف باسم ( Photoblogs)، وهذه تمكنك من التقاط الصور الرقمية وبواسطة الكاميرات الرقمية المنتشرة الآن، أو بواسطة الكاميرات الرقمية المدمجة بالهواتف المحمولة ثم تبادلها مع الأصدقاء الواقعيين أو الافتراضيين عبر العالم، ومن خلال خيوط شبكة الانترنيت. وتتلقى أيضا تعاليق واقتراحات...يضاف إلى كل تلك الإمكانيات التي أصبحت يوما بعد يوم ترسخ واقعية الكتابة الرقمية وتبرز أهميتها وحتميتها، الفضاء الشخصي ( Espace perso) الذي تحصل عليه عند تسجيل بريدك الإلكتروني، ومعه في الوقت ذاته فضاء الصور (مدونة الصور) الخاص بك.
هل لعالم الافتراض من حد؟ شخصيا لا أعتقد. لكنني أتساءل إلى متى ستصمد الذات العربية أمام هذه الثورة؟ وهل البرامج هي التي تستعصي علينا أم أننا نحن من نستعصي على البرامج بكل تلك التركيبة والتراث المخزونين في أعماقنا؟